لم يَرَ جمهور أهل العلم المتقدمين بأساً في جواز الاقتحام و لو أدى إلى مهلكة ، بل حكي استحباب ذلك عن أئمة المذاهب الأربعة ، كما في كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة المتقدّم عند ذكر قصّة الغلام .
و لبيان ذلك أقتطف ما تيسّر من كتب المذاهب المعتمدة فأقول :
جاء في كتاب المبسوط للإمام السرخسي ( و هو من الحنفية ) : ( لو حمل الواحد على جمع عظيم من المشركين فإن كان يعلم أنه يصيب بعضهم أو يُنكي فيهم نكاية فلا بأس بذلك ، و إن كان يعلم أنه لا ينكى فيهم فلا ينبغي له أن يفعل ذلك ) . [ المبسوط ، للسرخسي : 10/76 ] .
و ذَكَر الجصّاص في تفسيره ن محمد بن الحسن الشيباني صاحبَ أبي حنيفة ذكر في السير الكبير أن رجلا لو حمل على ألف رجل و هو وحده ، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية فإني أكره له ذلك ، لأنه عرض نفسه للتلف بلا منفعة للمسلمين ، و إنما ينبغي للرجل أن يفعل هذا إذا كان يطمع في نجاة أو منفعة للمسلمين ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه يجرِّيء المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل ، فيقتلون و ينكون في العدو فلا بأس بذلك إن شاء الله ، لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو و لا يطمع في النجاة لم أر بأسا أن يحمل عليهم ، فكذلك إذا طمع أن يُُُنْكِِِِيَ غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك ، و أرجو أن يكون فيه مأجورا ، و إنما يكره له ذلك إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه ، و إن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه مما يرهب العدو فلا بأس بذلك لأن هذا أفضل النكاية و فيه منفعة للمسلمين [ أحكام القرآن للجصاص : 1 / 327 ].
و وافقه الجصاص فقال [ في أحكام القرآن ، له : 1 / 328 و ما بعدها ]:
والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح لا يجوز غيره ، و على هذه المعاني يحمل تأويل من تأوّل في حديث أبي أيوب أنه ألقى بيده إلى التهلكة ، بحمله على العدو إذ لم يكن عندهم في ذلك منفعة ، و إذا كان كذلك فلا ينبغي أن يتلف نفسه ، بدون منفعة عائدة على الدين و لا على المسلمين ، فأما إذا كان في تلف نفسه منفعة عائدة على الدين فهذا مقام شريف مدح الله به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إنَّ اللَّهِ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [ التوبة : 111 ] ، و قال : (و لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [ آل عمران : 169 ] ، و قال : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) [ البقرة : 207 ] ، في نظائر ذلك من الآي التي مدح الله فيها من بذل نفسه لله .اهـ.
و ممّن انتصر لذلك الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال [ في كتاب الأم : 4/169 ] : ( لا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً ، أو يبادر الرجل و إن كان الأغلب أنه مقتول , لأنه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و حَمَل رجل من الأنصار حاسراً على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقُتِل ) .
و في كلام الشافعي إشارة إلى ما رواه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتقدّم .
و قال الإمام النووي رحمه الله [ في باب ثبوت الجنة للشهيد من شرح مسلم : 13 / 46 ] بعد ذِكر قصّة صاحب التَمرات : فيه جواز الانغماس في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء . اهـ .
و في كتاب الفروع لابن مفلح الحنبلي [ 6 / 189 ] : ( قال و لو حمل على العدو و هو يعلم أنه لا ينجو لم يُعِن على قتل نفسه و قيل : له – أي للإمام أحمد - يحمل الرجل على مائة ؟ قال : إذا كان مع فرسان ، و ذكر شيخنا أنّه يستحب انغماسه لمنفعة للمسلمين و إلا نهى عنه و هو من التهلكة ) .
قال أبو عبداللّه القرطبي [ في تفسيره : 2 / 363 و ما بعدها ] : اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده ، فقال القاسم بن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبد الملك من علمائنا : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم ، إذا كان فيه قوة ، وكان للّه بنيّة خالصة ، فإن لم تكن له قوة فذلك من التهلكة ، و قيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل ؛ لأن مقصوده واحد منهم . اهـ .
