يتذمر الكويتيون دائماً من حال البلاد والعباد وما آلت إليه أحوالهم. ويتفننون في إبراز سلبيات الإدارة ومساوئ البيروقراطية وخطورة البطالة وكارثية المد الديني المتطرف، ومكر المذهبية، ومؤامرات التغريب. ويعبرون عن عدم رضاهم عن أعضاء مجلس الأمة، ووزراء الحكومة، وقرارات الدولة، والمعونات الخارجية، وإسقاط ديون العراق، وعن "رموز" الفساد، وطوابير الإسكان، وأسعار السلع الرئيسية والكماليات، وأسعار مكالمات الهاتف النقّال، والقطع المبرمج للماء والكهرباء، والعلاج بالخارج، ضمن أمر أخرى كثيرة لا تُعد ولا تُحصى.
وإذا تركنا جانباً أحوال المعاش للفرد الكويتي من سكن أو قروض أو غلاء، وركزنا على الجانب الإجتماعي والعقائدي والفكري، فإننا سوف نصاب حتماً بالرعب، وليس بالخوف وحده، على مدى التنافر المسيطر على النسيج الإجتماعي الكويتي والذي يحمل الأساس العقائدي أو العرقي أو الطبقي. فالكويتيون متنافرون على مستويات عدة، بل هم في الحقيقة متخاصمون على مستوى الجماعات الإجتماعية والتي تميز نفسها إما عرقياً أو طبقياً أو مذهبياً والتي تلقي بظلالها على تصرفات كثيرة على مستوى الأفراد.
وبسبب هذا التنافر، فإن التذمر على المستوى الفردي على الخصوص، والذي يعكس بالضرورة ما يدور خفية في داخل تلك الجماعات الإجتماعية، يتركز على مهاجمة تلك الجماعات المختلفة عنه عرقياً أو مذهبياً أو طبقياً. بل يتعدى الأمر إلى إلقاء اللوم تماماً على تلك الجماعات لما هو مشاهد من تدني الرعاية السكنية أو الطبية أو فرص العمل أو غيرها من مظاهر الإشكالية الكويتية. فليس غريباً، على المستوى الفردي بين الأشخاص، أن نسمع من يلقي اللوم على الكويتيين من ذوي الإصول الإيرانية والذين هاجروا إلى الكويت في فترات متفاوتة، ليحملهم زيادة عدد السكان ومشاركة أهل الكويت "الأصليين"، كما يصفونهم، في خيرات الكويت. وليس غريباً، على المستوى الفردي بين الأشخاص، أن نسمع من يلقي باللائمة على "البدو" الذي أتوا مهاجرين بعد إكتشاف النفط وليحصلوا على الجنسية الكويتية في أواخر فترة الستينات والسبعينات وليشاركوا أهل الكويت في خيراتها. وليس غريباً أن نسمع على المستوى الفردي بين الأشخاص، من يتهم الشيعة في وطنيتهم وولائهم لهذا الوطن. وليس غريباً أيضاً أن نسمع من يتهم الأفراد ذوي الإصول القبلية بذلك. وليس غريباً أيضاً أن نرى من يتهم تجار الكويت وشيوخها كلهم بلا إستثناء بالفساد والإستحواذ على ثروات الكويت والإستئثار بها من دون الشعب الكويتي. وليس غريباً أن نشهد، على المستوى الفردي بين الأشخاص، ذلك الصراع المذهبي والذي يفوح منه رائحة التحرق شوقـاً إلى "تصفية" ذلك الآخر المختلف عنه والمشارك له في المواطنة. ليس غريباً أن نشهد ذلك الصراع العرقي والذي يهدف إلى سيطرة عرق معين على مركز سلطة أو جهة إتخاذ قرار.
هذه الإمور والتي أصبحت للأسف مألوفة عندنا في الكويت ما كان لها أن تحدث لولا أن الكويتيون أنفسهم لهم الإستعداد الذهني والنفسي للقبول بها. ما كان لها أن تحدث لولا أن لنا الإستعداد للمشاركة فيها وتفعيلها.
