أنت الصحيح يا شيخ ناصر...بقي شيء واحد
عندما قرأت مقابلة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد مع جريدة الراي أمس، رجاءً إضغط هنا، قرأت ما أثلج صدري. حقيقة ً، لأول مرة منذ زمن بعيد أقرأ شيء لمسؤول رفيع في دولة الكويت يُثلج صدري ويعطيني أمل بأن الكويت في طريقها إلى أن تصبح "دولة" ذات مضمون حقيقي لدولة. دولة يتعالى فيها القانون حتى على أعضاء مؤسسة الإمارة واقاربهم، ومن باب أولى على آخر فرد يعيش على تراب هذا الوطن. دولة في طريقها لأن تلغي مفاهيم وأعراف وآليات "القبيلة" من جميع شؤونها الرسمية لتقتصر فقط على الأعراف الإجتماعية ولا تتعداها إلى ما سواها. دولة في طريقها لأن ترفض كل أشكال وممارسات وآليات "شيخ القبيلة" في تعاملاتها الرسمية وحل خلافاتها ومشاكلها وتناقضاتها الداخلية.
أنا سعيد ليس لأن هذا المفهوم، مفهوم تعالي القانون وسيادته على الجميع، قد بات يحمل همومه أحد المؤثرين في مؤسسة الإمارة ويطرحه كقناعة وكمنهج عمل، لأنه في النهاية سوف يأتي من يحمله عاجلاً أو آجلاً إذا أردنا وأرادت مؤسسة الإمارة أن نبقى ونستمر كـ "دولة". ولكن أنا سعيد لأن هذه القناعة قد أتت في وقت بات التشرذم الطائفي والعرقي والقبلي يبرز جلياً وواضحاً ليس فقط في طرح القناعات وتداول الرأي والرأي المخالف، ولكن تعدتها إلى شكل مناهج وممارسات تُطبق على أرض الواقع وبإصرار متعمد وبتصميم واضح. بل حتى المواقف السياسية التي تطرحها بعض التكتلات السياسية ذات الجذور الدينية أو المذهبية أو القبلية من الواضح جداً أنها متأثرة بقناعات تعدت الجذور الدينية أو الفئوية لتحمل شذوذاً في المنهج والمفهوم معاً، ثم لتأخذ شكلاً وطنياً في الظاهر ولكن اللب والجوهر إما عنصري (حضر في مقابل بدو) أو مذهبي (سنة في مقابل شيعة) أو قبلي (مناطق خارجية في مقابل داخلية). هذا الشذوذ في المفاهيم والممارسات قد بات ينخر في أساسيات الدولة ومجتمعها منذراً بردود أفعال مستقبلية قد تأخذ شكل التطرف وعدم العقلانية في طرح الإعتراضات أو لتقرير وجهة نظر. أنا سعيد لأن الوضع الكويتي، إجتماعياً وسياسياً وفي المستقبل إقتصادياً بشكل أكيد، هو في وضع مهدد وخطير إذا استمرت الممارسات والمفاهيم كما هي عليه في السابق سواء من مؤسسة الإمارة أو من الشعب الكويتي، وبالتالي أتت هذه المقابلة من الشيخ ناصر المحمد لتُعلن عن منهج جديد وواضح في محاولة لعبور الكويت وشعبها من حالة التيه إلى حالة الدولة المدنية ذات الرؤية الواقعية والمسؤولة.
إذن المدخل لأي عملية اصلاح حقيقية هو تطبيق القانون بدون أية محاولة من أي جانب لتمييع هذا القانون أو الإفتئات عليه. وأنا هنا إذ أشد على يديّ الشيخ ناصر المحمد على ما ابداه من قناعات لا لبس فيها، إلا أنه لابد من المصارحة أيضاً من جانب الشعب له حتى تكتمل الصورة ويزول أي لبس أو سوء فهم من ذهن أي مراقب لشؤون الدولة وآلياتها وقناعاتها.
يا سمو الشيخ ناصر المحمد، إن تطبيق الرؤية والقناعات التي ابديتها وشرحتها للشعب الكويتي يستدعي بالضرورة وجود طاقم وزراء يؤمنون برؤيتك تلك ويسعون جدياً لتنفيذها فيما يقع تحت مسؤولياتهم وما أنيط بهم من مهام. كيف يستقيم هذا وأنت تضم في وزارتك إثنان من الوزراء ما هم في الحقيقة إلا من مخرجات الإنتخابات الفرعية القبلية العنصرية والمخالفة للقانون؟!
كيف يستقيم أن نضع الكويت على أعتاب عصر جديد وهناك من طاقم وزراتك من تدور حوله الشبهات في ممارسات طائفية فيما مضى؟!
كيف يستقيم أن نؤمن بتعالي مصلحة الكويت على كل مصلحة سواها، ومن بين الوزراء ممن ينتمي إلى حركة ذات جذور منهجية وعلاقات، على أحسن، هي محط تساؤل وريبة مع فروع هذه الحركة في الدول العربية وغيرها؟!
إن الممارسات التي قام بها، ومازال، الوزراء ممن أتوا بسبب إنتخابات فرعية مخالفة للقانون هي أشهر وأوضح مما يعاد هنا في هذه المقالة. إن هؤلاء، يكون أصحاب الفضل الحقيقي لما هم فيه الآن ليس مؤسسة الإمارة ولا الجهاز التنفيذي للدولة ولا أنت شخصياً ولا رؤيتك المنهجية ولا قناعات الدولة المدنية ولا مبدأ تعالي القانون الذي تنادي فيه، ولكن صاحب الفضل الحقيقي، من وجهة نظرهم، هو النظرة الفئوية العرقية القبلية التي ساهمت في بروزهم على الساحة السياسية من خلال أفعال يجرمها القانون أصلاً، فهم يردون الجميل لهؤلاء حتى وإن كان الثمن هو "القانون" الذي تنادي فيه الآن. ولا أظنك يا سمو الرئيس ممن يخفى عليه ذلك.
وهذا أيضاً يمتد ليشمل كل صاحب ممارسات طائفية أو حزبية دارت عليه الشبهات في الماضي، وأصبح هو أو من يمثلهم موضع شك وريبة في عيون أهل الكويت، حتى وإن أتى عن طريق الإنتخاب لمجلس الأمة، لأن الكل يعلم كيف تكون التحالفات، وكيف تبرز الممارسات، وكيف تُلغى القناعات عند صناديق الإقتراع لسبب أو لآخر، لتكون النتيجة الديموقراطية نتيجة مشوهة وقاصرة إلا من رحم ربي كما رأيت ورأينا في مجالس الأمة السابقة.
إذا أردت أن تبدأ عصرٌ جديد في الكويت، ليكن المبدأ هو أن كل من خالف القانون بممارسة، مهما كان نوعها ومهما طال عليها الزمن، لا مكان له في جهازك التنفيذي. كل من يملك قناعة عرقية طائفية طبقية عنصرية لا ترى في الآخر المخالف له أو لفئته إلا "عنصراً" لا يساويه في الأهمية، لا مكان له في جهازك التنفيذي. بل ليتعدى الأمر إلى أن كل وزير يبدي رغبته في ترشيح نفسه في هذه الإنتخابات، لتطلب منه أنت شخصياً أن يضع إستقالته الآن، وبشكل سريع وقبل المرسوم بفتح باب الترشيح، تحت تصرفك وتصرف صاحب السمو أمير البلاد، ثم ليتم قبولها.
قد صَدَقناك الرأي، ولتُكمل ما بدأته ولا تلتفت ورائك. وإذا سرتَ أنت بهذه الراية التي رفعتها لنا وأكملت مشوارها، فإن كل كويتي سوف يشرفه أن يقف تحتها مهما كان موقعه في هذا الوطن. يشرفه ذلك لأن قيام الدولة المدنية هو هدف سامي متحضر لا يعاديه إلا إنسان مُريب.
فرناس