بيت تهوي إليه الأفئدة

قال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمة الله تعالى عليه – :
[ " اختار " سبحانه وتعالى من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها، وهي البلد الحرام، فإنه سبحانه وتعالى اختاره لنبيه صلى الله عليه وسلم، وجعله مناسك لعباده، وأوجب عليهم الإتيان إليه من القرب والبعد من كل فج عميق، فلا يدخلونه إلا متواضعين متخشعين متذللين كاشفي رءوسهم متجردين عن لباس أهل الدنيا، وجعله حرما آمنا لا يسفك فيه دم، ولا تعضد به شجرة، ولا ينفر له صيد، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته للتمليك بل للتعريف ليس إلا، وجعل قصده مكفرا لما سلف من الذنوب، ماحيا للأوزار، حاطا للخطايا، كما في " الصحيحين " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» ، ولم يرض لقاصده من الثواب دون الجنة، ففي " السنن " من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة». وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» .
فلو لم يكن البلد الأمين خير بلاده، وأحبها إليه، ومختاره من البلاد؛ لما جعل عرصاتها مناسك لعباده فرض عليهم قصدها، وجعل ذلك من آكد فروض الإسلام، وأقسم به في كتابه العزيز في موضعين منه فقال تعالى: {وهذا البلد الأمين} [التين: 3] [التين: 3] ، وقال تعالى: (لا أقسم) (بهذا البلد) [البلد: 1] ، وليس على وجه الأرض بقعة يجب على كل قادر السعي إليها والطواف بالبيت الذي فيها غيرها، وليس على وجه الأرض موضع يشرع تقبيله واستلامه، وتحط الخطايا والأوزار فيه غير الحجر الأسود، والركن اليماني.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، ففي ” سنن النسائي ” و” المسند ” بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة» ورواه ابن حبان في ” صحيحه ” وهذا صريح في أن المسجد الحرام أفضل بقاع الأرض على الإطلاق، ولذلك كان شد الرحال إليه فرضا، ولغيره مما يستحب ولا يجب، وفي ” المسند ” والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عدي بن الحمراء، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة يقول: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
بل ومن خصائصها كونها قبلة لأهل الأرض كلهم، فليس على وجه الأرض قبلة غيرها.
ومن خواصها أيضا أنه يحرم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة دون سائر بقاع الأرض.
وأصح المذاهب في هذه المسألة: أنه لا فرق في ذلك بين الفضاء والبنيان لبضعة عشر دليلا قد ذكرت في غير هذا الموضع، وليس مع المفرق ما يقاومها البتة مع تناقضهم في مقدار الفضاء والبنيان، وليس هذا موضع استيفاء الحجاج من الطرفين.
ومن خواصها أيضا أن المسجد الحرام أول مسجد وضع في الأرض، كما في ” الصحيحين ” عن أبي ذر قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض؟ فقال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال أربعون عاما» وقد أشكل هذا الحديث على من لم يعرف المراد به فقال: معلوم أن سليمان بن داود هو الذي بنى المسجد الأقصى، وبينه وبين إبراهيم أكثر من ألف عام، وهذا من جهل هذا القائل، فإن سليمان إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه، والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما وآلهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار.
ومما يدل على تفضيلها أن الله تعالى أخبر أنها أم القرى، فالقرى كلها تبع لها وفرع عليها، وهي أصل القرى، فيجب ألا يكون لها في القرى عديل، فهي كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن (الفاتحة) أنها أم القرآن، ولهذا لم يكن لها في الكتب الإلهية عديل.
ومن خصائصها أنها لا يجوز دخولها لغير أصحاب الحوائج المتكررة إلا بإحرام، وهذه خاصية لا يشاركها فيها شيء من البلاد، وهذه المسألة تلقاها الناس عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد روي عن ابن عباس بإسناد لا يحتج به مرفوعا «لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام، من أهلها ومن غير أهلها» ذكره أبو أحمد بن عدي، ولكن الحجاج بن أرطاة في الطريق، وآخر قبله من الضعفاء.
وللفقهاء في المسألة ثلاثة أقوال: النفي، والإثبات، والفرق بين من هو داخل المواقيت ومن هو قبلها، فمن قبلها لا يجاوزها إلا بإحرام، ومن هو داخلها فحكمه حكم أهل مكة، وهو قول أبي حنيفة، والقولان الأولان للشافعي وأحمد.
ومن خواصه أنه يعاقب فيه على الهم بالسيئات وإن لم يفعلها، قال تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج: 25] [الحج: 25] فتأمل كيف عدى فعل الإرادة هاهنا بالباء، ولا يقال: أردت بكذا إلا لما ضمن معنى فعل ” هم ” فإنه يقال: هممت بكذا، فتوعد من هم بأن يظلم فيه بأن يذيقه العذاب الأليم.
ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن سيئة كبيرة جزاؤها مثلها، وصغيرة جزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه، فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات، والله أعلم.
وقد ظهر سر هذا التفضيل والاختصاص في انجذاب الأفئدة وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها لهذا البلد الأمين، فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد، فهو الأولى بقول القائل:
محاسنه هيولى كل حسن … ومغناطيس أفئدة الرجال
ولهذا أخبر سبحانه أنه مثابة للناس، أي: يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وطرا، بل كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقا.
لا يرجع الطرف عنها حين ينظرها … حتى يعود إليها الطرف مشتاقا
فلله كم لها من قتيل وسليب وجريح، وكم أنفق في حبها من الأموال والأرواح، ورضي المحب بمفارقة فلذ الأكباد، والأهل والأحباب والأوطان، مقدما بين يديه أنواع المخاوف والمتالف والمعاطف والمشاق، وهو يستلذ ذلك كله ويستطيبه ويراه -لو ظهر سلطان المحبة في قلبه- أطيب من نعم المتحلية وترفهم ولذاتهم.
وليس محبا من يعد شقاءه … عذابا إذا ما كان يرضى حبيبه
وهذا كله سر إضافته إليه سبحانه وتعالى بقوله: {وطهر بيتي} [الحج: 26] [الحج: 26] فاقتضت هذه الإضافة الخاصة من هذا الإجلال والتعظيم والمحبة ما اقتضته، كما اقتضت إضافته لعبده ورسوله إلى نفسه ما اقتضته من ذلك، وكذلك إضافته عباده المؤمنين إليه كستهم من الجلال والمحبة والوقار ما كستهم، فكل ما أضافه الرب تعالى إلى نفسه فله من المزية والاختصاص على غيره ما أوجب له الاصطفاء والاجتباء، ثم يكسوه بهذه الإضافة تفضيلا آخر، وتخصيصا وجلالة زائدا على ما كان له قبل الإضافة ] انتهى
[ المصدر : زاد المعاد للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى من صفحة (47) بتصرف يسير جداً في أوله ليناسب النقل ]

