البريكي2020
عضو فعال
هدية الملكة.. مملكة!
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
خبر تنازل ملكة هولندا عن العرش لمصلحة ابنها، رآه الكثيرون انه سخاء ملكي باذخ وعطاء ارستقراطي ثمين وكرم لاحدود له، وأنا أشاطرهم هذا الرأي.. فثقافة التنازل عن العروش ليست سهلة في قاموس الملوك والملكات، فالتاج في كثير من أحيان التاريخ صار أعز وأغلى من الابن والأم والأب وكل العشيرة الملكية، وفي فصول مأساوية أخرى سحب معه الفواجع حتى أريق على جوانبه الدم، لكن مملكة هولندا الأورانجيّة لها ملكات تقاليدهن غير وأساليبهن في نثر الإيثار يحرّك الكفّين على أن يتصافقا إعجابا وتقديرا، فمن وهب جزءا من وقته ليتتبع صفحات ماضي هذه العائلة الهابسبورغيّة العريقة سيجد حتما ما يقوله ويدهش له.
الملكة بياتريكس التي بلغت من العمر عتيا، وقف بها العمر هذا العام عند الرقم 75 سنة وقد حكمت مملكة الأراضي المنخفضة بعمر جيل كامل 33 سنة لتتنازل بالنهاية لابنها ويليام، وهي إشارة ذكيّة لتجديد الدماء في هذه المملكة التي تستلقي على المحيط الأطلسي الكبير، ليحمل ابنها ويليام من بعدها لقب الرابع بعد جده ويليام الثالث الذي توفي ولم يكن له وريث للملك غير ابنة في سن العاشرة من العمر لكن الهولنديين نصّبوها ملكة فعاشت لستين سنة حاكمة تحصد حب الشعب والشعب يحصد الرخاء.
بياتريكس الملكة المتنازلة هي ايضا اعتلت الحكم في عام 1980 بعد ان تنازلت لها والدتها (الملكة جوليانا) عن العرش، وسلسلة التنازل المأثورة كذلك وصلت للجدة الكبرى (الملكة فولهامينا) التي تنازلت للأم وهكذا تتناسل الملكات جيلا يصطف خلف جيل.
وللملكات في هولندا يوم كرنفال برتقالي فخيم يمر كل سنة عند أواخر نيسان مع تفتح الزهور ويسمى بيوم الملكة، ويحتفل فيه الهولنديون المعروفون بارتباطهم التام بعائلتهم الحاكمة تلك التي ألهمتهم ليلتهموا أراضي بلدان العالم خلف البحار الستة، ولترتفع رايتهم ذات الألوان الثلاثة في كل الاتجاهات، بدءا بإندونيسيا التي كانت تعرف بالجزر الغربية الهولندية وانتهاء بجزرالانتيل الهولندية التي تسبح على حواف الكاريبي، وقائمة طويلة من الدول التي رزحت تحت التاج الهولندي الى أن اقتنصت بعضا منها الاستقلال والتحرر، والشاهد أن تلك الخرقة الرمز لمملكة نيذرلاند كما تعرف، لم تصل الى تلك الأقاصي لولا إخلاص الهولنديين لمملكتهم ورموزها.
وكل ملكة هولندية لها عُرف جميل تعرف به وهو القيام بالتجوال بعربتها الملكية المكشوفة الجوانب في كل حفلة وطنية لمقابلة الناس مباشرة (وجها لوجه) وليس من وراء الحُجُب تتلقى رسائلهم وتعيش طبيعتها مع طبيعتهم وترى بعينيها أفراح أعينهم.