ألا إن نصر الله قريب

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

ذات السلاسل

عضو بلاتيني

بسم الله الرحمن الرحيم
تعيش كثير من الشعوب الإسلامية في بلاد كثيرة ومدن متعددة في ركام من الأوهام وفساد في الأخلاق وهتك للأعراض وضياع للحقوق والممتلكات واضطراب في الأفكار وخمول وضعف في الإنتاج والعمل وتفلت متزايد وانحرافات منهمرة في العقيدة والمنهج وشؤن الحياة السياسية والحياة الاقتصادية في حين انتشار الدعوات القومية والأفكار العلمانية والتيارات الإلحادية والشعارات الصوفية والوثنية وقد استشرى هذا الفساد في أمتهم وكثير منهم مُنهمك فيما يضره ولا ينفعه غافل عمّا خلق له وعن مهمته ورسالته في هذه الحياة .
ومن أجل تحطيم هذه الانحرافات وهذه المعبودات من دون الله والأوضاع الجاهلية القائمة في كل مكان والتقاليد المخالفة للشريعة والأنظمة المنحرفة عن شرع الله .
فلابدَّ إذاًمن عودة إلى الإسلام بتصوره الثابت من الإستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءَ من الشرك وأهله وتحكيم شرع الله في أرضه وإخلاص العمل له .
فهذا أساس التوحيد وبدونه لا معنى للحياة قال الله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } (1) أي يوحدون والتوحيد هو أصل الدين وأُسه وهو الحق الذي ينبغي أن لا تلين لأهل الحق قناة في القيام بحقوقه ومواجهة المجتمعات به وهو نظام العالم ورسالة المسلمين إلى كافة الأمم والشعوب قال تعالى { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) } (2) .

وقال تعالى { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) } (1) .
وقال تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (2) .
وحقيقة العبودية لله الواحد القهار إفراده بجميع أنواع العبادة والرغبة إليه والرهبة منه ومحبته ورجاؤه والانقياد له .
فمن ادعى الإيمان بالله وتوحيده ومحبته وخوفه ورجاءه ولم يستسلم لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وتحاكم إلى غير شرع الله ووالى أعداء الله فماصدق الله في دعواه بل هو متبع للشيطان مطيع له . قال الله تعالى { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ } (3) .


وقوله { واجتنبوا الطاغوت } . قيل: الشيطان، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه علقه البخاري في صحيحه [ 8 / 251 ] بصيغة الجزم ووصله ابن جرير ( 3 / 18 ) وغيره وقيل الأصنام وما يعبد من دون الله وقيل غير ذلك .
وهي كلها حق وليس بينها تضاد ولا اختلاف . وقد عبَّر كلُّ واحد منهم عن المعنى العام ببعض أنواعه وهذا كثير في كلام السلف يفسَّرون الآية ببعض أفرادها ولا يقصدون بذلك الحصر .
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعريفاً شاملاً للطاغوت فقال ( الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع . فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى طاعة الطاغوت ومتابعته ) . وقد أمر الله بالكفر بالطاغوت وقدَّمه على الإيمان بالله كما قدَّم النفي على الإثبات في كلمة التوحيد لا إله إلا الله ولا يصير المرء مؤمناً بالله حتى يكفر بالطاغوت بمعناه الشامل قال تعالى { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) } (1) .
وفي صحيح مسلم ( 23 ) من طريق مروان الفزاري عن أبي مالك عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله )


وهذا توضيح لكلمة الإخلاص وأنه ليس المراد منها مجرد النطق فإن هذا لا يعصم الدماء والأموال ولا يخلص من عذاب النار . والمسألة في حقيقتها هي مسألة عمل بما تعنيه هذه الكلمة من توحيد الله وإخلاص العبادة له والبراءَة من كل معبود أو متبوع أو مطاع دون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكر الله جل وعلا عن خليله إبراهيم في مقام المدح والثناء أنه تبرأ من قومه ومما يعبدون من دون الله فقال { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاؤا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } (1) .
وقال تعالى { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) } (2)
وقال تعالى { وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) } (3).
وغير ذلك من الأدلة الدالة على شرعية مفارقة أهل الكفر ومجانبة ضلالهم واعتزال مجالسهم .
وقد عطل هذا الأصل الكبير كثيرُُُُ من أبناء المسلمين وركنوا إلى الذين ظلموا أنفسهم والذين عثوا في الأرض فساداً وعطلوا شرع الله ودعوا إلى تحكيم القوانين الكفرية وحمايتها بالمال والرجال والبطش بمن ثار في وجهها ورفض التحاكم إليها .

يتبع
 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني

قال تعالى { يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ } (1) .
والمراد بالطاغوت في هذه الآية الحاكم بغير شرع الله الذي جعل نفسه مشرَّعاً مع الله أو دون الله وقد سمّاه الله مشركاً في قوله { وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) } (2) .
وقال { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) (3) .
و سمّاه كافراً في قوله تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44) } (4) .
والكفر إذا أُطلق وعرّف بالألف واللام فيراد به الأكبر ، وما قيل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (( كفر دون كفر )) لا يثبت عنه . فقد رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة ( 2 / 521 ) والحاكم في مستدركه ( 2 / 313 ) من طريق هشام بن حُجَير عن طاووس عن ابن عباس به . وهشام ضعفه الإمام أحمد ويحي بن معين والعقيلي (5) وجماعة وقال علي بن المديني قرأت على يحي بن سعيد حدثنا ابن جريج عن هشام ابن حجير فقال يحي بن سعيد خليق أن أدعه قلت أضربُ على حديثه ؟ قال نعم . وقال ابن عيينة لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير ما لا نجده عند غيره .
وهذا تفرد به هشام وزيادة على ذلك فقد خالف غيره من الثقات
__________



