يا ولدي، ماذا ينتظرون بعد أن أزهقت الأرواح؟

نظر لي ذلك الطاعن في السن وقال «يا ولدي، ماذا ينتظرون بعد أن أزهقت الأرواح؟». سألته «من هم يا عم؟» نظر لي مرة أخرى وقال: «من بهم ولو ذرة واحدة من كرامة».
نعم يا عم، ماذا ينتظرون؟ وماذا بعد القتل تحت التعذيب؟ هل ينتظرون أن تصل الأمور إلى القتل على حسب الهوية؟ أم ينتظرون إلى أن ينتقل القتل من غرف الأجهزة الأمنية المغلقة إلى ساحات الميادين ونقاط التفتيش؟ هل ينتظرون حتى يصبح القتل تحت التعذيب بالجملة وليس بالمفرق؟ أم ينتظرون أن يتقاتل الناس في الشوارع دفاعاً عن النفس والكرامة؟ لا أعلم ما الذي ينتظرونه حتى يقفوا مواقف عز وكرامة في قاعة عبدالله السالم دفاعاً عن المواطنين. كنا نصرخ بأعلى صوت لدينا، قفوا دفاعاً عن كراماتنا، والآن نصرخ بأعلى صوت لدينا، قفوا دفاعاً عن أرواحنا، والخوف، كل الخوف، أن نصرخ غداً بأعلى صوتٍ لدينا، قفوا وقفة عز دفاعاً عن إنسانيتنا وآدميتنا، فحكومتنا وأجهزتها الأمنية للأسف لا تعترف بذلك.
كان الله في عونك وعون كل من يحترق قلبه لما وصلت إليه هذه البلاد من سوء. انهم، يا عم، يسيرون كما هو مخطط لهم، يعملون حسب مخطط واضح الملامح ولا مخططات بروتوكولات حكماء صهيون، ينفذون المهام بالمليمتر المربع لا زايد ولا ناقص. بدأوها بتهجم لفظي على بعض النواب، وعدت. أتبعوها بتخوين فئات من الشعب الكويتي وتخوينها وشتمها، وعدت. اعتدوا على مواطنين ونواب عزل في ندوة سياسية، وعدت برداً وسلاماً. ووصلت إلى إزهاق روح مواطن تحت التعذيب، ودلائلها، حتى الآن، تشير إلى أنها سـ«تعدي» كما عدت جميع الكوارث السابقة، والفضل والمنة لبعض نواب الأمة المتخاذلين، ومن أمن العقوبة لا بد وأن يسيء العمل، وهم خير من يسيء العمل.

نعم يا سعادة وزير الداخلية، أنا ممن يعتقدون أنك كنت مغيباً بالفعل عما جرى في الأحمدي، وأن هناك من «لبسّك العمّة» كما يقولون، ووضعك في موقف لا تحسد عليه وأنت تتلو بيان الزور والبهتان دفاعاً عن بعض العناصر الفاسدة في الداخلية، ولكن ذلك كله لا يعفيك من تحمل المسؤولية السياسية المباشرة، فوزير تسند إليه مسؤولية وزارة مهمة مثل وزارتك ويجهل تفاصيل أهم أحداثها الدموية، هو وزير لا يستحق البقاء دقيقة واحدة في وزارته. قدمت استقالتك، وتلك شجاعة، ولكن الشجاعة التي لا تستمر ولا يصر عليها صاحبها تتحول إلى تراجع وتقهقر وجبن. فلا تتراجع وكن شجاعاً واعتذر من عائلة «الشهيد» محمد غزاي المطيري، وتمسك باستقالتك، لعلك بذلك تكفر ولو قليلاً من ذنوبكم تجاه ذلك المواطن المغدور. ولعل وعسى أن تستيقظ كرامة بعض نوابنا ليعلموا أن «الانتصار» للأمة أفضل بكثير من «الانتظار».

محمد البوعزيزي، أشعلت جسدك المتعب فاشتعلت ثورة الشعب ضد الطغيان والفساد والاستبداد. رحمك الله ورحم الله محمد غزاي المطيري الذي أزهقت روحه فكشفت كوارث التعذيب في زوايا وأركان ومخابئ أجهزتنا الأمنية.

للكاتب سعود عبدالعزيز العصفور
 
أعلى