اقرؤا ما كتبه الدكتور / جاسم المهلل في صحيفة الوطن

بسم الله الرحمن الرحيم

كان عنوان المقال في صحيفة الوطن : الإنصاف بين النصوص والأعراف في الصفحتين 36ـ 37

ما أجمل ما تكلم به كلام يشفي الغليل ، والله غسل قلبي وشفاء غمي مما كثر الكلام عليه في مسألة مشهورة شهرة نار على ماء وواضحة وضوح الشمس في وضح النهار

ارجعوا إلى هذا العالم الجليل ماذا قال في صحيفة الوطن هذا الاسبوع .

فجزاه الله خيرا ما جزى نبياً عن أمته .
 

الساعة 6

عضو ذهبي
المقال المقصود :


أخي الشيخ الدكتور عصام البشير معذرة مني على تأخيري في البيان فما علمت إلا من يومين ....


إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ

الحمد لله المطّلع على الغيب، المرجُوّ وحده عند الشّدائد والكرْب؛ أجأر إليه وإلى جَنَابِهِ أحِنّ، وأتضرّع بين يديه وأَسْتَكِنّ؛ لا يختار للمؤمن مِن البلاء إلّا ما فيه خيرٌ له، ولا يسوق مِن العطايا لمن عصاه إلّا ليستدرجه ويستذِلّه، وصلّى الله على الرّحمة العامّة والهداية التامّة؛ وعلى آله الأشراف الخِيَرة، وصحابته الخيارِ البررة، وبعد؛؛؛

هَيَّجَني وأنا أُعاوِد النّظر في حماسة أبي تمام قولُ قُرَيْطِ بن أُنَيْف:

لو كنتُ من مـازنٍ لم تستبح إبـلي

بنو «البخيلة» مِنْ ذُهْل بن شيبانا

إذاً لَقَام بنَصْـري معشرٌ خشِنٌ

عنــد الحفــيظة إنْ ذو لـوثة لانا

قومٌ إذا الشّرّ أبـدى ناجِذَيْه لهم

طاروا إلـيه زرافـاتٍ ووُحْــدَانا

لا يسألون أخاهـم حين يندُبهـم

في النّائبات على مـا قال برهـانا

لكنّ قومـي وإن كانوا ذوي عددٍ

ليسوا مِن الشّرّ في شيءٍ وإنْ هانا

يجْزُون مِن ظُلْم أهلِ الظّلم مغفرةً

ومِـن إِساءة أهلِ السُّـوء إحسانا

كأنّ ربَّــكَ لـم يخلُقْ لخشيته

سواهُمُ مِنْ جمـيع النّاس إنسـانا

فليتَ لِـي بِهِمُ قـوماً إذا ركبـوا

شنّـوا الإغـارةَ فرسانـا وركبانا

فقلتُ في نفسي وأنا مغتمٌّ لخصومةٍ لم يُراعَ فيها شَرَفُ العربيِّ إذا خاصم، وغابتْ عنها أصالةُ ذوي المكارم إذا واجهوا:

ليت شعري لِمَ يَغُضُّ الطّرْفَ من الدكتور عصام مَن كان بالأمس القريب قطعةً منه؟ أَوَلا يراه أهلاً للنُّصرة والولاء؟ أم هو الجفاء وقلّة الوفاء؟

تُعساً لمروءاتٍ تُزْعَم وهي جوفاءُ خاوية؛ كأنّك تسمعُ جعجعةً ولا ترى أثراً!

للّـهِ ما أقبحَ خلالَ السّوء بذَوِيها، وما أشْنَأَ جَمَرَاتِ الغدْر بمُوقِدِيها:
وَلَا يَحِيقُ الـمَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ
.

قَيّدْتُ هذا الخاطر في نفسي، وقلتُ: لعلّه قريبٌ ممّا يقع في نفس أخي الدّكتور عصام البشير -أيّده الله ونَصَره- وهو يواجِهُ بمُفْرده هجمةً شرسةً شعواء مُنكَرة؛ كان أولى النّاس بنصرته فيها مَن جمّلوا مجالسهم به بكرة وأصيلاً، وشرُفُوا بمجيئِه إليهم، وحلُولِه عامِلاً للإسلام كريماً بينهم؛ يَحُوطُهُ فيهم جلالُ العلم وهيبتُه وعزَّتُه وأَلَقُه.

وإذا بالصّديق القريب يرى السِّهام تَنُوشُ أخاه يمْنةً ويَسْرة؛ ولا هيْعَةَ ولا «فزْعة»؛ مع أنّ الطّعن في الدّكتور عصام البشير مطعنٌ في المؤسّسة التي تعاقدت معه، وغمْزَه في واقع الحال مَغْمَزٌ فيها، والتّشهيرَ به مَلامةٌ لها، فأيْن أيْن كبارُها ووجهاؤها أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ
؟ عجيبٌ والله أمْرُ مروءات هذا الزّمان!

أخي عصام:

لئن خَذَلَك القريبُ وشَدَّ عليك الغارة مَن لا أسمّيهم؛ فإنّ أخاك جاسماً يُقسمُ بالذي يُحلَف به: ما دَرَى عن »الهوشة« إلاّ بعد أن خَبَا أُوارُها وسكَن عَجاجُها؛ لِعُذْر السّفر في أيام محنتك هذه، فلمّا بلغني الذي كان: اهتزّ كياني وتزعزعتْ أركاني؛ لأنّه رُوي في بعض كتب الأخبار والسّير؛ أنّ أبا جهل أُشير عليه بأن يدخل على رسول الله دارَه؛ فأطلقَها كلمةً عربيّة شريفةً: «لا يتحدّث العرب أنّ أبا الحكم رَوَّع بنات محمّد!!» فعلمتُ أنّ الكافر قد يكون شريفاً في الخصومة عادلاً فيها؛ خاصّةً وأنّ الذي يقول هذا هو فرعون هذه الأمّة، فَفَتَّ كبدي ما كتبه عنكم وروَّج له بعض النّاس.

فأحببتُ يا أيها الأخ الحبيب لإخوانه أن أكتب هذه الكلمة؛ معرفةً لحقّك، وصيانةً لشرف الكويت ومروءةِ الخِيار فيها، أَذُبُّ فيها عنك، ليذُبّ الله عنّي، وأدْفع بها عنك ليدفع الله عنّي، وأنا على بوّابة السّتّين، وقليلٌ مَن يجاوز ما بين السّتّين إلى السّبعين، كنت أرجو الله أن يرزقني الخوف منه، واليوم أرجوه ليرزُقني سَعَة الرّجاء فيه بهذه الكلمات، وهي جهْد المقلّ، وأقلّ الواجب، وإنّما حيلةُ المكروب القلم، ولعلّها كلمات ستُزْكِم مَعْشراً، وما عليَّ ولا عليك منهم، وحسبي تَرْداد ما قاله الحكيم:

عَلَيَّ نحْتُ القوافي مِن مقاطعها

وما عليّ إذا لم تفهم «البشر»

ولئن كان الناس يُساءَلُون؛ فإنّني لأختبئ هذه الكلمة علّها تكون فأْلَ خيرٍ عليّ بين يدي ربّي؛ فإنّما أرجو رضاه وأبتغي كرَمَه، ولئن عتِبَ »البشر« عَلَى ما خطّت يميني؛ فبِانشراحٍ أُنْشِدُ لهم ما قاله حبيبي وقرّةُ عيني صلى الله عليه وسلم:

هل أنتِ إلّا إِصبِعٌ دَمِيتِ

وفي سبيل الله ما لاقيت

أخي الدكتور عصام: يقول ابن مسعر رحمه الله: كنت عند سفيان بن عيينة في مَضْرِبِه بمِنى؛ فجاء محمد بن عيينة وسفيانُ يحدّث النّاس فوضع رأسه ونادى بصوت شَجِيٍّ محزون؛ فقال:

إِنِّي وَزِنْتُ الذي يَبْقى لِيَعْدِلَه

ما ليس يَبْقى فلا والله ما اتَّزنا

ولعلّكَ خير مَن يعلم أنّه ما من داعيةٍ إلى الله إلاّ وتَـمَعَّر في الله وجهه مرّاتٍ ومرّات، ولقد كان الصالحون ممن مضى يفرحون بالضرّاء إذا نزلت بساحتهم؛ لعلْمهم أنّه لا يصيب المؤمن مِن بلاء إلّا كان له فيه أعظم الخَلف مِن الله تعالى.

عن الأسود بن يزيد قال: دخل شبابٌ من قريش على عائشة وهي بمنى وهم يضحكون؛ فقالت: ما يضحككم؟ قالوا: فلانٌ خَرَّ على طنبِ فُسطاط فكادت عنُقُه أو عيْنُه أن تذهب؛ فقالت: لا تضحكوا؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة»، وأخرج الشيخان مِن حديث أبي سعيد الخدريّ وأبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها؛ إلّا كفّر الله بها من خطاياه».

أفلا يُسلّيك هذا الوعد النبويّ ويُؤْنِسُ بَالَكَ، ويُسرِّي عنك شيئاً من وَعْثَاء فُجُور الخصومة؟

لقد كان إبراهيم الحربيّ رحمه الله يقول: «أجمع عقلاء كلّ أمّة أنّه مَن لم يجْرِ مع القدَر لم يتهنّأ بعيشه»، وهذا الذي حدث لكم قبل أن يكون رحمةً بكم هو مِن قدر الله الذي سبق في علمه جلّ جلاله؛ كما هو متقرّرٌ لديكم.

يقول الحسين المرُّوذيّ الشافعيّ:

إذا ما رماك الدّهر يوما بنكبةٍ

فـأَوْسِعْ لها صدْراً وأجْمِل لها صبْرا

فإنّ إلـهَ العالـمين بفضْــلِه

سيُعْقِبُ بعد العسر مِن فضلِه يُسْرا

إلى مَن جَرّ حبال البغي مع الجارّين:

تأمّلتُ فيما كَتَب بعضكم؛ فعجبت لغياب الإنصاف والعدل، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
.

لقد وجدتُ غاية عِلّتكم: راتبَ الشيخ ومخصّصاتِه الماليّة؛ أَوَتَرَوْنه سارقاً لها، أو منتهِباً لها، أو شاهَدَه بعضكم يُنْفقها بليلٍ خشيةَ أن يراه أحدٌ؟

خاطِبوا عقولكم، وحاوِروا دخائلكم وكل منطقٍ لديكم: أليس وزارةُ الأوقاف تعاقدتْ معه على كلّ ذلك؟ والمسلمون على شروطهم؛ فما الذي حَشَر أُنُوفنا فيما لا يعنينا من عقود رسمية أقرتها كل الإدارات المالية والإدارية في الوزارة، أليس: «مِن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»؟

لِمَ لَمْ تملكوا شجاعة النّقد للمؤسّسة -في شيءٍ هو مِن أخصّ خصائصها- إن كان ضَرَّكم صنيعُها؟ أم هو كما قالت غَزَالة الخارجية:

أَسَدٌ عليّ وفي الهِياجِ نَعَـــــامَةٌ

فتْخَاءُ تَنْفِرُ مِن صَفِير الصّافِر

هَلّا بَرَزْتَ إلى غَزَالةَ في الوَغى

بل كان قلبُك في جناحَيْ طَائِرِ

يا مَن تسرْبل بدعوى الحفاظ على مال الدّولة، ولبِس لذلك مُسوح الوعظ والإرشاد؛ ما «عَوّر قلبك» الحفلات الرّاقصة، والغنائيات الماجنة هنا وهناك، ولُكَعُ ابنُ لُكَع مِن الهابطين والهابطات؟ أفلا اشتغلتَ محاسِباً ماليّاً على هؤلاء وأولئك؟ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ
.

