السلام عليكم ورحمة الله
قرأت المشاركة الموضوعة في أول هذا الموضوع , ثم بعد ذلك أنزلت رسالة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى وهي المسماة ( الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب وعلى جريان الشمس والقمر وسكون الأرض ) وقرأتها بالكامل ووقفت على معاني الكلام للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى رحمة واسعة ولابد من وقفات مهمة في هذا الكلام.
1- هذه الرسالة قديمة جدا , لأن الرسالة كانت حول بيان جواز صعود الإنسان وبلوغه القمر أو غيره من الأجرام السماوية أم لا , أي أن الكلام الموجود فيه كان عند ذهول العالم من وصول الإنسان إلى القمر , وقد أثبت الشيخ رحمه الله تعالى بأن هذا غير ممتنع في الشريعة لعدم وجود ما يعارض ذلك بل الأدلة على جواز ذلك واضحة , وهذا سبق ليس لي دين فيه قدم أو نصيب.
2- هذه الرسالة كانت موجهة لمن ينكر جريان الشمس أصلا ولم تكن الأرض هي موضوع المبحث , ولهذا فقد شدد تماما على من ينكر جريان الشمس أو القول بوقوفها وهذا الذي كفر قائله دفاعا عن الشريعة والنصوص القاطعة في ذلك , وكلامه صحيح لا إشكال فيه ولا غرابة فالنصوص الدينية مع الأدلة الحديثة قد اثبتت ذلك , إذا فالدعوى بأن الشيخ قد كفر من يقول بدوران الأرض كذبة على الشيخ لا تثبت من كلامه بل وقد صح عنه نفي مسألة تكفير معتقد دوران الأرض كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى.
3- لم يعارض الشيخ ثبوت الحقائق بالأدلة العلمية الحديثة ولم يجعلها في وادي والنصوص الدينية في واد , بل لقد اعتمد قول من تأكدت عنده الأدلة العلمية على ثبوت حقيقة فقال كما في صفحة 11 (( ...ولا يجوز أن يقال بامتناع ذلك إلا بدليل شرعي صريح يجب المصير إليه , كما أنه لا يجوز أن يصدق من قال إنه وصل إلى سطح القمر أو غيره من الكواكب إلا بأدلة علمية تدل على صدقه )) انتهى , وهذا يعني أنه لا يعارض العلم ولا إثبات الحقائق بالأدلة الدامغة على ذلك , وهذا ينقض من يقول بأن الشيخ يعارض العلم الحديث , فالمنهج العلمي الصحيح معترف به ولا يتضاد مع العلم الشرعي أبدا.
4- الشيخ رحمه الله قد أنكر فعلا دوران الأرض وهذا خطأ منه غفر الله له في هذه المسألة بالذات على الرغم من أنه أصل الأصل الثابت وهو إثبات مثل هذه الحقائق بالأدلة العلمية التي تدل على صدقه , وهذا يعني أنه لم يتوفر في يديه مثل هذه الأدلة العلمية في ذاك الوقت لكي يثبت ذلك , ولو توفرت لتغير قوله بناء عليها , وقد قال في رسالته ما نصه (( وأما من قال إن الأرض تدور والشمس جارية فقوله أسهل من قول من قال بثبوت الشمس , ولكنه في نفس الوقت خطأ ظاهر مخالف للآيات المتقدمات وللمحسوس والواقع ووسيلة للقول بعدم جري الشمس فقد أوضح الله في الآيات المذكورات آنفا أنه ألقى الجبال في الأرض لئلا تميد بهم والميد هو الحركة والإضطراب والدوران كما نص على ذلك علماء التفسير وأئمة اللغة وفي تكفير قائله نظر لأن الأدلة الواردة في ثبوت الأرض وسكونها وعدم دورانها ليست في الصراحة كالأدلة الواردة في جري الشمس وعدم سكونها , ولأن القائلين بدوران الأرض قد أوردوا شبهات توجب التوقف في كفر قائله للأدلة الصريحة بذلك ))انتهى , وهذا يعني أن الشيخ رحمه الله قد استمع إلى بعض الكلام في هذا الشأن لم يرتقي عنده إلى درجة الدليل لكي يثبت هذه الحقيقة وفي نفس الوقت لم ينفي كون إثباتها ممكن لأن الأدلة القرآنية في هذا الشأن ليست صريحة في النفي , وهذا تأصيل لمنهجه في الحكم على من خالف النص القرآني كما حكم على منكر جريان الشمس بالكفر.
