khaled al kandari
عضو بلاتيني
النفط الصخري ثورة أمريكية فقط
للكاتب السعودي
عثمان الخويطر
أود أن أوضح بعض النقاط المهمة حول موضوع إنتاج النفط والغاز الصخري، الذي أخذ من الإعلام حيزاً أكبر من حجمه. وأرجو ألا يُفهم من كلامي ومضمون مقالاتي عن النفط الصخري أنني أقلل من أهميته كمصدر جديد للطاقة، فهذا فهم غير دقيق.
ولكنني في واقع الأمر لا أتفق مع تسميته بثورة النفط الصخري إلا في حدود مناطق إنتاجه في الولايات المتحدة، التي كان بعضها إلى عهد قريب شبه معزول وتعيش حياة هادئة ثم أصبحت تعج بالحركة والضجيج والنشاط غير المعهود وتنعم بالازدهار الاقتصادي المحلي. فقد وضَعنا في السعودية على طريق الإنتاج خلال بضع سنوات ثلاثة حقول عملاقة، وهي الشيبة وخريص ومنيفة، ولم يسم أحد ذلك ثورة إنتاجية.
مع العلم أن إنتاج تلك الحقول يماثل أكثر من الضعفين بالنسبة لإنتاج النفط الصخري، وكذلك الاحتياطي المثبت يفوق بكثير احتياطي النفط الصخري الأمريكي. وإنتاج النفط الصخري الذي دخل حيز التنفيذ منذ سنوات قليلة كان نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار برميل النفط ولظهور بوادر نقص حاد في الإمدادات النفطية التقليدية، مع استمرار زيادة الطلب العالمي.
وعندما تصل الأسعار إلى 150 و200 دولار للبرميل، فسنرى العجب من تعدد مصادر الطاقة التي لم تكن في يوم ما اقتصادية، فهل نحن مستعدون لإطلاق مسميات لها جديدة ومثيرة؟ وماذا عن مشاريع الطاقة الشمسية التي نتوقع لها أن تملأ السمع والبصر بعد سنوات قليلة؟ فهي التي تستحق أن يقال عنها ''ثورة شمسية''.
وإذا أنا قلت أن إنتاج الغاز الصخري في أمريكا صاحبه أيضاً فرقعة إعلامية، فلن يقلل ذلك من أهميته بالنسبة لأمريكا. وهبوط أسعار الغاز إلى ما يقارب الدولارين للوحدة الحرارية، كان بسبب فوضى الإنتاج غير المقنن الحاصل من تعدد الشركات التي تقوم بعملية الإنتاج بحرية كاملة. وليس هناك أدنى شك في أن الأسعار ستتضاعف وترتفع إلى ما يقارب ثمانية دولارات للوحدة خلال وقت قصير بسبب احتمال ارتفاع تكلفة الإنتاج وتحوُّل عدد من أجهزة الحفر إلى مناطق النفط الصخري الأعلى مردوداً.
ولا ينظرون في أمريكا إلى الثروات الطبيعية، خصوصاً الغاز والنفط، على أنها ثروات استراتيجية كما هي الحال عندنا. فهي بالنسبة لهم مسألة استثمار وربح وخسارة. فإذا حصل المستثمر على مردود في حدود 10 في المائة على رأس المال، استثمر بكل طاقته واستطاعته حتى ولو أدى ذلك إلى وجود فائض إنتاج قد يطيح بالأسعار المحلية. وإذا سمحت الحكومة الأمريكية بتصدير الغاز إلى أوروبا تحت ضغوط المستثمرين فستقود هذه الخطوة إلى اختصار مدة صعود الأسعار.
وظن البعض أن النفط الصخري، على صعوبة إنتاجه ومحدودية كمياته وارتفاع تكلفته، يشغل بالنا ويهدد مستقبل نفطنا الرخيص، فهذا أمر يصعب هضمه. فالذي يمثل أكبر تهديد لثروتنا الناضبة، ليس النفط الصخري ولا الاكتشافات الجديدة على ندرتها، بل هو الإسراف الحالي في الإنتاج.
وهذه حقيقة ملموسة وليست مجرد وهْم أو تخمين. والسبب الرئيس لرفع إنتاجنا فوق حاجتنا هو أن السوق النفطية تتطلب المزيد من الإنتاج من أي نوع كان. ولذلك، فقد عَنْوَنت أحد مقالاتي بـ ''مرحبا بالنفط الصخري'' كناية عن الحاجة إلى روافد من أي مصدر من أجل تخفيف الضغط المسلط علينا لزيادة الإنتاج. والكل يعرف أن فوائض الدخل من الإنتاج المرتفع هو سحب مباشر من نصيب الأجيال، ومآلها الصرف على مزيد من الرفاهية وقتل الطموح ومضاعفة الاستقدام على حساب مستقبل شبابنا وأجيالنا. ولو كنا نعيش ونتعايش مع قليل من التقشف الممنهج لكان ذلك أجدر بحثنا على العمل والإنتاج والاعتماد على الذات، بدلا من استقدام ملايين الأيدي العاملة التي تمتص اقتصادنا وتخلخل مجتمعنا وتزيد من ازدحام شوارعنا وحاراتنا.