وجدت في نفسك من لعاعة الدّنيا؛ التي يعطيها الله تعالى من يحبّ من عباده ومن يبغض، وهي هيّنةٌ عليه سبحانه، ولولا ذلك ما صبّها على مَن لا يؤمن به صبّاً.

صدق الله القائل: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُوراً
.

إنّ مَن أراد السّلامة لنفسه لا بدّ له أن يطلبها في سلامة غيره «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليأْت للنّاس الذي يحبّ أن يُؤتى إليهم»، والأيام دُولٌ، وهي حُبالى تلد العجائب، وإنّ غداً لناظِرِه قريبٌ.

لـمّا كُسر المسترشد بالله الخليفةُ العبّاسيّ؛ أشار عليه بعض خاصّته بالانهزام والتولّي؛ فأنشأ يقول:

قالوا تقـيم وقد أحـا

ط بك العـدوُّ ولا تفِرّ

فأجبتهم والشّيخُ مـا

لـم يـنتفع بالعلم غِرّ:

لا نِلْتُ خيراً ما بقيـتُ

ولا عَدَاني الدّهْرَ شرّ

إنْ كنتُ أعلم أنّ غيْـرَ

الله يــنفع أو يــضرّ

أَلَا فأيقنوا أنّ الحوادث مِن الله تعالى يُصرِّفها كيف شاء، ودوام الحال من المحال، وقد أخبر الله بالعدْل سبحانه أنه لا تُرفع إليه الأكفّ فيردّها خائبة.

يا مَن لا يأْبَهُ لدعوة المظلوم في جُنْح ليلةٍ خاليةٍ إلاّ من ربٍّ رقيبٍ حسيبٍ شاهد: لقد ظَلَم أحمد بن طولون حتى استغاث النّاس مِن ظُلْمِه ، وتوجّهوا إلى الشّريفة الطّاهرة نفيسة رضي الله عنها يشكونه إليها؛ فكتبتْ إليه رقعة؛ فيها: «مَلَكْتُم فأَسَرْتُم، وقَدَرْتم فقَهَرْتُم، وخُوِّلْتُم ففَسَقْتُم، ورُدَّت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمْتُم أنّ سهام الأسحار نفّاذةٌ غيرُ مخطئة؛ لا سيّما مِن قلوبٍ أوجعتموها، وأكبادٍ جوّعتموها، وأجسادٍ عرّيتُمُوها، فمحالٌ أن يموت المظلوم ويبقى الظّالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا صابرون، واظْلِموا فإنّا إلى الله متظلّمون، وجُورُوا فإنّا بالله مستجيرون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون».

يا أيها الوزراء؛

ماذا نتوقع حينما تغيب عن قراراتنا معاني الإنصاف؟ ويعلو الإجحاف على النصوص والأعراف؟

ماذا نتوقع حينما يستجيب الأمين لدعاية أو وشاية مالها أساس مكين؟

ماذا نتوقع حينما تستعجم على الأفهام معنى قول الله تعالى:
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
؟

وإنني هنا لن أفصل في سيرة الدكتور حفظه الله، ولن أتكلم عن فضله فهذا شيء يعرفه الجميع فهو من قيادات العمل الإسلامي على مستوى العالم. وقد كان عضواً برلمانياً أكثر من أربعة عشر عاماً في بلده ، ووزيراً للأوقاف ما يقارب خمس سنوات، والمحافل الدولية والمؤتمرات العالمية تشهد للرجل بالتميز والتفرد، ولعل كان ذلك من أسباب مخاطبة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت حفظه الله لأخيه سعادة الرئيس عمر البشير رئيس جمهورية السودان بطلبه في أن تستعير الكويت الدكتور عصام البشير من السودان للقيام على إنشاء (مشروع الوسطية) فهو فارسها إذا التفت الناس حولهم، وقد كان له موقف مميز عن كثير من القيادات العربية والإسلامية في العالم وقت الغزو العراقي للكويت (واللجنة الكويتية العليا في بريطانيا) حين ذاك شاهدت على ذلك ومن صور مساندته للحق الكويتي المحاضرة التي ألقاها هناك تحت عنوان «ماذا خسرت الأمة باحتلال الكويت» وهذا ثابت في أرشيف (اللجنة العليا) بالصوت والصورة.
وإظهاراً لموقف الدكتور في وقت الغزو العراقي للكويت أنقل الرسالة التي أرسلها أ/ فهد العوضي سفير دولة الكويت في سورية المؤرخة بتاريخ2007/6/13 يقول فيها:

سعادة الأخ الفاضل/ د. عادل الفلاح حفظه الله

تحية طيبة وبعد،،،

لقد تابعت بكثير من الأسى ما نشرته إحدى المجلات من نقد للأخ الفاضل الدكتور عصام البشير واتهامه بالإساءة إلى دولة الكويت وأهلها، وأود فيما يلي أن أسجل بكل أمانة ما لمسته مباشرة خلال فترة عملي كرئيس للبعثة الدبلوماسية الكويتية في الخرطوم التي امتدت من عام 2000 إلى عام 2005، من خلق نبيل وحب وتقدير لدولة الكويت وأهلها من قبل الأخ الدكتور عصام البشير، ففي بداية عملي في الخرطوم حرصت على التواصل مع الشخصيات السودانية التي كان لها موقف مساند للحق الكويتي وكان الدكتور عصام البشير على رأس هذه الشخصيات، فقد كان في كل خطبة يهاجم الاحتلال الصدامي الغاشم ويدعو الله لنصرة الكويت وأهلها حتى وصل الأمر بأن يقوم أحد أعضاء سفارة النظام العراقي آنذاك بتوجيه تهديد مباشر لسلامة الدكتور/ عصام البشير إذا لم يتوقف عن مناصرة دولة الكويت، إلا أنه استمر في مناصرة دولة الكويت رغم الموقف المضاد الذي تبنته حكومة السودان في ذلك الوقت.

بعد دخول الدكتور/ عصام البشر إلى الحكومة السودانية كوزير للأوقاف وجدنا منه كل تعاون فيما يتعلق بالمواضيع الخاصة بدولة الكويت حتى وإن كانت خارج مجال اختصاص وزارته، ولم نسمع قط أنه خلال تلك الفترة قد أساء للكويت أو أهلها علماً بأن موقف الحكومة السودانية من الحرب على العراق عام 2003 كان أقل تعاطفاً مع العراق عما كان عليه الحال غداة غزو دولة الكويت رغم أن الحكومة السودانية كانت تعارض التدخل الأجنبي في العراق إلا أنها لم تتخذ مواقف تتسم بالحدة أو المواجهة وهذا الموقف ينسحب على جميع أعضاء الحكومة السودانية بمن فيهم الدكتور البشير كما أود أن أسجل اهتمام الدكتور/ عصام البشير بجميع الوفود الكويتية التي كانت تزور السودان في ذلك الوقت ويحرص على اللقاء بهم وعلى إقامة المآدب في سكنه الخاص احتفاءً بهم، وهو ما حصل لدى زيارة رئيس مجلس الأمة والوفد المرافق للخرطوم، حيث لمس الجميع محبة وتقدير د. عصام البشير للكويت والكويتيين بشكل مباشر.

أخي الفاضل لقد ارتأيت توجيه هذه الرسالة الشخصية لكم حول الموضوع علني أستطيع رد الجميل لهذا الرجل الفاضل.

