عمر بن معاويه
عضو مخضرم
مقالة:
احمد ملا خليل مشختى:إبراهيم خليل الرحمن بين (أور) الكلدان و (اورا) كوردستان
بحزاني نت
19-11-2006, 21:01
يتفق معظم الباحثين إن الحافز الديني كان وراء التنقيبات في منطقة الشرق العربي، وذلك لإثبات ما ورد في النصوص التوراتية من أخبار تاريخية حول الطوفان ومسقط رأس (إبراهيم الخليل عليه السلام)...
ففي سنة (1870م) أسست جمعية آثار الكتاب المقدس بجهود الدكتور (صاموئيل بيرتش) مدير الآثار الشرقية في المتحف البريطاني لإجراء الأبحاث في الآثار والترتيب الزمني والجغرافي والتاريخي المتعلقة ببلاد آشور وشبه الجزيرة العربية ومصر وفلسطين والأقطار المجاورة(1) وكان اشد المتحمسين للتنقيب (ليونارد دولي)(2) مكتشف القبور الملكية في (أور)(3) حيث أصر إن مدينة (أور) هي نفسها (أور) الواردة في التوراة مسقط رأس (النبي إبراهيم الخليل). ولم يوفق لا هو ولا غيره من المنقبين إلا في بعض التفسيرات اللغوية المحتملة وغير المحتملة.. دون أن تضيف شيئا عن صحة موطن إبراهيم وانتسابه.
اعتمد جلّ الباحثين الأجانب في دراساتهم حول شخصية (إبراهيم الخليل) ومسقط رأسه واصلة على التوراة(4) بالدرجة الأولى كما اعتمدوا على المكتشفات الأثرية في الأصقاع المنوّه عنها. كما اعتمد كتاب العرب المسلمين بالإضافة إلى ذلك على الروايات ذات المنشأ الإسرائيلي ونقلوها على علاّتها دون تمحيص.
استمر الجدال العنيف حول أصل إبراهيم ومسقط رأسه، فالإسرائيليون يرون في إبراهيم أباهم الأول، ويقول العرب إن إبراهيم الخليل هذا عاش في عصر عربي قائم بذاته ليس له أي صلة بعصر موسى وقوم موسى(5).
وكان الجدال قائما وحرب الأقلام قائمة حتى عام 1958 حين انبرى الأستاذ cordon C.H ونشر بحثاً في مجلة دراسات الشرق الأوسط فند من خلاله الزعم القائل والمتبنى من قبل عدد من الدارسين إن مدينة (أور) التي كشف عنها (السير ليونارد) في جنوب العراق هي مسقط رأس إبراهيم الخليل.
حيث يرى المؤلف مدينة أخرى لإبراهيم تحمل نفس الاسم شمال بلاد الرافدين قرب مدينة (حران)(6) ويدعم الأستاذ (كوردن) نظريته ببعض النصوص المكتشفة في مدينة (اوغاريت)(7) والتي تذكر اسم بعض التجار الذين كانوا قد استقروا قرب حران في القرن الثالث عشر قبل الميلاد في مستوطنة تدعى (اورا) ويرد اسم (اورا) في نص رسالة أرسلها احد الملوك (الحيثيين)(8) إلى ملك اوغاريت يذكره بوجوب نقل الحبوب من (موكيش) إلى (اورا)(9).
وحول هذا الموضوع يذهب بعض الباحثين بتاريخ الشرق الأوسط وعلى ضوء (التوراة) إن هناك نصوصاً قانونية في العهد القديم تشابه تلك التي لدى (الحيثيين و الحوريين والميتانيين).
وجاء في مقالة للدكتور (ارنست شرتل) عن مشكلة الشعب اليهودي، إن نص (التوراة) العهد القديم نفسه يثير الشكوك في صحة نسب إبراهيم إلى مدينة (أور) جنوب الرافدين إذ يقول:
إن إبراهيم أتى عبر حران إلى ارض (كنعان) وهذا يعني إن إبراهيم سلك طريقاً متعرجاً زاد في طول المسافة. حيث تقع (حران) في الشمال، وكان بإمكانه أن يقتصر الطريق لو انه اتجه غرباً.
