رسالة إلى مكروب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد؛؛؛
فهذه رسالة أبعثها إلى كل مكروب عسى الله أن يفرج كربه ، وقد استخلصتها من رسالة الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للعلامة عبدالرحمن السعدي ، وقد كتبها بعد أن قرأ كتاب المؤلف الإنجليزي ديل كارنيجي دع القلق وابدأ الحياة كما نقل عنه ذلك العلامة عبدالله العقيل ، فأراد أن يعيد طرح الموضوعات بأسلوب ينطلق من أساس شرعي، ونصوص الوحيين، وآثار السلف الصالح، وربط لها بواقعنا المعاصر، وحياتنا الحاضرة.
إليك أخي المكروب أبعث هذه الرسالة التي تحوي جملة من وسائل السعادة التي نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك إياها:
فأول هذه الوسائل هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ).
ومن الأسباب كذلك الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل ، قال تعالى: ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم والأكدار ونحوها.
ومنها كذلك الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة. فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه، وازداد نشاطه، وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره .ومنه أيضا اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي من الهم والحزن، في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، ولهذا قال (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ).
ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثار من ذكر الله ، قال تعالى( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )
وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة ، فإن معرفتها والتحدث يحث العبد على الشكر حتى ولو كان في العبد أنواع البلايا ، فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه - التي لا يحصى لها عد ولا حساب - وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة.
ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي في الحديث الصحيح حيث قال ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم).
ومنها كذلك السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال ، وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته. فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم ، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه .
ومنها أيضا استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي يدعو به (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر ( وكذلك قوله (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينْ وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت) .
ومنها كذلك أنه إذا حصل على العبد شئ من النكبات، أن يسعى في تخفيفها بأن يقّدِر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان .
ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية، بل وأيضاً للأمراض البدنية: قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة. والغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب.
ومنها اعتمد القلب على الله ، والتوكل عليه ، قال تعالى( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ، أي كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه.
ومنها كذلك أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق، فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله. فلا تبال بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه: ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً ).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 

جورج واشنطن

عضو مميز
أبو خالد الكويتي..

المضوع جدا رائع وقيّم فالعبد مهما بدا حذرا ومؤمنا بالله تعالى الاّ انه لابد وان يمر بلحظات ضعف وفقدان الأمل ..


وأضيف الى ذلك كتاب مشوق( لا تحزن ) للدكتور د.عائض القرني ..
الكتاب يتكون من 584 صفحة ..

لا تخاصم ربك:

والرضى يخلّص العبد من مخاصمة الرب تعالى في أحكامه وأقضيته فان السخط عليه مخاصمة له فيما لم يرضى به العبد , وأصل مخاصمة ابليس لربه: من عدم رضاه بأقضيته, وأحكامه الدينية والكونية , وانما ألحد من ألحد , وجحد من جحد لأنه نازع ربه رداء العظمة وازار الكبرياء , ولم يذعن لمقام الجبروت , فهو يعطل الأوامر, وينتهك المناهي , ويتسخط المقادير , ولم يذعن للقضاء. (ص-385 )



حكم ماض وقضاء عادل:

وحكم الرب ماض في عبده , وقضاؤه عدل فيه , كما في الحديث:" ماضي في حكمك, عدل في قضاؤك" . ومن لم يرضى بالعدل , فهو من الظلم والجور , والله أحكم الحاكمين , وقد حرّم الظلم على نفسه , وليس بظلاّم للعبيد , وتقدّس سبحانه وتنزّه عن ظلم الناس , ولكن الناس أنفسهم يظلمون.

وقوله:" عدل في قضاؤك", يعم قضاء الذنب , وقضاء أثره وعقوبته , فان الأمرين من قضائه عز وجل, وهو أعدل العادلين في قضائه بالذنب , وفي قضائه بعقوبته , وقد يقضي سبحانه وتعالى بالذنب على العبد لأسرار وخفايا هو أعلم بها , قد يكون لها من المصالح العظيمة ما لا يعلمها الاّ هو .(ص-386)




لا فائدة في السخط:

وعدم الرضى : امّا أن يكون لفوات ما أخطأه مما يحبه ويريده , وامّأ لاصابته بما يكره ويسخطه, فلا فائدة في سخطه بعد ذلك الاّ فوات ما ينفعه, وحصول مايضره . وفي الحديث:" جفّ القلم بما أنت لاق يا أبا هريرة, فقد فرغ من القضاء , وانتهى من القدر , وكتبت المقادير , ورفعت الأقلام , وجفت الصحف " ( ص-386 ).




