الصورة البراقة مخصصة للتصدير فقط : الإمارات وحنين الى سنوات البراءة والرشد

( الإمارات … سنوات البراءة والرشد )

سالم المهيري


نسى كثير من الإماراتيين في خضم واقعهم الجديد كيف كانت وداعة الحياة اليومية في الإمارات منذ قبيل الاتحاد الى العام 2004 ، والغلبة الطبيعية للثقافة العربية والاسلامية على مجريات الحياة ، ونسوا كذلك الشعور الطبيعي بالسيادة الذي كان يغمرهم كما يغمر أي انسان في بلده ، سيادة المشاركة في صنع القرار في حدود مقبولة ، وآليات احترام الرأي العام للمواطنين ، سيادة كان يشعر بها من عاش تلك الأيام في الشارع والعمل والسوق ومراكز الشرطة والإدارات الحكومية.


أتراهم إن نسوا ينسون وطنا رائقا شوارعه منسابة ، وصحاريه خالصة لوجههم فاتحة ذراعيها لهم سكنا واستثمارا وتخييما ، وطنا كان سابقا لاقليمه تطورا واقتصادا وعمرانا وانما بعقلانية وبما لايضير أهله ، ومجتمعا مفعما بقيم وعادات خليجية ، يتقبل تنوع الآراء ، قليل النفاق والمدح وتضخم الأنا الإماراتية ، كثير التواضع لين العريكة.


هل نسوا كيف كانت تدار الأمور في بلادهم قرارا يستشف الآراء ويستمزجها ، أم نسوا الحصن الذي كانه لهم زايد ؟ ، الملاذ إن لجأوا إليه أو قبل حتى أن يلجأوا ، فهو هناك يحبهم بحق ويصدقهم النوايا والأفعال بلا تظاهر ولا رياء ولا شعارات ، ويقدم لهم الحياة الكريمة عن طيب خاطر ، ويرفع عنهم ما قد ينغص عليهم من مصاعب وقرارات مستخدما صلاحياته الرئاسية.


هل بات من الصعب تذكر عقودا مضت اشتعلت حولهم حروب وأزمات ، فما زادتهم إلا تماسكا واستقرارا وطمأنينة داخليا وخارجيا ، لم تهرق أو تحرق لهم دما ولا مالا ولا أعصابا ، ولم تزج بهم بين الفترة والأخرى في أتون لاناقة لهم فيها ولاجمل ، ولم تهيج اعلامهم كل ليلة وكل يوم بخلاف مستعر وملاسنات صبيانية جديدة تضع الناس طوال العام بلاداع على صفيح ساخن.


أتراهم يذكرون حين كانت بلادهم ملاذ الملهوف وعون الشقيق وواحة المستثمر ، بلا تفرقة ولا أيدولوجيات ولا منه ، وبعيدا عن مبادئ القطيع والغاب من مثل معاهم معاهم ، عليهم عليهم ، ومبادئ إن لم تكن معي فأنت ضدي ، تلك السنين حين كان الإماراتي يصرح بجنسيته في أي مكان في العالم وملؤه الفخر والاطمئنان من وقع التصريح ، فما وراء الإماراتي -في أذهان كل الناس- ولا امتدت يداه إلا بخير.


أشك أن أغلبهم يتذكرون كل ذلك ، بل على النقيض فإن المجتمع الإماراتي - ولازال فيه معظم من عاش الزمنين - أذهل كل مراقب بكمية الانسلاخ التي تم إيصاله إليها من كل مظاهر تلك الفترة ومبادئها ، وكيف يتذكر أو يشعر بالفخر تجاه تلك الفترة وهي تناقض كل ما أصبح عليه من حياة ومجتمع جديد يدعي ويصنف نفسه “الأول” على العالم في مجالات عدة أو هكذا يفعل إعلامه ، تصم الأغلبية من المجتمع أذنها وحواسها عن تلك الفترة الوطنية والهانئة في حياتهم حين كانت دولتهم وطنا طبيعيا متزنا وليس شركة وحصان مغامرات ، ربما لأنها تشعرهم بالخجل مقارنة بما يعتقدون أنهم وصلوا إليه أم تراهم يشعرون بالخجل مماوصلوا إليه ؟ ، هل كانت تلك سنوات البراءة الإماراتية والرشد المتماهي مع الفطرة الإماراتية وهذه الآن سنوات البراءة من البراءة ؟.


ويبقي السؤال هل يأتي يوما من جيل (مع حمد قلم وورق)* من يكتب نصا أو فعلا النسخة الإماراتية من كتاب (عودة الوعي)** ، أم يبقى من احتفظ منهم ومن الإماراتيين عموما بعقله ووطنيته وحبه لبلده أسيري الحنين والشجن والانتظار ، ويبقي قلم حمد مكسورا وأوراقه مبعثرة.

* الدرس الأول في تعلم القراءة في الأول الابتدائي في الإمارات إبان معظم عهد الشيخ زايد
** كتاب (عودة الوعي) للأديب توفيق الحكيم
 
أعلى