كما لا يعقل أن يهاجر وهو زعيم عشائر بدوية غير متحضرة من مدينة عريقة في الحضارة وذات سلطة ونفوذ سياسيين كبيرين تخضع لها معظم دول الدويلات في الشرق الأوسط، كما يصف العهد القديم مدينة (أور) في سفر (التكوين) بـ (أور) الكلدان. والمعروف عن الشعب الكلداني انه شعب سامي ظهر في منتصف الألف الأول ق.م(10) بعد سقوط نينوى على يد الميديين عام 612 ق.م أي بعد ألف وثلاثمائة عام، أما عصر إبراهيم فيرجعه الباحثون إلى بداية الألف الثاني ق.م(11). لم يكن اسم الكلدان معروفا آنذاك(12).
كما يقول الخبراء إن إبراهيم سلك طريق الفرات الأيمن في رحلته من أور الكلدان إلى حران. فيكون قد قطع في هذه الرحلة (900) كلم بين أور وحران(13) وهذه المسافة شاسعة إذا علمنا إن إبراهيم كان معه ممتلكاته من قطعان الأغنام والماعز والحمير والجمال إضافة لخدمه وعبيده وأبنائه ونسائه، وبعد ذلك غادر حران متوجها إلى دمشق بطريق تدمر ومنها إلى (فلسطين) قاطعا مسافة (960) كلم أخرى بين حران وكنعان(14).
وقد لاحظ (سسوار) عدم منطقية الموقع الجغرافي لمدينة إبراهيم في الجنوب للأسباب التي نوهنا عنها آنفاً. وافترض موقعها في شمال آسيا الصغرى وذلك بعد أن جاءت النصوص الكتابية التي عثر عليها في الأناضول لتدعم نظريته. حيث تبين بعد دراستها إن هناك دولة في جنوب (القوقاس) تدعى (كلديا) كانت مسرحاً للعديد من الشعوب الهندوجرمانية، كالليديين والليكريين والاتروسكين. كما ورد في تلك النصوص قبيلة تدعى (أبرو) وقد فسر بعض العلماء هذا الاسم بـ (العبري ـ العبراني) وقد دُمرت هذه الشعوب تحت ضربات شعوب هندوجرمانية أخرى تحمل اسم (كلديا)(15) نسبة إلى الإله القومي (كالد).
كما إن كلمة (ابرو) أو (خابيرو)(16) اسم قبيلة يتردد ذكرها كثيراُ في نصوص القرن الخامس والرابع عشر ق.م(17) وتتحدث النصوص المكتشفة (حاتوثيا)(18) و (نوزي)(19) وفي تل العمارنة في مصر وفي (ماري) سورية، وتقول النصوص: إن قبائل (الخابيرو) جنود أشداء اقلقوا منطقة الشرق الأوسط، وكانوا يعملون مرتزقة لصالح (الحيثيين)(20) واستوطنوا في فلسطين في فترة (1411 وعام 1375) ق.م وقد تبنوا اللغة السامية في الأرض الكنعانية(21 ).
إلى هنا انتهينا من المصادر الغربية التي رويت فيها آراء بعض كبار العلماء حول إبراهيم الخليل ومسقط رأسه. حيث كان من الواجب أن نعرف قوة أساس بنايتنا قبل أن ننتقل إلى أساس البناء.
ما ورد في بعض المصادر الإسلامية واليهودية والمسيحية الكنسية حول إبراهيم ونمرود:
تتكاثر الروايات حول إبراهيم ونمرود في المصادر اليهودية والإسلامية والكنسية المسيحية، وليس المطلوب أن نتتبع هذه القصص والروايات كلها إلاّ ما ينتظم في أغراض هذا البحث.