مـــــنـــقـــول ،،،،، [ من مقالات الفقهيه] لموقع سحاب السلفيه،،


الرابط

http://www.sahab.net/home/?p=525





التعليق:


رحم الله ابن القيم وغفرله واسكنه في عليين

فهو امام من ائمه المسلمين ،،،،، ولفائده [ استمع لقصيدته الميمه] فيها اوصاف للحج الي البيت الحرام ووصف الشوق الي هذه البقعه الشريفه.
 
كلـمـات القصيدة الميمه [لابن القيم الجوزيه]


رحلة الأشواق


إذا طَلَعَتْ شمسُ النهارِ فإنَّها ☆☆ أمَارَة تسْلِيمي عليكمْ فسَلّمُوا
سلامٌ مِن الرحمَنِ في كلِّ سَاعة ☆☆ ورَوْحٌ ورَيْحانٌ وفضْلٌ وأنْعُمُ
عَلى الصَّحْبِ والإخْوانِ والوِلْدِ والأُلىَ ☆☆ دَعَوْهم بإحْسَانٍ فجَادُوا وأنْعَمُوا
وسائرِ مَن للسُّنَّةِ المَحْضةِ اقتَفى ☆☆ ومَا زاغ عنها فهو حَقٌّ مُقدَّمُ
أولئكَ أتباعُ النبيِّ وحِزْبُهُ ☆☆ ولوْلاهُمُ ما كان في الأرضِ مُسْلِمُ
ولوْلاهُمُ كادَتْ تَمِيدُ بأهْلِهَا ☆☆ ولكنْ رَوَاسِيها وأوْتادُها هُمُ
ولوْلاهُمُ كانتْ ظلامًا بِأهْلِها ☆☆ وَلكنْ هُمُ فِيها بُدُورٌ وَأنْجُمُ
أولئكَ أصْحَابي فحَيَّ هَلًا بهِمْ ☆☆ وحَيَّ هَلًا بالطيِّبينَ وأنعِمْ
لِكُلِّ امْرِئ ٍمنهم سَلامٌ يَخُصُّهُ ☆☆ يُبَلغُه الأدنَى إليهِ وَينعَمُ
فيَا مُحْسِنًا بَلغْ سَلامِي وَقُلْ لهُمْ ☆☆ مُحِبُّكُمُو يَدْعُو لكُم وَيُسَلمُ
ويَا لائِمِي فِي حُبِّهُمْ وَوَلائِهمْ ☆☆ تأمَّلْ هَدَاكَ اللهُ مَنْ هُوَ ألْوَمُ
بأيِّ دَلِيلٍ أمْ بأيَّةِ حُجةٍ ☆☆ ترَى حُبَّهُمْ عَارًا عَليَّ وَتنقِمُ
ومَا العارُ إلا بُغْضُهُمْ وَاجْتِنابُهُمْ ☆☆ وَحُبُّ عِدَاهُم ذاكَ عارٌ ومَأثمُ
أمَا وَالذِي شقَّ القلوبَ وأوْدَعَ الْـ ☆☆ ـمَحَبَّة فيها حيثُ لا تَتصَرَّمُ
وحَمَّلها قلبَ المُحِبِّ وإنَّهُ ☆☆ ليَضْعُفُ عنْ حَمْلِ القميصِ وَيَألمُ
وَذللها حتى اسْتكانَتْ لِصَوْلةِ الـْ ☆☆ ـمَحَبَّةِ لا تلوي ولا تتلعْثمُ
وذَلَّلَ فيها أنفُسًا دُونَ ذلِّها ☆☆ حِياضُ المَنايا فوقها وَهْيَ حُوَّمُ
لأنْتُمْ عَلى قرْبِ الدِّيارِ وبُعْدِها ☆☆ أحِبَّتُنا إنْ غِبْتُمُوا أو حَضَرْتُمُ
سَلُوا نَسَمَاتٍ الرِّيحِ كم قدْ تحمَّلتْ ☆☆ مَحَبَّة صَبٍّ شوْقهُ ليْس يُكْتَمُ
وشاهِدُ هذا أنَّها في هُبُوبِها ☆☆ تكادُ تبُثُّ الوَجْدَ لوْ تتكَلمُ
وَكُنتُ إذا ما اشْتدَّ بي الشوقُ والجَوَى ☆☆ وكادَتْ عُرَى الصَّبر الجَمِيلِ تَفَصَّمُ
أعَللُ نَفْسِي بالتَّلاقي وَقُرْبِهُ ☆☆ وأُوهِمُها لَكِنَّهَا تَتوَهَّمُ
وأتْبعُ طرْفِي وِجْهَةً أنتُمُ بها ☆☆ فلِي بحِمَاها مَرْبَعٌ ومُخَيَّمُ
وَأذْكُرُ بَيْتا قالهُ بعضُ مَن خَلا ☆☆ وَقدْ ضلَّ عَنْهُ صبُرُهُ فهُوَ مُغْرمُ
أسَائِلُ عَنكُمْ كلَّ غادٍ ورائحٍ ☆☆ وأومِي إلى أوطانِكُم وأسَلمُ
وكمْ يَصْبِرُ المُشتاقُ عمَّن يُحِبُّهُ ☆☆ وفِي قلبِهِ نارُ الأسَى تتضَرَّمُ

مشهد الحجيج

أمَا وَالذِي حَجَّ الْمُحِبُّونَ بَيْتَهُ ☆☆ وَلبُّوا لهُ عندَ المَهَلِّ وَأحْرَمُوا
وقدْ كَشفُوا تِلكَ الرُّؤوسَ توَاضُعًا ☆☆ لِعِزَّةِ مَن تعْنو الوُجوهُ وتُسلِمُ
يُهلُّونَ بالبيداءِ لبيك ربَّنا ☆☆ لكَ المُلكُ والحَمْدُ الذي أنتَ تَعْلمُ
دعاهُمْ فلبَّوْهُ رِضًا ومَحَبَّةً ☆☆ فلمَّا دَعَوهُ كان أقربَ منهمُ
ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْ ☆☆ وغُبْرًا وهُمْ فيها أسَرُّ وأنْعَمُ
وَقدْ فارَقوا الأوطانَ والأهلَ رغبةً ☆☆ ولم يُثنِهِمْ لذَّاتُهُمْ والتَّنَعُّمُ
يَسِيرونَ مِن أقطارِها وفِجاجِها ☆☆ رِجالا ورُكْبانا ولله أسْلمُوا
ولمَّا رأتْ أبصارُهُم بيتَهُ الذي ☆☆ قلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تَضَرَّمُ
كأنهمُ لمْ يَنْصَبُوا قطُّ قبْلهُ ☆☆ لأنَّ شَقاهُمْ قد ترحَّلَ عنْهُمُ
فلِلَّهِ كمْ مِن عَبْرةٍ مُهْرَاقةٍ ☆☆ وأخرى على آثارِها لا تَقَدَّمُ
وَقدْ شَرِقتْ عينُ المُحِبِّ بدَمْعِها ☆☆ فينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويُسْجِمُ
إذا عَايَنَتْهُ العَيْنُ زالَ ظلامُها ☆☆ وزالَ عن القلبِ الكئيبِ التألُّمُ
ولا يَعْرِفُ الطرْفُ المُعايِنُ حسْنَهُ ☆☆ إلى أن يعودَ الطرْفُ والشوقُ أعْظمُ
ولا عجبٌ مِن ذا فحِينَ أضافهُ ☆☆ إلى نفسِهِ الرحمنُ ؛ فهو المعظَّمُ
كسَاهُ منَ الإجْلالِ أعظمَ حُلةٍ ☆☆ عليها طِرازٌ بالمَلاحَةِ مُعْلَمُ
فمِنْ أجلِ ذا كلُّ القلوبِ تُحِبُّهُ ☆☆ وتَخْضَعُ إجْلالا لهُ وتُعَظِّمُ
ورَاحُوا إلى التَّعْريفِ يَرْجُونَ رحمةً ☆☆ ومغفرة مِمَّن يجودُ ويُكرِمُ
فلِلهِ ذاكَ الموقفُ الأعظمُ الذي ☆☆ كموقفِ يومِ العَرْضِ بلْ ذاكَ أعظمُ
ويدْنُو بهِ الجبّارُ جَلَّ جلالُهُ ☆☆ يُباهِي بهمْ أمْلاكَه فهو أكرَمُ
يقولُ عِبادِي قدْ أتونِي مَحَبَّةً ☆☆ وَإنِّي بهمْ بَرٌّ أجُودُ وأرْحَمُ
فأشْهِدُكُمْ أنِّي غَفَرْتُ ذنُوبَهُمْ ☆☆ وأعْطيْتُهُمْ ما أمَّلوهُ وأنْعِمُ
فبُشراكُمُ يا أهلَ ذا المَوقفِ الذِي ☆☆ به يَغفرُ اللهُ الذنوبَ ويَرحمُ
فكمْ مِن عتيقٍ فيه كَمَّلَ عِتقهُ ☆☆ وآخرَ يَسْتسعَى وربُّكَ أرْحَمُ
ومَا رُؤيَ الشيطانُ أغيظَ في الوَرَى ☆☆ وأحْقرَ منهُ عندها وهو ألأَمُ
وَذاكَ لأمْرٍ قد رَآه فغاظهُ ☆☆ فأقبلَ يَحْثُو التُّرْبَ غَيْظا وَيَلطِمُ
وما عاينتْ عيناه مِن رحمةٍ أتتْ ☆☆ ومغفرةٍ مِن عندِ ذي العرْشِ تُقْسَمُ
بَنَى ما بَنى حتى إذا ظنَّ أنه ☆☆ تمَكَّنَ مِن بُنيانِهِ فهو مُحْكَمُ
أتَى اللهُ بُنيَانًا له مِن أساسِهِ ☆☆ فخرَّ عليه ساقطا يتهدَّمُ
وَكمْ قدْرُ ما يعلو البناءُ ويَنْتهي ☆☆ إذا كان يَبْنِيهِ وذو العرش يهدِمُ
وراحُوا إلى جَمْعٍ فباتُوا بمَشعَرِ الْـ ☆☆ ـحَرَامِ وصَلَّوْا الفجْرَ ثمَّ تقدَّموا
إلى الجَمْرةِ الكُبرَى يُريدون رَمْيَها ☆☆ لوقتِ صلاةِ العيدِ ثمَّ تيَمَّمُوا
منازلَهمْ للنحْرِ يَبغونَ فضلَهُ ☆☆ وإحياءَ نُسْكٍ مِن أبيهمْ يُعَظَّمُ
فلوْ كان يُرضِي اللهَ نَحْرُ نفوسِهمْ ☆☆ لدانُوا بهِ طوْعًا وللأمرِ سلَّمُوا
كما بَذلُوا عندَ الجِهادِ نُحورَهُمْ ☆☆ لأعدائِهِ حتَّى جرَى منهمُ الدَّمُ
ولكنَّهمْ دانُوا بوضْعِ رؤوسِهمْ ☆☆ وذلِكَ ذلٌّ للعبيدِ ومَيْسَمُ
ولمَّا تقضَّوْا ذلكَ التَّفَثَ الذِي ☆☆ عليهمْ وأوْفَوا نذرَهُمْ ثمَّ تَمَّمُوا
دعاهُم إلى البيتِ العتيقِ زيارةً ☆☆ فيَا مرحَبًا بالزائِرين وأكرمُ
فلِلهِ ما أبْهَى زيارتَهُمْ لهُ ☆☆ وقدْ حُصِّلتْ تلكَ الجَوائزِ تُقْسَمُ
وَللهِ أفضالٌ هناكَ ونِعْمَةٌ ☆☆ وبِرٌّ وإحْسَانٌ وجُودٌ ومَرْحَمُ
وعادُوا إلى تلكَ المنازلِ مِن مِنَى ☆☆ ونالُوا مناهُمْ عندَها وتَنَعَّمُوا
أقامُوا بها يومًا ويومًا وثالثًا ☆☆ وأذِّنَ فِيهمْ بالرحيلِ وأعْلِمُوا
وراحُوا إلى رمْيِ الجمارِ عَشِيَّةً ☆☆ شعارُهُمُ التكْبيرُ واللهُ معْهُمُ
فلو أبْصرَتْ عيناكَ موقفَهمْ بها ☆☆ وَقدْ بسَطوا تلكَ الأكفَّ لِيُرْحَمُوا
ينادونَهُ يا ربِّ يا ربِّ إننا ☆☆ عبيدُكَ لا ندْعو سواكَ وتَعْلمُ
وها نحنُ نرجو منكَ ما أنتَ أهلُهُ ☆☆ فأنتَ الذي تُعْطِي الجزيلَ وتُنْعِمُ
ولمَّا تقضَّوْا مِن مِنًى كلَّ حاجةٍ ☆☆ وسالتْ بهمْ تلكَ البِطاحُ تقدَّموا
إلى الكعبةِ البيتِ الحَرامِ عشيةً ☆☆ وطافُوا بها سبْعًا وصَلوْا وسَلَّمُوا

