في بلاد الشتاءات الطويلة..

البريكي2020

عضو فعال
في بلاد الشتاءات الطويلة..


بقلم: أحمد مبارك البريكي


Twitter: @ahmad_alburaiki


Instagram: @qdeem



النرويج بلد الماء، لا وجود فيه للسقايين، قصيدة زرقاء وقافية بيضاء.. رذاذ لمطرٍ خفيف يطرق على صفحة الماء نوتته الموسيقية وأنا المغامر في بلاد الاسكندناف وأرض بني فايكنغ.. تشغلني جبال الجليد وأنا عابرٌ في ظلالها خلف مقود سيارتي وطرقات ليست كالطرقات، هنا مكانٌ يتجمّل وهناك آخرٌ بهيّ.. والشريط "القارّي" الأسود المخطط يزرعني في السُحب، وفي كل حينٍ يجبرني المشهد على التوقف لالتقاط صورة أو لنبعٍ أشار لي أن اقترب لأغرف منه قبلة للحياة.. وأنا تائهٌ في الجنة، ومن بعيد أمدُّ ذراعي لأتحسس قمم الجبال والجليد المُعمّد في نهاياتها وكأنّي آسٍ أجسُّ علّة كوكبنا الجميل الذي يئنّ تحت الإحتباس.. يلتوي الطريق بي في الانحدار إلى سهلٍ في أسفل الوادي وبرفقتي تنحدر أيضاً كثير من شلالات المياه ومع كل اتجاه من بصري.. حتى إذا وصلت قرية لوم الهادئة والهانئة والمزروعة بنهر.. ليكون نهاري كشفاً وتسكعاً و"قزاً".. في جاداتها الصغيرة وفسحة حدائقها العريضة، وفكرت إن كانت هذه القرية قد لاحت لي من قبلُ في حُلم، والنهار يعقبة فجر يلملمُ وضوحه ويختفي ببطء
يوم ثانٍ ورجلٌ يحيا الموانىء ويعيش على رصيف المحطة، هل كان أنا؟.. هذه قرية "فلوم".. التي رأيتها ذات تصفّح في فؤاد صورة، احتسبتها رسمة وحُلماً، إلى أن عبرتها هذا اليوم في طريقي إلى بلدة "ڤوس" منبع الماء النقي وعقر داره، وهذه القرية الجميلة والفائقة بالهدوء، تقع على فيورد يأخذ اسمها والحديث عن الفيوردات أو الخلجان المينائية حديث يطول لكنه من تخصصي الجيولوجي الذي سأدوّن هنا ما علمته عنها، فالنرويج من البلدان التي لها امتداد ساحلي عريض على المحيط الأطلسي والمتجمد الشمالي، لذا ظهر نمط من أودية جليدية عميقة أصابها التغريق بعد ذوبان المياه المتجلدة في نهايات دهر البلايستوسين وهو نتيجة لعمليات تعرية ونحت متواصل على تلك الكتل طرف القارية العظيمة لتظهر هذه الظاهرات الجيوجوغرافية التي تأخذ شكل الحرف "يو".. وينتهي إليها روافد الشلالات المنسابة أصلاً من محافر في حواف الجبال التي تحوي كتل الثلج، وفي النرويج تتميز هذه الفيوردات بشدة العمق لذا فهي موانىء طبيعية أغنت هذا البلد عن ترصيف الموانىء المكلف، ما أعطى أماناً للبواخر وناقلات البحر بالجريان وهي تجوب سواحل النرويج الضيقة والطويلة، كانت هذه الظواهر التوبوغرافية الحية هي نهاية ليوم من المناظر الطبيعية الخلابة بعدها رحت أضرب صعوداً في الجبال المتقبعة بالثلوج الأبدية وسيارتي تعلو بي إلى سقف الأرض وتنحدر بي إلى "كوخي" الرطيب، والليل القصير يبدو وكأنه فجرٌ يطول ولا عتمة هنا في صيف الشمال، لأعود إلى نُزلي الذي يقّنته بـ كوخ كروزو.. تيمناً بصاحب الفكرة روبنسون. وفي طريقي شاهدت كيف تسيلُ الشمس خيوطاً ذهبية تصبُّها في جبال القطن لتهديني لوحة إلٰهية لا يمكن وصفها.


 

تانيلا

عضو جديد
150.gif
 
أعلى