أفاض سفر التكوين في سيرة إبراهيم عليه السلام، واثبت مولده في أور الكلدانيين ورفع نسبه إلى سام بن نوح، فهو إبراهيم بن تارح بن ناحور بن سروج بن فالج بن عابر بن ثالح بن ارفكشاد بن سام بن نوح، وذكر أبناء نوح (تارح فقال: انه ولد (إبرام وناحور وحاران) وان حاران ولد لوطاً ومات قبل أبيه في ارض ميلاده (أور الكلدانيين).
و إن إبرام وناحور اتخذا لهما زوجتين اسمهما (ساراي) و (ملكه) بنت حاران.. أما ساراي فهي بنت تارح من زوجة أخرى كما جاء في الإصحاح العشرين على لسان إبراهيم (وبالحقيقة أيضاً هي أختي ابنة أبي غير إنها ليست ابنة أمي فصارت لي زوجة)(22) وجاء بعد هذا في الإصحاح الثاني عشر، إن الرب قال لإبرام (اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي اريك فأجعلك امة عظيمة.. وفيك تتبارك جميع قبائل الأرض). وجاء في الإصحاح السابع عشر.. (أما إن فهو ذا عهدي معك وتكون أباً لجمهور من الأمم فلا يدعي اسمك بعد اليوم إبرام، بل يكون اسمك (إبراهيم) لأني أجعلك أباً لجمهور الناس) وقال الله لإبراهيم: ساراي امرأتك لا تدعو اسمها ساراي بل اسمها (ساره) وأباركها وأعطيك منها ابنا..
كما ورد في كتب (المدراش)(23): تزوج (تارح) من (ايمتال) بنت (كرناب) وكان مولده مرصوداً في الكواكب فأطلى عليه (النمرود) واستشار الملأ من قومه، فأشاروا عليه بقتل كل طفل ذكر..
وأحس (تارح) إن امرأته حامل، فأخذها كهف حتى جاءها المخاض وولدت (إبراهيم) ومكث في الكهف ثلاث عشرة سنة لا يرى الشمس، وخرج من الكهف ليلاً وهو في الثالثة عشر فقال: هذه هي رب الأرباب. فلما أشرقت الشمس قال: كلا.. بل هذه هي الرب.. فلما أفلت وظهر القمر قال: بل هذا هو.. فلما أفل قال ما هذه الأرباب.
أما (سارة) فقد خصتها (المشنا)(24) بقسط كبير من الأخبار فهي تارة أخت غير شقيقة لإبراهيم وهي تارة بنت أخيه، وهي المرأة الوحيدة التي خاطبها الله، ولم تخلق امرأة قط بجمال ساره.
ولم تزد الكتب المسيحية شيئاً عن سيرة إبراهيم كما جاءت في سفر التكوين وبعض كتب العهد القديم. والذي يهمنا مثل التلمود والمدراش، ما جاء في إنجيل بولص حيث يقول غير مرة: إن إبراهيم (أب لنا جميعاً والله جعله أباً لأمم كثيرة).
وتأتي المصادر الإسلامية في ختام مصادر الأديان الكتابية وليس شئ كالمصادر الإسلامية يثبت قيام دعوة إبراهيم، بل يثبت وجود إبراهيم الذي شك بوجوده البعض.
وردت أخبار إبراهيم في سور كثيرة ـ في سورة مريم، والأنبياء، والصافات، والبقرة، و آل عمران، والإنعام وسورة إبراهيم والحج والذاريات، وهود والنحل. فمن أخبار إبراهيم في القران ما تقدم في التوراة والمشناه، ومنها ما انفرد به القرآن، ونختار من الأخبار والآيات ما له علاقة بصميم موضوعنا..
ومن سورة الإنعام (وإذا قال إبراهيم لأبيه (آزر) أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال هذا هو ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين(25).
موضع إبراهيم والنمرود:
جاء في التوراة إن إبراهيم من (أور) الكلدان دون أن يعين موقعها، وذهب المسلمون نفس الشرعة متأثرين بما دوّنه الإسرائيليين في هذا الباب. وبعضهم خرجوا عن المألوف متأثرين بأخبار القدماء وهكذا بعض الكتب المؤرخين وآباء الكنائس النصارى.