فذكره عبد الله بن طاووس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)} (1) قال هي كفر وفي لفظ (( هي به كفر )) وآخر (( كفى به كُفْره )) رواه عبد الرزاق في تفسيره ( 1 / 191 ) وابن جرير ( 6 / 256 ) ووكيع في أخبار القضاة ( 1/ 41 ) وغيرهم بسند صحيح وهذا هو الثابت عن ابن عباس رضي الله عنه، فقد أطلق اللفظ ولم يقيّد.
وطريق هشام بن حجير منكر من وجهين
الوجه الأول : تفرد هشام به .
الوجه الثاني : مخالفته من هو أوثق منه .
وقوله (( هي كفر )) واللفظ الآخر ( هي به كفر ) يريد أن الآية على إطلاقها (2) والأصل في الكفر إذا عرّف باللام أنه الكفر الأكبر كما قرر هذا شيخ الإسلام رحمه الله في الاقتضاء [ 1 / 208 ] إلا إذا قيد أو جاءت قرينة تصرفه عن ذلك 0
وقول امرأة ثابت بن قيس ( ولكني أكره الكفر في الإسلام ) رواه البخاري ( 5273 ) عن ابن عباس .
لا يخالف هذه القاعدة ولا ينقض الأصل المقرر في هذا الباب فقد قالت
( في الإسلام ) وهذه قرينة بينة على أن المراد بالكفر هنا مادون الأكبر .
ولا يصح أن يقال عن الكفر الأكبر في الإسلام ولو أطلقت الكفر معرفاً باللام دون تقييده لتبادر إلى الأذهان حقيقة اللفظ وما وضع له فنفت هذا التوهم بتقييدها وهذا واضح للمتأمل .
وقد قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ( 13 / 119 ) ( من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدَّمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين )) .
__________
(1) سورة المائدة .
(2) والحكم بغير ما أنزل الله مراتب متفاوتة والكلام في هذا المقام على الذين وضعوا القوانين المخالفة لشرع الله وحكموا فيها بين الناس وجعلوها قائمة مقام حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم .



وهذا حق لا خلاف فيه . وأعظم منه وأولى بنقل الإجماع على كفره من صدَّ عن شرع الله وبدَّل أحكام الدين وفرض على قومه تشريعات يتحاكمون إليها في أموالهم ودمائهم وأعراضهم زيادة على هذا حماية هذه التشريعات وتفريغ الجهود والطاقات في تقنينها والمجادلة عنها .
وقول بعض المعاصرين عن هذا الإجماع الذي نقله ابن كثير رحمه الله بأنه (( خاص بملوك التتار ومن تلبس بمثل ما تلبسوا به من نواقض الإسلام والتي منها الجحود والاستحلال للحكم بغير ما أنزل الرحمن ] هو مجرد ظن لم تسانده حقائق علمية ولا حجج قائمة .
وقد لحظت في أثناء قراءَة كلام الكاتب غارةً عمياء على حماة التوحيد ودعاة الإصلاح ومجازفات في الألفاظ والتعبير وسوء فهم لمقالات الأئمة وتحميل الكلام مالا يحتمل وأقرب مثال لذلك كلام الحافظ ابن كثير فقد قال فيه ما قال .
على أن الحافظ لم يتفرد بقوله ولا بنقله للإجماع . فخلق كثير من المتقدمين والمتأخرين يذكرون مثل هذا وأعظم .
وكيف لا يحكم بكفر من عطل الشريعة ونصب نفسه محللاً محرّماً محسناً مقبحاً وجعل محاكم قانونية لها المرجعية في الحكم والقضاء ولا يمكن مُساءَلتها أو التعقيب والاعتراض على أحكامها .
وحملُ الكاتب كفر التتار على الجحود والاستحلال ليس له وجه سوى تأثره بأهل الإرجاء من جعل مناط الكفر هو الاستحلال أو الجحود وهذا باطل في الشرع والعقل فالاستحلال كفر ولو لم يكن معه حكم بغير ما أنزل الله والآية صريحة في أنّ مناط الكفر هو الامتناع عن الحكم بما أنزل الله .
وكثير من المتأخرين متأثرون بمذاهب أهل الإرجاء الذين يقولون كل من أتى بمكفر من قول أو عمل فإنه كافر ولكنّ كفره ليس لذات العمل لكنه متضمن للكفر ودلالة على انتفاء التصديق بالقلب وعلامة على التكذيب .

وآخرون من غلاة المرجئة يمنعون من التكفير بالعمل (1) مطلقاً مالم يثبت عنه الجحود أو الاستحلال .
وهذا خلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين .
وقد اتفق أهل العلم على أن سب الله وسب الرسول صلى الله عليه وسلم كفرُُ ولم يشترط واحد منهم الاستحلال أو الاعتقاد بل يكفي في كفره مجرد ثبوت السب الصريح .
واتفقوا على كفر المستهزي بالدين بدون شرط الاعتقاد أو الاستحلال بل يكفر ولو كان مازحاً أو هازلاًَ .
واتفقوا على أن التقرب للأموات بالسجود لهم أو الطواف على قبورهم كفر ، واتفقوا على أن إلقاء المصحف في القاذورات كفر .
وهذا قول كل من يقول بأن الإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وقد اتفق أهل السنة على أن الكفر يكون بالقول كا لإستهزاء الصريح بالدين ويكون بالفعل كالسجود للأصنام والشمس والقمر والذبح لغير الله .
والأدلة من الكتاب والسنة صريحة في كفر من أتى بمكفر وذلك بمجرد القول أو الفعل دون ربط ذلك بالجحود أو الاستحلال فإن هذا فاسد لم يقل به أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة المعروفين بالسنة .
__________
(1) وقول بعض أهل العلم ( لا نكفر أحداً بذنب مالم يستحلَّه ) يقصدون بذلك الرد على الخوارج المكفّرين بمطلق الذنوب من الزنا والسرقة والكذب وشرب الخمر ونحو ذلك ولا يعنون بذلك امتناع التكفير بعمل كل ذنب فهذا باطل لم يقل به أحد من أهل السنة وقد تواترت الأدلة على خلافه فالذبح لغير الله والسحر والطواف على القبور وشبهها أعمال يكفر صاحبها بمجرد الفعل وفيه أقوال يكفر صاحبها بمجرد القول .
وقد اتفق الصحابة والتابعون وأهل العلم من المنتسبين للسنة على أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر دون تقييد ذلك بالجحود أو الاستحلال فإن هذا باطل لا أصل له وهو قول متناقض قد دل السمع والعقل على فساده .