ثمّ نقل [ في تفسيره أيضاً : 2 / 364 ] قول بعض المالكيّة : إن حمل على المائة أو جملة العسكر و نحوه و علم أو غلب على ظنه أنه يقتل ، و لكن سينكي نكاية أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز ، و نقل أيضا عن محمد بن الحسن الشيباني قوله : لو حمل رجل واحد على الألف من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ؛ لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين ، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه ؛ لأن فيه نفعاً للمسلمين على بعض الوجوه ، فإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم العدو صلابة المسلمين في الدين ، فلا يبعد جوازه إذا كان فيه نفع للمسلمين ، فَتَلَفُ النفس لإعزاز دين اللّه وتوهين الكفر ؛ هو المقام الشريف الذي مدح اللّه به المؤمنين في قوله : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ) [ المائدة : 111 ] ، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح اللّه بها من بذل نفسه ، وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
إلى أن قال [ في تفسيره : 2/364 ] : ( و الصحيح عندي جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم , لأنّ فيه أربعة وجوه :
الأول: طلب الشهادة .
الثاني: وجود النكاية .
الثالث : تجرئة المسلمين عليهم .
الرابع : ضعف نفوسهم ليروا أنّ هذا صنع واحد فما ظنك بالجمع ) .
و ذكر هذه الوجوه الأربعة أيضاً ابن العربي [ 1/166 ] .
و أختم بقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ( و أما قوله : أريد أن أقتل نفسي في الله فهذا كلام مجمل ؛ فإنه إذا فعل ما أمره الله به فأفضي ذلك إلى قتل نفسه فهذا محسن في ذلك ، مثل من يحمل على الصف وحده حملاً فيه منفعة للمسلمين و قد اعتقد أنه يقتل فهذا حسن ... ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي صلى الله عليه و سلّم ، و قد روى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أن رجلاً حمل على العدو وحده فقال الناس : ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر لا و لكنه ممن قال الله فيه : ( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [ البقرة : 207 ] ) [ مجموع الفتاوى 25 / 279 ] .
وهذه فتوى حبيبنا العلامه ابن عثيمين رحمه الله في جواز العمليات الإستشهاديه :
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في شرحه لـ " رياض الصالحين " (1/165 - 166) في شرحه لحديث الغلام والساحر :
رابعا : أن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامَّة للمسلمين فإن هذا الغلام دلَّ الملك على أمر يقتله به ويهلك به نفسه وهو أن يأخذ سهما من كنانته ... إلخ .
قال شيخ الإسلام : " لأن هذا جهاد في سبيل الله ، آمنت أمة وهو لم يفتقد شيئا لأنه مات وسيموت آجلا أو عاجلا " .
فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم ، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله .
ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام .
لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين ، لم ينتفع الإسلام بذلك فلم يُسلم الناس ، بخلاف قصة الغلام . وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويُوغر صدره هذا العمل حتى يفتِكَ بالمسلمين أشد فتك .
تعليق : الذي باللون الاحمر يدل على انه لو كان في مصلحة الإسلام لجاز الفعل ..
نكمل فتوى الشيخ :
كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفرا أو أكثر فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ولا انتفاع للذين فُجرت المتفجرات في صفوفهم .
تعليق : الذي باللونا لأحمر يؤكد كلامنا على انه اذا كان هناك انتفاع للمسلمين من العمليات الإستشهاديه ففي هذه الحاله يجوز فعلها ..
نكمل الفتوى :
ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله وأن صاحبه ليس بشهيد . لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولا ظانا أنه جائز فإننا نرجو أن يسلم من الإثم ، وأما أن تكتب له الشهادة فلا . لأنه لم يسلك طريق الشهادة . ومن اجتهد وأخطأ فله أجر .ا.هـ.
وهذه فتوى أخرى لعلها أصرح من الفتوى الماضيه ..
وسئل الشيخ أيضا في اللقاء الشهري (20/73 - 76) سؤالا :
يقول فضيلة الشيخ علمتَ ما حصل في يوم الأربعاء من حادثٍ قُتل فيه أكثر من عشرين يهوديا على يد أحد المجاهدين وجرح فيه نحو من خمسين وقد قام هذا المجاهد فلفَّ على نفسه المتفجرات ، ودخل في إحد حافلاتهم ففجرها ، وهو إنما فعل ذلك أولا لأنه يعلم أنه إن لم يقتل اليوم قتل غدا لأن اليهود يقتلون الشباب المسلم هناك بصورة منتظمة .
ثانيا : إن هؤلاء المجاهدين يفعلون ذلك انتقاما من اليهود الذين قتلوا المصلين في المسجد الإبراهيمي .
ثالثا : إنهم يعلمون أن اليهود يخططون هم والنصارى للقضاء على روح الجهاد الموجودة في فلسطين ، والسؤال هو : هل هذا الفعل منه يعتبر إنتحارا أو يعتبر جهادا ؟
وما نصيحتك في مثل هذه الحال ، لأننا إذا علمنا أن هذا أمر محرم لعلنا نبلغه إلى إخواننا هناك وفقك الله ؟
الجواب : هذا الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل أول من يقتل نفسه فلا شك أنه هو الذي تسبب في قتل نفسه ، ولا يجوز مثل هذه الحالة إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة للإسلام ، فلو كانت هناك مصلحة كبيرة ونفع عظيم للإسلام كان ذلك جائزا .
