وصية الخيرات لأمير القلوب رحمه الله
الساعة تشير إلى العاشرة مساءً موعد الغبقه الرمضانية التي دعاني إليها احد الأصدقاء ,ولأنه مضى زمن لم التقي فيه لارتباطات كل منا الخاصة و مع إصراره لبيت دعوته ,وعلى عجالة أعددت نفسي و حيث إن الغبقات الرمضانية تميز الشعب الكويتي الكريم ففيها تتجلى صور المحبة و التواصل و التراحم و الألفة.
وصلت متأخرا بعض الشيء حيث يكتظ المكان بالمدعوين على اختلاف مشاربهم ومن كافة الأطياف ,تعلوا الوجوه الابتسامات وفي النفوس صفاء الشموس وفي القلوب نقاء الماء الزلال.
استقبلت كغيري بحفاوة و ترحيب ,وفي المكان تزاحمت الأرواح تبث ما بها من شوق و حنين و حب و إعجاب و عتاب و أمنيات.
شاءت الصدفة أن يجلس بجانبي الأخ أبو ناصر أو حمامة المسجد كما يطلق عليه لكثرة تواجده بالمسجد ,وفي أثناء مجاذبتنا الحديث اخترق همسنا صوت أبو خالد الجهوري بسؤاله أبو ناصر عن ولده قائلا :بو ناصر بشر شصار على ولدك ,لقيت له قبول بالخارج ؟
رد أبو ناصر بهدوئه المميز وبصوته الممزوج بالشجن :أبشرك يا بو خالد ولدي و الحمد لله يدرس بالجامعة الأمريكية هنيه بالكويت ,وعسى الله يرحم جابر الأحمد و لا يحرمه الأجر و الثواب و يجزي ورثته كل خير.
وما أن انتهى بو ناصر من إجابته حتى خيم السكون على الحضور وسط ذهول الغالبية ,وداهمني الفضول كغيري من الحضور لمعرفة ما دخل الشيخ جابر رحمة الله وورثته بدراسة ولده ,وسألت بو ناصر فأجاب أن ولده اخبره أن لديهم في الجامعة منح دراسية للمتفوقين المتعثرين بسداد الرسوم و الذين أتموا سنة دراسية كاملة داخل الجامعة ,وبما أن ولدي تنطبق عليه الشروط تقدم و تم قبوله من ضمن المنحة وهو يدرس ألان على نفقة الشيخ جابر رحمه الله.
وهنا ردد الحضور بلسان واحد ما هي غريبة عليه الله يرحمه شيخنا حي ميت حننا بقلبه ,وتدخل أبو عبدالرحمن في الحديث و قال :يا جماعة ها للي سمعتوه من بو ناصر غيظ من فيظ ,أنا يسولف لي احد النواب أن الشيخ جابر رحمة الله أوصى بثلث ما يملك لأعمال الخير ,وقاموا أبنائه بتنفيذ هذه الوصية و أسموها ( وصية الخيرات ) وخصصوا لها مكتب وتقوم بأعمال كثيرة.
ومن فرط الفضول و الحب لشيخنا رحمه الله توجهت بالسؤال لأبي عبدالرحمن إن كان يعرف ماذا يقدم هذا الكتب و الحضور جميعا يشاركني هذا السؤال حيث رددوه معي فقال أبو عبدالرحمن نعم ,وعدد مآثر كثيرة و خدمات جليلة ,والجميع يتابع باهتمام بالغ و أنا اردد في صدري كم أنت كبير يا جابر الخير ,رحمك الله يا شيخنا ,اللهم اجعلها في ميزان أعماله.
ومن هذه الإسهامات التي عددها أبو عبدالرحمن :(1) منح دراسية داخل الكويت من خلال الجامعات الخاصة. (2) طباعة المصحف الشريف و توزيعه. (3) إفطار صائم على مستوى العالم الإسلامي و العربي بما فيهم الكويت و الخليج. (4) بعثات حج سنوية لكافة أبناء الشعب و من مختلف الأطياف موزعة على الحملات المتميزة و المصنفة من قبل وزارة الأوقاف. (5) بناء مركز المغفور له الشيخ جابر الأحمد لغسيل الكلى بمحافظة الجهراء من أربعة ادوار مقسمة ما بين أطفال و رجال و نساء و إدارة. (6) دعم الجهات و الجمعيات الخيرية و مرضى السرطان و التوحد و متلازمة الداون و المعاقين.
وهناك أمور أخرى و الكلام لأبي ناصر لا تحضرني الآن علما بأن أبناء الفقيد يتابعون هذه الأعمال بشكل دائم و مستمر.
انتهى أبو ناصر من حديثه و أنا أقول في نفسي لله درك يا أمير القلوب و آسرها ,فلم تأتي محبة الناس لك من فراغ ,شملت بعطفك الصغير و بجود كفك و عطائك أيضاً الكبير ,فكما كنت كبيراً في حياتك فأنت كبير في مماتك ,و هنا يحق قول الشاعر :
علـــــوٌ فـــــي الحيـــــاة وفــــي الممــــات
لعمـــــري تلــــك إحــــدى المكرمــــات
نعم ذلك هو جابر الأحمد الرمز الذي غرس طباعه و خصاله التي جبل عليها فورثها وورّثها ,حتى اهتدى بهداه سائر القوم ,فها هم الأبناء يحذون حذو أبيهم رحمه الله ,فهم حقا أشبال من ذاك الأسد ,آمنوا بمبدأ أبيهم و ساروا على نهجه و لبوا رغبته فكان هذا المكتب الذي امتدت فضائله لتعم أرجاء الكويت الحبيبة ,معيناً للمحتاج و منبعاً ينهل من روافده الفقراء و المرضى و أبناء السبيل و طلاب العلم.
رحمك الله يا جابر الخير و الفضل و الإحسان ,يا أمير القلوب و آسرها.
رحمك الله يا رمز الكويت و يا حبيب شعبك و قدوتهم.
رحمك الله يا أبا الفقراء و اليتامى و الأرامل و المعاقين و طلاب العلم و أهل الحاجة ,فلم تنسهم يوماً قط ,فقد كانوا احد أهم ما يؤرقك.
رحلت جسداً وبقيت مدرسة تقتدي بها الأجيال ,ونتعلم منها كل معطيات الفضيلة و البر و الخير و الإحسان ,وضربت أروع الامثله في علاقة الحاكم بشعبه و من قبلهم بربه ,وعملت لآخرتك كما كنت تعمل لدينك و دنياك و ترجمت حقيقة أن الأجساد تفنى و تبقى الأفعال و الأعمال.
نعم يا جابر الخير ,,, نعم يا أمير القلوب.
رحلت جسداً و بقيت محيطاً خالداً زاخراً بالعطاء ,وراية خفاقة في سماء الخير و البر و الإحسان.
رحلت جسداً وبقيت كفاً حانية لن تنسى مع الأيام و لن تمحى من الذاكرة.
رحلت جسداً و بقيت جابر الأحمد الرقم الصعب و الأمير الرمز الذي كتب سيرته و أسمه بأحرف من نور.
نم هانئاً يا سيدي الكريم و يا شيخنا الجليل في مثواك الأخير ,فأنت من علمنا تواضع العظماء و عطف الرحماء وكيف يكون العطاء و إننا سائرون و يبقى الوطن.
اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرحمك بواسع رحمته و يحشرك مع النبيين و الصديقين و يجزي أبناؤك خير الجزاء و عظيم الأجر و الثواب.
ملاحظة : الموضوع منقول.