فيقول ابن الأثير: بلغنا إن الضحاك هو (النمرود) وان إبراهيم ولد في زمانه(26) وانه ولد بالسوس من ارض الأهواز(27) ويقول عامة أهل الأخبار إن النمرود كان عاملا (للأزدهاك)(28) ويقول (مار افرام) إن (النمرود) حكم في (الرها) ويقول (ايزيدور) 636 م، إن نمرود بنى (الرها) ويسميها كلاهما (ايريخ) فيخلطان بينها وبين (ارك) معتمدين نص التوراة (تكوين 10 ـ 8) وهكذا يفعل (باسيلوس برشامونا) صديق زنكي مبرراً الربط بين الرها واورفه وإبراهيم. كما يعزو ابن العبري بنساء الرها إلى (نمرود)، ويربط اليهود والمسلمون بين نمرود وإبراهيم في (الرها ـ اورفه)(29) حيث هناك أمكنة في (اورفه) مقرونة باسم إبراهيم والنمرود بحيث إن القلعة القريبة منها سميت (عرش نمرود) وسمي التل (تل نمرود) وثمة حوض (بركة) ماء باسم (بركة إبراهيم) و (سمك إبراهيم) في الموقع المعروف بـ (مقام إبراهيم) وثمة مدينة حدودية قرب زاخو باسم (إبراهيم الخليل) كل هذه الأدلة تشير وبقوة إن إبراهيم الخليل ونمرود كانا من منطقة (اورفه) أو حواليها ولا يستبعد كون (أورا) الوارد ذكرها في النصوص المكتشفة هي نفس (اورفه ـ اورفا).
نبذة تاريخية حول اورفه ـ الرها:
الرها: بفتح الراء، وبالسريانية (اورهاي) وباليونانية الغربية (اديسا) وذلك في عهد سلوقس ثيقاطور (355 ـ 228 ق.م) تيمناً بعاصمة بلاد مقدونيا اليونانية، تدعى اليوم (اورفا) كانت تسمى في السابق (اوسروهوني) وتبلور الاسم في العهد السلوي (اورهوني) وعرفت إسماً مركباً هو (كاليرهوي) أي التبغ الحسن(30) حيث تنتشر في المنطقة نحو 25 عين ماء تستخدم في السقي إضافة إلى أنهر (البليخ) والخابور والفرات الغربية.
وحول أصل تسمية (اورفه) يقول يوسف حبي: والأصح إرجاع التسمية إلى أصل مشرقي قديم وعلى الأكثر من لفظة مكونة من (وره) بمعنى السحاب والمطر، إشارة إلى غزارة المياه في المنطقة(31) ولكنه لم يشر إلى أي لغة تنتسب إلى تلك اللفظة علماً إن اللفظة كوردية بحتة.
حيث إن (آوره) يعني السحاب واللفظة بالأصل مشتق من (آو ـ الماء) كما إن كلمة (وران) في اللهجة الشبكية الكوردية يعني (المطر) وينطبق هذا الاسم مع تسمية (اورفا) وغزارتها بالمياه والأنهار وبهذا فأن كلمة (اورفه) تسمية كوردية الأصل والاشتقاق.
أما فيما يتعلق بكلمة (أور):
فأقول: إن كلمة (أور) تعني في السومرية (المدينة) وقد احتفظ الأكراد بهذه الكلمة والتسمية حيث ادخلوها في تركيب أسماء مدنهم وقراهم وذلك من خلال (أورمية، اورفه، اورمانا، اورمه داود، اوره مارى، اورى) كما أخذها عنهم الكنعانيون حيث ادخلوها في تركيب اسم مدينتهم (اورسالم) أي مدينة السلام(32) وقلبت هذه اللفظة مؤخراً إلى (وار) في الكوردية وذلك باختلاف موضع صرف الألف فقط.
