إلى أول وأهم رجل في حياتي :
أكثرُ ما يؤلمني هو مقدرتي على نظم بيتين أو أكثر في أي موضوع كان
إلا عندك.. فإن حروفي تتلعثم وتعتذر مني القوافي ، وتصيبني حالة تأتأة شعرية لا علاج لها !
على كل حال لا أحتاج تلك المحاولات الشعرية لأقول لك أني ..
أُحبك يا أبي ..
كنتَ ولا زلتَ رجلَ حياتي الذي لم ولن أرى له مثيلاً أبداً
وأنا أنظرُ إلى يديَّ قبل قليل تذكرتُ تلك الليلة ، ودعوتُ الله أن يمُدّ في عمرك ويُبارك لك في صحتك ويُسعدك ما حييت ،
تلك الليلة الصيفية الرطبة ، عندما خرجت من الديوانية مودّعاً ضيفاً ثقيلاً
كان قد استعمر مجلسك منذ صلاة المغرب وحتى منتصف الليل !
أوصلتُه للباب ونظرتَ حولك فوجدتَ تلك المخلوقات الصغيرة مُنتشرة أينما رحلت ونزلت عيناك ،
صغيرةٌ حقاً لدرجة أن أكبرها ناضلَ بشدة ليصلَ إلى ما يقاربُ المترَ طولاً !
تتقافز وتصيح وتحدُجك بأحداق تلتمعُ براءة وحيويةً وشغبا
ولم تكن مذنباً عندما لم تستوضح حالنا بدقه .. فإن " مصباح " النيون " الوحيد هناك كان مُثخناً بطعنات الظلام ،
ونورهُ يحتضرُ بتفانٍ لافظأً أنفاسه الأخيرة في أحضان الزوايا الباهتة لمرتع اللهو المُسمى " الحوش"
لم تُكمل طريقك المؤدي إلى غُرفتك ،
ولم تحقق وصلاً مع الوساد توسّلَ رأسك المُترنح تعباً من أجل أن تحققه له ، بل وقفت وتأملتنا وبعدها
جاءت الكلمات تزهو بصوتك الدافئ الحاني حتى تكادُ تتيهُ على باقي الكلمات في كل اللغات ..
فقط لأن اختيارك وقع عليها لتقولَ أمرا ما
" منو جوعان يجي معاي نروح المطعم ؟"
ما كِدتَ تنتهي من كلامك حتى أقفرَ الحوش بسرعة من تلك المخلوقات ! وغصّت السيارة بـ 6 أطفال !
على بعضهم تلوحُ سيماء الشّره وآثارُ السُمنة
واثنان منهم وجدَ الهُزالُ والضعفُ فيهما مأوىً ومسكناً
مازلتُ أذكرُ نظرة الدهشة في عينيك عندما فضحت أنوارُ المطعم حالنا وعرّت فعلتنا وكشفت سرنا
وجوهٌ وأيدي مضمّخةٌ بكل لونٍ شينيٍّ و قلم حبرٍ سائلٍ وجاف غنمناهُ من الإغارة على خِزانة أمي التي تحتفظ فيها بأدوات القرطاسية
لا عَجَبَ ان رُوّادَ المطعم والعاملين فيه افترسونا بأعينهم فقد كنّا كالقافزين من إحدى لوحات بيكاسو
تلك اللوحات صاخبة الألوان كثيرة الخطوط والأشكال بلا معنىً ولا هدف واضحٍ إلا لفت الأنظار وإثارة الناظرين
أُشفقُ عليك الآن عندما أتذكر .. كان موقفاً لا تُحسدُ عليه ، وما أكثرَ إحراجاتنا الكارثية لك ! وما كان أَصْبرَكَ علينا !
أحبُك يا أبي وأحبُّ حُلمَك ونظرتك الإيجابية للحياة
لم أجد من يُبسِّطُ الأمور مهما كانت مُعقدة كما تفعل أنت
لم أجد مثلك من يزمجرُ على أحدنا إذا أخطأ ، حتى إذا غاب " المغضوبُ عليه " عن ناظريك
اكتسى وجهُكَ بالإشراق بسرعة واتّشحَ بابتسامة عريضة
وتعالى صوت ضحكاتك المُغمّسة بجملة " شرايكم فيني أخوف صح ؟"
كثيراً ما تفكرتُ في حظي ونعمة الله عليَّ التي برأتني من صُلبكَ أنت
أنت الوَرِعُ المُثَّقفُ المُهذَّبُ المرحُ البشوشُ كريمُ الخُلُق واليد
يا طويلُ القامة وعاليَ الهمة والهامة .. بسببك أنت مازال الطولُ في نظري يعني الرجولة الكاملة
يا ذا الحس والذّوْق المُرهف .. كلما أثنى عليَ احدهم وددتُ لو أني آخذُه من يدهِ
ليتلوَ بخشوعٍ كلمات الثناء والمديح تلك أمامك ولك فأنت من يستحقها ..
انت من صقلني صقلاً
وعلمني كُلَّ ما أنا عليه وما سأكونُهُ يوماً
أحبك يا أبتي
يا من لا تُشبهُ أحداً ولا أحدَ يُشبهك