القلب السليم
عضو فعال
مقال يحتوي على العديد من الحقائق حول اسباب الثورة البحرينية ومنها :
1- الاستبداد السياسي : مثل تعديل الدستور بدون الرجوع للشعب و مجلس برلماني بدون صلاحيات
2- تغيير تركيبة المجتمع بالتجنيس السياسي العشوائي ولفئات لا يستفاد منها اجتماعيا واقتصاديا.
3- الاستبداد الاقتصادي : من سرقات ونهب بينما الشعب يرزح تحت خط الفقر
والآن بعد الاحداث الاخيرة ازدادت الاسباب التي تجعل الشعب البحريني يثور مثل :
1- احضار قوات من الخارج لقمع الشعب
2- سياسة الخطف والقتل اليومية
3- الاعتداء على النساء
4- التعدي على القبور والمراكز الدينية
الدكتورة أنيسة أحمد فخرو-
الظالم والمظلوم- 19 فبراير 2011
الأحداث العصيبة التي تعصف ببلادي منذ 14 فبراير 2011 حتى الآن، لم تأت من فراغ، بل كان لديها مقدمات ومعطيات واضحة، فالمطالب الوطنية- التي رفعها الشعب والممتدة طوال عقود طويلة- بالمشاركة السياسية للشعب لم تزل قائمة بل ازدادت حدة، حيث أن مطلب المشاركة السياسية الحقيقية الذي نادى به الشعب منذ الخمسينيات في انتفاضة 1956 حتى الآن يعني المشاركة في السلطة السياسية، وفي انتفاضتي 1965 و1972 سقط الكثير من الشهداء وأغلبهم كان من الطائفة السنية من أجل هذا المطلب، ومنذ الثمانينات والتسعينيات حتى الآن سقط الكثير من الشهداء وأغلبهم كان من الشيعة من أجل المطلب ذاته، وعندما صوتت غالبية الشعب على الميثاق في 2002 بعد أزمة عصفت بالبلاد للخروج من النفق المظلم، وبعد المشروع الإصلاحي الذي طرحه عاهل البلاد وتمخض عنه تعديل الكثير من بنود دستور عام 1973 دون الرجوع إلى الشعب لوضع دستور جديد لم توافق عليه الإرادة الشعبية، ليجعل هذا الدستور الجديد مفاتيح اللعبة السياسية كلها بيد السلطة، وعلى الرغم من نص الدستور والميثاق على وجود السلطات الثلاث والفصل بينهما، إلا إن صلاحيات السلطة التشريعية والقضائية بل وحتى التنفيذية بيد السلطة العليا، فكل التعيينات في السلطتين القضائية والتنفيذية بالدولة لا بد وأن تأتي من الأعلى، أما السلطة التشريعية فلقد استطاع النظام خلق برلمان مفرغ من مضمونه، يطبل لسياساته ويشرع لما يريده من قوانين، ولا توجد أية دولة في العالم بها برلمان معين إلا البحرين، فمع إعطاء أحقية لمجلس الشورى (المعين من قبل الملك 40 عضوا) بسن القوانين وتشريعها والتصويت عليها، افرغ المجلس النيابي (المنتخب والمكون من 40 عضوا أيضاً) من أسلحته التي تخدم الشعب وصار مفرغا تماما من روحه وأصبح سلاحا خادما للحكم وأجهزته،
أما مطالب الشعب الرئيسية الأخرى المتمثلة في العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات، فلقد ازدادت حدة أيضا بعد سياسة التجنيس السياسي الممنهج التي زادت الطين بله وأضرت كثيرا بخدمات الرعاية التعليمية والصحية والإسكانية المقدمة للمواطنين، خاصة وان أغلب المجنسين من الأميين والجهلة اجتماعيا وثقافيا والتي تمارس تعدد الزوجات والإنجاب غير المنظم، مما ترتب على الدولة والمواطنين أعباء اقتصادية وسياسية واجتماعية كثيرة، فبعد أن كانت هذه الخدمات تقدم إلى 500 ألف نسمة تضاعف العدد لتشمل أكثر من مليون نسمة، وانعكس أيضا هذا التزايد السكاني بفعل التجنيس إلى ازدحام السيارات في الشوارع والتلوث البيئي وازدياد الحوادث المرورية وازدياد الجرائم والجنح أيضا، وبعد أن كان نصيب الفرد المواطن من خدمات الإسكان والقروض الإسكانية محتوما حتى لو طال الانتظار، أصبح صعبا ومستحيلا بعد اقتطاع الأراضي وتوزيعها بشكل غير عادل على المتمصلحين والانتهازيين، وكحال الأنظمة في الدول العربية الأخرى أصبح تزاوج المال بالنفوذ والسلطة أمرا واضحا للعيان، مما زاد من حجم الطبقة الفقيرة وضيق الخناق على الطبقة الوسطى، وخلق فئة قليلة ظهرت من العدم وتسلقت على ظهور الناس من مواقعها المتدنية إلى مواقع المال والنفوذ لتصل إلى الثراء السريع والفاحش.
الأشكال والأنواع الأساسية للاستبداد ثلاثة: السياسي والديني والثقافي، كان النظام البحريني يهدف من تغيير التركيبة الديمغرافية والسكانية إلى زيادة الطائفة السنية على الشيعية وضمان ولاء هذه الفئة إلى النظام، مما يزيد من نسبة المواطنين الموالين في أية انتخابات أو أي استفتاء شعبي، لضمان الاستمرار والاستقرار والبقاء في السلطة،
ولو جلب النظام المجنسين المتعلمين لقلت المشكلة، لكنه جلب أكثر الفئات تخلفا وجهلا والتي تنفذ الأوامر لا غير، وتناسى ضريبة هذه السياسة الخاطئة التي جلبت على البلاد الكثير من المشكلات والويلات، وإنني اعتقد أن من الأسباب الرئيسية لثورة فبراير 2011 هي سياسة التجنيس السياسي الخاطئة.
إن أغلب الأنظمة التي ترزح على الكرسي ولا تتزحزح هي أنظمة مستبدة وفاسدة، مثل النظام الإيراني وبعض الأنظمة الإقليمية وغالبية الأنظمة العربية، من مصر إلى ليبيا، فأي نظام يوجه الرصاص الى صدور أبناء شعبه هو مستبد، والسلطة المطلقة تفسد وتستبد بشكل مطلق، أياً كان هذا الاستبداد، ولقد استطاعت السلطة في هذه الأنظمة أن تستخدم كافة أشكال الاستبداد لمصلحتها سواء أكان استبدادا دينيا أو سياسيا أو ثقافيا، فلقد جيرت هذه الأنظمة أدواتها، فالمستبد السياسي يكره البرلمان، وإذا أُجبر عليه، فهو يجعله مظهرا خادعا للديمقراطية، حيث يتم تزييف الانتخابات كي تصل الكثرة الانتهازية الخاضعة التي تعينه على الفساد والاستبداد، كما عملت الأنظمة المستبدة على خلق دعاة أطلق عليهم شيوخاً في الدين وعلماء في الفقه وهم لا يفقهون شيئاً في الدين، ويجيرون الدين لمصلحة المستبد ويصبون الزيت على النار وينفخون لزيادة إشعال حريق التناحر الديني والطائفي والمذهبي، فمن مخطط تفجير الكنائس في مصر إلى مخطط البندر في البحرين، فلقد تم استخدام المال والنفوذ لتحقيق التفرقة بين الشعب وخلق المزيد من التناحر، وإسناد هذه الجرائم إما إلى الأطراف الوطنية أو الجماعات الدينية المتطرفة التي خلقها النظام وشجعها على التطرف سرا لضمان استمرار هيمنته وتعسفه.
إن النظم الوطنية تحاول بكل الأساليب تقليل الهوة بين فئات الشعب سواء الهوة الطبقية أو الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية، أما النظم المستبدة فهي تحاول تعزيز الهوة واتساعها بين فئات الشعب من منطلق المنطق القديم ( فرق تسد).
أما النوع الثالث من الاستبداد فهو الثقافي الذي تتفنن النظم التسلطية في أدواته، من حيث التجسس على كل كلمة مكتوبة ومقروءة ومسموعة، وتأتي الهيمنة على الإعلام بكافة أشكاله من صحافة وتلفزيون وإذاعة وغيرها لكي يؤثر على طريقة تفكير الناس ويغير اتجاهاتهم وأفكارهم، وعبر وضع صورة المستبد في كل مكان وزمان لتنطبع هذه الصورة في عقول الصغار قبل الكبار، وبالفعل استطاع النظام العربي أن يغير أفكار الناس واتجاهاتهم، فبعد أن ساد الفكر العروبي القومي مثلا في الخليج أصبح الفكر الإقليمي بل المحلي الضيق هو السائد، لكن جاءت ثورة المعلومات التكنولوجية حيث "السماوات السبع مفتوحة على الحرية" (بحسب تعبير الأمير طلال بن عبدالعزيز ال سعود) في المعلومة وانتقالها لتعيق قليلاً هذا الاستبداد الثقافي ولتضع المستبد في خانة واضحة، ففي كل الأقطار العربية لا تجد صحيفة واحدة معارضة، كلهم مجبرون على التطبيل والتزمير وسيكون مصيرهم كمصير مجلة "روز اليوسف" التي انتقلت من خانة الشرف والوطنية إلى خانة تمجيد المستبد، وبعد أن انتفض الشعب المصري واسقط المستبد، تغير الخطاب الإعلامي بين ليلة وضحاها لجميع الصحف المصرية من خطاب التمجيد إلى خطاب الثورة!
إن من أهم الأخطاء أيضا هو ردم البحر وسرقة الأراضي والشواطئ والسواحل العامة، مما شكل حصارا نفسيا واجتماعيا ومكانيا للمواطنين وخاصة من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، والتي كانت تلجأ للسواحل العامة هربا من حر الطقس وجحيم الغلاء ولهيب القهر والظلم الاجتماعي والنفسي والوظيفي، حيث كل من كان يشعر بالظلم يتوجه إلى البحر ليغمر جسده بالماء ويخلص قلبه من براثن القهر، لكن وجد الشعب البحريني نفسه محاصرا بالمباني الأسمنتية والحديدية التي تغلف البحر والسماء ولم يجد متنفسا له، فيما يرى القصور تتشيد في القرى والمدن ليقطنها الأجنبي، وابن الديرة - سني وشيعي- بلا مسكن وبلا عمل، السياسة البيئية الخاطئة أودت بحياة الحزام الأخضر ليحل حزام إسمنتي رمادي بدلاً عنه، كما أودت السياسة البيئية الخاطئة بحياة البحر، هذا البحر الذي كان من الممكن أن يتحول إلى ركيزة أساسية في الاقتصاد البحريني، من حيث تحويل البحرين إلى جزيرة سياحية تغلفها الشواطئ من كل صوب، وثروة غذائية لا تنضب، لكن جاءت سياسة الردم الغبية والهمجية لتحول البحر إلى قطع إسمنتية قبيحة وأراض جرداء ممتدة آلاف الكيلومترات ليستولي عليها أفراد يقومون بتقسيمها وبيعها على الطبقة الوسطى بملايين الدنانير، أو أن تقام عليها أفخم المباني المملوكة لأفراد معروفين يعدون على أصابع اليد، ولتُقتل الكائنات البحرية ويجوع الصيادون وترتفع أسعار جميع المواد الغذائية، وأولها المورد الغذائي الأساسي القديم للناس (السمك والرز)، مما جعل الكثير من الأسر على هامش خط الفقر،
وخاصة أن المواطن كان يرى المجنس يصل ومن المطار يحمل بين يديه الوثيقة الحمراء وعقد العمل في وزارة الداخلية ومسكن الإسكان بانتظاره، وقد تضرر الشعب كله من هذه السياسة الحمقاء، وربما السُنة هم الأكثر ضرراً من عملية التجنيس، حيث احتلوا مدنهم وبيوتهم وزاحموهم في أرزاقهم ومواردهم، أحد الضباط يقول: "شعرت بالأسى وأنا أرى شرطيا ممن أرأسهم وهو يسكن بيتا يملكه في المحرق مقدم له من وزارة الإسكان، في الوقت الذي لا أملك أنا فيه بيتا ولا أرضا، ولو حصل هذا الشرطي على بيت في مدينة "سافرة" لما شعرت بمثل هذا الظلم والأسى، لكن أن يحصل المُجنس على مسكن في المحرق منبع جذوري حيث قدمت طلبي للإسكان قبل سنوات عدة لبيت فيها وما زلت على قائمة الانتظار، فهذا ما يشعرني بالقهر والظلم".
العديد من المرات وأنا قادمة من الخارج في مطار البحرين أرى أمامي طابوراً من الرجال والنساء يصطف عند إشارة المواطنين وكلهم بالملابس الآسيوية المعروفة ويحملون بأيديهم الجواز البحريني ليدقق فيها ضابط الجوازات. ولقد حدثت واقعة حقيقية، حيث أن أمن دولة الكويت وجد ناقلة عند نقطة العبور البري تحمل مجنسين لا يتكلمون العربية، فاتصلوا بالأمن البحريني للتأكد من ان هؤلاء الأجانب حاملو وثيقة السفر البحرينية ليسوا من عصابة التزوير العالمية لجوازات السفر، وجاءهم الرد بصحة الوثائق.
إن الانتفاضة التونسية والثورة المصرية جاءت ردا لاعتبار الشعب وكرامته، وبالضبط هذا الشعور ينتاب المواطن البحريني، إن أغلب المواطنين يشعرون بالغربة في بلادهم وبأن كرامتهم مهدورة، لذا فإن الشعور بالمهانة يولد الثورة العارمة.
إن هذه الهبة الشبابية الشعبية جاءت من أجل رد كرامة المواطن، ويحاول النظام أن يعزز الصبغة الطائفية فيها، وكحال جميع الأنظمة يضع لازمة ( الأجندات الخارجية والتدخل الأجنبي والعمالة لبعض الدول الأجنبية مثل إيران)، وعلى الرغم من إننا لا نستبعد مثل هذه التدخلات من إيران أو أمريكا أو بريطانيا أو أية دولة أخرى، فكل دولة بالتأكيد تعمل لمصلحتها، إلا انه لولا وجود ثغرة داخلية وخلل واضح لما استطاعت أية دولة أخرى أن تستغله وتضع قدماً لها.
بكل وضوح نقول لو أن المواطن البحريني وجد كرامته على أرضه ووجد مسكناً يأويه وعملا كريما له ولأسرته لما فكر أي أحد مطلقا في الثورة، لماذا لا تجد مثل هذه الدول الأجنبية موطأ قدم لها في دولة مثل الإمارات أو قطر أو الكويت؟ لأن شعبها يعيش بكرامة مرفوع الرأس معزز مكرم في وطنه.
إن هذه الهبّة الشعبية ليست طائفية، وليست شيعة ضد سنة، بل هي ثورة المظلوم على الظلم والاستبداد والقمع الذي ظهر جليا باستخدام الرصاص الحي والانشطاري المحرم دوليا لقتل المتظاهرين والمتعصمين، كان الأجدر بالنظام فتح أبواب الحوار قبل أي شيء لا الدعوة له بعد هدر دماء الشعب الأعزل، لكن لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، من الممكن الآن الاستفادة من دعوة الحوار التي طرحها ولي العهد، حتى لو جاءت متأخرة، فالحوار مفيد في أي زمان ومكان، بشرط أن نفتح آذاننا وقلوبنا له، والعجب كل العجب في التناقض بين القول والفعل، بين التصريحات والأوامر، فالرئيس المخلوع مبارك وقبله بن علي والقذافي رددوا اللازمة نفسها (نحن دولة الديمقراطية والحرية والقانون والدستور) ولكنهم مارسوا كل أشكال القمع والاستبداد والفساد، وكأنهم يؤكدون المثل المصري القائل: اسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أتعجب.
إن البحرين في مرحلة مفصلية، ومع الأسف تُجيش النفوس الآن، وعلى الشعب سنة وشيعة العمل حثيثا على درء النزعة الطائفية المشؤومة التي تخلق التربة الخصبة لحرب أهلية قادمة، هذه الحرب التي لا قدر الله لو حدثت ستأكل الأخضر واليابس ولن تذر شيئ أبدا، وسيكون النظام أول المتضررين، لا نريد أن يتكرر سيناريو لبنان او العراق لدينا، والحمد لله ان الكثير من الشيعة والسنة متيقظين لمثل هذه المخاطر المحدقة.
العدل أساس الحكم، هذا مبدأ الشريعة الاسلامية السمحاء، وهذا ما طبقه الخلفاء الراشدون وعلى رأسهم عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب، ولكن للأسف أسمع من بعض أحبابي من الطائفة السنية مقولات مثل ( ظلم الخليفة ولا عدل الشيعة)، كما يتكرر شعار (اسقاط النظام) بدل من اصلاحه من اخواني الشيعة، ومن مواقع العمل المختلفة تصلني مكالمات كثيرة، فإذا كانت الأغلبية من الطائفة الشيعية في العمل فإن الأخوات السنة يتصلن شاكيات من معاملة الأخوة الشيعة، وإذا كانت الأغلبية من الطائفة السنية فإن اخواتي الشيعة يتصلن شاكيات من معاملة السنة لهم في العمل.
إنني ولأول مرة أشعر أن البحرين على شفا حفرة من النار، وعلى الرغم من اننا سنة وشيعة شعب مسالم متسامح ولا يمكن ان نقبل بخيار الحرب الأهلية - هذا الاتجاه المستبعد والمكروه حاليا - لكن عندما تصبح الاصطفافات الطائفية هي التي تحدد المبادئ والمواقف، فإن الأمر يصبح خارج عن السيطرة مستقبلا، خاصة ونحن نخلق في كلا الطائفتين جيل مهيأ لمثل هذا الخيار القبيح.
وحينما أرى شبابا لا يتجاوزون العشرين من كلا الطائفتين، وكل طرف منهما يتحدث عن الآخر وكأنه عدو له، فإن المسالة تعني اننا قادمون مستقبلا على الهاوية، وعندما أرى الأكاذيب والشائعات من كلا الجانبين لتضخيم وتشويه الحقائق، فإن هذا يعني إننا مقبلون على كارثة، فهذا يدّعي ان المعتصمين في الدوار يُوزع عليهم الطعام من(كنتاكي وجواد)، والآخر يدعي أن سندويشات (جسميز) تم توزيعها على جمهور الفاتح، وهذا يدّعي أن طفلة استشهدت والآخر يرسل شريط يخدش الحياء لمجموعة من المتظاهرين في إيران وينسبها إلى المعتصمين في دوار اللؤلؤة، وكل منهما يجير القنوات الفضائية لصالحه.