يتبع
 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني
السلام عليكم


قال الله تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} (1) ومناط الكفر هو مجرد القول الذي تكلموا به .
وقال تعالى { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) } (2) .
وبالجملة فكل من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر ما لم يمنع من ذلك مانع من الإكراه أو التأويل أو الخطأ كسبق اللسان أو الجهل المعتبر .
ومن الكفر المستبين ترك جنس العمل مطلقاً دون ربط ذلك بأعمال القلوب فمجرد الترك المطلق لجنس العمل كفر أكبر ولكن يستدل بانتفاء اللازم الباطن دون جعله شرطاً للحكم وهذا صريح الكتاب والسنة فالحكم واقع على أعمال الجوارح وليس على ما في القلوب فهذا لعلاّم الغيوب .
وقد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري ( 1 / 23 ) عن سفيان بن عيينة أنه قال : المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم وليسا سواء لأن ركوب المحارم متعمداًَ من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر .
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه .
__________
(1) سورة التوبة .
(2) سورة التوبة .



ونقل حرب عن إسحاق قال : غلت المرجئة حتى صار من قولهم إن قوماً يقولون من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفّره !! يُرْجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر . فهؤلاء الذين لاشك فيهم يعني المرجئة .
وروى الخلال في السنة ( 3 / 586 ) عن عبيد الله بن حنبل قال حدثني أبي حنبل بن إسحاق بن حنبل قال قال الحميدي وأُخبرتُ أن قوماً يقولون : إنَّ من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت أوْ يصلي مسندَ ظهرِه مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر الفروض واستقبال القبلة . فقلت : هذا الكفر بالله الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين قال الله عز وجل { حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) } (1). قال حنبل قال أبو عبد الله أو سمعته يقول من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء به .
وقال الإمام ابن بطة رحمه الله ( فكل من ترك شيئاً من الفرائض التي فرضها الله عز وجل في كتابه أو أكدها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته على سبيل الجحود لها والتكذيب بها فهو كافر بيّن الكفر لا يشك في ذلك عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر . ومن أقرَّ بذلك وقاله بلسانه ثم تركه تهاوناً ومجوناً أو معتقداًَ لرأي المرجئة ومتبعاً لمذاهبهم فهو تارك الإيمان ليس في قلبه منه قليل ولا كثير وهو في جملة المنافقين الذين نافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن بوصفهم وما أعد لهم وأنهم في الدرك الأسفل من النار نستجير بالله من مذاهب المرجئة الضالة (2) .
وقد حذر منهم أئمة السلف وبينوا فساد أقوالهم وخطورة بدعهم .
__________
(1) سورة البينة .
(2) الإبانة ( 2 / 764 ) .

قال الإمام الزهري رحمه الله ( ما ابتدع في الإسلام بدعة هي أضر على أهله من هذه يعني الإرجاء )) (1) .
وقال الأوزاعي كان يحييى وقتادة يقولان (( ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء )) (2) .
وقال شريك ( هم أخبث قوم حسبك بالرافضة خبثاً ولكن المرجئة يكذبون على الله عز وجل )) (3) .
وكلام السلف في مثل هذا كثير فقد نصحوا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين و عامتهم ، وبينوا ضرر هذه البدعة وخطرها على الفرد والمجتمع وأنها أصل كل بلاء وانحراف في الأمة . ومطية كثير من الأفكار العفنة والآراء الضالة هو هذا الإرجاء الذي يقول بأن الإيمان قول واعتقاد أو مجرد تصديق ومعرفة وأنه لا يكفر أحد إلا بالاستحلال والتكذيب . { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) } (4) .
__________
(1) الإبانة ( 2 / 885 ) لابن بطة والشريعة ( 2 / 676 ) للآجري .
(2) الإبانة ( 2 / 885 - 886 ) .
(3) المصادر السابقة ( 2 / 886 ) وعبد الله بن أحمد في السنة ( 1 / 312 ) .
(4) سورة التوبة .

وخصوم التوحيد ودعاةُ التحلل من القيم والأخلاق والتخلص من الأوامر والنواهي يزيدون في هذا العصر ولا ينقصون ، وينادون بأن من قال لا إله إلا الله فإنه مؤمن ولو لم يعمل بشريعة الله !! والأحكامُ في نظرهم واعتقادهم تتعلق بالقلوب دون الأعمال والمتحذلق منهم من يقول بأن لا إله إلا الله لا تشمل كل جوانب الحياة فكان من إفك هذا الفكر نشر الفساد في الأرض وتعطيل الجهاد في سبيل الله وظهور الشرك والبدع والانحرافات السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية بين المسلمين ، وضاعت بذلك المفاهيم الشرعية فامتزج المذهب الإرجائي بالفكر العلماني القائم على فصل الدين عن الحياة والحياة عن الدين وتشكل لدى الكثير أن العبادة محصورة بالشعائر التعبدية في البيت والمسجد ولا علاقة للدين بالحكم والسياسة ويلوكون بألسنتهم كلمة الكفر " دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر " على أن هذه الانحرافات الجاهلية لم تقف عند حدّ أو ضابط فهي تهبط من سيء إلى أسوأ .
إنه الضلال والخروج عن صراط الله يحتوش المجتمعات ناهيك بالأفراد حتى يصيرهم عبيداً للهوى عبيداً للطاغوت عبيداًَ للمال عبيداًَ للتربة عبيداً للعرق ... إنهم يقعون فرائس لشهواتهم من حيث لا يشعرون .
وبقدر ما يبتعدون عن شرع الله وصراطه المستقيم ينالهم الذل من عبودية الطاغوت والدينونة للبشر .


وبقدر ما يخضعون للشرع ويُحَكِّمونه على الفرد والمجتمع والقوي والضعيف ويبتعدون عن الشرك والبدع والدينونة لأنظمة هيئة الأمم ومواثيقهم .. يستخلفهم الله في أرضه ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم . قال تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) } (1) .
وقال تعالى { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (18)} (2) .
وحين قام الصحابة رضي الله عنهم بنصر الدين وإعلاء كلمة التوحيد والقيام بحقوقها وسارعوا إلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وتطبيق شرع الله في أرضه والحكم بالعدل بين الناس .... مكنهم الله في الأرض واستخلفهم فيها ونصرهم على عدوه وعدوهم .
قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) } (3) .
وقال تعالى مؤكداً هذا النصر { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) } (4).
وقال تعالى { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) } (5).
__________
(1) سورة النور .
(2) سورة الزمر .