هذا الإستعداد الذهني والنفسي للمشاركة والتفعيل فيما سوف يفتت النسيج الإجتماعي الكويتي مستقبلاً هو أشد أنواع التهديدات التي تواجه الكويت على الإطلاق. إنها أخطر أنواع الأسلحة الفتاكة والتي من الممكن أن تهدم كيان دولة من أساسها ومن الداخل وبدون الحاجة إلى أي تهديد خارجي. التاريخ الحديث يصفعنا كلنا بهذه النتيجة الحتمية.
الأفراد في أي مجتمع، وعندما تكثر مواردهم أو موارد دولتهم كما هي الحال في الكويت اليوم، يكونون مشغولين بالضرورة في زيادة مدخولهم الشخصي وتحسين وضعهم المعيشي. تلك الراحة الإقتصادية النسبية تجعلهم حريصين على مصالحهم الآنية من التهديد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تلك الراحة الإقتصادية النسبية تتيح لهم الوقت الكافي إما للتفكير أو تحسين الوضع الفكري أو خوض صراعات متعددة المحاور. ولكن الأمر سوف يختلف تماماً في حال نضوب المورد الرئيسي للثروة الكويتية، النفط. وبما أن لا شيء يحدث فجأة، لأن حكومتنا لن تفيق صباحاً لتفتح صنبور النفط لتتفاجأ بنزول بضع قطرات فقط، ولكن كل شيء يحدث بالتدرج وكدورات إقتصادية ذات قمم وقيعان، فإن مقدمات نضوب النفط (أو ربما الإنخفاض الشديد في أسعاره كما حدث بعد حرب 1973 وإرتفاع أسعاره إلى أرقام قياسية غير مسبوقة ولينتهي بعد ذلك سعره إلى أقل من 10 دولارات في نهاية الثمانينات) سوف يشعر بها المواطنون الكويتيون بالتدريج على مدى السنوات أو العقود القادمة لا محالة. هذا يستدعي بالضرورة إعادة هيكلة جداول الرواتب والمنح والقروض والدعم والتسهيلات الحكومية للكويتيين بسبب عدم كفاية موارد الدولة لتحمل هذه الأعباء. بل حتى الإستثمارات الكويتية والتي يعول عليها الكويتيون لإستمرار نمط حياتهم الإستهلاكي الحالي لن تكفي أصلاً حتى لسد جزء من ميزانية الكويت لبند الرواتب دع عنك ما سواها. حالة التدني في مستوى المعيشة هذه هي سوف تكون الشرارة الأولي والتي من المحتمل أن تشعل الحريق الطائفي أو العرقي أو الطبقي في الكويت. هذا إذا إستثنينا أيضاً ذلك الحراك الحزبي العقائدي المشبوه والذي يدور تحت غطاء جمعيات النفع العام لتعميق الخلاف الطائفي والعرقي بين المجتمع.
هذا سوف يحدث، ولا مجال لإنكاره. أسعار النفط قابلة للزيادة ولكنها قابلة للنقصان أيضاً، وكما زادت سوف تتراجع لا محالة. النفط مورد ناضب، وسوف ينضب لا محالة، خلال 35 أو 40 سنة كما يعتقد البعض أو خلال 60 سنة أو أكثر قليلاً، ولكنه في النهاية سوف ينضب. ومن سوف يبقى هو ذلك النسيج الإجتماعي والذي نرى اليوم معاول الهدم فيه على أكثر من محور. فالقبلية أصبحت فوق مستوى المواطنة، بل إن أفراد القبيلة الواحدة متصارعون على مستوى الأفخاذ، وهم كلهم في مواجهة الكويتيين الآخرين. والأسوأ أنهم يربون أبنائهم على ذلك، وكل من سواهم يتفرج بسلبية تثير الغثيان. المذهب الطائفي أصبح فوق مستوى المواطنة ووسيلة للكره والتفرقة وممارسة عقد النقص وأمراض النفوس على الآخرين، بل أصبح المذهب الطائفي الواحد منقسماً على نفسه ويعمل بالضد لمن يشاركه التوجه العام لمذهبه الطائفي. والأسوأ أنهم يربون أبنائهم على ذلك، وكل من سواهم يتفرج بسلبية تثير الغثيان. أما على مستوى الأعراق والأصول فحدث ولا حرج.
إنه مستقبلكم ومستقبل أبنائكم، إما حياة أو موت، إما عمران أو خراب، إما سلام أو قتال وتدمير.
إختاروا ما تشاؤون.
فرناس
وإذا تركنا جانباً أحوال المعاش للفرد الكويتي من سكن أو قروض أو غلاء، وركزنا على الجانب الإجتماعي والعقائدي والفكري، فإننا سوف نصاب حتماً بالرعب، وليس بالخوف وحده، على مدى التنافر المسيطر على النسيج الإجتماعي الكويتي والذي يحمل الأساس العقائدي أو العرقي أو الطبقي. فالكويتيون متنافرون على مستويات عدة، بل هم في الحقيقة متخاصمون على مستوى الجماعات الإجتماعية والتي تميز نفسها إما عرقياً أو طبقياً أو مذهبياً والتي تلقي بظلالها على تصرفات كثيرة على مستوى الأفراد.
وبسبب هذا التنافر، فإن التذمر على المستوى الفردي على الخصوص، والذي يعكس بالضرورة ما يدور خفية في داخل تلك الجماعات الإجتماعية، يتركز على مهاجمة تلك الجماعات المختلفة عنه عرقياً أو مذهبياً أو طبقياً. بل يتعدى الأمر إلى إلقاء اللوم تماماً على تلك الجماعات لما هو مشاهد من تدني الرعاية السكنية أو الطبية أو فرص العمل أو غيرها من مظاهر الإشكالية الكويتية. فليس غريباً، على المستوى الفردي بين الأشخاص، أن نسمع من يلقي اللوم على الكويتيين من ذوي الإصول الإيرانية والذين هاجروا إلى الكويت في فترات متفاوتة، ليحملهم زيادة عدد السكان ومشاركة أهل الكويت "الأصليين"، كما يصفونهم، في خيرات الكويت. وليس غريباً، على المستوى الفردي بين الأشخاص، أن نسمع من يلقي باللائمة على "البدو" الذي أتوا مهاجرين بعد إكتشاف النفط وليحصلوا على الجنسية الكويتية في أواخر فترة الستينات والسبعينات وليشاركوا أهل الكويت في خيراتها. وليس غريباً أن نسمع على المستوى الفردي بين الأشخاص، من يتهم الشيعة في وطنيتهم وولائهم لهذا الوطن. وليس غريباً أيضاً أن نسمع من يتهم الأفراد ذوي الإصول القبلية بذلك. وليس غريباً أيضاً أن نرى من يتهم تجار الكويت وشيوخها كلهم بلا إستثناء بالفساد والإستحواذ على ثروات الكويت والإستئثار بها من دون الشعب الكويتي. وليس غريباً أن نشهد، على المستوى الفردي بين الأشخاص، ذلك الصراع المذهبي والذي يفوح منه رائحة التحرق شوقـاً إلى "تصفية" ذلك الآخر المختلف عنه والمشارك له في المواطنة. ليس غريباً أن نشهد ذلك الصراع العرقي والذي يهدف إلى سيطرة عرق معين على مركز سلطة أو جهة إتخاذ قرار.
هذه الإمور والتي أصبحت للأسف مألوفة عندنا في الكويت ما كان لها أن تحدث لولا أن الكويتيون أنفسهم لهم الإستعداد الذهني والنفسي للقبول بها. ما كان لها أن تحدث لولا أن لنا الإستعداد للمشاركة فيها وتفعيلها.
هذا الإستعداد الذهني والنفسي للمشاركة والتفعيل فيما سوف يفتت النسيج الإجتماعي الكويتي مستقبلاً هو أشد أنواع التهديدات التي تواجه الكويت على الإطلاق. إنها أخطر أنواع الأسلحة الفتاكة والتي من الممكن أن تهدم كيان دولة من أساسها ومن الداخل وبدون الحاجة إلى أي تهديد خارجي. التاريخ الحديث يصفعنا كلنا بهذه النتيجة الحتمية.