وهناك الكثيرون ممن يتخوفون من المنافسة وربما الاستغناء عن نفطنا بسبب إنتاج النفط الصخري، وهذا أمر لا يخلو من الغرابة. فنفطنا هو الأدنى تكلفة والأفضل نوعاً وتنوعاً. وهذا الوضع يذكرنا بالآية الكريمة التي تقول: ''ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين''. ولو فرضنا جدلاً أن هناك ما يدعو إلى الخوف من الاستغناء عن المشتقات النفطية، وهو أمر بعيد الاحتمال، فلن يكون ذلك قبل 50 إلى 100 عام، وهو زمن كفيل بأن يزيل النفوط القابلة للإنتاج من الوجود على أي حال، أو على أقل تقدير أغلبها. ناهيك عن الخصائص التي تتمتع بها المواد الهيدروكربونية عن غيرها خارج نطاق مصادر الطاقة، وهو على الأرجح لن يتوافر في أي بديل آخر، وخصوصاً منتجات المصانع البتروكيماوية التي غزت دنيانا وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا. وأكثر ما نخشى حدوثه أن يضيع وقتنا ويتبدد جهدنا ونحن نتحاور في موضوع تأثير النفوط الصخرية والرملية وما هو في علم الغيب على ثروتنا ومصدر دخلنا الوحيد، بينما نحن ننزف هذه الثروة بلا هوادة.
ويلاحظ القارئ لمقالاتي أن حكمي على حاضر ومستقبل مصادر النفط والغاز الصخري مبني على ركيزتين. الأولى، أن جميع المعلومات والأرقام التي أستخدمها تأتي من مصادرها الأصلية ومن تقارير أصحاب الشأن في أمريكا وليست من عندي. الركيزة الثانية هي خبرتي الشخصية لما يزيد على 30 عاماً من العمل في حقول هندسة البترول والجيولوجيا والحفر وعمليات الإنتاج، التي في ظني أنها تؤهلني لأن أبدي رأياً مقبولاً حول الموضوع، ولا أدعي العصمة من الخطأ. ونحن اليوم نعيش عصراً يختلف تماماً عن ظروف السبعينيات والثمانينيات، من حيث وفرة الإنتاج آنذاك ومستوى الطلب اليوم على مصادر الطاقة وبداية نقص الإمدادات. والسنوات المقبلة سيكون لها هي الأخرى ظروفها الخاصة المتمثلة في أغلب الأحوال في شح شديد في مصادر الطاقة الرخيصة.
*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.
للكاتب السعودي
عثمان الخويطر
أود أن أوضح بعض النقاط المهمة حول موضوع إنتاج النفط والغاز الصخري، الذي أخذ من الإعلام حيزاً أكبر من حجمه. وأرجو ألا يُفهم من كلامي ومضمون مقالاتي عن النفط الصخري أنني أقلل من أهميته كمصدر جديد للطاقة، فهذا فهم غير دقيق.
ولكنني في واقع الأمر لا أتفق مع تسميته بثورة النفط الصخري إلا في حدود مناطق إنتاجه في الولايات المتحدة، التي كان بعضها إلى عهد قريب شبه معزول وتعيش حياة هادئة ثم أصبحت تعج بالحركة والضجيج والنشاط غير المعهود وتنعم بالازدهار الاقتصادي المحلي. فقد وضَعنا في السعودية على طريق الإنتاج خلال بضع سنوات ثلاثة حقول عملاقة، وهي الشيبة وخريص ومنيفة، ولم يسم أحد ذلك ثورة إنتاجية.
مع العلم أن إنتاج تلك الحقول يماثل أكثر من الضعفين بالنسبة لإنتاج النفط الصخري، وكذلك الاحتياطي المثبت يفوق بكثير احتياطي النفط الصخري الأمريكي. وإنتاج النفط الصخري الذي دخل حيز التنفيذ منذ سنوات قليلة كان نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار برميل النفط ولظهور بوادر نقص حاد في الإمدادات النفطية التقليدية، مع استمرار زيادة الطلب العالمي.
وعندما تصل الأسعار إلى 150 و200 دولار للبرميل، فسنرى العجب من تعدد مصادر الطاقة التي لم تكن في يوم ما اقتصادية، فهل نحن مستعدون لإطلاق مسميات لها جديدة ومثيرة؟ وماذا عن مشاريع الطاقة الشمسية التي نتوقع لها أن تملأ السمع والبصر بعد سنوات قليلة؟ فهي التي تستحق أن يقال عنها ''ثورة شمسية''.
وإذا أنا قلت أن إنتاج الغاز الصخري في أمريكا صاحبه أيضاً فرقعة إعلامية، فلن يقلل ذلك من أهميته بالنسبة لأمريكا. وهبوط أسعار الغاز إلى ما يقارب الدولارين للوحدة الحرارية، كان بسبب فوضى الإنتاج غير المقنن الحاصل من تعدد الشركات التي تقوم بعملية الإنتاج بحرية كاملة. وليس هناك أدنى شك في أن الأسعار ستتضاعف وترتفع إلى ما يقارب ثمانية دولارات للوحدة خلال وقت قصير بسبب احتمال ارتفاع تكلفة الإنتاج وتحوُّل عدد من أجهزة الحفر إلى مناطق النفط الصخري الأعلى مردوداً.
ولا ينظرون في أمريكا إلى الثروات الطبيعية، خصوصاً الغاز والنفط، على أنها ثروات استراتيجية كما هي الحال عندنا. فهي بالنسبة لهم مسألة استثمار وربح وخسارة. فإذا حصل المستثمر على مردود في حدود 10 في المائة على رأس المال، استثمر بكل طاقته واستطاعته حتى ولو أدى ذلك إلى وجود فائض إنتاج قد يطيح بالأسعار المحلية. وإذا سمحت الحكومة الأمريكية بتصدير الغاز إلى أوروبا تحت ضغوط المستثمرين فستقود هذه الخطوة إلى اختصار مدة صعود الأسعار.
وظن البعض أن النفط الصخري، على صعوبة إنتاجه ومحدودية كمياته وارتفاع تكلفته، يشغل بالنا ويهدد مستقبل نفطنا الرخيص، فهذا أمر يصعب هضمه. فالذي يمثل أكبر تهديد لثروتنا الناضبة، ليس النفط الصخري ولا الاكتشافات الجديدة على ندرتها، بل هو الإسراف الحالي في الإنتاج.
وهذه حقيقة ملموسة وليست مجرد وهْم أو تخمين. والسبب الرئيس لرفع إنتاجنا فوق حاجتنا هو أن السوق النفطية تتطلب المزيد من الإنتاج من أي نوع كان. ولذلك، فقد عَنْوَنت أحد مقالاتي بـ ''مرحبا بالنفط الصخري'' كناية عن الحاجة إلى روافد من أي مصدر من أجل تخفيف الضغط المسلط علينا لزيادة الإنتاج. والكل يعرف أن فوائض الدخل من الإنتاج المرتفع هو سحب مباشر من نصيب الأجيال، ومآلها الصرف على مزيد من الرفاهية وقتل الطموح ومضاعفة الاستقدام على حساب مستقبل شبابنا وأجيالنا. ولو كنا نعيش ونتعايش مع قليل من التقشف الممنهج لكان ذلك أجدر بحثنا على العمل والإنتاج والاعتماد على الذات، بدلا من استقدام ملايين الأيدي العاملة التي تمتص اقتصادنا وتخلخل مجتمعنا وتزيد من ازدحام شوارعنا وحاراتنا.
وهناك الكثيرون ممن يتخوفون من المنافسة وربما الاستغناء عن نفطنا بسبب إنتاج النفط الصخري، وهذا أمر لا يخلو من الغرابة. فنفطنا هو الأدنى تكلفة والأفضل نوعاً وتنوعاً. وهذا الوضع يذكرنا بالآية الكريمة التي تقول: ''ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين''. ولو فرضنا جدلاً أن هناك ما يدعو إلى الخوف من الاستغناء عن المشتقات النفطية، وهو أمر بعيد الاحتمال، فلن يكون ذلك قبل 50 إلى 100 عام، وهو زمن كفيل بأن يزيل النفوط القابلة للإنتاج من الوجود على أي حال، أو على أقل تقدير أغلبها. ناهيك عن الخصائص التي تتمتع بها المواد الهيدروكربونية عن غيرها خارج نطاق مصادر الطاقة، وهو على الأرجح لن يتوافر في أي بديل آخر، وخصوصاً منتجات المصانع البتروكيماوية التي غزت دنيانا وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا. وأكثر ما نخشى حدوثه أن يضيع وقتنا ويتبدد جهدنا ونحن نتحاور في موضوع تأثير النفوط الصخرية والرملية وما هو في علم الغيب على ثروتنا ومصدر دخلنا الوحيد، بينما نحن ننزف هذه الثروة بلا هوادة.
ويلاحظ القارئ لمقالاتي أن حكمي على حاضر ومستقبل مصادر النفط والغاز الصخري مبني على ركيزتين. الأولى، أن جميع المعلومات والأرقام التي أستخدمها تأتي من مصادرها الأصلية ومن تقارير أصحاب الشأن في أمريكا وليست من عندي. الركيزة الثانية هي خبرتي الشخصية لما يزيد على 30 عاماً من العمل في حقول هندسة البترول والجيولوجيا والحفر وعمليات الإنتاج، التي في ظني أنها تؤهلني لأن أبدي رأياً مقبولاً حول الموضوع، ولا أدعي العصمة من الخطأ. ونحن اليوم نعيش عصراً يختلف تماماً عن ظروف السبعينيات والثمانينيات، من حيث وفرة الإنتاج آنذاك ومستوى الطلب اليوم على مصادر الطاقة وبداية نقص الإمدادات. والسنوات المقبلة سيكون لها هي الأخرى ظروفها الخاصة المتمثلة في أغلب الأحوال في شح شديد في مصادر الطاقة الرخيصة.
*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.