آلام الوداع

ولمَّا دَنا التوْدِيعُ منهمْ وأيْقنُوا ☆☆ بأنَّ التدَانِي حبْلُهُ مُتَصَرِّمُ
ولمْ يبقَ إلا وقفةٌ لِمُوَدِّعٍ ☆☆ فلِلهِ أجفانٌ هناكَ تُسَجَّمُ
وللهِ أكبادٌ هنالِكَ أُودِعَ الْـ ☆☆ ـغرامُ بها فالنارُ فيها تَضرَّمُ
وللهِ أنفاسٌ يكادُ بحَرِّها ☆☆ يذوبُ المُحِبُّ المُسْتهَامُ المُتيَّمُ
فلمْ ترَ إلا باهِتًا مُتَحَيِّرًا ☆☆ وآخرَ يُبْدِي شجوَهُ يَترَنَّمُ
رَحَلتُ وأشْواقِي إليكمْ مُقِيمَةٌ ☆☆ ونارُ الأسَى مِنِّي تَشُبُّ وتَضْرمُ
أوَدِّعُكُمْ والشوقُ يُثنِي أعِنَّتِي ☆☆ وقلبيَ أمْسَى فِي حِماكُمْ مُخَيِّمُ
هنالِكَ لا تَثْريبَ يومًا عَلىَ امرئٍ ☆☆ إذا ما بَدا منهُ الذي كانَ يَكْتُمُ
فيَا سائِقينَ العِيسَ باللهِ ربِّكمْ ☆☆ قِفوا لِي على تلكَ الرُّبوعِ وسَلِّمُوا
وقولوا مُحِبٌّ قادهُ الشوقُ نحوكُمْ ☆☆ قضَى نحبَهُ فيكُمْ تَعِيشُوا وَتسْلمُوا
قضَى اللهُ ربُّ العرشِ فيمَا قضَى بهِ ☆☆ بأنَّ الهوَى يُعمِي القلوبَ ويُبْكِمُ
وحُبُّكُمُ أصْلُ الهَوَى ومَدَارُهُ ☆☆ عليهِ وفوزٌ للمُحِبِّ ومَغْنَمُ
وتفنَى عِظامِ الصَّبِّ بعدَ مَماتِهِ ☆☆ وأشواقُهُ وقْفٌ عليهِ مُحَرَّمُ

انتفاضة البعث !