وهذا النصر لم يأت للمؤمنين بمجرد التمني والتحلي فحسب ! وإنما تحقق بالقيام بنصرة الدين فالله جل وعلا ينصر عبده الذي ينصر دينه ومن نصره الله فلا غالب له قال تعالى { إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160) } (1) .
وأكبر عُدّة للمؤمنين وزاد على الكافرين والمجرمين هي تقوى الله وإصلاحُ النفس ظاهراً وباطناً وهذا لا ينافي الأخذ بأدوات النصر فقد قال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)} (2) .
ولكن أعظم عوامل النصر وأجل مقِّوماته هو وجود المؤمنين الصادقين { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} (3).
وقد نصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم يوم الغار بلا جيش ولا سلاح ونصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم بدر بالملائكة ، ونصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وحزبه المؤمنين يوم الأحزاب بالريح والجنود وغير ذلك من نصر الله لجنده وحزبه بعوامل النصر الكثيرة .
فالشأن كل الشأن في وجود فئة مؤمنة تفهم الإسلام فهماً صحيحاً تعيش معه في كل مجالات الحياة وتقيم في ظله شعباً صادقاً يعرف الحق من الباطل والإسلام من الكفر لا يتنازل عن عقيدته ومراميه ولا يقبل المساومات والإغراءات للتنازل عن ذلك مهما أُوذي وعذب وسجن .
__________
(1) سورة آل عمران .
(2) سورة الأنفال .

يتبع
 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني
وماهي رزية ولا خسارة أن يؤذى أحد أو يقتل في سبيل دينه وعقيدته والثبات على دعوته وأفكاره وأقواله . وقد توعَّد فرعونُ السحرة حين آمنوا بربهم وهدّدهم بالقتل فما استكانوا لفرعون وما وهنوا وما ضعفوا ولم يكن من أمرهم إلا أن { قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72)إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) } (1) .
فالإيمان حين تخالط بشاشتُه القلوب لا يلوي على الباطل ولا يتحول عن الحق مهما كان الابتلاء من الضرب والحبس أو القتل أو الابتلاء بالسرّاء من الإغراءَات بالمال والمنصب والجاه .
وفي صحيح البخاري ( 3612 ) من طريق إسماعيل عن قيس عن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بُرْدة له في ظل الكعبة قلنا له : ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا ؟ قال : كان الرجل فيمن قبلكم يُحْفَرُ له في الأرض فيجعل فيه فيجاءُ بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشق با ثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ومايصده ذلك عن دينه والله ليُتمَّن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) .
فالفتن والمحن لا تزيد المؤمنين ولا سيما العلماء منهم إلا إيماناً بالله وتسليماً قال تعالى { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) } (2) .
وقد قيل كم من محنة انقلبت منحة
__________
(1) سورة طه .
(2) سورة الأحزاب .

وهذا حق فكم من عالم قتل بنوايا خبيثة ومرامي سياسية فعاشت أفكاره وأقواله بين الناس وأصبحت شجْنة من بعده في أبناء المسلمين والأمثلة والأدلة على ذلك كثيرة .
المهم أن نقول الحق ولا نلبسه بالباطل وأن نصدع بما نعلمه ديناً وشريعة وعقيدة ومنهجاً قال تعالى { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) } (1) .
وقد روى مسلم في صحيحه ( 3005 ) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الملك والساحر والراهب والغلام .. الحديث وفيه ( ثم جيء بالغلام أي إلى الملك فقيل له ارجع عن دينك . فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك ؟ قال كفانيهمُ الله ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في قُرْقُورة فتوسطوا به البحر . فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به . فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا . وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك ؟ قال كفانهيم الله فقال للمَلِكِ : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمُرُك به قال وما هو ؟ قال تجمَعُ الناس في صعيد واحد . وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كِنانتي . ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل : باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني .فجمع الناس في صعيد واحد . وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صُدْغِه . فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس : آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام . فأتي
__________
(1) سورة آل عمران .



الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرُك قد آمن الناس فأمر بالأُخدود في أفواه السكك فخُدّت وأضرم النيران وقال : من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءَت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أُمه اصبري فإنك على الحق (1)
__________
(1) وفيه دليل على جواز العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون في سبيل الله القائمون على حرب الكفار والمفسدين في الأرض .
فقد قال الغلام المسلم للملك الكافر (( إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما أمُرُك به ) فدله على كيفية قتله حين عجز الملك عن ذلك فكان الغلام متسبباً في قتل نفسه مشاركاً في ذلك والجامع بين عمل الغلام والعمليات الاستشهادية واضح فإن التسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك حكمه مثل المباشر لقتلها .
والمقصود من الأمرين ظهور الدين وإعزاز أهله ، فإذا كان في العمليات الاستشهادية إعزاز للدين ونكاية بالمشركين وشفاء صدور قوم مؤمنين جازت هذه العمليات بدون كراهة والمصلحة تقتضي تضحية المسلمين برجل منهم في سبيل النكاية في الكفار وإضعاف قوتهم وقد رخص أكثر أهل العلم أن ينغمس المسلم في صفوف الكفار ولو تيقن أنهم يقتلونه والأدلة على هذا كثيرة .
وأجاز أكثر أهل العلم قتل أسارى المسلمين إذا تترس بهم الكفار ولم يندفع شر الكفرة وضررهم إلا بقتل الأسارى من إخواننا ، فيصبح القاتل مجاهداً مأجوراً والمقتول شهيداً .
وقد ثبت في دنيا الواقع فوائد هذه العمليات وكبير فعاليتها ، فقد أذهلت الأعداء وزرعت الرعب في قلوبهم وأصبحت ويلاً وثبوراً عليهم ، وكانت سبب رحيل أعدادٍ كبيرة من اليهود عن أراضي فلسطين وسبباً كبيراً في تقليل نسبة المهاجرين إلى الأرض المقدسة قال تعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوالله وعدّوكم … } سورة الأنفال آية 60 .
والقوة تكون بكل شيء يرهب اليهود والنصارى ويضعف قوتهم .
وقد كنت كتبت في هذه المسألة مقالات عديدة وفتاوى كثيرة وذكرت عشرات الأدلة على مشروعية هذه العمليات في سبيل قهر اليهود المغتصبين والنصارى المعتدين وبينت غلط التسوية بين هذه العمليات الجهادية وبين الانتحار المحرم بالإجماع وأن المنتحر يقتل نفسه من أجل هواه ونفسه نتيجة للجزع وعدم الصبر وضعف الإيمان بالقضاء والقدر ، بينما الفدائي يقتل نفسه أو يتسبب في قتلها من أجل حفظ الدين والعرض والتنكيل بالكفار المعتدين وطردهم من أراضي ومقدسات المسلمين وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ... ) .


