ثمة علاقة وطيدة بين هؤلاء :
المعتزلة والعلمانيون العرب والمستشرقون .
المعتزلة في نظر العلمانيين والمستشرقين هم رواد الفكر العقلي في الإسلام ، وهم أرباب التفكير الحر .
فتجد العلماني والمستشرق يكيلان المديح للمعتزلي المنقرض .
هذا المديح والثناء من العلمانيين العرب والمستشرقين ليس على وتيرة واحدة .
فـ ( مِنْ ) المستشرقين الغربيين من كان أكثر إنصافاً في تقييم المعتزلة من العلمانيين العرب .
ولكن ، ما الذي يدعو العلماني العربي والمستشرق الغربي ليقدس المعتزلة ويعظمهم ؟!
هناك عدة أسباب منها :
١ - تقديس المعتزلة للعقل وغلوهم فيه بحيث أنهم قدموا العقل على النقل ، وهذا بالضبط ما يسعى إليه المعتزلي .
٢ - قول المعتزلة بـ ( الحرية الإنسانية ) ، أي نفيهم للقدر وأن الله خالق أفعال العباد ، وتقريرهم أن العبد له الاختيار المطلق لأفعاله ولا دخل للذات الإلهية في ذلك ، وهو أصل ( العدل ) عند المعتزلة .
٣ - أصل ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) عند المعتزلة الذي هو في حقيقته : الخروج على الحاكم الظالم ، حيث أن السلفية يرون أن الخروج لا يجوز إلا على الحاكم الكافر فقط وبشروط معروفة عندهم .
فالمعتزلة أصحاب فكر ثوري ، مثلهم مثل الخوارج ، وهذا مما يولع به العلمانيون والثوريون .
إذن :
المعتزلة - والقدرية الأوائل كغيلان الدمشقي والجهم والجعد وعمرو المقصوص - في نظر العلمانيين العرب والمستشرقين الغربيين هم :
١ - فرقة تحترم عقل الإنسان ، وتقدمه وتجعله الحاكم على النصوص .
٢ - فرقة تحترم إرادة الإنسان ، ولا تراه ورقة في مهب الريح ، كما تنظر إليه الجبرية .
٣ - فرقة ثورية ضد الظلم الأموي ، ومحاربون للفكرة الجبرية الأموية التي يروجها الحكام لإخماد الشعوب ، وحتى لا تفكر في الثورة ، لأنها مجبورة .
ولكن نعود مرة أخرى للموازنة بين تقييم العلماني العربي والمستشرق الغربي للمعتزلة .
لقد كان ( بعض ) المستشرقين الغربيين أكثر إنصافاً لخصوم المعتزلة من العلمانيين العرب .
فهم قد عظموا المعتزلة بسبب موقفهم من العقل الإنساني والإرادة الإنسانية ولكنهم في نفس الوقت ( جلدوا ) المعتزلة بسبب تناقضهم واستبدادهم في عصر المأمون والمعتصم والواثق تجاه الحنابلة السلفيين وإمامهم أحمد بن حنبل في ( محنة خلق القرآن ) .
فقد استهجنوا هذا الأسلوب ( الاستبدادي ) من فرقة تسوّق نفسها أنها ضد الظلم وضد الحاكم الظالم .
ولكن ما إن وصلوا إلى السلطة وأصبحوا يحيطون بالحاكم حتى أصبحوا من أعوان هذا الحاكم الظالم في ظلمه .
بل ويشرعنون ( حتى بعد عصر المحنة ) هذا الظلم وهذا التعذيب للإمام أحمد وهذا التقتيل لعلماء الحديث المخالفين لمذهب الحاكم المعتزلي .
هذا التناقض من المعتزلة أثار حفيظة ( بعض المستشرقين ) .
ولكن البعض الآخر من المستشرقين قد عظموا دور المعتزلة في ( محنة خلق القرآن ) .
وجعلوا الظالم مظلوماً ، والمظلوم ظالماً !
فقد اتهموا الإمام أحمد رحمه الله بأنه كان قائداً لحركة معارضة للمأمون ومن بعده ، فكان للحاكم الحق في قمع هذه الحركة المعارضة .
بالرغم من الموقف المشهور للإمام أحمد بتحريم الخروج على السلطان ودعائه له والصبر عليه وعلى ظلمه ، بالرغم من كل الظلم والاضطهاد الذي تعرض له على يد هذا الحاكم .
وهونوا كثيراً من الظلم الذي وقع على الحنابلة إلى درجة أنهم شككوا حتى في عدد مرات الجلد التي تعرض لها الإمام أحمد !
وجاء فريق آخر من المستشرقين فحاولوا تبرئة المعتزلة من هذه الكارثة الأخلاقية التي تناقض مبادئهم التي ينادون بها !
