المعتزلة والعلمانيون والمستشرقون

ثمة علاقة وطيدة بين هؤلاء :

المعتزلة والعلمانيون العرب والمستشرقون .

المعتزلة في نظر العلمانيين والمستشرقين هم رواد الفكر العقلي في الإسلام ، وهم أرباب التفكير الحر .

فتجد العلماني والمستشرق يكيلان المديح للمعتزلي المنقرض .

استطراد :

لا شك أن فكر الاعتزال موجود حتى الآن في مذاهب الشيعة وأفكار العلمانيين .

ولكن الاعتزال كفكر مستقل قد انقرض بسبب ضربات الحنابلة والأشاعرة .

ومحاولات المعتزلي المتشيع الصاحب بن عباد بث الروح في مذهب الاعتزال بنشره بين الناس في الدولة البويهية الشيعية وتولية القاضي عبد الجبار للقضاء في هذا الدولة المترامية الأطراف ، أقول : كانت هذه المحاولات تبوء بالفشل ، وقد انتهت بهلاك ابن عباد .

فالسلطان السلفي ابن سبكتكين ( محمود الغزنوي ) قد دخل مدينة الري ( طهران حالياً ) وأحرق مكتبات الشيعة والمعتزلة فيها ، ومنها مكتبة الصاحب بن عباد التي كانت حمل ٤٠٠ بعير ، وطرد المعتزلة والشيعة من خراسان .

إضافةً إلى الانقضاضات الأشعرية والحنبلية على حد سواءً في فكر المعتزلة في العراق وغيرها كان لها الدور في القضاء على هذا الفكر .

ولكن الفكر الاعتزالي لم ينقرض تماماً بل حصل التزاوج والتلاقح بين المعتزلة والشيعة ( الاثنى عشرية والزيدية ) في رأس سنة ٣٧٠ هـ كما قال الحافظ الذهبي .

فالشيعة الإثنى عشرية تطور مذهبهم ( إلى الأسوأ ) في القرن الثالث الهجري ، فكان للسفير الثالث للمهدي ( النوبختي ) والشيخ المفيد الدور الكبير في إدخال عقائد المعتزلة في مذهب الشيعة ، فأصبحوا نفاة للصفات والقدر بعد أن كانوا مجسمة مشبهة في الصفات جبرية في القدر .

وهذا ما نبه عليه ابن تيمية الحراني ، وانتبه له الرافضي الإثنى عشري محمد أمين الاسترابادي في أيام الدولة الصفوية .

لن أستطرد مرة أخرى في الكلام على كيفية دخول مذاهب الفلسفة والعرفان في المذهب الشيعي ، فهذا لا علاقة له بموضوعنا ، وسيكون له موضوع آخر بإذن الله .

هذا المديح والثناء من العلمانيين العرب والمستشرقين ليس على وتيرة واحدة .

فـ ( مِنْ ) المستشرقين الغربيين من كان أكثر إنصافاً في تقييم المعتزلة من العلمانيين العرب .

ولكن ، ما الذي يدعو العلماني العربي والمستشرق الغربي ليقدس المعتزلة ويعظمهم ؟!

هناك عدة أسباب منها :

١ - تقديس المعتزلة للعقل وغلوهم فيه بحيث أنهم قدموا العقل على النقل ، وهذا بالضبط ما يسعى إليه المعتزلي .

٢ - قول المعتزلة بـ ( الحرية الإنسانية ) ، أي نفيهم للقدر وأن الله خالق أفعال العباد ، وتقريرهم أن العبد له الاختيار المطلق لأفعاله ولا دخل للذات الإلهية في ذلك ، وهو أصل ( العدل ) عند المعتزلة .

استطراد ثان :

الدولة الأموية - التي تسببت بالأرق للعلمانيين والخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم - هي التي نشرت فكر الجبر بحسب ادعاء العلمانيين والمعتزلة من قبلهم .

فالعلمانيون والمستشرقون يقدسون غيلان الدمشقي ومن قبله عمرو المقصوص ، وكذلك الجهم بن صفوان والجعد بن درهم .

وسأبسط هذا الأمر في موضوع آخر .

٣ - أصل ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) عند المعتزلة الذي هو في حقيقته : الخروج على الحاكم الظالم ، حيث أن السلفية يرون أن الخروج لا يجوز إلا على الحاكم الكافر فقط وبشروط معروفة عندهم .

فالمعتزلة أصحاب فكر ثوري ، مثلهم مثل الخوارج ، وهذا مما يولع به العلمانيون والثوريون .

إذن :

المعتزلة - والقدرية الأوائل كغيلان الدمشقي والجهم والجعد وعمرو المقصوص - في نظر العلمانيين العرب والمستشرقين الغربيين هم :

١ - فرقة تحترم عقل الإنسان ، وتقدمه وتجعله الحاكم على النصوص .