فيَا أيُّها القلبُ الذي مَلكَ الهَوَى ☆☆ أزِمَّتَهُ حتى مَتى ذا التلوُّمُ
وحَتَّامَ لا تصْحُو وقدْ قرُبَ المَدَى ☆☆ ودُنّتْ كُؤوسُ السَّيْرِ والناسُ نوَّمُ
بَلى سوفَ تصحُو حين ينكشفُ الغَطا ☆☆ ويبدو لكَ الأمرُ الذي أنتَ تكتُمُ
ويا مُوقِدًا نارًا لغيركَ ضوؤُها ☆☆ وحرُّ لَظاها بينَ جنْبَيْك يَضرِمُ
أهذا جَنَى العلمِ الذي قد غرستَهُ ☆☆ وهذا الذي قد كنتَ ترجوهُ يُطْعِمُ
وهذا هو الحظُّ الذي قد رضيتَهُ ☆☆ لِنفسكَ في الدارَيْنِ جاهٌ ودِرهمُ
وهذا هو الرِّبحُ الذي قد كسبتَهُ ☆☆ لَعمرُكَ لا رِبحٌ ولا الأصلُ يَسْلَمُ
بَخِلتَ بشيءٍ لا يضرُّكَ بذلُهُ ☆☆ وجُدْتَ بشيءٍ مثلُهُ لا يُقَوَّمُ
بَخِلتَ بذا الحظِّ الخسِيسِ دناءةً ☆☆ وجُدْتَ بدارِ الخُلدِ لو كنتَ تَفهمُ
وبِعْتَ نعيمًا لا انقضاءَ له ولا ☆☆ نظيرَ ببخْسٍ عن قليلٍ سيُعْدَمُ
فهلا عكستَ الأمرَ إنْ كنتَ حازمًا ☆☆ ولكن أضعتَ الحزمَ لو كنتَ تعلَمُ
وتهدِمُ ما تَبنِي بكفِّك جاهدًا ☆☆ فأنتَ مَدى الأيامِ تبنِي وتَهْدِمُ
و عندَ مرادِ الله تفنَى كمَيِّتٍ ☆☆ وعندَ مرادِ النفسِ تُسْدِي وتُلْحِمُ
وعند خِلافِ الأمر تحتَجُّ بالقَضَا ☆☆ ظهيرًا على الرحمن للجَبْرِ تزْعُمُ
تُنَزِّهُ منكَ النفسَ عن سوء فِعْلِها ☆☆ وتعتِبُ أقدارَ الإلَهِ وتَظْلِمُ
تُحِلُّ أمورا أحكمَ الشرعُ عَقْدَها ☆☆ وتقصِدُ ما قد حلَّه الشرْعُ تُبْرِمُ
وتَفهمُ من قولِ الرسولِ خلافَ ما ☆☆ أرادَ لأن القلبَ منك مُعجَّمُ
مطيعٌ لِداعِي الغَيِّ عاصٍ لِرُشْدِهِ ☆☆ الى ربِّه يومًا يُرَدُّ ويَعلَمُ
مُضِيعٌ لأمرِ اللهِ قد غشَّ نفسَهُ ☆☆ مُهينٌ لها أنَّى يُحَبُّ ويُكرَمُ
بطيءٌ عن الطاعاتِ أسرعُ للخَنَا ☆☆ مِنَ السيلِ في مَجْرَاهُ لا يَتَقَسَّمُ
وتَزْعم معْ هذا بأنكَ عارفٌ ☆☆ كذَبْتَ يقِينًا في الذي أنتَ تزعُمُ
وما أنتَ إلا جاهلٌ ثم ظالمٌ ☆☆ وأنكَ بين الجاهلِينَ مُقَدَّمُ
إذا كان هذا نصحُ عبدٍ لنفسِهِ ☆☆ فمَنْ ذا الذي منه الهُدَى يُتَعَلَّمُ
وفي مثلِ هذا الحالِ قد قال مَن مَضَى ☆☆ و أحسنَ فيما قالَهُ المتَكلِّمُ
فإنْ كنْتَ لا تدرِي فتلكَ مُصيبةٌ ☆☆ وإنْ كنتَ تَدْرِي فالمصيبةُ أعْظَمُ
ولو تُبْصِرُ الدنيا وراءَ سُتُورِها ☆☆ رأيتَ خيَالا في منامٍ سَيُصْرَمُ
كحُلمٍ بطيفٍ زار في النوم وانقضَى الـْ ☆☆ ـمنامُ وراحَ الطيفُ والصبُّ مُغْرَمُ
وظِلٍّ أتتْهُ الشمسُ عند طلوعِها ☆☆ سَيُقْلَصُ في وقتِ الزوالِ ويَفْصِمُ
ومُزْنَةِ صيفٍ طابَ منها مَقِيلُها ☆☆ فولَّتْ سرِيعًا والحُرُورُ تَضَرَّمُ
ومَطْعَمِ ضيفٍ لذَّ منه مَسَاغُهُ ☆☆ وبعدَ قليلٍ حالُهُ تلكَ تُعْلَمُ
كَذا هذهِ الدُّنيا كأحلامِ نائمٍ ☆☆ ومِنْ بعدِها دارُ البقاءِ سَتُقْدِمُ
فجُزْها مَمَرًّا لا مقرًّا وكنْ بِها ☆☆ غريبًا تَعِشْ فيها حمَيِدًا وتَسْلَمُ
أو ابنَ سبيلٍ قالَ في ظِلِّ دَوْحَةٍ ☆☆ وراحَ وخلَّى ظِلَّها يَتَقَسَّمُ
أخا سَفَرٍ لا يستقرُّ قَرارُهُ ☆☆ إلى أنْ يَرى أوطانَهُ ويُسَلِّمُ
فيا عجبًا ! كمْ مَصْرَعٍ وَعَظَتْ بِهِ ☆☆ بنِيها ولكنْ عن مَصارعِها عَمُوا
سقتْهمْ كؤوسَ الحُبِّ حَتى إذا نَشَوْا ☆☆ سقتْهم كؤوسَ السُّمِّ والقومُ نُوَّمُ
و أعجبُ ما في العَبْدِ رؤيةُ هذه الـْ ☆☆ ـعَظائِمِ والمغمورُ فيها مُتَيَّمُ
وما ذاك إلا أنَّ خمرةَ حُبِّها ☆☆ لَتَسْلِبُ عقلَ المرءِ منه وتَصْلِمُ
وأعجبُ مِن ذا أن أحبَابَها الأُلى ☆☆ تُهينُ ولِلأَعْدَا تُراعِي وتُكْرِمُ
وذلكَ بُرهانٌ على أنّ قدْرَها ☆☆ جناحُ بعوضٍ أو أدقُّ و أَلْأَمُ
وحَسْبُكَ ما قال الرسولُ مُمَثِّلا ☆☆ لها ولِدارِ الخُلدِ والحقُّ يُفهَمُ
كما يُدلِيَ الإنسانُ في اليمِّ أُصْبُعًا ☆☆ ويَنْزِعهُا عنه فما ذاكَ يَغْنَمُ ؟

