رسالة إلى مؤسسة الإمارة ... لنبتدأ صفحة جديدة
لقد كانت خطوة حل مجلس الأمة حلاً دستورياً خطوة صحيحة وعلى أكثر من محور. فمن الواضح أن بعض الممارسات البرلمانية قد خرجت عن كل حد مقبول في مفهوم الفصل بين السلطات، كما أن لغة التخاطب والحوار قد تدنت إلى مستويات لا يمكن قبولها أو حتى تبريرها. هذا إلى جانب أن هناك خللاً في الفهم لدى الكثير من أعضاء مجلس الأمة عن حدود سلطاتهم الدستورية وكيفية ممارستها وتفعليها. هذا الخلل لا يضاهيه في جانبه الدستوري والقانوني وحتى على مستوى أدب الحوار إلا حالة التيهان والضياع الحكومي في ممارسة دوره كسلطة تنفيذية تملك من الصلاحيات الدستورية والقانونية ما لا يمكله المجلس التشريعي المنتخب. فالمشكلة في الحقيقة ذات محورين، محور أعضاء البرلمان ومحور السلطة التنفيذية وقناعاتها وسياساتها وتكريسهماً فعلاً، لا قولاً، على أرض الواقع.
وإذا كانت مسألة إنتخاب أعضاء مجلس الأمة ونوعياتهم هي "مشكلة شعب" بالدرجة الأولى ولا يد لمؤسسة الإمارة فيها، فإن محور السلطة التنفيذية بإشكالياته المتعددة هو "مشكلة مؤسسة الإمارة" برؤيتها وتفعليها لقناعاتها المتعددة والتي ينتج عنها ممارسات لا تصب في خانة المصلحة العليا للكويت. وإن كان هناك من يعتقد بأن إشكاليات محور السلطة التنفيذية ما هو في الحقيقة إلا نتيجة لمحاولة خلق حالة من الإتزان بين أقطاب متنافرة ومتصارعة سواء أكانت داخل أو خارج السلطة التنفيذية، ولكن، وبسبب الأهمية المطلقة لهذا المحور على مستقبل الكويت بدرجة أولى وعلى مستقبل صلاحيات وهيبة مؤسسة الإمارة فيما يأتي من الأيام بدرجة ثانية، فإن هذا المحور يجب أن يخضع لإعادة النظر والدراسة والتشاور على أساس عقلاني أكاديمي متزن ولا يخضع أبداً لآراء مجموعة لها مصالح قصيرة أو بعيدة المدى حتى وإن كان هؤلاء من أقرب الأقرباء. "إن المُلك عقيم"، هكذا قرأنا في الكتب، وهي حكمة يجب أن تلتفت لها مؤسسة الإمارة لمصلحتها ولمصلحة إستمرار هيبتها ولفرض تواجدها السامي على الصراع السياسي الدائر.
إن أقصر الطرق، بل هو أولها على الإطلاق، لإصلاح الشأن السياسي الكويتي ولإعادة الهيبة التي فقدتها السلطة التنفيذية تدريجياً على مر السنين الماضية هو فرض القانون، طوعاً أو جبراً، على كل صغير وكبير في هذا البلد. إن "القانون" بتعاليه على كل فرد يعيش على تراب هذا الوطن سوف يفرض مبدأ التساوي وعدم التمييز بين مواطنيه، وسوف يلغي المفهوم السائد عن هذا الوطن وسلطته بأن الدولة هي دولة وساطات وكسر قانون وإستثناءات وتمصلح على حساب الشعب وأمواله ومقدراته. ليكن "القانون" هو نقطة البداية لمؤسسة الإمارة بالدرجة الأولى، وللسلطة التنفيذية كتابعة لها، نحو فتح صفحة جديدة للتعامل من السلطة التشريعية ومع الشعب الكويتي. ومن أبى ذلك أو إعترض، فلديه السلطة الثالثة القضائية ليرفع شكايته إليها ثم لتُرجع الحق إلى أصحابه. "القانون" وتطبيقه بحياد وتجرد وبشكل شامل هو نقطة الإنطلاق إن كنتم تريدون مستقبلاً أفضل مما رأيناه ورأيتموه لهذا البلد ولعلاقتنا جميعاً ببعضنا البعض.
لنفتح صفحة جديدة. ولكن حتى تفتحوا صفحة جديدة يجب عليكم أولاً أن تقلبوا الصفحة الماضية بكل سلبياتها وإخفاقاتها وفضائحها، ثم تعلنوها صراحة أن لا عودة إليها مهما كان الثمن. وبعد أن يسمع الجميع ذلك يأتي دور التطبيق. هذا التطبيق الذي سوف يرفضه البعض ويعاديه، ولكن قوة القانون سوف تعلو على الجميع وإن رغم أنف البعض. ولتكن هذه الإنتخابات، بكل ديناميكياتها وصراعها وآلياتها الشرعية وغير الشرعية، هي الوسيلة لهذا الإعلان وهذا التطبيق.
إذا تمت إنتخابات فرعية قبلية عنصرية مخالفة للقانون، فلتكن السلطة التنفيذية هناك لتمنعها ولتحيل كل من شارك فيها أو نظمها إلى النيابة العامة. وليحترموا هم القانون أولاً.
إذا تمت عملية شراء أصوات، فلتكن السلطة التنفيذية هناك للقبض على الراشي والمرتشي وإحالتهما جميعاً إلى النيابة العامة. وليحترموا هم القانون أولاً إذا لم يكن عندهم دين يمنعهم.
إذا تمت محاولات للوساطة في فرص العمل أو البلدية أو العلاج للخارج أو أي شأن من شؤون الدولة العامة فليكن الجواب هو "لا" كبيرة، وإن تمت فليحال من قام بها ومن سهلها جميعاً إلى النيابة العامة. وليحترموا هم القانون أولاً.
إذا تم إستخدام الفاظ غير مهذبة أو مخالفة للأعراف السائدة أو الأدب العام في ندوات الإنتخابات، فليحال صاحبها إلى النيابة العامة بتهمة القذف. وليحترموا هم البلاد والعباد أولاً.
إذا تم إطلاق شائعات، كما نسمعها في كل إنتخابات بدون دليل، عن صندوق الحكومة وشيكاتها والمندوب غير الكويتي وأموال الحكومة التي تتدخل في الإنتخابات وغيرها من أشباه هذا، فليحال صاحبها إلى النيابة العامة بتهمة الترويج لإشاعات كاذبة أو فليأتي بالدليل. وليحترموا هم عقول العباد أولاً وليكفوا عن الهذيان.
إستمروا في إزالة التعديات على أملاك الدولة ولا تتوقفوا. إبدأوا في إزالة الدوواين المخالفة والمقامة على أراضي الدولة، وليغضب من يغضب، وماذا سوف يفعل أصلاً، ومن يعتقد أنه مظلوم فليجأ إلى القضاء فهو ينصفه منكم ومن سواكم إن كان لديه حق.
طبقوا القانون، فوالله لن يكون بسواه صلاح حال للكويت ولا لشعبها. طبقوا القانون وقولوا للجميع بأن الكويت، من اليوم، من هذه الساعة، هي دولة مؤسسات وقانون. طبقوا القانون وقولوا لمن شاء أن يعيش في دولة الفوضى وتدني مستوى الحوار والصراع، كفاك همجية وتحضّر قليلاً.
طبقوا القانون، وأفتحوا صفحة جديدة.
فرناس