)) .
وإنه لشيء عظيم وأمر كبير أن يذهب غلام أو رجال من البشر فداءً لدوافع معقولة وغايات مطلوبة فبقاء الحق مقدم على بقاء الجسد فأهل الحق يذهبون بأبدانهم وتعيش أفكارهم وكلماتهم .
وقد تحدث الحديث عن الغلام وعن تضحيته بدمه بُغْية إسلامِ الناس وإيمانهم بالله .
فتحقق القصد المطلوب ونفذ الأمر المنشود وسرى مراد هذا الغلام من وصول الإيمان والتوحيد إلى أعماق القلوب .
فآمن قومه ووحدوا ربهم وكانوا من قبل في ضلال مبين لا يعرفون الإسلام ولا الدين الحق يعبدون المادة والحياة ويدينون للبشر بالعبادة والطاعة وتهيمن عليهم أنظمة الملوك وتشريعاتهم .
غير أن هذا لم يدم فشعور الغلام بالمسؤلية وتقديره للقضية حال دون ذلك فأعلن في دنيا الواقع كلمة الحق وقدَّم دمه في سبيل صلاح البشر وتحطيم الوثنية ، حينها تحررت القلوب من عبوديتها لدين الملك للأحجار الحياة التراب وصوَّتت بروح عالية ونفس مطمئنة وقلوب ثابتة آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام . ولم ترضخ لبطش الجبارين ولا تعذيب المجرمين .
والمهزومون نفسياً وفكرياً والمرجفون والمخذّلون عن الجهاد والتضحيات ومواجهة الأفكار والمبادئ الجاهلية والتشريعات الكفرية لا يناصرون هذه البواعث الإيمانية .


وقد يخلطون بين الصبر على جور الحكام .... وبين الثبات على الإيمان ومواجهة الحاكمية الجاهلية والقرارات السياسية الضارة بالرعية ولم يزل الأئمة الصادقون والدعاة الناصحون في سائر قرون الإسلام يفرّقون بين الأمرين ويواجهون الأهواء والانحرافات الفكرية والسياسية والاقتصادية والعقدية وغيرها بعزيمة الصادقين وشجاعة المتقين متحملين الأذى الذي ينتاب أمثالهم من الآمرين والناهين ... فهذا دور العلماء وهذه رسالتهم قال تعالى { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) } (1) وقال تعالى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُون َ(110) } (2). وقال تعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) } (3) .
ومن وصايا لقمان الحكيم لابنه { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) } (4) .
__________
(1) سورة آل عمران .
(2) سورة آل عمران .
(3) سورة التوبة .
(4) سورة لقمان .


وفي صحيح مسلم ( 49 ) من طريق قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال . أولُ من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال : الصلاةُ قبل الخطبة فقال قد تُرك ما هُنالك فقال أبو سعيد أمّا هذا فقد قضى ما عليه . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان ) .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ما من نبي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراءَ ذلك من الإيمان حبة خردل )) رواه مسلم في صحيحه ( 50 ) من طريق عبد الرحمن بن المسور عن أبي رافع عن ابن مسعود .
وروى الدارمي في سننه ( 545 ) بسند صحيح من طريق الأوزاعي حدثني أبو كثير حدثني أبي قال أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع الناس إليه يستفتونه ، فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال : ألم تُنه عن الفتيا ؟ فرفع رأسه إليه فقال أَرقيب أنت عليّ لو وضعتم الصمصامة (1) على هذه وأشار إلى قفاه ثم ظننت أني أُنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا عليَّ لأنفذتها )) وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم (2) .
__________
(1) السيف الصارم الذي لا ينثني قاله في مختار الصحاح ص ( 370 ) .
(2) فتح الباري ( 1 / 160 ) .

وتاريخ العلماء ومواقف أئمة الإسلام في مثل هذا كثيرة (1) ولم يكن أحد منهم يجد أدنى حرج من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتوى بما يعلم أنه الحق وإيصال الصوت الإسلامي إلى عالَمِهم والتحدث عن الإسلام وحقائقه ومقوَّماته وخصائصه .
وما كان يقبعون في بيوتهم ينتظرون الإذن السياسي في قول كلمة الحق والإنكار على أهل الباطل .
وأمّا الآن فقد أصبح كثير من أهل العلم موظفين لدى السلاطين فأخرست الأطماع ألسنتهم فلا يقدرون على القيام بالعهد والميثاق المأخوذ عليهم في الكتاب .
ولا يستطيعون مصاولة الباطل ولا مقارعة الفساد ومن هنا كان أكثر أئمة السلف يَدْعون إلى الأعمال التجارية الحُرَّة دون التقيد بالأعمال الحكومية ويكرهون أُعطيات السلاطين وهدايا الملوك ويرفضون قبولها حتى لا يحملهم ذلك على المداهنة والنفاق وطاعة السلاطين في أغراضهم ونزواتهم .
وإني لأرمق بإجلال وإكبار عالِماً عَّزتْ عليه نفسُه فلم يُذِلَّها بالتردد على قصور السلاطين واستغنى عمّا في أيديهم فجعل العلم خادماً للدين وليس للسياسة . وسخّر الفتوى للديانة وليست للإعاشة .
وعبيد الدنيا والشهوات ينكرون هذا الكلام ويكافحون هذا الفكر ويعيشون في ظلمات التيه والرذيلة والشرود عن حقيقة الواقع .
والأغرب من هذا أن يطاردوا هذا الفكر باسم الدين والعلم أو التقدم والحضارة الجديدة .
وهيهات هيهات أن يكون للعلم والدين روابط بهذه الإ عوجاجات والتفلتات فالحق أبلج والباطل لجلج .
والحضارة الجديدة والتقدم يقومان على الشريعة الإسلامية وتطهير المجتمعات من الظلم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل .
__________
(1) راجع في ذلك الإسلام بين العلماء والحكام لعبد العزيز البدري . وكتاب مناهج العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفاروق السامُرّائي .

وإن كان هناك تصور آخر للحضارة الجديدة والتقدم ينشأ عن التقاليد والعادات ونعرة الجاهلية والجهل بحقيقة هذا الدين فليس من الإسلام في شيء .. والتصور الحقيقي للإسلام يؤخذ عن الكتاب والسنة ولا يلتمس عند من اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً وضاق بأحكام الدين ذرعاً .
والذين يمارون في هذا لا يدركون مداخل الخلل ولا مفرق الطرق ويتحدث كثير منهم عن الدين والإسلام والشورى والحكم والمصالح والعدالة الاجتماعية بمجرد الأوهام والظنون . وأحياناً يتكلمون عن الشرع بلسان العلمانيين ويقولون عن الدين بأنه صلة خاصة بين العبد وربه ولا يتناول شئون الحياة .فيقصون الإسلام عن الحكم والتشريع والشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد قال الله تعالى { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } (1).
فالإسلام عبادة ومعاملة .. وشريعة ومنهج فمن آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر بالشرع كله فلا تنفعه صلاته وزكاته ولا حجه وصيامه قال تعالى { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) } (2).
وأحياناً يتحدثون عن الجهاد والمجاهدين بروح الانهزامية والعبث بأحكامه ومحو حقائقه .
ولا غرابة في هذا فهم أحرص الناس على حياة وعلى اتِّباع الشهوات واللذات .
والإيمانُ والجهادُ يَحْرمهم الكثير من ذلك ويقذف بهم في غمرات الموت .
__________
(1) سورة الأنعام .
(2) سورة البقرة .
يتبع
 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني
اللهم انى اعوذ بك من ابليس واعوانه وكلااااااااب اهل النار ,,

اللهم أميين :وردة:





ياتقل خيراا ياتصمت .. وتستفيد من علم الشيخ ..

ماأنت بأفضل من الشيخ المحدث فك الله اسره انت شهادتك متوسطه وليس لديك حصيله علم كالشيخ المحدث وهو عالم بالشرع امضى وافنى عمرة في العلم !!!
كلامك هذا لم يقله عالم ولم اسمعه منهم لانهم يتورعون في تكفير المسلمين بدون دليل واضح وصريح ..

 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني


وكم رأينا من رجالات يحملون اسم الإسلام ويتحدثون الحين بعد الحين عنه وهم قائمون على هذه الأفكار الشاذة والفهوم المنحرفة عن شرع الله قال تعالى { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون َ(15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)} (1) .
والإسلام له أعداء في الداخل وأعداء في الخارج يلتقون عند مصالح مشتركة في عزل الإسلام عن الحياة والدفع بأهله في أحضان اليهودية والنصرانية ووضع العوائق أمام امتداده وتحرّك أهله بيد أنه غير ممكن للعصبة الجاهلية والفئة التي تشاق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يتحقق لها وعدها وأن تهيمن على الأرض وتستحوذ على البشر وإن استطاعت أن تهيمن على جوانب كثيرة في أيام مريرة فالأيام دول والعزة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين .
والوعد من الله بأنه ينصر دينه ورسوله وحزبه المؤمنين ويخزي الكافرين .. وعد محقق لا محالة .
__________
(1) سورة البقرة .


والأوضاع القائمة على الشرك والكفر والتشريع الجاهلي واغتصاب الديار وانتهاك الأعراض والحجر على الأفكار الشريفة لن تدوم مهما تمهدت سبلها وقويت شوكتها وطال مكثها في الأرض وهذه حقيقة يجب الإيمان بها وبذل الطاقات وراءَ تحقيقها والشرط في ذلك أن نقوم بالإسلام ونحرك به الأجساد والقلوب وأن نعمل لله صادقين موقنين قال تعالى { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) } (1)وقال تعالى { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ (173) } (2).
فالنصر للمؤمنين وعد من الله وما من شك في تحققه في واقع الحياة وإن تأخر عن حساب البشر واستبطأوا ذلك فقد خُلق الإنسان من عجل قال تعالى { أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) } . (3) وقال تعالى { وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) } (4).
وروى الإمام أحمد في مسنده [ 4 / 103 ] بسند صحيح من طريق صفوان بن مسلم قال حدثني سَليم بن عامر عن تميم الداري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل . عزاً يُعِزُ الله به الإسلام وذُلاً يُذِلُ الله به الكفر .
وكان تميم الداري يقول . قد عرفْتُ ذلك في أَهل بيتي لقد أصاب مَنْ أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب مَنْ كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية . ) .
والمبشرات في عودة الإسلام وظهور أهله واتصال حاضرهم بماضيهم كثيرة وهي متحققة لا محالة بعز عزيز أو بذل ذليل وما سرى إلى نفوس فئة من المسلمين من اليأس والعجز مما يرون من الحاضر الأليم .. جهالة لا قرار لها .
__________
(1) سورة الروم .
(2) سورة الصافات .
(3) سورة البقرة .
(4) سورة الروم .