احمد ملا خليل مشختى:إبراهيم خليل الرحمن بين (أور) الكلدان و (اورا) كوردستان
بحزاني نت
19-11-2006, 21:01
يتفق معظم الباحثين إن الحافز الديني كان وراء التنقيبات في منطقة الشرق العربي، وذلك لإثبات ما ورد في النصوص التوراتية من أخبار تاريخية حول الطوفان ومسقط رأس (إبراهيم الخليل عليه السلام)...
ففي سنة (1870م) أسست جمعية آثار الكتاب المقدس بجهود الدكتور (صاموئيل بيرتش) مدير الآثار الشرقية في المتحف البريطاني لإجراء الأبحاث في الآثار والترتيب الزمني والجغرافي والتاريخي المتعلقة ببلاد آشور وشبه الجزيرة العربية ومصر وفلسطين والأقطار المجاورة(1) وكان اشد المتحمسين للتنقيب (ليونارد دولي)(2) مكتشف القبور الملكية في (أور)(3) حيث أصر إن مدينة (أور) هي نفسها (أور) الواردة في التوراة مسقط رأس (النبي إبراهيم الخليل). ولم يوفق لا هو ولا غيره من المنقبين إلا في بعض التفسيرات اللغوية المحتملة وغير المحتملة.. دون أن تضيف شيئا عن صحة موطن إبراهيم وانتسابه.
اعتمد جلّ الباحثين الأجانب في دراساتهم حول شخصية (إبراهيم الخليل) ومسقط رأسه واصلة على التوراة(4) بالدرجة الأولى كما اعتمدوا على المكتشفات الأثرية في الأصقاع المنوّه عنها. كما اعتمد كتاب العرب المسلمين بالإضافة إلى ذلك على الروايات ذات المنشأ الإسرائيلي ونقلوها على علاّتها دون تمحيص.
استمر الجدال العنيف حول أصل إبراهيم ومسقط رأسه، فالإسرائيليون يرون في إبراهيم أباهم الأول، ويقول العرب إن إبراهيم الخليل هذا عاش في عصر عربي قائم بذاته ليس له أي صلة بعصر موسى وقوم موسى(5).
وكان الجدال قائما وحرب الأقلام قائمة حتى عام 1958 حين انبرى الأستاذ cordon C.H ونشر بحثاً في مجلة دراسات الشرق الأوسط فند من خلاله الزعم القائل والمتبنى من قبل عدد من الدارسين إن مدينة (أور) التي كشف عنها (السير ليونارد) في جنوب العراق هي مسقط رأس إبراهيم الخليل.
حيث يرى المؤلف مدينة أخرى لإبراهيم تحمل نفس الاسم شمال بلاد الرافدين قرب مدينة (حران)(6) ويدعم الأستاذ (كوردن) نظريته ببعض النصوص المكتشفة في مدينة (اوغاريت)(7) والتي تذكر اسم بعض التجار الذين كانوا قد استقروا قرب حران في القرن الثالث عشر قبل الميلاد في مستوطنة تدعى (اورا) ويرد اسم (اورا) في نص رسالة أرسلها احد الملوك (الحيثيين)(8) إلى ملك اوغاريت يذكره بوجوب نقل الحبوب من (موكيش) إلى (اورا)(9).
وحول هذا الموضوع يذهب بعض الباحثين بتاريخ الشرق الأوسط وعلى ضوء (التوراة) إن هناك نصوصاً قانونية في العهد القديم تشابه تلك التي لدى (الحيثيين و الحوريين والميتانيين).
وجاء في مقالة للدكتور (ارنست شرتل) عن مشكلة الشعب اليهودي، إن نص (التوراة) العهد القديم نفسه يثير الشكوك في صحة نسب إبراهيم إلى مدينة (أور) جنوب الرافدين إذ يقول:
إن إبراهيم أتى عبر حران إلى ارض (كنعان) وهذا يعني إن إبراهيم سلك طريقاً متعرجاً زاد في طول المسافة. حيث تقع (حران) في الشمال، وكان بإمكانه أن يقتصر الطريق لو انه اتجه غرباً.
كما لا يعقل أن يهاجر وهو زعيم عشائر بدوية غير متحضرة من مدينة عريقة في الحضارة وذات سلطة ونفوذ سياسيين كبيرين تخضع لها معظم دول الدويلات في الشرق الأوسط، كما يصف العهد القديم مدينة (أور) في سفر (التكوين) بـ (أور) الكلدان. والمعروف عن الشعب الكلداني انه شعب سامي ظهر في منتصف الألف الأول ق.م(10) بعد سقوط نينوى على يد الميديين عام 612 ق.م أي بعد ألف وثلاثمائة عام، أما عصر إبراهيم فيرجعه الباحثون إلى بداية الألف الثاني ق.م(11). لم يكن اسم الكلدان معروفا آنذاك(12).
كما يقول الخبراء إن إبراهيم سلك طريق الفرات الأيمن في رحلته من أور الكلدان إلى حران. فيكون قد قطع في هذه الرحلة (900) كلم بين أور وحران(13) وهذه المسافة شاسعة إذا علمنا إن إبراهيم كان معه ممتلكاته من قطعان الأغنام والماعز والحمير والجمال إضافة لخدمه وعبيده وأبنائه ونسائه، وبعد ذلك غادر حران متوجها إلى دمشق بطريق تدمر ومنها إلى (فلسطين) قاطعا مسافة (960) كلم أخرى بين حران وكنعان(14).
وقد لاحظ (سسوار) عدم منطقية الموقع الجغرافي لمدينة إبراهيم في الجنوب للأسباب التي نوهنا عنها آنفاً. وافترض موقعها في شمال آسيا الصغرى وذلك بعد أن جاءت النصوص الكتابية التي عثر عليها في الأناضول لتدعم نظريته. حيث تبين بعد دراستها إن هناك دولة في جنوب (القوقاس) تدعى (كلديا) كانت مسرحاً للعديد من الشعوب الهندوجرمانية، كالليديين والليكريين والاتروسكين. كما ورد في تلك النصوص قبيلة تدعى (أبرو) وقد فسر بعض العلماء هذا الاسم بـ (العبري ـ العبراني) وقد دُمرت هذه الشعوب تحت ضربات شعوب هندوجرمانية أخرى تحمل اسم (كلديا)(15) نسبة إلى الإله القومي (كالد).
كما إن كلمة (ابرو) أو (خابيرو)(16) اسم قبيلة يتردد ذكرها كثيراُ في نصوص القرن الخامس والرابع عشر ق.م(17) وتتحدث النصوص المكتشفة (حاتوثيا)(18) و (نوزي)(19) وفي تل العمارنة في مصر وفي (ماري) سورية، وتقول النصوص: إن قبائل (الخابيرو) جنود أشداء اقلقوا منطقة الشرق الأوسط، وكانوا يعملون مرتزقة لصالح (الحيثيين)(20) واستوطنوا في فلسطين في فترة (1411 وعام 1375) ق.م وقد تبنوا اللغة السامية في الأرض الكنعانية(21 ).
إلى هنا انتهينا من المصادر الغربية التي رويت فيها آراء بعض كبار العلماء حول إبراهيم الخليل ومسقط رأسه. حيث كان من الواجب أن نعرف قوة أساس بنايتنا قبل أن ننتقل إلى أساس البناء.
ما ورد في بعض المصادر الإسلامية واليهودية والمسيحية الكنسية حول إبراهيم ونمرود:
تتكاثر الروايات حول إبراهيم ونمرود في المصادر اليهودية والإسلامية والكنسية المسيحية، وليس المطلوب أن نتتبع هذه القصص والروايات كلها إلاّ ما ينتظم في أغراض هذا البحث.
أفاض سفر التكوين في سيرة إبراهيم عليه السلام، واثبت مولده في أور الكلدانيين ورفع نسبه إلى سام بن نوح، فهو إبراهيم بن تارح بن ناحور بن سروج بن فالج بن عابر بن ثالح بن ارفكشاد بن سام بن نوح، وذكر أبناء نوح (تارح فقال: انه ولد (إبرام وناحور وحاران) وان حاران ولد لوطاً ومات قبل أبيه في ارض ميلاده (أور الكلدانيين).
و إن إبرام وناحور اتخذا لهما زوجتين اسمهما (ساراي) و (ملكه) بنت حاران.. أما ساراي فهي بنت تارح من زوجة أخرى كما جاء في الإصحاح العشرين على لسان إبراهيم (وبالحقيقة أيضاً هي أختي ابنة أبي غير إنها ليست ابنة أمي فصارت لي زوجة)(22) وجاء بعد هذا في الإصحاح الثاني عشر، إن الرب قال لإبرام (اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي اريك فأجعلك امة عظيمة.. وفيك تتبارك جميع قبائل الأرض). وجاء في الإصحاح السابع عشر.. (أما إن فهو ذا عهدي معك وتكون أباً لجمهور من الأمم فلا يدعي اسمك بعد اليوم إبرام، بل يكون اسمك (إبراهيم) لأني أجعلك أباً لجمهور الناس) وقال الله لإبراهيم: ساراي امرأتك لا تدعو اسمها ساراي بل اسمها (ساره) وأباركها وأعطيك منها ابنا..
كما ورد في كتب (المدراش)(23): تزوج (تارح) من (ايمتال) بنت (كرناب) وكان مولده مرصوداً في الكواكب فأطلى عليه (النمرود) واستشار الملأ من قومه، فأشاروا عليه بقتل كل طفل ذكر..
وأحس (تارح) إن امرأته حامل، فأخذها كهف حتى جاءها المخاض وولدت (إبراهيم) ومكث في الكهف ثلاث عشرة سنة لا يرى الشمس، وخرج من الكهف ليلاً وهو في الثالثة عشر فقال: هذه هي رب الأرباب. فلما أشرقت الشمس قال: كلا.. بل هذه هي الرب.. فلما أفلت وظهر القمر قال: بل هذا هو.. فلما أفل قال ما هذه الأرباب.
أما (سارة) فقد خصتها (المشنا)(24) بقسط كبير من الأخبار فهي تارة أخت غير شقيقة لإبراهيم وهي تارة بنت أخيه، وهي المرأة الوحيدة التي خاطبها الله، ولم تخلق امرأة قط بجمال ساره.
ولم تزد الكتب المسيحية شيئاً عن سيرة إبراهيم كما جاءت في سفر التكوين وبعض كتب العهد القديم. والذي يهمنا مثل التلمود والمدراش، ما جاء في إنجيل بولص حيث يقول غير مرة: إن إبراهيم (أب لنا جميعاً والله جعله أباً لأمم كثيرة).
وتأتي المصادر الإسلامية في ختام مصادر الأديان الكتابية وليس شئ كالمصادر الإسلامية يثبت قيام دعوة إبراهيم، بل يثبت وجود إبراهيم الذي شك بوجوده البعض.
وردت أخبار إبراهيم في سور كثيرة ـ في سورة مريم، والأنبياء، والصافات، والبقرة، و آل عمران، والإنعام وسورة إبراهيم والحج والذاريات، وهود والنحل. فمن أخبار إبراهيم في القران ما تقدم في التوراة والمشناه، ومنها ما انفرد به القرآن، ونختار من الأخبار والآيات ما له علاقة بصميم موضوعنا..
ومن سورة الإنعام (وإذا قال إبراهيم لأبيه (آزر) أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال هذا هو ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين(25).
موضع إبراهيم والنمرود:
جاء في التوراة إن إبراهيم من (أور) الكلدان دون أن يعين موقعها، وذهب المسلمون نفس الشرعة متأثرين بما دوّنه الإسرائيليين في هذا الباب. وبعضهم خرجوا عن المألوف متأثرين بأخبار القدماء وهكذا بعض الكتب المؤرخين وآباء الكنائس النصارى.