فنفوا اعتزالية ( ابن أبي دؤاد ) ، وحاولوا إشراك بعض الفرق الأخرى في التسبب بهذه المحنة ، وحاولوا إظهار بعض المعتزلة على أنهم معارضون لهذه ( المحنة ) وهذه ( الفتنة ) .
أما العلمانيون العرب ، فهم في غيبوبة ، ويتبعون المستشرقين ( الفريق الآخر المطبل للمعتزلة ) حذو القذة بالقذة .
ومثل هذه الأحداث التاريخية والمعارك الفكرية والحروب المذهبية تكشف لك الكثير من الحقائق ومدى الزيف والكذب الذي يردده البعض .
بل إنها تكشف لك مدى حقارة العلماني العربي وتبعيته للمستشرق الغربي وخبث طويته ، حتى إنه ينتقي من أقوال المستشرقين والعلمانيين الغربيين أسوأها وأرداها .
فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا .
المعتزلة والعلمانيون العرب والمستشرقون .
المعتزلة في نظر العلمانيين والمستشرقين هم رواد الفكر العقلي في الإسلام ، وهم أرباب التفكير الحر .
فتجد العلماني والمستشرق يكيلان المديح للمعتزلي المنقرض .
استطراد :
لا شك أن فكر الاعتزال موجود حتى الآن في مذاهب الشيعة وأفكار العلمانيين .
ولكن الاعتزال كفكر مستقل قد انقرض بسبب ضربات الحنابلة والأشاعرة .
ومحاولات المعتزلي المتشيع الصاحب بن عباد بث الروح في مذهب الاعتزال بنشره بين الناس في الدولة البويهية الشيعية وتولية القاضي عبد الجبار للقضاء في هذا الدولة المترامية الأطراف ، أقول : كانت هذه المحاولات تبوء بالفشل ، وقد انتهت بهلاك ابن عباد .
فالسلطان السلفي ابن سبكتكين ( محمود الغزنوي ) قد دخل مدينة الري ( طهران حالياً ) وأحرق مكتبات الشيعة والمعتزلة فيها ، ومنها مكتبة الصاحب بن عباد التي كانت حمل ٤٠٠ بعير ، وطرد المعتزلة والشيعة من خراسان .
إضافةً إلى الانقضاضات الأشعرية والحنبلية على حد سواءً في فكر المعتزلة في العراق وغيرها كان لها الدور في القضاء على هذا الفكر .
ولكن الفكر الاعتزالي لم ينقرض تماماً بل حصل التزاوج والتلاقح بين المعتزلة والشيعة ( الاثنى عشرية والزيدية ) في رأس سنة ٣٧٠ هـ كما قال الحافظ الذهبي .
فالشيعة الإثنى عشرية تطور مذهبهم ( إلى الأسوأ ) في القرن الثالث الهجري ، فكان للسفير الثالث للمهدي ( النوبختي ) والشيخ المفيد الدور الكبير في إدخال عقائد المعتزلة في مذهب الشيعة ، فأصبحوا نفاة للصفات والقدر بعد أن كانوا مجسمة مشبهة في الصفات جبرية في القدر .
وهذا ما نبه عليه ابن تيمية الحراني ، وانتبه له الرافضي الإثنى عشري محمد أمين الاسترابادي في أيام الدولة الصفوية .
لن أستطرد مرة أخرى في الكلام على كيفية دخول مذاهب الفلسفة والعرفان في المذهب الشيعي ، فهذا لا علاقة له بموضوعنا ، وسيكون له موضوع آخر بإذن الله .
هذا المديح والثناء من العلمانيين العرب والمستشرقين ليس على وتيرة واحدة .
فـ ( مِنْ ) المستشرقين الغربيين من كان أكثر إنصافاً في تقييم المعتزلة من العلمانيين العرب .
ولكن ، ما الذي يدعو العلماني العربي والمستشرق الغربي ليقدس المعتزلة ويعظمهم ؟!
هناك عدة أسباب منها :
١ - تقديس المعتزلة للعقل وغلوهم فيه بحيث أنهم قدموا العقل على النقل ، وهذا بالضبط ما يسعى إليه المعتزلي .
٢ - قول المعتزلة بـ ( الحرية الإنسانية ) ، أي نفيهم للقدر وأن الله خالق أفعال العباد ، وتقريرهم أن العبد له الاختيار المطلق لأفعاله ولا دخل للذات الإلهية في ذلك ، وهو أصل ( العدل ) عند المعتزلة .
استطراد ثان :
الدولة الأموية - التي تسببت بالأرق للعلمانيين والخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم - هي التي نشرت فكر الجبر بحسب ادعاء العلمانيين والمعتزلة من قبلهم .
فالعلمانيون والمستشرقون يقدسون غيلان الدمشقي ومن قبله عمرو المقصوص ، وكذلك الجهم بن صفوان والجعد بن درهم .