فمهما فَشَت الضلالةُ واستحكمت الغواية واستشرى الفسادُ وانْتُهِكَت الأعراض فسيبقى الإسلامُ وتَمْتدُّ رُقْعَتُه ويبلغُ ما بلغَ الليلُ والنهارُ بصدقِ العلماء وجهود الدعاة ودماءِ الشهداء .
فلا مجال للتخاذل والبَطَالة والقعود مع الخالفين فالإسلام يتحقق بالجد لا بالهزل وبالأعمال لا بالآمال وبالقلوب الصادقة لا النفوس الخائنة قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) } (1) . وقال تعالى { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) } (2) .
وقد تمثلت حقيقة الإيمان بالله وحقيقة المبايعة مع الله في الصحابة رضي الله عنهم حين أنفقوا الأموال محتسبين وبذلوا النفوس صابرين وجاهدوا في سبيل الله مقبلين غير مدبرين حتى ضرب الحق بجرانه وعرفت البشرية ربها وأذعنت لباريها فلم يبق في الأرض إلا مسلم موحّد أو كافر ذليل رضخ للجزية واستسلم لسلطان الحق على أن يبقى في ذمة المسلمين وحمايتهم هذا يوم أنْ تمثلت حقيقة الإيمان بالله في جيل القرآن ويوم أن عرف المسلمون الأوَّلون مهمتهم في الحياة .
__________
(1) سورة التوبة .
(2) سورة التوبة .


ونحن أبناءَ اليوم حين نسير على آثارهم ونمنح الدين نفوسنا ونمضي في طريق الحق غير هيَّابين للخلق نتجاوز الأيام العجاف والعلل العارضة والهزائم المخزية .. ونحطم عروش الكفر ونهزم عبيد الشهوات ونملك رقاب أعدائنا هذا ما وعدنا ربنا إذا أصلحنا شأننا وعُدْنا لرشدنا فالإسلام يعلو ولا يُعْلى .
ومن جميل حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين خرج على المسلمين عاملُ كسرى في أربعين ألفاً فقام ترجمان فقال ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة : سل عمَّا شئت قال ما أنتم ؟ قال نحن أُناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد نمص الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبَرَ والشَعَر ونعبد الشجر والحجر ، فبينا نحن كذلك إذ بعث ربُ السموات ورب الأرضين تعالى ذكرُه وجلَّت عظمته - إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسولُ ربّنا صلى الله عليه وسلم أن نُقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية ، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منّا صار إلى الجنة في نعيم لم يَرَ مِثْلَها قط ومن بقي منا ملك رقابكم )) رواه البخاري (3159)
وعلى هذا الأساس نهض الإسلام وقويت شوكته وعزّ أهله ولن تذهب الليالي والأيام حتى يكون الدين كله لله فلا يهودية في الأرض ولا نصرانية ولا يبقى أحد من أهل الكتاب يؤدي الجزية .
وفي الصحيحين (1) من طريق ابن شهاب عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مُقْسِطاً فيكسِرَ الصليب ويقتل الخنزير ويضَعَ الجزية ويَفيضَ المال حتى لا يقبله أحد )) .
ومعنى قوله ( ويضع الجزية ) أي لا يقبل إلا الإسلام ليكون الدين كله لله فلا يبقى في الأرض لا يهودي ولا نصراني وهذا قول طائفة من الفقهاء والأئمة المجتهدين .
__________
(1) البخاري ( 2222 ) ومسلم ( 155 ) .


وقال آخرون معناه : أن المال يتنامى ويكثر حتى لا يوجد أحد يمكن صرف الجزية له فتترك الجزية لعدم الحاجة إليها .
وقالت طائفة ثالثة : إن المراد بوضع الجزية هو تقريرها على الكفار من غير محاباة وحينها يفيض المال .
وقد جاءت روايات كثيرة تؤيد القول الأول وأن عيسى يدعو إلى الإسلام ولا يقبل الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام .
وروى البخاري (1) من طريق جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءَه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله )) . ورواه مسلم (2) من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة واتفق الشيخان (3) على روايته عن ابن عمر رضي الله عنهما .
وقد آن للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يعودوا لرشدهم ويُجْمِعوا أمرهم ويجاهدوا عدو الله وعدوّهم فأبناء المسلمين مثخنون في الدماء والجراح فوق أراضيهم وقد تحملوا الكثير من غدر اليهود ومكر النصارى وخبث سياساتهم في الديار والأعراض قال تعالى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) } (4) .
__________
(1) رقم ( 2926 ) .
(2) رقم ( 2922 ) .
(3) البخاري ( 2925 ) ومسلم ( 2921 ) .
(4) سورة الحج


يتبع
 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني

ونحن المسلمين على امتداد تاريخنا لم نلق من اليهود والنصارى مآسي ومجازر أعظم ولا أنكى من مجازر حاضرنا المعاصر (1) حتى أقاموا سعادتهم على شقاوتنا ودولتهم على أراضينا وبعضُ المسلمين جثثُ ُ هامدةٌ لا يتحركون نحو الجهاد وتغيير الأوضاع ويؤثرون الانتظار وينتظرون الفرج دون مقاومة تذكر أو بذل يشكر .
والإسلام يرفض كل هذا ويرفض الخور والجهل والكسل ويرفض الدعوات التي ترمي إلى هلاك المسلمين وهتك حرماتهم ويأمر بالجهاد وقتال الناكثين والمعتدين وتطهير أراضي المسلمين من أيدي المغتصبين حتى يأتي وعد الله ونحن على ذلك قال الله تعالى { انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) } (2). وقال تعالى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) } (3) .
__________
(1) وكارثة المسلمين سنة سبع عشرة وستمائة على أيدي التتار بلية عظيمة ومحنة كبيرة قال عنها ابن الأثير في الكامل ( 10 / 399 ) فلو قال قائل إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقاً فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولاما يدانيها . ) غير أن التتار قوم أخلاط ليس لهم دين .. والحديث عن فتنة اليهود والنصارى على ما فيهم من تحريف .
(2) سورة التوبة .
(3) سورة البقرة .


