مقال وشعر بحب الشهر

الهاملي

عضو ذهبي

ما كان رمضان ليختلف عن غيره من شهور العام لولا فريضة الصوم التي أعطته هذه الخصوصية. ولعل قول اللغويين: إنه يرمض الصائم حين يحر جوفه، فيه من الصحة الكثير. وقد شغلت أمور الدعوة، وحروب الردة الصحابة منذ زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم - وحتى نهاية عصر أبي بكر الصديق رضي الله عنـه، فلـم يكـن للشعر مكانـه القـديم، ولـم يصفـوا العادات المتعلقة بصومه، أو قيامه، سوى ما كان من أداء الفريضة، وقيام الليل، وغيرها

وفي سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه جمع الناس للتراويح على إمام واحد، في رمضان الثاني من حكمه، ورأى الناس في ذلك خيراً عميماً، واستمعوا إلى ترتيل واحد شنف آذانهم، وعكفوا على تلاوته آناء الليل، مع التسبيح، وغيره من الأقوال والأعمال الصالحة، ليل نهار، وبرز دور الشعر في تخليد مثل هذه الصورة؛ إذ قال الشاعر:

جاء الصـيام فجاء الخير أجمعه

ترتيل ذكر وتحميد وتسبيحُ

فالنفس تدأب في قول وفي عمل

صوم النهار وبالليل التراويحُ

وكأن هذا السياق الفطري، البعيد عن التكلف يبين بوضوح انتماء هذا القول إلى عصره، بعيداً عن كل الصور البيانية، أو المحسنات اللفظية، المعبر عن صدق المشاعر، وتأثير العبادة في نفوس المؤمنين.

لكن الشعراء عبر العصور رسموا صوراً وضّاءة لرمضان، وللمسلمين فيه، وزينوا صوره بكل ما استطاعوا من الصــور والمحسنات، وتخيروا الألفـاظ المــوحية المعبـرة؛ فهذا شاعر يقول:

أَدِم الصيام مع القيـام تعبُّـداً

فكلاهما عمـلان مقبـولانِ

يا حبذا عينان في غسق الدجى

من خشية الرحمن باكيـتانِ
فإذا طوينا شراعنا على عتبات العصر الحاضر، رأينا أدباءنا يرسمون لرمضان صوراً كثيرة، منها الإيماني المتعلق بأهداب العبادة، ومنها السلبي المتعلق بسدول غيرها، ومنها بين ذلك بعدد ألوان الطيف، أو يزيد.

وللجــوع أثــر في رائحـة فـم الصائـم، والـتي جعلها اللـه - سبحانه - أطيب من رائحة المسك، كما روى ذلك رسولنا -صلى الله عليه وسلم - ، وقد صاغ الشاعر محمد حسن فقي هذا المعنى بألفاظ قريبة التناول، سلسة تنساب رقراقة بقوله:

وعلى فمي طعم أحس بأنـه

من طعم تلك الجنة الخـضراءِ

لا طعم دنيانا فليس بوسعهـا

تقديم هذا الطعم للخـلفـاءِ

ما ذقت قط ولا شعرت بمثله

ألا أكون به من السـعـداءِ

وفي القصيدة ذاتها يصف الشاعر استبشار المسلمين برمضان الكريم، وأيامه الجليلة، ووحي الله من السماء، بكلمات منقادة له انقياد العاشقين، حيث يرسمها على ألحانه، ويعزفها بألوانه فيقول:

قالوا بأنك قادم فـتهللت

بالبشر أوجهنا وبالخيلاءِ

لِمَ لا نتيه مع الهيام ونزدهي

بجلال أيام ووحي سـماءِ

وللشفافية في العصر الحديث بريق يشد الناظرين، ويصوغه الشاعر محمود حسن إسماعيل، فيرسم لنا لوحة رمضانية النفحات، بألوان أطياف التقى، ويجند قدراته البلاغية ليصل بها إلى قمة الإبداع الشعري فيقول:

أضيفٌ أنت حلَّ على الأنامِ

وأقسم أن يُحَيّا بالصيامِ

قطعت الدهر أنواراً وفيّـاً

يعود مزاره في كل عـامِ

نسخت شعائر الضيفان لمّا

قنعت من الضيافة بالمقـامِ

بأن الجود حرمان وزهـد

أعزُّ من الشَّراب أو الطعامِ

ومن الشعراء السعوديين أحمد سالم باعطب، الذي يصور الأنفس المؤمنة مسرعة في ساحات الدموع الراجية غفران اللـه - سبحانه - بعد أن رأت كف الحسنات الرمضانية، وتجلي الله العلي العظيم على عباده بالجزاء الحسن الذي وعدهم، بلغة يتضح فيها الأثر الروحي، وكلمات تحمل دفء التقوى فيقول:

رمضان بالحسنات كفك تزخرُ

والكون في لألاء حسنك مبحرُ

أقبلت رُحمى فالسماء مشاعل

والأرض فجرٌ من جبينك مسفرُ

هتفت لمقدمك النفوس وأسرعت

من حوبـهـا بدموعها تستغفرُ
ولوحة نادرة يرسمها عبد الله بن سليّم الرشيد، وعلى صفحات ثقافة الجزيرة، تنطق بالوعي الديني المتزايد عند المسلمين في هذا الزمن الذي يبشر بالخير رغم كل المآسي، وعي يدفع الناس للبحث عن الفوز بالآخرة، والتخلص من الذنوب صغيرها وكبيرها، فيقول على هذا اللحن الراقص، رقصة الرجال في الفرح وغير الفرح:

مرَّ شعبان فلم تَحفَل بـه

روحُه الملـقاةُ بين الهـمَّـلِ

عجباً من أغبر ذي شعثٍ

مرَّ بالنـهر فـلم يغـتـسلِ

ومن الشعراء الذين وقفوا مع التراويح: محمود عارف، وجعل لوحتها ماء يسبح فيه المؤمنون ليزدادوا إيماناً، ويرمز إلى بركة أيامه التي تعادل العمر كله؛ ففيه ليلة خير من ألف شهر، فيقول:

فيه التراويح الـمضيئة مسبحٌ

للـقلب للإيمان يعـمر مرفقا

ساعاته عمر الزمان، مليئة

بالذكر حيث العمر عاد محلقا

ويغوص بعض الشعراء إلى أعماق المسلمين يستجلون أثر قدوم رمضان على مجتمعاتهم، ويصورون البشائر، والرحمة التي تحل عليهم، وبهم، ومنهم، تصويراً حركياً يدفع إلى رؤية المنظر الحي، بألفاظ لا يكـاد يظهـر للصنعـة فيهـا يــد قريبـة ولا بعيدة، بل السجية سيدة الموقف، والموهبة الشاعرة، التي تظهر في قول حسين عرب:

بشرى العوالم أنت يا رمضـانُ

هتفت بك الأرجاء والأكوانُ

لك في السماء كواكب وضّـاءة

ولك النفوس المؤمنات مكـانُ

يا مشعلاً قبس الحقيقة بـعد أن

أعيت عن استقصائها الأذهانُ


لجمال هذا المقال نقلته لكم أعزائي

تحياتي
 

دنيا الوله

عضو مميز
يا ذا الذي ماكفاه الذنب في رجب __________ حتى عصى ربه في شهر شعبان

لقد أظلك شهر الصوم بعـدهـما __________ فلا تصيره أيضاً شهر عصيان

واتل القرآن وسبح فيه مجتهداً __________ فإنه شـهـر تســبــيـــح وقرآن

فاحمل على جسد ترجو النجاة له __________ فسوف تضرَم أجساد بنيران

كم كنت تعرف ممن صام في سلف ________ من بين أهل وجيران وإخوان

أفناهم الموت واستبقاك بعدهم __________ حيا فما أقرب القاصي من الداني

ومعجب بثياب العيد يقطعها ___________ فأصبحت في غد أثواب أكفان

حتى متى يعمر الإنسان مسكنه __________ مصير مســكنه قــبر إنـسان


********

شكراً على النقل أخوي الهاملي
الله يوفقنا وإياكم ويبلغنا رمضان ويخرجنا منه مغفورين الذنب مرحومين معتوقين يارب العالمين

 
أعلى