حتى لا نلوث عقولنا بإعلام الوطن
في الحادي عشر من سبتمبر 2001 إختطفت جماعة سلفية سُنية متطرفة مجموعة من الطائرات الإمريكية واصطدمت بها في مباني مدنية في مدينة نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن. نتج عن هذه الهجمات الإرهابية الهمجية قتل الآلاف من المدنيين بدون أي تفرقة بين مسلم أو مسيحي أو يهودي أو صاحب أي دين آخر، وبدون أي تفرقة بين طفل أو رضيع أو امرأة أو شيخ أو عجوز أو كبير أو صغير. ومنذ ذلك اليوم تعرض المسلمون كلهم وبلا إستثناء، وبسبب هذه الشرذمة المتطرفة الشاذة ذات العدد المحدود، إلى تمييز عنصري، واضح في بعض الأحيان وخفي في معظمه، على كافة المستويات شملت دول العالم شرقها وغربها. ولم يُميّز هناك بين شيعي أو سني ولا بين معتدل ولا متطرف، لأنه في أذهان هؤلاء شملهم لفظ "مسلم". بل تعدى الأمر إلى إراقة دماء أبرياء المسلمين في افغانستان والعراق وبدون أن تهتز شعرة في جسد السياسيين الأمريكيين والأوربيين ولزمت شعوبهم الصمت المطبق وكأنه تعبير عن الرضا أو عدم الإكتراث.
منذ ذلك اليوم صرف المسلمون وحكوماتهم مليارات الدولارات على شكل برامج حوارية ودعايات موجهة ومطبوعات وتبرعات لجامعات ومتاحف وأنشطة إنسانية أوربية وامريكية ولـ "إعصار كاترينا" ومؤتمرات لا أول لها ولا آخر ليقولوا شيئاً واحداً لا غير. ليقولوا للعالم:
"أنه من الظلم أن تجعلوا المسلمين كلهم في كفة واحدة مع تلك الجماعة الشاذة المتطرفة ذات العدد المحدود، لأن هؤلاء لا يمثلون الإسلام ولا المسلمين".
إشتكى المسلمون في شرق الأرض ومغربها، شمالها وجنوبها، من تلك المعاملة التي لا تميز بينهم وبين أسامة بن لادن. وإشتكت الجماعات الإسلامية الخيرية والدعوية، سنية وشيعية، من تلك الضغوط التي لا تميز بينهم وبين جماعة القاعدة. ولاحظ كلنا وبلا إستثناء نظرات الريبة والشك والمعاملة الحذرة والتي لا تميز بيننا وبين أيمن الظواهري. كل هؤلاء اشتكوا من أن شمول المجموع بسبب جريرة أفراد هو نوع من الظلم لا يوجد له تبرير إلا في شواذ العقول وإعوجاج المنطق.
شذوذ العقل واعوجاج المنطق الذي اشتكينا منه هذه السنوات، ما بالنا اليوم، يا عقلاء ويا أصحاب منطق، نمارسه بأبشع صورة في مجتمعنا وفي منتدياتنا وعلى صفحات احدى الجرائد المشبوهة ذات الأموال المسروقة؟!
إن خطيئة أفراد لا تبرر اللمز والغمز والدعوات المتهافتة الساذجة ذات الصبغة الوقحة لمجموع عام ذو توجه معين أو مذهب مختلف. وإذا كانت في عقول البعض تبررها، فلماذا الشكوى إذن من المعاملة اللاإنسانية الوقحة التي يتلقاها المسلمون كل يوم في شرق الأرض ومغربها بسبب جماعة القاعدة؟!
تجاوزوا هذه الحالة الساذجة التي ترى في ذنب أفراد إتهام المجموع العام التابعين له. تجاوزوا التعميم المُخِل بمنطق الأمور السليم. تجاوزوا إتهام كل الشيعة إذا أذنب شيعي، وتجاوزوا إتهام كل السنة إذا أذنب سني، وتجاوزوا حالة التهافت البائس والتي ترى كل رأيٍ مسيحي وكأنه حرب صليبية جديدة. تجاوزوا تلك النعرات الجاهلية والتي تقسم الناس إلى بدو وحضر وسنة وشيعة وأصيل و "بيسري"، لأنكم عندما تخرجون من حدود الكويت سوف يغلب عليكم شعور النقص لا محالة. شعور النقص سوف يغمركم لأنكم عندما تذهبون إلى تلك الدول المتحضرة، لسبب أو لآخر، فإنهم هناك لا يعترفون بتلك المعايير البائسة المتخلفة الجاهلية والتي صنعتوها لأنفسكم، ولكنكم هناك متساوون مع أقل شخص ينام في شوارع لندن وامستردام وباريس ونيويورك، بل ربما هو في نظرهم أفضل منكم بمراحل، وسوف يشملكم ما يشمله رغم أنوفكم أجمعين، ولن تتجرأوا أن تنبسوا ببنت شفة هناك. أتعرفون لماذا؟، لأنكم مقتنعون تماماً بتهافت قناعاتكم الجاهلية ولكنها لا تبرز على سطح نفوسكم إلا هناك في تلك الدول المتحضرة.
أنا أعرف وكما يعرف الأغلبية أن "الناس ثلاثة" كما قال علي بن أبي طالب. وأن الصنف الأخير هم ذوي الصوت العالي الخالون من أي مسحة عقل وفهم ومنطق وتقدير لعواقب الأمور. ولكن الحجاج بن يوسف الثقفي نصح أيضاً من كانوا تحته بأن "يملكوا عليه سفهائهم"، لأن "السفيه" يجر من العواقب على المجموع بحيث لا ينفع وقتها ندم.
إحذروا تلك الصحيفة وقنواتها التلفزيونية، لأنها أتت من مال حرام، وما "نبت على السحت فالنار أولى به". وإحذروا من يكتب فيها لأنه بالضرورة يريد رضا سيده وولي نعمته. مارسوا حقكم في التفكير فيما هو منطقي وما هو ساذج ومرفوض وذي عواقب وخيمة.
الكويت لنا جميعاً، سنة وشيعة ومسيحيين، بدواً وحضراً، سواء أتينا من شمال أو جنوب أو شرق أو غرب. الكويت لا يعلو فيها إلا القانون، وكل من يعيش فيها يستظل تحته. وأنا أفتخر بأنه يشرفني أن يكون أخي الكويتي، سني أو شيعي أو مسيحي أو سلفي أو من الإخوان أو من لا أرض له و لا سماء، إذا شملتنا كلنا تلك القيم الإنسانية السامية والتى تحترم "الإنسان" أولاً وقبل كل شيء. أختلف معهم، وأنبه على أخطائهم، وأكتب مفنداً أفكارهم وايديولوجياتهم، ولكنهم إخواني في النهاية، ولهم الحق في الوطن والمواطنة تماماً كما لي الحق فيها.
"لا تزر وازرة وزر أخرى". لماذا هذه الآية تبدو صعبة على الفهم لدى البعض؟
فرناس