الأفراد في أي مجتمع، وعندما تكثر مواردهم أو موارد دولتهم كما هي الحال في الكويت اليوم، يكونون مشغولين بالضرورة في زيادة مدخولهم الشخصي وتحسين وضعهم المعيشي. تلك الراحة الإقتصادية النسبية تجعلهم حريصين على مصالحهم الآنية من التهديد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تلك الراحة الإقتصادية النسبية تتيح لهم الوقت الكافي إما للتفكير أو تحسين الوضع الفكري أو خوض صراعات متعددة المحاور. ولكن الأمر سوف يختلف تماماً في حال نضوب المورد الرئيسي للثروة الكويتية، النفط. وبما أن لا شيء يحدث فجأة، لأن حكومتنا لن تفيق صباحاً لتفتح صنبور النفط لتتفاجأ بنزول بضع قطرات فقط، ولكن كل شيء يحدث بالتدرج وكدورات إقتصادية ذات قمم وقيعان، فإن مقدمات نضوب النفط (أو ربما الإنخفاض الشديد في أسعاره كما حدث بعد حرب 1973 وإرتفاع أسعاره إلى أرقام قياسية غير مسبوقة ولينتهي بعد ذلك سعره إلى أقل من 10 دولارات في نهاية الثمانينات) سوف يشعر بها المواطنون الكويتيون بالتدريج على مدى السنوات أو العقود القادمة لا محالة. هذا يستدعي بالضرورة إعادة هيكلة جداول الرواتب والمنح والقروض والدعم والتسهيلات الحكومية للكويتيين بسبب عدم كفاية موارد الدولة لتحمل هذه الأعباء. بل حتى الإستثمارات الكويتية والتي يعول عليها الكويتيون لإستمرار نمط حياتهم الإستهلاكي الحالي لن تكفي أصلاً حتى لسد جزء من ميزانية الكويت لبند الرواتب دع عنك ما سواها. حالة التدني في مستوى المعيشة هذه هي سوف تكون الشرارة الأولي والتي من المحتمل أن تشعل الحريق الطائفي أو العرقي أو الطبقي في الكويت. هذا إذا إستثنينا أيضاً ذلك الحراك الحزبي العقائدي المشبوه والذي يدور تحت غطاء جمعيات النفع العام لتعميق الخلاف الطائفي والعرقي بين المجتمع.
هذا سوف يحدث، ولا مجال لإنكاره. أسعار النفط قابلة للزيادة ولكنها قابلة للنقصان أيضاً، وكما زادت سوف تتراجع لا محالة. النفط مورد ناضب، وسوف ينضب لا محالة، خلال 35 أو 40 سنة كما يعتقد البعض أو خلال 60 سنة أو أكثر قليلاً، ولكنه في النهاية سوف ينضب. ومن سوف يبقى هو ذلك النسيج الإجتماعي والذي نرى اليوم معاول الهدم فيه على أكثر من محور. فالقبلية أصبحت فوق مستوى المواطنة، بل إن أفراد القبيلة الواحدة متصارعون على مستوى الأفخاذ، وهم كلهم في مواجهة الكويتيين الآخرين. والأسوأ أنهم يربون أبنائهم على ذلك، وكل من سواهم يتفرج بسلبية تثير الغثيان. المذهب الطائفي أصبح فوق مستوى المواطنة ووسيلة للكره والتفرقة وممارسة عقد النقص وأمراض النفوس على الآخرين، بل أصبح المذهب الطائفي الواحد منقسماً على نفسه ويعمل بالضد لمن يشاركه التوجه العام لمذهبه الطائفي. والأسوأ أنهم يربون أبنائهم على ذلك، وكل من سواهم يتفرج بسلبية تثير الغثيان. أما على مستوى الأعراق والأصول فحدث ولا حرج.
إنه مستقبلكم ومستقبل أبنائكم، إما حياة أو موت، إما عمران أو خراب، إما سلام أو قتال وتدمير.
إختاروا ما تشاؤون.
فرناس