أمنيات

ألا ليتَ شِعْري هلْ أبِيتَنَّ ليلةً ☆☆ على حَذَرٍ مِنها وأمْريَ مُبْرَمُ
وهلْ أرِدَنْ ماءَ الحياةِ وأرْتَوِي ☆☆ عَلى ظمإٍ مِن حوضِهِ وهوَ مُفْعَمُ
وهلْ تَبْدُوَنْ أعلامُها بعدَما سَفَتْ ☆☆ على رَبْعِها تِلكَ السَّوافِي فَتُعْلَمُ
وهلْ أفرِشَنْ خدِّي ثَرَى عتَبَاتِهِمْ ☆☆ خُضُوعًا لَهم كَيْما يَرِقُّوا ويَرْحَمُوا
وهلْ أرْمِيَنْ نفسِي طرِيحًا ببابِهم ☆☆ وطَيْرُ منايا الحبِّ فوقي تُحَوِّمُ
فيا أسفِي تفنَى الحياةُ وتنقضي ☆☆ وذا العتْبُ باقٍ ما بَقِيتُمْ وعِشْتُمُ
فما منكمُ بُدٌّ ولا عنكم غِنًى ☆☆ ومالِيَ مِن صَبْرٍ فأسْلُوَ عنْكُمُ
ومَن شاءَ فلْيَغْضَبْ سواكُم فلا أذًى ☆☆ إذا كنتمُ عن عبْدِكُمْ قدْ رَضِيتُمُ
وعُقْبَى اصْطِباري فِي هَواكُم حميدةٌ ☆☆ ولكنها عنكمْ عِقابٌ ومَأثَمُ
وما أنا بالشاكي لما ترتَضونَهُ ☆☆ ولكنَّنِي أرضَى به و أُسَلِّمُ
وحَسْبِي انْتِسابي مِن بُعَيْدٍ إلَيْكُمُ ☆☆ ألا إنهُ حظٌّ عظيمٌ مُفْخَّمُ
إذا قيلَ هذا عبدُهُم ومُحِبُّهُم ☆☆ تَهَلَّلَ بِشْرًا وجهُهُ يَتَبَسَّمُ
وها هو قد أبدَى الضراعةَ سائلا ☆☆ لكمْ بِلِسانِ الحالِ والقالِ مُعْلِمُ
أحِبَّتَهُ عَطْفًا عليهِ فإنهُ ☆☆ لَفِي ظمأٍ والموردُ العَذْبُ أنْتُمُ

سبيل النجاة

فَيَا ساهِيا في غمْرَةِ الجهلِ والهَوَى ☆☆ صريعَ الأماني عن قَريبٍ ستَنْدَمُ
أفِقْ قد دَنا الوقتُ الذي ليْس بَعدَهُ ☆☆ سِوى جنةِ أو حرِّ نار تضرَّمُ
وبالسُّنَّة الغرَّاء كنْ متمسِّكًا ☆☆ هي العُرْوةُ الوُثقى التي ليْس تُفْصَمُ
تمَسَّكْ بها مَسْكَ البخيلِ بِمالِهِ ☆☆ وعَضَّ عليها بالنواجِذِ تسْلَمُ
وَدَعْ عنكَ ما قد أحدثَ الناسُ بَعدَها ☆☆ فمَرْتعُ هاتيكَ الحوادثِ أوْخَمُ
وهَيِّئْ جوابًا عندما تسمعُ النِّدا ☆☆ مِن اللهِ يومَ العرضِ ماذا أجبْتُمُ؟
بِهِ رُسُلي لَمّا أتوْكُمْ فمَنْ يَكُنْ ☆☆ أجابَ سِواهمْ سوف يُخْزَى ويَنْدَمُ
وخُذ مِن تُقى الرحمنِ أعظمَ جُنَّةٍ ☆☆ ليومٍ بِهِ تبدو عَيَانًا جهنمُ
ويُنْصَبُ ذاكَ الجسرُ من فوق مَتْنِها ☆☆ فهاوٍ ومَخدوشٌ وناجٍ مُسَلَّمُ
ويأتي إلَهُ العالمين لِوعْدِهِ ☆☆ فيفْصِلُ ما بين العبادِ ويَحْكُمُ
ويأخذُ لِلمظلومِ ربُّكَ حَقَّهُ ☆☆ فيا بُؤْسَ عَبْدٍ للخلائقِ يَظْلِمُ
ويُنْشَر دِيوانُ الحسابِ وتوضعُ الْـ ☆☆ ـموازينُ بالقِسط الذي ليس يَظلِمُ
فلا مُجرمٌ يَخشَى ظُلامةَ ذرَّةٍ ☆☆ ولا مُحسِنٌ مِن أجرِهِ ذاكَ يُهْضَمُ
وتشهَدُ أعضاءُ المسيءِ بما جَنَى ☆☆ كذاكَ على فِيهِ المهيمنُ يَختِمُ
فياليْتَ شِعري كيفَ حالكُ عندَما ☆☆ تطايَرُ كُتبُ العالمينَ وتُقسَمُ
أتأخذُ باليُمنَى كتابَكَ أمْ تَكُنْ ☆☆ بِأخْرَى وراءَ الظَّهْرِ منكَ تُسَلَّمُ
وتقرأُ فيه كلَّ شيءٍ عمِلْتَهُ ☆☆ فيُشْرِقُ منكَ الوَجْهُ أو هُوَ يُظْلِمُ
تقولُ كتابِي فاقرؤُوهُ فإنهُ ☆☆ يُبَشِّرُ بالفوزِ العظيمِ ويُعْلِمُ
وإنْ تكنِ الأخرى فإنكَ قائلٌ ☆☆ ألَا ليتنِي لَمْ أوتَهْ فهو مُغْرَمُ
فبادِر إذا مادام في العمر فُسْحَةٌ ☆☆ وعَدْلُكَ مقبولٌ وصرْفُكَ قيِّمُ
وَجِدَّ وسارِعْ واغتَنِمْ زمَنَ الصِّبا ☆☆ ففي زمن الإمْكانِ تسْعَى وتَغْنَمُ
وسِر مُسْرِعًا فالسَّيْرُ خلفَكَ مُسْرِعًا ☆☆ وهيهاتَ ما منهُ مَفَرٌّ ومَهْزَمُ
فهُنَّ المنايا أيَّ وادٍ نَزَلْتَهُ ☆☆ عليها القُدُومُ أو عليكَ ستَقْدمُ

بلاد الأشواق

وَمَا ذاكَ إلا غيْرةً أن ينالَها ☆☆ سِوَى كُفئِها والربُّ بالخَلْقِ أعْلَمُ
وإنْ حُجِبَتْ عنَّا بكلِّ كريهةٍ ☆☆ وحُفَّتْ بما يؤذي النفوسَ ويُؤلِمُ
فَلِلهِ ما في حَشْوِها مِن مَسرَّةٍ ☆☆ وأصنافِ لذَّاتٍ بِها نَتَنَعَّمُ
ولله بَرْدُ العيشِ بينَ خِيامِها ☆☆ ورَوضاتِها والثغرُ في الروضِ يَبْسُمُ
فَلِلَّهِ واديها الذي هوَ موعدُ الْـ ☆☆ ـمَزيدِ لِوَفدِ الحُبِّ لو كنتَ مِنهمُ
بِذيَّالِكَ الوادي يَهيمُ صَبابَةً ☆☆ مُحِبٌّ يرى أن الصَّبابَةَ مغنَمُ
وَلله أفراحُ المُحِبين عندما ☆☆ يُخاطِبُهُم مِن فوقِهم ويُسَلِّمُ
ولله أبصارٌ ترى اللهَ جَهرةً ☆☆ فلا الضَّيْمُ يَغْشاها ولا هي تَسْأمُ
فيا نَظرةً أهْدَتْ إلى القلب نَضْرَةً ☆☆ أمِنْ بَعْدِها يَسْلو المحُبُّ المتيَّمُ
ولله كمْ مِن خَيْرَةٍ لو تَبَسَّمَتْ ☆☆ أضاءَ لَها نورٌ مِن الفَجْرِ أعظَمُ
فيَا لذةَ الأبْصارِ إنْ هِيَ أقبَلَتْ ☆☆ ويا لذَّةَ الأسْماعِ حينَ تَكَلَّمُ
ويا خَجْلَةَ الغُصْنِ الرطيبِ إذا انْثَنَتْ ☆☆ ويا خَجْلَةَ البَحرَيْنِ حين تَبَسَّمُ
فإن كنتَ ذا قلبٍ عليلٍ بِحُبِّها ☆☆ فلم يبقَ إلا وصْلُها لكَ مَرْهَمٌ
ولا سِيَّما في لَثْمِها عندَ ضمِّها ☆☆ وقد صارَ منها تحتَ جيدِكَ مِعْصَمُ
يَراها إذا أبْدَتْ لهُ حُسْنَ وجْهها ☆☆ يلذُّ بِها قبلَ الوِصالِ ويَنْعَمُ
تفَكَّهُ منها العينُ عند اجتِلائِها ☆☆ فواكهَ شتَّى طلعُها ليس يُعْدَمُ
عناقِدَ مِن كرْمٍ وتُفّاحَ جنَّةٍ ☆☆ ورُمانَ أغْصانٍ بِها القلبُ مُغْرَمُ
ولِلوَرْدِ ما قدْ ألْبَسَتْهُ خُدودها ☆☆ ولِلخَمْرِ ما قد ضمَّهُ الرِّيقُ والفَمُ
تَقَسَّمَ منها الحُسْنُ في جَمْعِ واحِدٍ ☆☆ فيَا عَجَبًا مِن واحِدٍ يَتَقَسَّمُ
تُذكِّرُ بالرحمنِ مَن هو ناظرٌ ☆☆ بجملتِها أنَّ السُّلُوَّ مُحَرَّمُ
لَها فِرَقٌ شَتَّى مِنَ الحُسْنِ أُجْمِعَتْ ☆☆ فينطِقُ بالتَّسبيحِ لا يَتَلَعْثَمُ
إذا قابلتْ جيشَ الهُمومِ بِوجْهها ☆☆ تولىَّ على أعقابِه الجيشُ يُهْزَمُ
ولَمّا جرَى ماءُ الشبابِ بِغُصْنِها ☆☆ تَيَقَنّ حقًّا أنَّهُ ليسَ يُهْزَمُ
فيَا خاطبَ الحسْناءِ إنْ كُنْتَ راغِبًا ☆☆ فهذا زمانُ المَهْرِ فهو المقدَّمُ
وكنْ مُبْغِضًا للخائناتِ لحبِّها ☆☆ فتحظى بِها مِن دونِهنَّ وتنعمُ
وكنْ أيّمًا مما سواها فإنها ☆☆ لِمثلكَ في جناتِ عدن تأيّمُ
وصمْ يومَك الأدْنى لعلكَ في غدٍ ☆☆ تفوزُ بِعِيدِ الفِطْرِ والناسُ صُوَّمُ
وأقدِمْ ولا تقْنَعْ بعَيْشٍ مُنَغَّصٍ ☆☆ فما فازَ باللذاتِ مَن ليس يقدمُ
وإن ضاقتِ الدنيا عليكَ بأسرِها ☆☆ ولم يكُ فيها منزلٌ لكَ يُعلَمُ
فحيَّ على جناتِ عدْنٍ فإنَّها ☆☆ منازلكَ الأولى وفيها المخيَّمُ
ولكننا سَبْيُ العدوِّ فهل ترى ☆☆ نعودُ إلى أوطانِنا ونسلَّمُ
وقد زعموا أن الغريبَ إذا نأى ☆☆ وشطَّتْ به أوطانُه فهو مؤلم
وأيُّ اغترابٍ فوق غربَتِنا التي ☆☆ لها أضحتِ الأعداءُ فينا تَحَكَّمُ
وحيَّ على روضاتِها وخيامِها ☆☆ وحيَّ على عيشٍ بها ليسَ يُسْأمُ
وحيَّ على السوقِ الذي فيه يلتقِي الْـ ☆☆ ـمُحِبُّون ذاكَ السوق للقومِ يُعلَمُ
فما شئتَ خذْ منه بلا ثمنٍ له ☆☆ فقد أسلفَ التجار فيه وأسلمُوا
وحيَّ على يومِ المزيدِ الذي به ☆☆ زيارةُ ربِّ العرشِ فاليوم موسِمُ
وحيّ على وادٍ هنالكَ أفْيَح ☆☆ وتُرْبَتُهُ مِن أذفرِ المِسكِ أعظَمُ
منابر مِن نورٍ هناك وفضةٍ ☆☆ ومن خالِصِ العِقْيانِ لا تتفصَّمُ
ومِنْ حوْلِها كثبانُ مِسْكٍ مقاعدٌ ☆☆ لمِن دونهم هذا العطاءُ المفخَّمُ
يرونَ به الرحمنَ جلَّ جلالُه ☆☆ كرؤيةِ بدرِ التَّمِّ لا يُتَوَهَّمُ
وكالشمسِ صحْوًا ليس مِن دون أفْقِها ☆☆ سحابٌ ولا غيمٌ هناكَ يغيّمُ
فبينا همُ في عيشِهِم وسرورِهم ☆☆ وأرزاقُهُم تجرى عليهِمْ وتُقْسَمُ
إذا همْ بنور ساطعٍ قد بدا لهمْ ☆☆ سلامٌ عليكم طبْتُم ونَعِمْتُمُ
سلامٌ عليكمْ يَسمعونَ جميعُهُم ☆☆ بآذانِهم تسليمُهُ إذْ يُسَلِّمُ
يقولُ : سلوني ما اشْتَهَيْتُمْ فكلُّ ما ☆☆ تُريدون عِندي إنني أنا أرْحَمُ
فقالوا جميعًا نحن نسألكَ الرِّضا ☆☆ فأنتَ الذي تُولي الجميلَ وتَرْحَمُ
فيُعطيهمُ هذا ويُشهِدُ جَمْعَهمْ ☆☆ عليهِ تعالى اللهُ فاللهُ أكرمُ
فَبِاللهِ ما عُذْرُ امرئٍ هو مؤمنٌ ☆☆ بِهذا ولا يَسعى له ويقدّمُ ؟؟
ولكنما التوفيقُ بالله إنَّهُ ☆☆ يَخصُّ به مَنْ شاءَ فضلا ويُنْعِمُ
فيا بائِعًا هذا بِبَخْسٍ مُعَجَّلٍ ☆☆ كأنكَ لا تدري بل سوفَ تَعْلَمُ

نهاية المطاف

فقدِّمْ فدَتْكَ النفسُ نفسَكَ إنَّها ☆☆ هي الثمنُ المَبْذولُ حين تُسَلّمُ
وخضْ غَمَراتِ الموتِ وارْقَ معارجَ الْـ ☆☆ ـمحبَّةِ في مرضاتِهم تتسَنَّمُ
وسلِّمْ لَهُم ما عاقَدُوكَ عليهِ إنْ ☆☆ تُرِدْ منهُمُ أن يَبْذُلُوا ويُسَلِّمُوا
فما ظفرتْ بالوصْلِ نفسٌ مَهِينَةٌ ☆☆ ولا فازَ عبْدٌ بالبَطالَةِ يَنْعَمُ
وإنْ تكُ قد عاقَتْكَ سُعْدَى فقَلْبُكَ الْـ ☆☆ ـمُعَنَّى رهينٌ في يَدَيْها مُسَلَّمُ
وقد ساعدتْ بالوصل غيرَكَ فَالهوى ☆☆ لها مِنْكَ والواشِي بِها يَتَنَعَّمُ
فدَعْها وسَلِّ النفسَ عنها بِجَنَّةٍ ☆☆ من العِلم في روضاتِها الحقّ يَبسُمُ
وقد ذُلِّلَتْ منها القُطُوفُ فمَنْ يُرِدْ ☆☆ جَناها يَنَلْهُ كيف شاءَ ويَطْعَمُ
وقد فُتِحَتْ أبْوابُها وتَزَيَّنَتْ ☆☆ لِخُطّابِها فالحسْنُ فيها مُقسّمُ
وقدْ طابَ منها نُزْلُها ونَزيلُها ☆☆ فطوبَى لِمَنْ حلُّوا بِها وتنَعَّمُوا
أقامَ على أبوابِها داعِي الهُدَى ☆☆ هَلُمُّوا إلى دارِ السّعادةِ تَغْنَمُوا
وقد غرسَ الرحمنُ فيها غِراسَهُ ☆☆ مِن الناسِ والرحمنُ بالخَلْقِ أعْلَمُ
ومَن يَغْرِسِ الرحمنُ فيها فإنَّه ☆☆ سعيدٌ وإلا فالشَّقاءُ مُحَتَّمُ





هذه القصيدة الميمية التي نظمها ابن القيم الجوزية / رحمه الله
بصوت القارئ الشيخ /
عبدالعزيز العويد

للتحميل
اhttp://islam-call.com/uploads/Anasheed/0518/01.mp3

 
أعلى