وقد اتفق أهل العلم على وجوب قتال الكفار المعتدين على بلاد المسلمين فإن اندفع شرُّهم بأهل البلاد التي أُحتُلت أو أُغتصبت كفى ذلك عن غيرهم وإن لم يحصل ردُّ كيدهم وإقصاؤهم فإنه يجب على من يقرب من العدو من أهل البلاد الأُخرى مناجزة الكفار وصدّ عدوانهم وهذا أمر معلوم بالشرع ولا ينازع فيه مسلم (1) .
قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) } (2). وقال تعالى { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) } (3).
__________
(1) انظر شرح السنة للبغوي [ 10 / 374 ] وتفسير القرطبي [ 5 / 279 / 8 / 151 ] والمغني ( 10 / 366 ) والمحلى ( 5 / 341 ) وحاشية ابن عابدين ( 4 / 124 / 00 ) والسيل الجرّار ( 4 / 520 ) والجهاد والقتال في السياسة الشرعية ( 1 / 636 - 638 ).
(2) سورة التوبة .
(3) سورة النساء .

قال القرطبي رحمه الله قوله تعالى { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } حض على الجهاد وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب ويفتنونهم عن الدين فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده وإن كان في ذلك تلف النفوس ..) (1) .
فلهم بذلك أجر الشهداء المقتولين في سبيل الله قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من قُتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد .... الحديث رواه مسلم ( 1915 ) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة .
وقال تعالى عن الذين يُقتلون في سبيل الله ويضحون بأرواحهم { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) } (2).
__________
(1) تفسير القرطبي ( 5 / 279 ) وانظر (( مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق [ 2 / 828 - 838 ] .
(2) سورة آل عمران .

وفي صحيح مسلم ( 1887 ) من طريق الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية فقال : أما إنّا قد سألنا عن ذلك فقال (( أرواحهم في جوفِ طيرٍ خُضر لها قناديلُ مُعَلّقة بالعرش تسرحُ من الجنة حيث شاءَت . ثم تأوي إلى تلك القناديل . فاطلع إليهم ربهم اطلاعة . فقال . هل تشتهون شيئاً ؟ قالوا : أي شيئ نشتهي ؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرّات . فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يُسألوا قالوا : يارب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى . فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا )) .
وقال صلى الله عليه وسلم (( ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة )) متفق عليه (1) من حديث شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه .
وقد دلت الأحاديث الصحاح على أن الجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال والقائمين به أفضل العباد.
__________
(1) البخاري ( 2817 ) ومسلم ( 1877 ) .

وهذا هو الذي دفع بالصحابة من المهاجرين والأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان إلى أن يتسابقوا في حلقة سباقه ويتنافسوا في نيل ثوابه وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : ما يعدل الجهادَ في سبيل الله عز وجل ؟ قال لا تستطيعوه (1) )) قال فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول (( لا تستطيعونه )) وقال في الثالثة (( مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى )) . رواه مسلم في صحيحه ( 1878 ) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ورواه البخاري ( 2785 ) بمعناه من حديث أبي حصين عن ذكوان عن أبي هريرة وفي الصحيحين (2) من طريق الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله أي ّ الناس أفضل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله قالوا ثمَّ مَنْ قال : مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدعُ الناس من شرّه )) .
والنصوص الدالة على فضل الجهاد وأهله كثيرة فقد أدرك المجاهدون في سبيل الله من قبلهم وفاتوا من بعدهم . فلله در أرواح تضمها أجسادهم ودماء أُريقت في حماية الإسلام وكسر شوكة أعدائه .
__________
(1) وفي نسخة ( لا تستطيعونه ) بالنون وهذا الأشهر في اللغة .
(2) البخاري ( 2786 ) ومسلم ( 1888 ) .

هذا وقد أثار بعض المنهزمين روحياً وفكرياً والمتأثرين بكتابات المستشرقين موضوع الجهاد وحصروه في جهاد الدفاع ضد العدوان وجهدوا في تأويل الأدلة القطعية في هذا وعموا عن الأدلة والبراهين الدالة على جهاد الطلب ليكون الدين كله لله وتستريح الشعوب المظلومة والمقهورة من ظلم الأنظمة والقوانين وكان وراء هذه الانهزامية هو الجهل بحقيقة الإسلام وحقيقة الجهاد في الشريعة الإسلامية قال تعالى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا ( أي عن الشرك وفتنة المؤمنين ) فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) } (1) .
وقال تعالى { فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) } (2).
وقال تعالى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) } (3).
وفي الصحيحين (4) من طريق شعبة عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله )) .
__________
(1) سورة الأنفال .
(2) سورة التوبة .
(3) سورة التوبة .
(4) البخاري ( 25 ) ومسلم ( 22 ) .

وهذه الأدلة كلها في جهاد الطلب وهو قصد الكفّار وغزوهم في ديارهم ولو لم يحصل منهم أيّ عدوان ليدخلوا في الدين كافة مالم يترتب على ذلك أضرار راجحة أو يمنع المسلمين من ذلك عجز أو ضعف .
والنوع الثاني من الجهاد هو جهاد دفع العدوان عن بلادنا وعامة بلاد المسلمين وهذا واجب بالإجماع وهو من الضروريات ومن الأمور المتفق عليها في الشرائع كلها وفي الأعراف الدولية والأنظمة والسياسات كلها وقد دل عليه السمع والعقل والفطرة وقد تقدم شيء من هذا وأن الله تعالى أوجب الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المستضعفين من المؤمنين من أيدي الكفرة المجرمين والله أعلم .
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان
القصيم _ بريدة
7/ 8 / 1422هـ
 
اللهم انى اعوذ بك من الذين يكفرون المسلمين ولا يقاتلون الان الااا الاسلام والمسلمون بدعم خفى من اليهود والكفار والضالين !!!
 
اللهم انى اعوذ بك من الذين يكفرون المسلمين ولا يقاتلون الان الااا الاسلام والمسلمون بدعم خفى من اليهود والكفار والضالين !!!

الموت لأمريكا الموت لأسرائيل ولا يقاتلون غير المسلمين

وانتى والخوارج مثلهم !!!!!
 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني
الموت لأمريكا الموت لأسرائيل ولا يقاتلون غير المسلمين

وانتى والخوارج مثلهم !!!!!





وليه جالس ليه ماتذهب تدافع عنهم وتمووت ميته جاهليه رووح دافع عن امريكا وديمقراطية عبد ربه

روح عاون الماسون وقاتل شريعه الله ,, والله عرفت منهو الضال المضيع الحق من الباطل لايميز ولاعندة بصيرة .....
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى