الحكم لنا والإمارة لهم!
يسعى بعض أعضاء مجلس الأمة إلى إصدار تشريع يجعل (الدعوة) إلى حل مجلس الأمة بغير الطريق الدستورية جريمة يعاقب عليها. وقد سبق لي أن عبرت عن رأيي بهذه الفكرة في مقالين نشرا في صحيفة عالم اليوم في شهر سبتمبر من العام الماضي. ورأيت أن أعيد نشرهما اليوم بعد دمجهما وإدخال بعض التعديل، نظرا لتجدد الحديث حول فكرة إصدار التشريع المشار إليه.
أنا لست من أنصار التوسع في المعالجة التشريعية، وأنبذ بالتحديد التوسع في التجريم خاصة حين يختلط التشريع بدوافع سياسية كما هو الوضع بالنسبة لتجريم الدعوة إلى حل مجلس الأمة. ولو افترضنا أن تجريم (الدعوة) إلى حل المجلس منطقية، فماذا عن (قرار) حل المجلس وتعليق الدستور؟ هل يمكن إصدار تشريع يعاقب على إصدار مثل هذا القرار!! بالطبع يصعب هذا الأمر وهو ما يدعونا إلى التساؤل: هل يجوز تجريم (التحريض) على ارتكاب فعل من دون تجريم (الفعل) ذاته؟
إن معالجة موضوع الحل غير الدستوري لمجلس الأمة لا تتم من خلال القوانين، ففكرة الحل غير الدستوري هي نتاج "ثقافة حكم" قديمة ونتاج "تراث" انتهت صلاحيته مفاده أن رئيس الدولة يستمد سلطاته من مصدر آخر أعلى وأسمى من الدستور. فأنصار تلك الثقافة وذاك التراث عموما يعتقدون أن سلطات رؤساء الدول تتفوق على الدساتير وعلى إرادة الشعب، وأنهم يملكون صلاحيات "خاصة" خارج الدستور توفرها لهم "سلطتهم الأبوية" وأن استعمال تلك الصلاحيات، ومن بينها القرارات غير المتفقة مع الدساتير مثل تعليق الدستور واللجوء إلى الاستفتاء الشعبي وتغيير الدستور، مرهون بإرادة رئيس الدولة وحده. إن هذا الفكر القديم يتناقض تماما مع فكرة الدولة الحديثة وله جذور تجدها في تربة القرون الوسطى بل وقبل ذلك أيضا، فبعض رؤساء الدول يعتقدون أنهم يستمدون سلطاتهم بمقتضى تفويض إلهي وأنهم معصومون عن الخطأ وأن كلمتهم يجب أن تكون مسموعة، والسلطة الأبوية لرؤساء الدول في زماننا هذا هي من بقايا هذا الفكر المتخلف. لذلك فإن معالجة التزام رؤساء الدول بالنظام الدستوري لا تتم من خلال التشريعات، وإنما من خلال تغيير ثقافة الحكم وتكريس فكرة أن مصدر سلطات رئيس الدولة هو الدستور فقط، وأن خروج رئيس الدولة عن دستور بلاده يعني انتهاء سلطاته، وأن من حق الشعب أن يثور في وجهه.
أما عن الكويت، فإنه يسود اعتقاد مفاده إن اصطلاح "نظام الحكم" يقصد به (حكم) ذرية مبارك الصباح فقط. وهذا الاعتقاد موغل في الخطأ. فالمقصود باصطلاح "نظام الحكم" الوارد في الدستور وفي بعض القوانين الجزائية، نظام الحكم الديمقراطي الدستوري المكون من ثلاثة أضلاع متساوية هي إمارة ذرية مبارك الصباح، وسيادة الأمة وكونها مصدر السلطات، والفصل بين السلطات العامة في إطار الحكم الديمقراطي الذي أشارت إليه المادة السادسة من الدستور. ويترتب على هذا أن جريمة التحريض على قلب نظام الحكم تتوفر إذا صدرت الدعوة لإنهاء حكم ذرية مبارك الصباح مثلا، كما تتحقق إذا صدرت الدعوة إلى ممارسة الحكم الفردي الذي تسود فيه إرادة أخرى غير إرادة الأمة حتى لو كانت إرادة رئيس الدولة، كما تتحقق جريمة التحريض إذا صدرت الدعوة لجمع وتركيز السلطات بيد واحدة بدلا من فصلها، أي إنهاء الحكم الديمقراطي.
وبناءا على هذا التفسير فإن "التحريض" على حل مجلس الأمة بغير الطريقة المنصوص عليها في الدستور يشكل حاليا جريمة من جرائم أمن الدولة وفق القانون رقم 31 لسنة 1971، وهي جريمة التحريض على قلب نظام الحكم الدستوري. كما أن استخدام القوة مثلا لفرض الواقع الذي ينتج بعد حل مجلس الأمة حلا غير دستوريا، وتعليق بعض مواد الدستور وممارسة السلطة التنفيذية مهام تشريعية وتنفيذية، أي إلغاء مبدأ الفصل بين السلطات، يعتبر أيضا جريمة من جرائم أمن الدولة وهي قلب نظام الحكم القائم بالقوة.
وما أدعي به هنا ليس من وحي الخيال بل هو نتاج فهم غير ملتبس لنصوص دستورية محددة. فاصطلاح "نظام الحكم" ورد في الدستور 3 مرات فقط. الأولى في عنوان الباب الأول حيث استعمل المشرع الدستوري عنوان "الدولة ونظام الحكم"، والثانية في المادة 6 حيث جرى نصها على أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات.."، أما المرة الثالثة فهي في المادة 50 التي نصت على أنه "يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات..". ومن خلال التمعن في مناسبة استخدام المشرع الدستوري لاصطلاح "نظام الحكم" نجد أن هذا الاصطلاح التصق بالحكم الديمقراطي وبسيادة الأمة وبالفصل بين السلطات، ولم يقترن استعمال هذا المصطلح مباشرة بإمارة ذرية مبارك الصباح، حيث لم تستخدم المادة 4 من الدستور اصطلاح "نظام الحكم" وإنما استخدم المشرع عبارة "الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح..". ويلاحظ هنا أن المشرع الدستوري لم يقل أن "الحكم" في الكويت لذرية مبارك الصباح، بل أنه فرق بين (الإمارة الوراثية) و(الحكم الديمقراطي). وورد في المادة 175 من الدستور إشارة إلى "النظام الأميري" والمقصود به إمارة ذرية مبارك الصباح. وأكثر من هذا سنجد أن المذكرة التفسيرية للدستورية استخدمت اصطلاح "الحكم" باعتباره مهمة يقوم بها الوزراء ورئيس مجلس الوزراء لا رئيس الدولة، حيث جاء في تلك المذكرة عن مسؤولية الوزراء أمام الأمير "وهم المسؤولون عن الحكم أمامه"، كما ورد فيها أيضا فيما يتصل بإقالة رئيس مجلس الوزراء بعد قرار عدم التعاون معه أنه "ليس من الصالح العام تحصينه أكثر من ذلك أو كفالة بقائه في الحكم إلى أبعد من هذا المدى..".
حاصل الأمر، وفي حدود فكرة المقال، أود أن أقول إن الحماية الموجودة "لنظام الحكم" في القوانين الجزائية القائمة كافية لتجريم تعطيل مجلس الأمة أو الدعوة إلى ذلك، كما أنها تجرم اغتصاب مجلس الوزراء سلطات مجلس الأمة التشريعية، وبصفة عامة فإن تلك القوانين تهدف إلى حماية "نظام الحكم"، وهذا النظام ديمقراطي مكون من إمارة ذرية مبارك، وسيادة الأمة التي تمارس وفق مبدأ الفصل بين السلطات. ومع ذلك إذا كانت هناك رغبة قوية في مضاعفة حماية "نظام الحكم" فإنني اقترح إضافة كلمة "الدستوري" أينما ورد اصطلاح "نظام الحكم" في القوانين الجزائية لإزالة أي التباس. وبالتحديد يمكن إدخال تعديلات طفيفة على المادتين 24 و29 من القانون رقم 31 لسنة 1970 الخاص بجرائم أمن الدولة. إن الغاية من التعديلات المقترحة هي تغيير المفهوم القانوني والسياسي السائد عن اصطلاح "نظام الحكم"، فهذا المفهوم الشائع يقتصر على حكم ذرية مبارك، في حين أن المقصود بنظام الحكم هو الحكم الدستوري الذي تحدده المواد 4 و6 و50 من الدستور.
باختصار وببساطة.. الدستور الكويتي يمنح الحكم للأمة، أما الإمارة فيمنحها لذرية مبارك الصباح. وإذا كانت الأمة تمارس الحكم وفق التنظيم الدستوري، فإن صلاحيات الإمارة تمارس أيضا في حدود الدستور وليس خارجه. كما أن عبارة (نظام الحكم) في الكويت تعني الحكم الدستوري بمحتوياته. فقواعد ديمقراطية الحكم وسيادة الأمة والفصل بين السلطات ليست في مرتبة أقل من قاعدة حصر الإمارة في ذرية مبارك الصباح إلا في أذهان من ينتمون للقرون الوسطى أو من ....!!
وباختصار أشد، وحسب الدستور.. الحكم للأمة والإمارة لذرية مبارك الصباح.
21/6/2008
اخيرا نحن ضد تكميم الافواه ومع حريةالراي والتعبير ومع بقاء مجلس الامه و الحفاظ على الدستور ومكتسباتنا الدستوريه
ولكن كان من الاجدى للنواب مع -احترامنا لهم- المطالبين بمعاقبة من يدعون لحل غير دستوري ان يناظروهم ويبطلو حججهم بالاقناع والكلمه وليس بالسجن او الغرامه
ولكن كان من الاجدى للنواب مع -احترامنا لهم- المطالبين بمعاقبة من يدعون لحل غير دستوري ان يناظروهم ويبطلو حججهم بالاقناع والكلمه وليس بالسجن او الغرامه