لأسبوع كامل وأنا على الفراش الأبيض في إحدى مستشفيات الكويت , تترنح درجة الحرارة بين 38 و 39 وتزيد قليل على التسعة والثلاثين , لا أعرف الليل من النهار , جوالي أغلقته لعدم قدرتي على الحديث والكلام مع أحد , وأنا أصارع تلك الحُمَّى لم أصلي فرضاً إلا وأنا على فراشي في تلك الفترة .
تعطَّلت الأركان , وتوقف الذهن , ما ألبث لأغامر وأنهض فأدخل في الماء البارد فأعود فأجدها تجد عليَّ بجدِّها وحديدها , كأنَّها تُريد افتراس ما تبقَّى من عافية , ومضت الأيام ومرت خلالها الساعات , لينبثق للعافية سناءٌ كنت أنتظره مع فجر السبت الماضي .
رحلت الحُمِّى التي لازمتني لأسبوع , ولم يتبقى سوى بعض الألم في المعدة ذبل بعد ذهاب الحمى بأيام .
أتى الأحد لأخرج في صباحهِ وأنا أقود السيَّار وأطلقها مدوية { يازين العافية زيناه } لم أكن أتصور للعافية طعم ولا لون ولا رائحة , لم أتصور أنَّ للعافية قيمة كبيرة وأنا أركض في المعلب مع اللاعب الشهير وصديقي أبي شليويح .
ولكن سرعان ما أتت الحمى ولأسبوع تدك عرش العافية , لأشعر أنني كنت في نعيمٍ لم يستقيم طويلاً بلا حمدٍ ولا شكر .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم { من بات آمنٍ في سربهِ , عنده قوت يومهِ , معافاً في بدنهِ , فكأنَّه حاز الدنيا بما فيها } فعلاً كأنَّه حاز الدنيا بما فيها .
موضة الإلحاد :
ثم بعد مسيري لمنزلي وإلى فلذة كبدي الدحمي , أتى يوم الأثنين ليلة الثلاثاء وبرنامج قذائف الذي يقدمه العوضي .
وأشار لي بالبرنامج وأخبرني بهِ أحدهم برسالةٍ عبر الجوال , وكنت مسترخي فوضعت القناة على الراي , وشاهدت الموضوع , وإذ بهِ حواراً مع الملحد حمد , الذي هو ربما بين ظهرانينا الآن يسمع ويرى .
اتصلت فتكلمت وبيَّنت جانباً مهماً , وهو أنَّ ليس للإلحاد سوق ولا بضاعة , بل الإلحاد غالب من يسلك مسلكه مرضى ويعانون المر المرير .
ربما يرى البعض في مقالي التجني , ولكن من شاهد الحلقة يعلم أنني قد أصبت الحقيقة , وذلك عندما قال الملحد حمد أنَّه مُتعب أصابه الشك ولم ينفك عنه الشك , لم يأكل , أصابه الضعف , أصبح يتناول بعض الأقراص التي تساعده في حياتهِ المتعبة والصعبة .
وبعد حوار المُلحد حمد مع الدكتور محمد العوضي كان يسأله العوضي { هل سلَّمت لما أقول } فكان يرد { للحين دكتور } .
رغم أنَّ الحوار كان قبل الحلقة ولساعات وربما أيام , الذي يجعلني أؤكد على مسألة أنَّ بعضهم وأقول بعضهم مصاباً بمرضٍ نفسي وليس لأنَّ الدكتور لم يكن صاحب حجة , هو أنني قد واجهت بعضهم وهذا البعض يحمل نفس الأفكار , ويردد نفس الردود , يقتنع فيذهب بعيداً عنك فيرجع لنفس الأفكار التي تقهره بأنَّ الله غير موجود ولله خالق وهلم جرى !
وبعضهم يصرِّح لا أريد هذه الأفكار وأراني مرغماً عليها .
أصبحت الأن فكرة الإلحاد موضوعة , نجد الشاب أو الفتاة لا يحملون من العلم الشرعي سوى ما يكفيهم لأداء الفريضة , وعلى حياء أيضاً , وتجده ينخرط في بعض المسالك العميقة التي ربما تذهب بدينه وتعبث بحياتهِ , فيقرأ لبعض الفلاسفة ولبعض المذاهب الفكرية التي ماهي إلا وحي ذهني وليس وحي إلهي , بمعنى من صنع العقل الإنساني فهو تصور ذهني إنساني { بمعنى ما هو خارج نطاق العقل الإنساني مستبعد } وهذا ما يعطل قوله { فيها لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر } .
فتجد الشاب يتثقف تثقيفاً خاطئاً , ويُدمر بهذا التثقيف ما تبقى من حياتهِ , فيهرب من اليقين إلى الشك .
لماذا يسعى البعض لهذه الموضة الفكرية وهي موضة الإلحاد , لماذا يصر البعض على التقوقع فقط على العقل والمشاهدة المجردة فقط ويترك اللامحسوس ولا يؤمن إلا بالمحسوس !
لقد قلت آنفاً أنَّ ذلك الشاب يعاني من بعض المشاكل في نفسهِ , وهذا ما وجدته مع بعض الحالات التي قابلتها , فبعضهم يرى في الإلحاد هروباً من حقيقة الموت والبعث .
بل قالها صراحةً الملحد حمد وأنَّه تناول مجموعة من الحبوب للوصول لحقيقة الموت وعدم انتظاره , فانتظار الموت والتفكير فيما بعده مؤلم , والوصول إليه سريعاً ربما يُريحه من الآلام النفسية والتفكير فيه .
فيُريد بذلك أن يُريح نفسه من حقيقة البعث والحساب والعقاب من خلال تكذيب ذلك من خلال هذا الإعتقاد , الأمر هذا ليس تخميناً , بل غالبهم كان مبعث تفكيرهم بالإلحاد هو الموت ومابعده وهذا هو الباعث الحقيقي .
وكلما استمروا وفكروا أصيبوا بالألم النفسي الحاد الذي يجعلهم غير مرتاحين في حياتهم , ويستمرون وبإسهاب بالإلحاد ليكذبوا الكذبة ويصدقها لسانهم ويُرغمون القلب والفطرة على ذلك مستندين على التصورات الذهنية وبعض المراجع لبعض الفلاسفة لكي يهربوا من الحقيقة التي لا مفر منها .
لم أتجنَّى على المُلحد حمد , بل قالها هو وبصراحة { تعبت حيل يا دكتور والحبوب دايم بمخباتي } وكذلك الأشخاص الذين قابلتهم قالوا لي نفس الكلام والنوم حاربهم وكابدوا الأرق .
وبعضهم صرَّح لي وقال هذه الأفكار لن ترحل إلا بطبيبٍ نفسي .
ولا أريد تضخيم مسألة الإلحاد , فكما قلت وأقول أنَّ الإلحاد ذو بضاعةٍ كاسدة ولا يرقى إلى أن يُتناول , ولكنَّ التنظير هنا والبيان مطلوب , لأنني ربما أعلم بانتشار المقال عند بعضهم , فلعل هذا البعض يُظهر مافي نفسهِ قد اختبأ .
أخوكم / عبدالله المطيري