و لبيان ذلك أقتطف ما تيسّر من كتب المذاهب المعتمدة فأقول :
جاء في كتاب المبسوط للإمام السرخسي ( و هو من الحنفية ) : ( لو حمل الواحد على جمع عظيم من المشركين فإن كان يعلم أنه يصيب بعضهم أو يُنكي فيهم نكاية فلا بأس بذلك ، و إن كان يعلم أنه لا ينكى فيهم فلا ينبغي له أن يفعل ذلك ) . [ المبسوط ، للسرخسي : 10/76 ] .
و ذَكَر الجصّاص في تفسيره ن محمد بن الحسن الشيباني صاحبَ أبي حنيفة ذكر في السير الكبير أن رجلا لو حمل على ألف رجل و هو وحده ، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية فإني أكره له ذلك ، لأنه عرض نفسه للتلف بلا منفعة للمسلمين ، و إنما ينبغي للرجل أن يفعل هذا إذا كان يطمع في نجاة أو منفعة للمسلمين ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه يجرِّيء المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل ، فيقتلون و ينكون في العدو فلا بأس بذلك إن شاء الله ، لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو و لا يطمع في النجاة لم أر بأسا أن يحمل عليهم ، فكذلك إذا طمع أن يُُُنْكِِِِيَ غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك ، و أرجو أن يكون فيه مأجورا ، و إنما يكره له ذلك إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه ، و إن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه مما يرهب العدو فلا بأس بذلك لأن هذا أفضل النكاية و فيه منفعة للمسلمين [ أحكام القرآن للجصاص : 1 / 327 ].
و وافقه الجصاص فقال [ في أحكام القرآن ، له : 1 / 328 و ما بعدها ]:
والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح لا يجوز غيره ، و على هذه المعاني يحمل تأويل من تأوّل في حديث أبي أيوب أنه ألقى بيده إلى التهلكة ، بحمله على العدو إذ لم يكن عندهم في ذلك منفعة ، و إذا كان كذلك فلا ينبغي أن يتلف نفسه ، بدون منفعة عائدة على الدين و لا على المسلمين ، فأما إذا كان في تلف نفسه منفعة عائدة على الدين فهذا مقام شريف مدح الله به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إنَّ اللَّهِ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [ التوبة : 111 ] ، و قال : (و لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [ آل عمران : 169 ] ، و قال : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) [ البقرة : 207 ] ، في نظائر ذلك من الآي التي مدح الله فيها من بذل نفسه لله .اهـ.
و ممّن انتصر لذلك الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال [ في كتاب الأم : 4/169 ] : ( لا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً ، أو يبادر الرجل و إن كان الأغلب أنه مقتول , لأنه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و حَمَل رجل من الأنصار حاسراً على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقُتِل ) .
و في كلام الشافعي إشارة إلى ما رواه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتقدّم .
و قال الإمام النووي رحمه الله [ في باب ثبوت الجنة للشهيد من شرح مسلم : 13 / 46 ] بعد ذِكر قصّة صاحب التَمرات : فيه جواز الانغماس في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء . اهـ .
و في كتاب الفروع لابن مفلح الحنبلي [ 6 / 189 ] : ( قال و لو حمل على العدو و هو يعلم أنه لا ينجو لم يُعِن على قتل نفسه و قيل : له – أي للإمام أحمد - يحمل الرجل على مائة ؟ قال : إذا كان مع فرسان ، و ذكر شيخنا أنّه يستحب انغماسه لمنفعة للمسلمين و إلا نهى عنه و هو من التهلكة ) .
قال أبو عبداللّه القرطبي [ في تفسيره : 2 / 363 و ما بعدها ] : اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده ، فقال القاسم بن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبد الملك من علمائنا : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم ، إذا كان فيه قوة ، وكان للّه بنيّة خالصة ، فإن لم تكن له قوة فذلك من التهلكة ، و قيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل ؛ لأن مقصوده واحد منهم . اهـ .
ثمّ نقل [ في تفسيره أيضاً : 2 / 364 ] قول بعض المالكيّة : إن حمل على المائة أو جملة العسكر و نحوه و علم أو غلب على ظنه أنه يقتل ، و لكن سينكي نكاية أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز ، و نقل أيضا عن محمد بن الحسن الشيباني قوله : لو حمل رجل واحد على الألف من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ؛ لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين ، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه ؛ لأن فيه نفعاً للمسلمين على بعض الوجوه ، فإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم العدو صلابة المسلمين في الدين ، فلا يبعد جوازه إذا كان فيه نفع للمسلمين ، فَتَلَفُ النفس لإعزاز دين اللّه وتوهين الكفر ؛ هو المقام الشريف الذي مدح اللّه به المؤمنين في قوله : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ) [ المائدة : 111 ] ، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح اللّه بها من بذل نفسه ، وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
إلى أن قال [ في تفسيره : 2/364 ] : ( و الصحيح عندي جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم , لأنّ فيه أربعة وجوه :
الأول: طلب الشهادة .
الثاني: وجود النكاية .
الثالث : تجرئة المسلمين عليهم .
الرابع : ضعف نفوسهم ليروا أنّ هذا صنع واحد فما ظنك بالجمع ) .
و ذكر هذه الوجوه الأربعة أيضاً ابن العربي [ 1/166 ] .
و أختم بقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ( و أما قوله : أريد أن أقتل نفسي في الله فهذا كلام مجمل ؛ فإنه إذا فعل ما أمره الله به فأفضي ذلك إلى قتل نفسه فهذا محسن في ذلك ، مثل من يحمل على الصف وحده حملاً فيه منفعة للمسلمين و قد اعتقد أنه يقتل فهذا حسن ... ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي صلى الله عليه و سلّم ، و قد روى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أن رجلاً حمل على العدو وحده فقال الناس : ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر لا و لكنه ممن قال الله فيه : ( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [ البقرة : 207 ] ) [ مجموع الفتاوى 25 / 279 ] .
وهذه فتوى حبيبنا العلامه ابن عثيمين رحمه الله في جواز العمليات الإستشهاديه :
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في شرحه لـ " رياض الصالحين " (1/165 - 166) في شرحه لحديث الغلام والساحر :
رابعا : أن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامَّة للمسلمين فإن هذا الغلام دلَّ الملك على أمر يقتله به ويهلك به نفسه وهو أن يأخذ سهما من كنانته ... إلخ .
قال شيخ الإسلام : " لأن هذا جهاد في سبيل الله ، آمنت أمة وهو لم يفتقد شيئا لأنه مات وسيموت آجلا أو عاجلا " .
فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم ، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله .
ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام .
لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين ، لم ينتفع الإسلام بذلك فلم يُسلم الناس ، بخلاف قصة الغلام . وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويُوغر صدره هذا العمل حتى يفتِكَ بالمسلمين أشد فتك .
تعليق : الذي باللون الاحمر يدل على انه لو كان في مصلحة الإسلام لجاز الفعل ..
نكمل فتوى الشيخ :
كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفرا أو أكثر فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ولا انتفاع للذين فُجرت المتفجرات في صفوفهم .
تعليق : الذي باللونا لأحمر يؤكد كلامنا على انه اذا كان هناك انتفاع للمسلمين من العمليات الإستشهاديه ففي هذه الحاله يجوز فعلها ..
نكمل الفتوى :
ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله وأن صاحبه ليس بشهيد . لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولا ظانا أنه جائز فإننا نرجو أن يسلم من الإثم ، وأما أن تكتب له الشهادة فلا . لأنه لم يسلك طريق الشهادة . ومن اجتهد وأخطأ فله أجر .ا.هـ.
وهذه فتوى أخرى لعلها أصرح من الفتوى الماضيه ..
وسئل الشيخ أيضا في اللقاء الشهري (20/73 - 76) سؤالا :
يقول فضيلة الشيخ علمتَ ما حصل في يوم الأربعاء من حادثٍ قُتل فيه أكثر من عشرين يهوديا على يد أحد المجاهدين وجرح فيه نحو من خمسين وقد قام هذا المجاهد فلفَّ على نفسه المتفجرات ، ودخل في إحد حافلاتهم ففجرها ، وهو إنما فعل ذلك أولا لأنه يعلم أنه إن لم يقتل اليوم قتل غدا لأن اليهود يقتلون الشباب المسلم هناك بصورة منتظمة .
ثانيا : إن هؤلاء المجاهدين يفعلون ذلك انتقاما من اليهود الذين قتلوا المصلين في المسجد الإبراهيمي .
ثالثا : إنهم يعلمون أن اليهود يخططون هم والنصارى للقضاء على روح الجهاد الموجودة في فلسطين ، والسؤال هو : هل هذا الفعل منه يعتبر إنتحارا أو يعتبر جهادا ؟
وما نصيحتك في مثل هذه الحال ، لأننا إذا علمنا أن هذا أمر محرم لعلنا نبلغه إلى إخواننا هناك وفقك الله ؟
الجواب : هذا الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل أول من يقتل نفسه فلا شك أنه هو الذي تسبب في قتل نفسه ، ولا يجوز مثل هذه الحالة إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة للإسلام ، فلو كانت هناك مصلحة كبيرة ونفع عظيم للإسلام كان ذلك جائزا .