وسأبسط هذا الأمر في موضوع آخر .
٣ - أصل ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) عند المعتزلة الذي هو في حقيقته : الخروج على الحاكم الظالم ، حيث أن السلفية يرون أن الخروج لا يجوز إلا على الحاكم الكافر فقط وبشروط معروفة عندهم .
فالمعتزلة أصحاب فكر ثوري ، مثلهم مثل الخوارج ، وهذا مما يولع به العلمانيون والثوريون .
إذن :
المعتزلة - والقدرية الأوائل كغيلان الدمشقي والجهم والجعد وعمرو المقصوص - في نظر العلمانيين العرب والمستشرقين الغربيين هم :
١ - فرقة تحترم عقل الإنسان ، وتقدمه وتجعله الحاكم على النصوص .
استطراد ثالث :
من أسباب قول المعتزلة بخلق القرآن : أن العقل مخلوق ، والقرآن غير مخلوق ، فكيف يكون المخلوق حاكماً ومقدماً على المخلوق ؟! لا بد من المساواة بينهما بحيث يكون القرآن مخلوقاً فلا يكون له مزية على العقل .
٢ - فرقة تحترم إرادة الإنسان ، ولا تراه ورقة في مهب الريح ، كما تنظر إليه الجبرية .
٣ - فرقة ثورية ضد الظلم الأموي ، ومحاربون للفكرة الجبرية الأموية التي يروجها الحكام لإخماد الشعوب ، وحتى لا تفكر في الثورة ، لأنها مجبورة .
ولكن نعود مرة أخرى للموازنة بين تقييم العلماني العربي والمستشرق الغربي للمعتزلة .
لقد كان ( بعض ) المستشرقين الغربيين أكثر إنصافاً لخصوم المعتزلة من العلمانيين العرب .
فهم قد عظموا المعتزلة بسبب موقفهم من العقل الإنساني والإرادة الإنسانية ولكنهم في نفس الوقت ( جلدوا ) المعتزلة بسبب تناقضهم واستبدادهم في عصر المأمون والمعتصم والواثق تجاه الحنابلة السلفيين وإمامهم أحمد بن حنبل في ( محنة خلق القرآن ) .
فقد استهجنوا هذا الأسلوب ( الاستبدادي ) من فرقة تسوّق نفسها أنها ضد الظلم وضد الحاكم الظالم .
ولكن ما إن وصلوا إلى السلطة وأصبحوا يحيطون بالحاكم حتى أصبحوا من أعوان هذا الحاكم الظالم في ظلمه .
بل ويشرعنون ( حتى بعد عصر المحنة ) هذا الظلم وهذا التعذيب للإمام أحمد وهذا التقتيل لعلماء الحديث المخالفين لمذهب الحاكم المعتزلي .
هذا التناقض من المعتزلة أثار حفيظة ( بعض المستشرقين ) .
ولكن البعض الآخر من المستشرقين قد عظموا دور المعتزلة في ( محنة خلق القرآن ) .
وجعلوا الظالم مظلوماً ، والمظلوم ظالماً !
فقد اتهموا الإمام أحمد رحمه الله بأنه كان قائداً لحركة معارضة للمأمون ومن بعده ، فكان للحاكم الحق في قمع هذه الحركة المعارضة .
بالرغم من الموقف المشهور للإمام أحمد بتحريم الخروج على السلطان ودعائه له والصبر عليه وعلى ظلمه ، بالرغم من كل الظلم والاضطهاد الذي تعرض له على يد هذا الحاكم .
وهونوا كثيراً من الظلم الذي وقع على الحنابلة إلى درجة أنهم شككوا حتى في عدد مرات الجلد التي تعرض لها الإمام أحمد !
وجاء فريق آخر من المستشرقين فحاولوا تبرئة المعتزلة من هذه الكارثة الأخلاقية التي تناقض مبادئهم التي ينادون بها !
فنفوا اعتزالية ( ابن أبي دؤاد ) ، وحاولوا إشراك بعض الفرق الأخرى في التسبب بهذه المحنة ، وحاولوا إظهار بعض المعتزلة على أنهم معارضون لهذه ( المحنة ) وهذه ( الفتنة ) .
أما العلمانيون العرب ، فهم في غيبوبة ، ويتبعون المستشرقين ( الفريق الآخر المطبل للمعتزلة ) حذو القذة بالقذة .
ومثل هذه الأحداث التاريخية والمعارك الفكرية والحروب المذهبية تكشف لك الكثير من الحقائق ومدى الزيف والكذب الذي يردده البعض .
بل إنها تكشف لك مدى حقارة العلماني العربي وتبعيته للمستشرق الغربي وخبث طويته ، حتى إنه ينتقي من أقوال المستشرقين والعلمانيين الغربيين أسوأها وأرداها .
فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا .