ليست جديدة إشارات ودلالات التوافق غير المعلن بين إيران وتنظيم القاعدة في المنطقة، فبعمامته البيضاء، يصول زعيم التنظيم الحالي أيمن الظواهري، ويجول بين ولايات إيران، حسبما تشير مصادر غربية، وتعززها خطابات التنظيم وحلفائه البعيدة عن المواجهة المباشرة مع طهران، وما يؤكده أيضاً بقاء الظواهري حياً بعد خمسة أعوام من قتل سلفه بن لادن.
ففي تسجيل صوتي للظواهري، بثه التنظيم اليوم الخميس، بدت نبرة الظواهري قريبة من خطاب طهران فيما يتعلق بالإعدامات التي نفذتها السعودية بحق متهمين بالإرهاب بينهم الشيعي نمر النمر، ومنظر القاعدة بالمملكة فارس الشويل، حين قال الظواهري: إن "إعدام أكثر من أربعين مجاهداً، وإعدام نمر النمر هو المنافسة التي لا تخرج عن مظلة حماية أمريكا ومصالحها".
وأضاف زعيم القاعدة أن "إعدام السعودية لنمر النمر، رجل إيران في شرق الجزيرة العربية، ما هو إلا أحد مظاهر التنافس السعودي الإيراني على النفوذ".
ورغم تهجمه على طرفي الأزمة الأخيرة؛ إيران والسعودية ونشاطيهما في المنطقة، إلا أنه وجه نداءه إلى المقاتلين المعارضين في سوريا، مطالباً إياهم بصرف النظر عن العلاقات مع السعودية، ومشيراً إلى أن المملكة ستقاتلهم "مثلما فعلت مع المجاهدين العائدين من قتال الروس في أفغانستان والشيشان"، فيما لم يقدم بديلاً داعماً للسوريين في قتال القوات الإيرانية المتحالفة مع الأسد، والتي قال إنها "تساند السفاح ابن السفاح بشار الأسد".
وفي حين طالب الظواهري بالتخلص من نظام الحكم في السعودية والقيام بهجمات في المملكة، على خلفية إعدام عدد من أتباعه على رأسهم الشويل، غض الظواهري نظره عن الجرائم التي تقوم بها المليشيات الشيعية المدعومة من إيران في حرق مساجد السنة وإعدام الشباب في ديالى العراقية، كما لم يتطرق إلى حصار حزب الله لمضايا السورية وتجويع سكانها.
- ليست الإشارات الأولى
إشارات التحالف الإيراني مع القاعدة، بل رعاية إيران للتنظيم لم تكن جديدة، إذ فضح أبو محمد العدناني، المتحدث باسم "الدولة الإسلامية بالعراق والشام"، الذي نتج أساساً عن فرع تنظيم القاعدة في العراق، أن توجهه كان بالابتعاد تماماً عن توجيه أية ضربة لإيران "امتثالاً لأوامر القاعدة"، وكان ذلك في مايو/ أيار 2014.
وجاء في نص خطابه: "ظلّت الدولة الإسلامية تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه (إشارة للظواهري)، ولذلك لم تضرب الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضباً، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين؛ تتحمّل التهم بالعمالة لألد أعدائها إيران لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان امتثالاً لأمر القاعدة؛ للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران".
- استمرار نهج بن لادن
التعاون الخفي والعلاقات المبطنة بين الطرفين، كانت قد بدأت منذ عهد بن لادن، حين سكن عدد من أفراد أسرته هناك، وبحسب الروايات التي تنقلها وسائل الإعلام الغربية، فما يزال هناك عدد من كبار الشخصيات في تنظيم القاعدة في إيران اليوم.
وبالرغم من دلالات متانة العلاقات، إلا أن العلاقة يشوبها حذر من الطرفين، بيد أن المصالح المشتركة وتبادل المنفعة تطفو على السطح، تختفي وراءها التصريحات الرنانة والهجومية.
وكشف مصدر أمريكي استخباراتي في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن صفقة سرية عقدت بين إيران وتنظيم القاعدة، قام بموجبها الأخير بإطلاق سراح دبلوماسي إيراني كان قد اختطفه في اليمن، وفي المقابل أفرجت إيران عن 5 من سجناء التنظيم البارزين الذين كانوا معتقلين لديها.
وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، تمت عملية "تبادل الأسرى" في مارس/ آذار الماضي، بعد التنسيق مع فرع تنظيم القاعدة في اليمن، الذي كان قد اختطف الدبلوماسي الإيراني نور أحمد نكبخت من صنعاء في يوليو/ تموز 2013.
كما كشفت وثائق صادرتها القوات الأمريكية بعد مقتل بن لادن عام 2011 في مخبئه بمدينة أبوت أباد الباكستانية، أن القاعدة كانت تتحرك بأريحية داخل إيران. ويشير المنشور منها إلى أن التنظيم ربما رغب في لحظة ما خلال عام 2006 في تأسيس مكتب له بطهران، لكنه عاد ورفض الفكرة بسبب ارتفاع التكاليف بصورة مفرطة، وأشارت إلى أن بن لادن حذر أتباعه من أن إيران قد "تلعب دور الواشي بالتنظيمات بعد استقطابها".
ويرى مختصون أن إيران تنظر إلى القاعدة كورقة للمساومة مع أمريكا التي كانت قد سلمتها عدداً من الفارين من أفغانستان إليها وانتهى المطاف بهم في غوانتنامو، ومع دول الخليج التي لجأ لسفاراتها عدد من أعضاء التنظيم مثل ابنة بن لادن عام 2010، مقابل ضغط دول مثل السعودية على دول أخرى تعتقل إيرانيين؛ للإفراج عنهم.
وفي المقابل قامت برعاية عدد من عناصر القاعدة أو استضافت عوائلهم (بعضهم تحت الإقامة الجبرية) وتكشف عن ذلك؛ استمراراً في منهج "التقية" الذي تحاول من خلاله كسب التأييد العربي السني لسياستها في المنطقة، واعتبارها راعي المجاهدين. فيما لا تملك القاعدة سوى احتواء السلطة الإيرانية وإبقاء طريق للعودة إذا ضاقت عليها السبل في بلدان الجوار الإيراني.
المواضيع