إن الحشد الذي تجمع في الفاتح أظهر ان السنة في البحرين يمثلهم النظام، فهل هذا الاستنتاج يقبل به السنة أنفسهم؟
إن الشعارات التي تطرح في الدوار تتفاوت وتتراوح ما بين إصلاح النظام إلى اسقاطه، لكن القلة التي تطرح الشعار الثاني والكثرة التي تؤكد على الشعار الأول وجميع من في الدوار يجمع على مطالب وطنية لا طائفية، هذه المطالب واضحة وصريحة وتتمثل في سحب الجيش والسماح بحق الشعب في التظاهر والتجمع والمسيرات والاضرابات والتي كفلها الدستور، واطلاق سراح المعتقلين، وبالفعل تم ذلك لكن من يضمن ألا يقوم النظام بنشر الجيش واستخدام القوة من جديد ومن يضمن ألا يقوم باعتقالات سياسية جديدة؟ أماالمطلب
الثالث فهو يتمثل في استقالة الحكومة وحل المجلس التشريعي بغرفتيه "النواب والشورى وتكليف حكومة انتقالية بتصريف الأعمال إلى حين التنظيم لانتخابات حرة، وبموازاة هذه الخطوة يتم تكليف مجموعة من المختصين بتعديل الدستور.
فما هو وجه الاختلاف والتقارب في هذه المطالب بين السنة والشيعة؟ الجميع ُمجمع على عدم المس بعاهل البلاد وولي عهده. فكل ما هو مذكور متفق عليه باستثناء عدم مس التغيير وجه القيادة السياسية في البلاد المتمثلة في رئيس الوزراء، ألا يمكن التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين؟
تطالب المعارضة بشكل صريح بتفعيل الملكية الدستورية الذي نص عليه الميثاق والدستور، ملكية دستورية حقيقية لا شكلية، وبالنسبة لنا ليس من المهم التسميات ملكية أو ملكية دستورية أو جمهورية، فلقد رأينا بأم العين ما تمارسه الجمهوريات من قمع وفساد وسرقات بحق البلاد والعباد، لكن ما يهم هو ما يُمارس على أرض الواقع من تشريعات وقوانين، قد نرى آلاف القوانين والتشريعات المكتوبة لكنها في الواقع حبر على ورق، ولا يطبق منها حرف واحد. إن أهم هذه التشريعات التي نحن في أمس الحاجة اليها هي العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، والتي تفضي إلى تعزيز المواطنة الحقيقية بحيث يتم التعامل مع جميع المواطنين سواسية، يحاسب المخطئ ويثيب صاحب الخبرة والعلم والكفاءة، وليس على أساس معيار القبيلة والطائفة.
نعم إن الثورات الممتدة في أرجاء الوطن العربي من تونس إلى مصر مرورا بالبحرين إلى ليبيا، ونؤكد أن لكل بلد له خصوصيته ولكل حركة لها أسبابها، لكن ما يوحدهم جميعا هو رفض الظلم والفساد.
إن دور الإعلام اساسي وحيوي، فبفضل قناة الجزيزة حققت الثورة المصرية والتونسية هدفهما الأول، حيث انني اعتبرها بمثابة الناطق الرسمي للثورة، وفي معظم الأنظمة العربية الفاسدة التي قامت فيها التحركات والهبات الشعبية نلاحظ إن الإعلام مقيد، وإن الصوت الواحد هو المسيطر والصوت الآخر هو المغيب، لذا فإن كثرة الضغط حتماً يولد الانفجار.
نعم هناك أزمة ثقة، هذه الأزمة كل طرف يقول بأن الآخر خلقها، والحقيقة ان الأب إذا أعطى ابنه الثقة صار أهل لها، فالنظام ظل لفترة طويلة ولا زال يخاف من شعبه ولا يثق به، والبعض يقول إن النظام عمد إلى التجنيس خوفا من هذه اللحظة واحترازا لها، ونحن نقول هل منع التجنيس هذه اللحظة؟ إننا نرى إن التجنيس ساهم في اشعال نار هذه اللحظة.
إن سياسة التجنيس القائمة على جلب الجهلة والمتخلفين أثمرت نتيجة واضحة للعيان، ولو أراد النظام زيادة طائفة على أخرى لجلب المتعلمين والمثقفين والنافعين للمجمتع من فئة السنة، لكنه جلب من ترفضهم مجتمعاتهم وتود بلدانهم التخلص منهم اليوم قبل البارحة.
إن الاستبداد الديني أكثر ما يتمثل في دول مثل إيران وأفغانستان، وإذا كانت لازمة التدخل الإيراني هي الفزاعة التي تُخيف الشعب، فإن الوضع هناك أيضا على شفا حفرة من النار، ولن يقبل الشعب الايراني أو غيره هذه الديكتاتورية القابعة على أرواحهم وقلوبهم حتى لو كانت من رجال الدين، لذا فإننا لا نستبعد تغير النظام في تلك الدول، وآنذاك حتما سيكون النظام الجديد أقرب إلى شعبه من هذا النظام الحالي وستختفي تدريجيا مثل هذه الفزاعات.
إن الشيعة في البحرين عروبيين، ولا يمكن أن تكون ولاءاتهم لدول غير عربية والدليل استفتاء 1971 الذي صوت فيه كل الشعب البحريني بطائفتيه على عروبة البحرين والذي على إثره تم اعلان الاستقلال.
لقد تم تهميش الطائفة السنية ولفترة طويلة من الزمن وبشكل متعمد، والآن يتم استنهاضها من اجل التطبيل لا غير، واحسرتاه على المناضلين الشرفاء منهم.
إن المرحلة الحالية بحاجة ماسة إلى اقتناص الحراك الشعبي والاستفادة من اللحظة التاريخية لتوحيد المطالب بين كافة فئات الشعب، ان الشعارات المرفوعة في الدوار هي نفسها التي رفعت في الفاتح وكلها تصب في الوحدة واللحمة الوطنية شعارات مثل: (لا سنية لا شيعية وحدة وحدة وطنية) او مثل (اخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه)، لذا على كل طرف أن يمد الأيادي لتلتقي معا غصبا عمن يحاول زرع الفتن وتأليب النفوس.
إننا بحاجة ماسة إلى هيئة وطنية مشابهة لهيئة الاتحاد الوطني عام 1956 ولكن بثوب جديد لتوحد القلوب والمطالب وتدحر المشاريع الطائفية التي تؤلب فئة على أخرى وتهيأ إلى حرب أهلية لن تذر الأخضر واليابس.
لا نعرف ما ستؤؤل إليه الأمور، لكن حتما إذا استطاع القمع أن يسفك الدماء التي تغلي في العروق هذه المرة، فلن يستطيع أن يخمد القلوب الشريفة النابضة التواقة إلى الحرية والكرامة إلى الأبد.
الكاتبة والباحثة البحرينية
أنيسة أحمد فخرو
1- الاستبداد السياسي : مثل تعديل الدستور بدون الرجوع للشعب و مجلس برلماني بدون صلاحيات
2- تغيير تركيبة المجتمع بالتجنيس السياسي العشوائي ولفئات لا يستفاد منها اجتماعيا واقتصاديا.
3- الاستبداد الاقتصادي : من سرقات ونهب بينما الشعب يرزح تحت خط الفقر
والآن بعد الاحداث الاخيرة ازدادت الاسباب التي تجعل الشعب البحريني يثور مثل :
1- احضار قوات من الخارج لقمع الشعب
2- سياسة الخطف والقتل اليومية
3- الاعتداء على النساء
4- التعدي على القبور والمراكز الدينية
الدكتورة أنيسة أحمد فخرو-
الظالم والمظلوم- 19 فبراير 2011
الأحداث العصيبة التي تعصف ببلادي منذ 14 فبراير 2011 حتى الآن، لم تأت من فراغ، بل كان لديها مقدمات ومعطيات واضحة، فالمطالب الوطنية- التي رفعها الشعب والممتدة طوال عقود طويلة- بالمشاركة السياسية للشعب لم تزل قائمة بل ازدادت حدة، حيث أن مطلب المشاركة السياسية الحقيقية الذي نادى به الشعب منذ الخمسينيات في انتفاضة 1956 حتى الآن يعني المشاركة في السلطة السياسية، وفي انتفاضتي 1965 و1972 سقط الكثير من الشهداء وأغلبهم كان من الطائفة السنية من أجل هذا المطلب، ومنذ الثمانينات والتسعينيات حتى الآن سقط الكثير من الشهداء وأغلبهم كان من الشيعة من أجل المطلب ذاته، وعندما صوتت غالبية الشعب على الميثاق في 2002 بعد أزمة عصفت بالبلاد للخروج من النفق المظلم، وبعد المشروع الإصلاحي الذي طرحه عاهل البلاد وتمخض عنه تعديل الكثير من بنود دستور عام 1973 دون الرجوع إلى الشعب لوضع دستور جديد لم توافق عليه الإرادة الشعبية، ليجعل هذا الدستور الجديد مفاتيح اللعبة السياسية كلها بيد السلطة، وعلى الرغم من نص الدستور والميثاق على وجود السلطات الثلاث والفصل بينهما، إلا إن صلاحيات السلطة التشريعية والقضائية بل وحتى التنفيذية بيد السلطة العليا، فكل التعيينات في السلطتين القضائية والتنفيذية بالدولة لا بد وأن تأتي من الأعلى، أما السلطة التشريعية فلقد استطاع النظام خلق برلمان مفرغ من مضمونه، يطبل لسياساته ويشرع لما يريده من قوانين، ولا توجد أية دولة في العالم بها برلمان معين إلا البحرين، فمع إعطاء أحقية لمجلس الشورى (المعين من قبل الملك 40 عضوا) بسن القوانين وتشريعها والتصويت عليها، افرغ المجلس النيابي (المنتخب والمكون من 40 عضوا أيضاً) من أسلحته التي تخدم الشعب وصار مفرغا تماما من روحه وأصبح سلاحا خادما للحكم وأجهزته،
أما مطالب الشعب الرئيسية الأخرى المتمثلة في العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات، فلقد ازدادت حدة أيضا بعد سياسة التجنيس السياسي الممنهج التي زادت الطين بله وأضرت كثيرا بخدمات الرعاية التعليمية والصحية والإسكانية المقدمة للمواطنين، خاصة وان أغلب المجنسين من الأميين والجهلة اجتماعيا وثقافيا والتي تمارس تعدد الزوجات والإنجاب غير المنظم، مما ترتب على الدولة والمواطنين أعباء اقتصادية وسياسية واجتماعية كثيرة، فبعد أن كانت هذه الخدمات تقدم إلى 500 ألف نسمة تضاعف العدد لتشمل أكثر من مليون نسمة، وانعكس أيضا هذا التزايد السكاني بفعل التجنيس إلى ازدحام السيارات في الشوارع والتلوث البيئي وازدياد الحوادث المرورية وازدياد الجرائم والجنح أيضا، وبعد أن كان نصيب الفرد المواطن من خدمات الإسكان والقروض الإسكانية محتوما حتى لو طال الانتظار، أصبح صعبا ومستحيلا بعد اقتطاع الأراضي وتوزيعها بشكل غير عادل على المتمصلحين والانتهازيين، وكحال الأنظمة في الدول العربية الأخرى أصبح تزاوج المال بالنفوذ والسلطة أمرا واضحا للعيان، مما زاد من حجم الطبقة الفقيرة وضيق الخناق على الطبقة الوسطى، وخلق فئة قليلة ظهرت من العدم وتسلقت على ظهور الناس من مواقعها المتدنية إلى مواقع المال والنفوذ لتصل إلى الثراء السريع والفاحش.
الأشكال والأنواع الأساسية للاستبداد ثلاثة: السياسي والديني والثقافي، كان النظام البحريني يهدف من تغيير التركيبة الديمغرافية والسكانية إلى زيادة الطائفة السنية على الشيعية وضمان ولاء هذه الفئة إلى النظام، مما يزيد من نسبة المواطنين الموالين في أية انتخابات أو أي استفتاء شعبي، لضمان الاستمرار والاستقرار والبقاء في السلطة،
ولو جلب النظام المجنسين المتعلمين لقلت المشكلة، لكنه جلب أكثر الفئات تخلفا وجهلا والتي تنفذ الأوامر لا غير، وتناسى ضريبة هذه السياسة الخاطئة التي جلبت على البلاد الكثير من المشكلات والويلات، وإنني اعتقد أن من الأسباب الرئيسية لثورة فبراير 2011 هي سياسة التجنيس السياسي الخاطئة.
إن أغلب الأنظمة التي ترزح على الكرسي ولا تتزحزح هي أنظمة مستبدة وفاسدة، مثل النظام الإيراني وبعض الأنظمة الإقليمية وغالبية الأنظمة العربية، من مصر إلى ليبيا، فأي نظام يوجه الرصاص الى صدور أبناء شعبه هو مستبد، والسلطة المطلقة تفسد وتستبد بشكل مطلق، أياً كان هذا الاستبداد، ولقد استطاعت السلطة في هذه الأنظمة أن تستخدم كافة أشكال الاستبداد لمصلحتها سواء أكان استبدادا دينيا أو سياسيا أو ثقافيا، فلقد جيرت هذه الأنظمة أدواتها، فالمستبد السياسي يكره البرلمان، وإذا أُجبر عليه، فهو يجعله مظهرا خادعا للديمقراطية، حيث يتم تزييف الانتخابات كي تصل الكثرة الانتهازية الخاضعة التي تعينه على الفساد والاستبداد، كما عملت الأنظمة المستبدة على خلق دعاة أطلق عليهم شيوخاً في الدين وعلماء في الفقه وهم لا يفقهون شيئاً في الدين، ويجيرون الدين لمصلحة المستبد ويصبون الزيت على النار وينفخون لزيادة إشعال حريق التناحر الديني والطائفي والمذهبي، فمن مخطط تفجير الكنائس في مصر إلى مخطط البندر في البحرين، فلقد تم استخدام المال والنفوذ لتحقيق التفرقة بين الشعب وخلق المزيد من التناحر، وإسناد هذه الجرائم إما إلى الأطراف الوطنية أو الجماعات الدينية المتطرفة التي خلقها النظام وشجعها على التطرف سرا لضمان استمرار هيمنته وتعسفه.
إن النظم الوطنية تحاول بكل الأساليب تقليل الهوة بين فئات الشعب سواء الهوة الطبقية أو الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية، أما النظم المستبدة فهي تحاول تعزيز الهوة واتساعها بين فئات الشعب من منطلق المنطق القديم ( فرق تسد).
أما النوع الثالث من الاستبداد فهو الثقافي الذي تتفنن النظم التسلطية في أدواته، من حيث التجسس على كل كلمة مكتوبة ومقروءة ومسموعة، وتأتي الهيمنة على الإعلام بكافة أشكاله من صحافة وتلفزيون وإذاعة وغيرها لكي يؤثر على طريقة تفكير الناس ويغير اتجاهاتهم وأفكارهم، وعبر وضع صورة المستبد في كل مكان وزمان لتنطبع هذه الصورة في عقول الصغار قبل الكبار، وبالفعل استطاع النظام العربي أن يغير أفكار الناس واتجاهاتهم، فبعد أن ساد الفكر العروبي القومي مثلا في الخليج أصبح الفكر الإقليمي بل المحلي الضيق هو السائد، لكن جاءت ثورة المعلومات التكنولوجية حيث "السماوات السبع مفتوحة على الحرية" (بحسب تعبير الأمير طلال بن عبدالعزيز ال سعود) في المعلومة وانتقالها لتعيق قليلاً هذا الاستبداد الثقافي ولتضع المستبد في خانة واضحة، ففي كل الأقطار العربية لا تجد صحيفة واحدة معارضة، كلهم مجبرون على التطبيل والتزمير وسيكون مصيرهم كمصير مجلة "روز اليوسف" التي انتقلت من خانة الشرف والوطنية إلى خانة تمجيد المستبد، وبعد أن انتفض الشعب المصري واسقط المستبد، تغير الخطاب الإعلامي بين ليلة وضحاها لجميع الصحف المصرية من خطاب التمجيد إلى خطاب الثورة!
إن من أهم الأخطاء أيضا هو ردم البحر وسرقة الأراضي والشواطئ والسواحل العامة، مما شكل حصارا نفسيا واجتماعيا ومكانيا للمواطنين وخاصة من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، والتي كانت تلجأ للسواحل العامة هربا من حر الطقس وجحيم الغلاء ولهيب القهر والظلم الاجتماعي والنفسي والوظيفي، حيث كل من كان يشعر بالظلم يتوجه إلى البحر ليغمر جسده بالماء ويخلص قلبه من براثن القهر، لكن وجد الشعب البحريني نفسه محاصرا بالمباني الأسمنتية والحديدية التي تغلف البحر والسماء ولم يجد متنفسا له، فيما يرى القصور تتشيد في القرى والمدن ليقطنها الأجنبي، وابن الديرة - سني وشيعي- بلا مسكن وبلا عمل، السياسة البيئية الخاطئة أودت بحياة الحزام الأخضر ليحل حزام إسمنتي رمادي بدلاً عنه، كما أودت السياسة البيئية الخاطئة بحياة البحر، هذا البحر الذي كان من الممكن أن يتحول إلى ركيزة أساسية في الاقتصاد البحريني، من حيث تحويل البحرين إلى جزيرة سياحية تغلفها الشواطئ من كل صوب، وثروة غذائية لا تنضب، لكن جاءت سياسة الردم الغبية والهمجية لتحول البحر إلى قطع إسمنتية قبيحة وأراض جرداء ممتدة آلاف الكيلومترات ليستولي عليها أفراد يقومون بتقسيمها وبيعها على الطبقة الوسطى بملايين الدنانير، أو أن تقام عليها أفخم المباني المملوكة لأفراد معروفين يعدون على أصابع اليد، ولتُقتل الكائنات البحرية ويجوع الصيادون وترتفع أسعار جميع المواد الغذائية، وأولها المورد الغذائي الأساسي القديم للناس (السمك والرز)، مما جعل الكثير من الأسر على هامش خط الفقر،
وخاصة أن المواطن كان يرى المجنس يصل ومن المطار يحمل بين يديه الوثيقة الحمراء وعقد العمل في وزارة الداخلية ومسكن الإسكان بانتظاره، وقد تضرر الشعب كله من هذه السياسة الحمقاء، وربما السُنة هم الأكثر ضرراً من عملية التجنيس، حيث احتلوا مدنهم وبيوتهم وزاحموهم في أرزاقهم ومواردهم، أحد الضباط يقول: "شعرت بالأسى وأنا أرى شرطيا ممن أرأسهم وهو يسكن بيتا يملكه في المحرق مقدم له من وزارة الإسكان، في الوقت الذي لا أملك أنا فيه بيتا ولا أرضا، ولو حصل هذا الشرطي على بيت في مدينة "سافرة" لما شعرت بمثل هذا الظلم والأسى، لكن أن يحصل المُجنس على مسكن في المحرق منبع جذوري حيث قدمت طلبي للإسكان قبل سنوات عدة لبيت فيها وما زلت على قائمة الانتظار، فهذا ما يشعرني بالقهر والظلم".
العديد من المرات وأنا قادمة من الخارج في مطار البحرين أرى أمامي طابوراً من الرجال والنساء يصطف عند إشارة المواطنين وكلهم بالملابس الآسيوية المعروفة ويحملون بأيديهم الجواز البحريني ليدقق فيها ضابط الجوازات. ولقد حدثت واقعة حقيقية، حيث أن أمن دولة الكويت وجد ناقلة عند نقطة العبور البري تحمل مجنسين لا يتكلمون العربية، فاتصلوا بالأمن البحريني للتأكد من ان هؤلاء الأجانب حاملو وثيقة السفر البحرينية ليسوا من عصابة التزوير العالمية لجوازات السفر، وجاءهم الرد بصحة الوثائق.
إن الانتفاضة التونسية والثورة المصرية جاءت ردا لاعتبار الشعب وكرامته، وبالضبط هذا الشعور ينتاب المواطن البحريني، إن أغلب المواطنين يشعرون بالغربة في بلادهم وبأن كرامتهم مهدورة، لذا فإن الشعور بالمهانة يولد الثورة العارمة.
إن هذه الهبة الشبابية الشعبية جاءت من أجل رد كرامة المواطن، ويحاول النظام أن يعزز الصبغة الطائفية فيها، وكحال جميع الأنظمة يضع لازمة ( الأجندات الخارجية والتدخل الأجنبي والعمالة لبعض الدول الأجنبية مثل إيران)، وعلى الرغم من إننا لا نستبعد مثل هذه التدخلات من إيران أو أمريكا أو بريطانيا أو أية دولة أخرى، فكل دولة بالتأكيد تعمل لمصلحتها، إلا انه لولا وجود ثغرة داخلية وخلل واضح لما استطاعت أية دولة أخرى أن تستغله وتضع قدماً لها.
بكل وضوح نقول لو أن المواطن البحريني وجد كرامته على أرضه ووجد مسكناً يأويه وعملا كريما له ولأسرته لما فكر أي أحد مطلقا في الثورة، لماذا لا تجد مثل هذه الدول الأجنبية موطأ قدم لها في دولة مثل الإمارات أو قطر أو الكويت؟ لأن شعبها يعيش بكرامة مرفوع الرأس معزز مكرم في وطنه.
إن هذه الهبّة الشعبية ليست طائفية، وليست شيعة ضد سنة، بل هي ثورة المظلوم على الظلم والاستبداد والقمع الذي ظهر جليا باستخدام الرصاص الحي والانشطاري المحرم دوليا لقتل المتظاهرين والمتعصمين، كان الأجدر بالنظام فتح أبواب الحوار قبل أي شيء لا الدعوة له بعد هدر دماء الشعب الأعزل، لكن لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، من الممكن الآن الاستفادة من دعوة الحوار التي طرحها ولي العهد، حتى لو جاءت متأخرة، فالحوار مفيد في أي زمان ومكان، بشرط أن نفتح آذاننا وقلوبنا له، والعجب كل العجب في التناقض بين القول والفعل، بين التصريحات والأوامر، فالرئيس المخلوع مبارك وقبله بن علي والقذافي رددوا اللازمة نفسها (نحن دولة الديمقراطية والحرية والقانون والدستور) ولكنهم مارسوا كل أشكال القمع والاستبداد والفساد، وكأنهم يؤكدون المثل المصري القائل: اسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أتعجب.
إن البحرين في مرحلة مفصلية، ومع الأسف تُجيش النفوس الآن، وعلى الشعب سنة وشيعة العمل حثيثا على درء النزعة الطائفية المشؤومة التي تخلق التربة الخصبة لحرب أهلية قادمة، هذه الحرب التي لا قدر الله لو حدثت ستأكل الأخضر واليابس ولن تذر شيئ أبدا، وسيكون النظام أول المتضررين، لا نريد أن يتكرر سيناريو لبنان او العراق لدينا، والحمد لله ان الكثير من الشيعة والسنة متيقظين لمثل هذه المخاطر المحدقة.
العدل أساس الحكم، هذا مبدأ الشريعة الاسلامية السمحاء، وهذا ما طبقه الخلفاء الراشدون وعلى رأسهم عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب، ولكن للأسف أسمع من بعض أحبابي من الطائفة السنية مقولات مثل ( ظلم الخليفة ولا عدل الشيعة)، كما يتكرر شعار (اسقاط النظام) بدل من اصلاحه من اخواني الشيعة، ومن مواقع العمل المختلفة تصلني مكالمات كثيرة، فإذا كانت الأغلبية من الطائفة الشيعية في العمل فإن الأخوات السنة يتصلن شاكيات من معاملة الأخوة الشيعة، وإذا كانت الأغلبية من الطائفة السنية فإن اخواتي الشيعة يتصلن شاكيات من معاملة السنة لهم في العمل.
إنني ولأول مرة أشعر أن البحرين على شفا حفرة من النار، وعلى الرغم من اننا سنة وشيعة شعب مسالم متسامح ولا يمكن ان نقبل بخيار الحرب الأهلية - هذا الاتجاه المستبعد والمكروه حاليا - لكن عندما تصبح الاصطفافات الطائفية هي التي تحدد المبادئ والمواقف، فإن الأمر يصبح خارج عن السيطرة مستقبلا، خاصة ونحن نخلق في كلا الطائفتين جيل مهيأ لمثل هذا الخيار القبيح.
وحينما أرى شبابا لا يتجاوزون العشرين من كلا الطائفتين، وكل طرف منهما يتحدث عن الآخر وكأنه عدو له، فإن المسالة تعني اننا قادمون مستقبلا على الهاوية، وعندما أرى الأكاذيب والشائعات من كلا الجانبين لتضخيم وتشويه الحقائق، فإن هذا يعني إننا مقبلون على كارثة، فهذا يدّعي ان المعتصمين في الدوار يُوزع عليهم الطعام من(كنتاكي وجواد)، والآخر يدعي أن سندويشات (جسميز) تم توزيعها على جمهور الفاتح، وهذا يدّعي أن طفلة استشهدت والآخر يرسل شريط يخدش الحياء لمجموعة من المتظاهرين في إيران وينسبها إلى المعتصمين في دوار اللؤلؤة، وكل منهما يجير القنوات الفضائية لصالحه.
إن الحشد الذي تجمع في الفاتح أظهر ان السنة في البحرين يمثلهم النظام، فهل هذا الاستنتاج يقبل به السنة أنفسهم؟
إن الشعارات التي تطرح في الدوار تتفاوت وتتراوح ما بين إصلاح النظام إلى اسقاطه، لكن القلة التي تطرح الشعار الثاني والكثرة التي تؤكد على الشعار الأول وجميع من في الدوار يجمع على مطالب وطنية لا طائفية، هذه المطالب واضحة وصريحة وتتمثل في سحب الجيش والسماح بحق الشعب في التظاهر والتجمع والمسيرات والاضرابات والتي كفلها الدستور، واطلاق سراح المعتقلين، وبالفعل تم ذلك لكن من يضمن ألا يقوم النظام بنشر الجيش واستخدام القوة من جديد ومن يضمن ألا يقوم باعتقالات سياسية جديدة؟ أماالمطلب
الثالث فهو يتمثل في استقالة الحكومة وحل المجلس التشريعي بغرفتيه "النواب والشورى وتكليف حكومة انتقالية بتصريف الأعمال إلى حين التنظيم لانتخابات حرة، وبموازاة هذه الخطوة يتم تكليف مجموعة من المختصين بتعديل الدستور.
فما هو وجه الاختلاف والتقارب في هذه المطالب بين السنة والشيعة؟ الجميع ُمجمع على عدم المس بعاهل البلاد وولي عهده. فكل ما هو مذكور متفق عليه باستثناء عدم مس التغيير وجه القيادة السياسية في البلاد المتمثلة في رئيس الوزراء، ألا يمكن التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين؟
تطالب المعارضة بشكل صريح بتفعيل الملكية الدستورية الذي نص عليه الميثاق والدستور، ملكية دستورية حقيقية لا شكلية، وبالنسبة لنا ليس من المهم التسميات ملكية أو ملكية دستورية أو جمهورية، فلقد رأينا بأم العين ما تمارسه الجمهوريات من قمع وفساد وسرقات بحق البلاد والعباد، لكن ما يهم هو ما يُمارس على أرض الواقع من تشريعات وقوانين، قد نرى آلاف القوانين والتشريعات المكتوبة لكنها في الواقع حبر على ورق، ولا يطبق منها حرف واحد. إن أهم هذه التشريعات التي نحن في أمس الحاجة اليها هي العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، والتي تفضي إلى تعزيز المواطنة الحقيقية بحيث يتم التعامل مع جميع المواطنين سواسية، يحاسب المخطئ ويثيب صاحب الخبرة والعلم والكفاءة، وليس على أساس معيار القبيلة والطائفة.
نعم إن الثورات الممتدة في أرجاء الوطن العربي من تونس إلى مصر مرورا بالبحرين إلى ليبيا، ونؤكد أن لكل بلد له خصوصيته ولكل حركة لها أسبابها، لكن ما يوحدهم جميعا هو رفض الظلم والفساد.
إن دور الإعلام اساسي وحيوي، فبفضل قناة الجزيزة حققت الثورة المصرية والتونسية هدفهما الأول، حيث انني اعتبرها بمثابة الناطق الرسمي للثورة، وفي معظم الأنظمة العربية الفاسدة التي قامت فيها التحركات والهبات الشعبية نلاحظ إن الإعلام مقيد، وإن الصوت الواحد هو المسيطر والصوت الآخر هو المغيب، لذا فإن كثرة الضغط حتماً يولد الانفجار.
نعم هناك أزمة ثقة، هذه الأزمة كل طرف يقول بأن الآخر خلقها، والحقيقة ان الأب إذا أعطى ابنه الثقة صار أهل لها، فالنظام ظل لفترة طويلة ولا زال يخاف من شعبه ولا يثق به، والبعض يقول إن النظام عمد إلى التجنيس خوفا من هذه اللحظة واحترازا لها، ونحن نقول هل منع التجنيس هذه اللحظة؟ إننا نرى إن التجنيس ساهم في اشعال نار هذه اللحظة.
إن سياسة التجنيس القائمة على جلب الجهلة والمتخلفين أثمرت نتيجة واضحة للعيان، ولو أراد النظام زيادة طائفة على أخرى لجلب المتعلمين والمثقفين والنافعين للمجمتع من فئة السنة، لكنه جلب من ترفضهم مجتمعاتهم وتود بلدانهم التخلص منهم اليوم قبل البارحة.
إن الاستبداد الديني أكثر ما يتمثل في دول مثل إيران وأفغانستان، وإذا كانت لازمة التدخل الإيراني هي الفزاعة التي تُخيف الشعب، فإن الوضع هناك أيضا على شفا حفرة من النار، ولن يقبل الشعب الايراني أو غيره هذه الديكتاتورية القابعة على أرواحهم وقلوبهم حتى لو كانت من رجال الدين، لذا فإننا لا نستبعد تغير النظام في تلك الدول، وآنذاك حتما سيكون النظام الجديد أقرب إلى شعبه من هذا النظام الحالي وستختفي تدريجيا مثل هذه الفزاعات.
إن الشيعة في البحرين عروبيين، ولا يمكن أن تكون ولاءاتهم لدول غير عربية والدليل استفتاء 1971 الذي صوت فيه كل الشعب البحريني بطائفتيه على عروبة البحرين والذي على إثره تم اعلان الاستقلال.
لقد تم تهميش الطائفة السنية ولفترة طويلة من الزمن وبشكل متعمد، والآن يتم استنهاضها من اجل التطبيل لا غير، واحسرتاه على المناضلين الشرفاء منهم.
إن المرحلة الحالية بحاجة ماسة إلى اقتناص الحراك الشعبي والاستفادة من اللحظة التاريخية لتوحيد المطالب بين كافة فئات الشعب، ان الشعارات المرفوعة في الدوار هي نفسها التي رفعت في الفاتح وكلها تصب في الوحدة واللحمة الوطنية شعارات مثل: (لا سنية لا شيعية وحدة وحدة وطنية) او مثل (اخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه)، لذا على كل طرف أن يمد الأيادي لتلتقي معا غصبا عمن يحاول زرع الفتن وتأليب النفوس.
إننا بحاجة ماسة إلى هيئة وطنية مشابهة لهيئة الاتحاد الوطني عام 1956 ولكن بثوب جديد لتوحد القلوب والمطالب وتدحر المشاريع الطائفية التي تؤلب فئة على أخرى وتهيأ إلى حرب أهلية لن تذر الأخضر واليابس.
لا نعرف ما ستؤؤل إليه الأمور، لكن حتما إذا استطاع القمع أن يسفك الدماء التي تغلي في العروق هذه المرة، فلن يستطيع أن يخمد القلوب الشريفة النابضة التواقة إلى الحرية والكرامة إلى الأبد.
الكاتبة والباحثة البحرينية
أنيسة أحمد فخرو