5- قد وردت في الشبكة الإسلامية كلام بخصوص هذا الشأن عبارة عن أجوبة عن مسألة دوران الأرض , وقل ابن باز بها رحمه الله تعالى وكان من نص جوابهما مثل ما تقدم
----------------------------------------------------- فتاوى الشبكة الإسلامية -------------------------------
الفتوى الأولى من هنا
رقـم الفتوى : 12870
عنوان الفتوى :كتاب الله لا ينفي دوران الأرض
تاريخ الفتوى :06 ذو القعدة 1422 / 20-01-2002
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا أعملمدرس اجتماعيات وحصلت معي حادثة مع أحد الطلاب عندما كنت أشرح درس دوران الأرض, فقداعترض هذا الطالب على أن الأرض تدور مستندا الى الآية الكريمة الواردة في سورة يس (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) .صدق الله العظيم,فأرجوا منحضرتكم أن ترسلوا لي معنى هذه الآية الكريمة , وماذا يقول الدين الإسلامي بخصوصدوران الأرض ,وجزاكم الله كل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أمابعد:
فقبل الجواب نذكر بقاعدة عظيمة لأهل العلم وهي: أن قطعي الوحي وقطعي العقل لا يتعارضان، فقطعي العقل يؤيد قطعي الوحي، ولذا ألف شيخ الإسلام ابن تيميةكتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) في (11) مجلداً فإن حدث تعارض بين العقل والنقل فالقطعي منهما يقضي على الظني، وإن حدث تعارض بين ظني الوحي وظني العقل فظني الوحي مقدم، حتى يثبت العقلي أو ينهار.
ودوران الأرض حول نفسها، ثم حول المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية بأكملها حول المجرة، كل ذلك أضحى حقيقة علمية، فدوران الأرض حول نفسها ينتج منه الليل والنهار، ودوران القمر حولها ينتج منه الشهر القمري، ودوران الأرض حول الشمس ينتج عنه الفصول الأربعة، فهل هذه الحقيقة العلميةتعارض نصوص القرآن أم تؤيدها.
إذا نظرنا إلى قوله تعالى ( والشمس تجري لمستقرلها ذلك تقدير العزيز العليم) [يس:38] وقوله تعالى ( وهو الذي خلق الليل والنهاروالشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) [الأنبياء:33] وقوله تعالى ( وسخر الشمس والقمركل يجري إلى أجل مسمى ) [لقمان:29] فهذه الآيات تدل على جريان الشمس والقمر وبقيةالأفلاك، أما ما يدعيه بعض الناس من أن القول بدوران الأرض لا يتفق مع القرآن فليسمع أصحاب هذه الدعوى حجة ولا دليل، أما قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُالْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُرَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر:64](أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [النمل:61] (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَافِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [الأنبياء:31]
فهذه الآية تدل على أن الأرض قرار بالنسبة لنا وهذا ما نشعر به، ولكنها في ذاتها تدور وتسبح، ولا تعارضبين هذا وذاك. وكون الأرض تدور لا يفيد أنها تضطرب، فاضطراب الأرض منفي بكتاب الله حيث وصفها بالقرار وثبتها بالجبال الرواسي حتى لا تميد وتضطرب بمن عليها، وخذعلى ذلك مثلاً مشاهداً: فالسفينة التي تسير في البحر إن كانت خفيفة لعب بها الموج واضطربت يمنة ويسرة، فإذا وضعت فيها الأثقال امتنعت عن الميلان والاضطراب فثبتت و رسخت مع أنها متحركة.
ثم إذا كانت الشمس تجري والأرض قابعة مكانها لا تدركها ولا تدور معها لبقينا بلا شمس، وإذا كان القمر الذي أثبت الله سباحته في كتابه يسير والأرض باقية لبقينا بلا قمر…
فالثابت -فعلاً- أن الكون يسبح ويتحرك، هذا ماأثبته العلم، وليس في القرآن ما ينفيه أبداً.
رقـم الفتوى : 59419
عنوان الفتوى :ابن باز وابن عثيمين ودوران الأرض والشمس
تاريخ الفتوى :18 محرم 1426 / 27-02-2005
السؤال : أصحيح أن الشيخين ابن باز وابن العثيمين رحمة الله عليهما أفتيا بعدم دوران الأرض وأن الشمس التي تدور حول الأرض ومن قال غير ذلك فقد كفر؟ وإن كان صحيحا كيف يمكن أن يسمح علماء أجلاء كابن باز وابن العثيمين المسموعين في العالم أن يجعلون شبهة كهذه على القرآن الذي لا يتضارب مع العلم؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعلامتان ابن باز وابن عثيمين رحمة الله عليهما عالمان شامخان من علماء العصر الأجلاء الحريصين على نصرة الحق وقمع الباطل والبدعة والضلال ونشر عقيدة السلف الصالح. وأما ما نسب إليهما من تكفير من قال بدوران الأرض فإنه من التلفيق والكذب والطعن فيهما، وقد رد العلامة ابن باز على من ادعى ذلك فقال: أما ما نشرته عني مجلة السياسة من إنكاري هبوط الإنسان على سطح القمر وتكفير من قال بذلك أو قال إن الأرض كروية أو تدور فهو كذب بحت لا أساس له من الصحة، كما أني قد أثبت في المقال فيما نقلته عن العلامة ابن القيم ما يدل على إثبات كروية الأرض أما دورانها فقد أنكرته.. ولكني لم أكفر من قال به وإنما كفرت من قال إن الشمس ثابتة غير جارية لأن هذا القول مصادم لصريح القرآن والسنة المطهرة. اهـ.
وكذلك نفى العلامة ابن عثيمين دوران الأرض ولم يكفر من قال به كما في فتاواه. والسبب في عدم قولهم بدوران الأرض هو عدم صحة الدليل النقلي عندهما في ذلك بالإضافة إلى ظنهم أن إثبات دوران الأرض مجرد نظريات قابلة للنقض. ولا شك أن دوران الأرض حول نفسها ثم حول المجموعة الشمسية بأكملها حول المجرة أصبح حقيقة علمية ثابتة، وراجع الفتاوى ذات الأرقام: 12870، 26538، 22383. واعلم رحمك الله أنه ليس من شرط العالم أن لا يخطئ والكمال عزيز فلا نغلوا فيهما وندعي لهما العصمة ولا نجفوا عنهما بتتبع زلاتهما التي لم يسلم منها بشر وكفى بالمرأ نبلا أن تعد معايبه، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل مجتهد مأجور كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن العاص في الصحيحين: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. قال أبو محمد ابن حزم: عموم لكل مجتهد لأن كل من اعتقد في مسألة ما حكما فهو حاكم فيها لما يعتقد هذا هو اسمه نصا لا تأويلا لأن الطلب غير الإصابة وقد يطلب من لا يصيب على ما قدمنا ويصيب من لا يطلب فإذا طلب أجر فإذا أصاب فقد فعل فعلا ثانيا يؤجر عليه أجراً ثانيا أيضا. اهـ. من الإحكام.
والله أعلم انتهى
-----
أقول رحم الله الشيخان رحمة واسعة واسكنهما الفردوس الأعلى جراء إنفاق حياتهما في علوم الدين ونشر التوحيد وقمع البدعة , وفي هذه المسألة نقول أصابا أجرا واحدا وإن كان الإثبات بالدليل العلمي الغير قابل للتغيير هو من سمت منهجهما كما وضح ذلك الشيخ ابن باز رحمها الله تعالى كما تقدم
والحمد لله رب العالمين
.