استطراد ثالث :

من أسباب قول المعتزلة بخلق القرآن : أن العقل مخلوق ، والقرآن غير مخلوق ، فكيف يكون المخلوق حاكماً ومقدماً على المخلوق ؟! لا بد من المساواة بينهما بحيث يكون القرآن مخلوقاً فلا يكون له مزية على العقل .

٢ - فرقة تحترم إرادة الإنسان ، ولا تراه ورقة في مهب الريح ، كما تنظر إليه الجبرية .

٣ - فرقة ثورية ضد الظلم الأموي ، ومحاربون للفكرة الجبرية الأموية التي يروجها الحكام لإخماد الشعوب ، وحتى لا تفكر في الثورة ، لأنها مجبورة .

ولكن نعود مرة أخرى للموازنة بين تقييم العلماني العربي والمستشرق الغربي للمعتزلة .

لقد كان ( بعض ) المستشرقين الغربيين أكثر إنصافاً لخصوم المعتزلة من العلمانيين العرب .

فهم قد عظموا المعتزلة بسبب موقفهم من العقل الإنساني والإرادة الإنسانية ولكنهم في نفس الوقت ( جلدوا ) المعتزلة بسبب تناقضهم واستبدادهم في عصر المأمون والمعتصم والواثق تجاه الحنابلة السلفيين وإمامهم أحمد بن حنبل في ( محنة خلق القرآن ) .

فقد استهجنوا هذا الأسلوب ( الاستبدادي ) من فرقة تسوّق نفسها أنها ضد الظلم وضد الحاكم الظالم .

ولكن ما إن وصلوا إلى السلطة وأصبحوا يحيطون بالحاكم حتى أصبحوا من أعوان هذا الحاكم الظالم في ظلمه .

بل ويشرعنون ( حتى بعد عصر المحنة ) هذا الظلم وهذا التعذيب للإمام أحمد وهذا التقتيل لعلماء الحديث المخالفين لمذهب الحاكم المعتزلي .

هذا التناقض من المعتزلة أثار حفيظة ( بعض المستشرقين ) .

ولكن البعض الآخر من المستشرقين قد عظموا دور المعتزلة في ( محنة خلق القرآن ) .

وجعلوا الظالم مظلوماً ، والمظلوم ظالماً !

فقد اتهموا الإمام أحمد رحمه الله بأنه كان قائداً لحركة معارضة للمأمون ومن بعده ، فكان للحاكم الحق في قمع هذه الحركة المعارضة .

بالرغم من الموقف المشهور للإمام أحمد بتحريم الخروج على السلطان ودعائه له والصبر عليه وعلى ظلمه ، بالرغم من كل الظلم والاضطهاد الذي تعرض له على يد هذا الحاكم .

وهونوا كثيراً من الظلم الذي وقع على الحنابلة إلى درجة أنهم شككوا حتى في عدد مرات الجلد التي تعرض لها الإمام أحمد !

وجاء فريق آخر من المستشرقين فحاولوا تبرئة المعتزلة من هذه الكارثة الأخلاقية التي تناقض مبادئهم التي ينادون بها !

فنفوا اعتزالية ( ابن أبي دؤاد ) ، وحاولوا إشراك بعض الفرق الأخرى في التسبب بهذه المحنة ، وحاولوا إظهار بعض المعتزلة على أنهم معارضون لهذه ( المحنة ) وهذه ( الفتنة ) .

أما العلمانيون العرب ، فهم في غيبوبة ، ويتبعون المستشرقين ( الفريق الآخر المطبل للمعتزلة ) حذو القذة بالقذة .

ومثل هذه الأحداث التاريخية والمعارك الفكرية والحروب المذهبية تكشف لك الكثير من الحقائق ومدى الزيف والكذب الذي يردده البعض .

بل إنها تكشف لك مدى حقارة العلماني العربي وتبعيته للمستشرق الغربي وخبث طويته ، حتى إنه ينتقي من أقوال المستشرقين والعلمانيين الغربيين أسوأها وأرداها .

فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا .
 
وما داعش بمنك ببعيد ،،،
عموما اذا كانت الاموية جهمية والعباسية معتزلة فأنتم لم يتبلور فكركم الاثري الا على زمن بن تيمية والذي استمده من رجال الحديث بعد قرنين من وفاة النبي عليه السلام بمعني انكم طائفة متأخرة بعكس ما تدعون ،،، وادعائكم للسلف هو من باب " كل يدعي الوصال بليلي "
واما قولك بأن الفكر الاسلامي او كما تقول المعتزلة اندثرت فهذا غير صحيح ففكر جمال الدين الافغاني ومحمد عبده كليهما فكر عقلي وكذلك المفكريين الاسلاميين الآن معظمهم ينتمي للفكري العقلي الاسلامي ولكن العيب بقصر النظر ،،،،،،،،،،،
 
أعلى