السلامة مع الرضى:

والرضى يفتح له باب السلامة, فيجعل قلبه سليما , نقيا من الغش والدّغل والغل , ولاينجو من عذاب الله الاّ من أتى الله بقلب سليم , وهو السالم من الشّبه والشك والشرك, وتلبس ابليس وجنده , وتخذيله وتسويفه ووعده ووعيده , فهذا القلب ليس فيه الاّ الله "قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون".

وكذلك تستحيل سلامة القلب من السّخط وعدم الرضى , وكلّما كان العبد أشد رضا , كان قلبه أسلم , فالخبث والدّغل والغش :قرين السّخط.
وسلامة القلب وبره ونصحه:قرين الرضى , وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط, وسلامة القلب منه :من ثمرات الرضى , فالرضى شجرة طيبة , تسقى بماء الاخلاص في بستان التوحيد , أصلهما الايمان وأغصانها الأعمال الصالحة ولهل ثمرة يانعة حلاوتها في الحديث:" ذاق طعم الايمان من رضي بالله رباّ, وبالاسلام دينا , وبمحمد نبيا " وأيضا " ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الايمان..."




السخط باب الشرك:

والسخط يفتح باب عليه باب الشك في الله , وقضائه وقدره وحكمته وعلمه , فقل أن يسلم الساخط من شك يداخل قلبه , ويتغلغل فيه , وان كان لا يشعر به , فلو فتش نفسه غاية التفتيش , لوجد يقينه معلولا مدخولا , فان الرضى واليقين أخوان مصطحبان , والشك والسخط قرينان . وهذا معنى الحديث الذي في الترمذي: ( ان استطعت أن تعمل باللرضى مع اليقين , فافعل , فان لم تستطع , فان الصبر على ما تكره النفس خيرا كثيرا ), فالساخطون ناقمون من الداخل , غاضبون ولو لم يتكلموا , عندهم اشكالات وأسئلة . مفادها: لم هذا ؟ وكيف يكون هذا ؟ ولماذا وقع هذا؟ ( ص-387 )






 

دي نيرو

عضو مميز
وهذا معنى الحديث الذي في الترمذي: ( ان استطعت أن تعمل باللرضى مع اليقين , فافعل , فان لم تستطع , فان الصبر على ما تكره النفس خيرا كثيرا ), فالساخطون ناقمون من الداخل , غاضبون ولو لم يتكلموا , عندهم اشكالات وأسئلة . مفادها: لم هذا ؟ وكيف يكون هذا ؟ ولماذا وقع هذا؟ ( ص-387 )

بارك الله فيكما أخواني موضوع قيم جدا....من أروع ماقرأت في الشبكة الوطنية من سنتين للآن.... ابوخالد_جورج واشنطن:إستحسان:
 

جورج واشنطن

عضو مميز
لو فوجئت بخبر صاعق باحتراق بيتك , أو موت ابنك , أو ذهاب مالك , فماذا عساك أن تفعل ؟ من الآن وطّن نفسك , لا ينفع الهرب , لا يجدي الفرار والتملص من القضاء والقدر , سلّم بالأمر , وارض بالقدر , واعترف بالواقع , واكتسب الأجر , لأنه ليس أمامك الاّ هذا , نعم هناك خيار آخر , ولكنه رديء أحذّرك منه : انه التبرم بما حصل والتضجر مما صار , والثورة والغضب والهيجان , ولكن تحصل ماذا من هذا كله ؟! انك سوف تنال غضب الرب جلّ في عليائه . ومقت الناس , وذهاب الأجر , وفادح الوزر , ثم لا يعود عليك المصاب , ولا ترتفع عنك المصيبة , ولا ينصرف عنك الأمر المحتوم (( فليمدد بسبب الى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ))

(ص-224 )
 
أعلى