فيقول ابن الأثير: بلغنا إن الضحاك هو (النمرود) وان إبراهيم ولد في زمانه(26) وانه ولد بالسوس من ارض الأهواز(27) ويقول عامة أهل الأخبار إن النمرود كان عاملا (للأزدهاك)(28) ويقول (مار افرام) إن (النمرود) حكم في (الرها) ويقول (ايزيدور) 636 م، إن نمرود بنى (الرها) ويسميها كلاهما (ايريخ) فيخلطان بينها وبين (ارك) معتمدين نص التوراة (تكوين 10 ـ 8) وهكذا يفعل (باسيلوس برشامونا) صديق زنكي مبرراً الربط بين الرها واورفه وإبراهيم. كما يعزو ابن العبري بنساء الرها إلى (نمرود)، ويربط اليهود والمسلمون بين نمرود وإبراهيم في (الرها ـ اورفه)(29) حيث هناك أمكنة في (اورفه) مقرونة باسم إبراهيم والنمرود بحيث إن القلعة القريبة منها سميت (عرش نمرود) وسمي التل (تل نمرود) وثمة حوض (بركة) ماء باسم (بركة إبراهيم) و (سمك إبراهيم) في الموقع المعروف بـ (مقام إبراهيم) وثمة مدينة حدودية قرب زاخو باسم (إبراهيم الخليل) كل هذه الأدلة تشير وبقوة إن إبراهيم الخليل ونمرود كانا من منطقة (اورفه) أو حواليها ولا يستبعد كون (أورا) الوارد ذكرها في النصوص المكتشفة هي نفس (اورفه ـ اورفا).
نبذة تاريخية حول اورفه ـ الرها:
الرها: بفتح الراء، وبالسريانية (اورهاي) وباليونانية الغربية (اديسا) وذلك في عهد سلوقس ثيقاطور (355 ـ 228 ق.م) تيمناً بعاصمة بلاد مقدونيا اليونانية، تدعى اليوم (اورفا) كانت تسمى في السابق (اوسروهوني) وتبلور الاسم في العهد السلوي (اورهوني) وعرفت إسماً مركباً هو (كاليرهوي) أي التبغ الحسن(30) حيث تنتشر في المنطقة نحو 25 عين ماء تستخدم في السقي إضافة إلى أنهر (البليخ) والخابور والفرات الغربية.
وحول أصل تسمية (اورفه) يقول يوسف حبي: والأصح إرجاع التسمية إلى أصل مشرقي قديم وعلى الأكثر من لفظة مكونة من (وره) بمعنى السحاب والمطر، إشارة إلى غزارة المياه في المنطقة(31) ولكنه لم يشر إلى أي لغة تنتسب إلى تلك اللفظة علماً إن اللفظة كوردية بحتة.
حيث إن (آوره) يعني السحاب واللفظة بالأصل مشتق من (آو ـ الماء) كما إن كلمة (وران) في اللهجة الشبكية الكوردية يعني (المطر) وينطبق هذا الاسم مع تسمية (اورفا) وغزارتها بالمياه والأنهار وبهذا فأن كلمة (اورفه) تسمية كوردية الأصل والاشتقاق.
أما فيما يتعلق بكلمة (أور):
فأقول: إن كلمة (أور) تعني في السومرية (المدينة) وقد احتفظ الأكراد بهذه الكلمة والتسمية حيث ادخلوها في تركيب أسماء مدنهم وقراهم وذلك من خلال (أورمية، اورفه، اورمانا، اورمه داود، اوره مارى، اورى) كما أخذها عنهم الكنعانيون حيث ادخلوها في تركيب اسم مدينتهم (اورسالم) أي مدينة السلام(32) وقلبت هذه اللفظة مؤخراً إلى (وار) في الكوردية وذلك باختلاف موضع صرف الألف فقط.