لكم مني كل التقدير والشكر وأطيب التحيات

أخوكم

فهد العوضي

سفير دولة الكويت

دمشق

2007/6/13

كما أنني لن أناقش مشروع الوسطية أو عمل المركز العالمي للوسطية الذي كان يرأسه الدكتور عصام فإنجازاته التي يعرفها السيد الوزير والسادة الوكلاء شاهدة ودليل على ذلك وتفصيل ذلك واضح في البيان الذي تم نشره حول المركز العالمي للوسطية وأمينه العام بعنوان (للحقيقة والتاريخ) والذي نشر في صحيفة الوطن حين كثر الكلام حول مركز الوسطية.

قبل الخاتمة أقول:

ولقد تعلمنا أن المسلم ما ينبغي أن تغيب عنه معاني العدل والإنصاف وكيف تغيب عنه والقرآن يذكره دائماً بقوله تعالى:
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ
2

والإنصاف والعدل هنا مأمور به المسلم حتى مع الأعداء، فما بال المسلم لو كان يتعامل مع أخيه المسلم...؟

إن الأخلاق الكبار في كل زمان ومكان «أنهم منصفون قوامون بالقسط، لا وجود عندهم لمعنى الإجحاف اللهم إلا على أنفسهم».

إن موازين الكبار تجعل من الإنصاف قيمة عليا تعلو على كل القيم ودرجة سامية ومكانة رفيعة لا تناهضها مكانة.

وهنا وأنا أتكلم عن الإنصاف أجد أنه من المناسب نقل بعض الفقرات من كتاب شيخنا العلامة «بكر بن عبد الله أبو زيد» رحمه الله في كتابه «تصنيف الناس بين الظن واليقين» الذي نشر بدار بن الجوزي .

-1 إن القيم، والأقدار، وآثارها الحسان، الممتدة على مسارب الزمن لا تقوم بالجاه، والمنصب، والمال، والشهرة، وكيل المدائح، والألقاب، وإنما قوامها وتقويمها بالفضل، والجهاد، وربط العلم بالعمل، مع نُبْلِ نفسٍ، وأدب جم، وحسن سمتٍ، فهذه، وأمثالها هي التي تُوزن بها الرجال والأعمال.

-2 لقد لبس الجميع أثواب الجرح والتعديل، وتدثروا بشهوة التجريح، ونسج الأحاديث، والتعلق بخيوط الأوهام، فبهذه الوسائل ركبوا ثَبَجَ التصنيف للآخرين؛ للتشهير، والتنفير، والصدِّ عن سواء السبيل. ومن هذا المنطلق الواهي، غمسوا ألسنتهم في ركام من الأوهام والآثام، ثم بَسَطوها بإصدار الأحكام عليهم، والتشكيك فيهم، وخدشهم، وإلصاق التُّهم بهم، وطمس محاسنهم، والتشهير بهم، وتوزيعهم أشتاتاً وَعزين: في عقائدهم ، وسلوكهم، ودواخل أعمالهم، وخلجات قلوبهم، وتفسير مقاصدهم، ونياتهم.. كل ذلك، وأضعاف ذلك مما هنالك من الويلات ، يجري على طرفي التصنيف: الديني، واللا ديني.

-3 ويقول عن سبب كتابته لهذه الضوابط والملاحظات: (لهذا جرى القلم في عرض ما هو كائن في معيار الشرع المطهر، عسى أن يكون وسيلة إنقاذ لمن أضناه مِشوار التجريح والتصنيف، فيلقى عصا التسيار قبل الممات.

وسَلْوَةً لمظلوم مضرج برماح الجارحين، فتكشف الضُّرَّ، وتبعد السوء. وتحذيراً لكل عبد مسلم، من سبيل من أحاطت به خطيئته.

وعسى أن يكون في هذه الأوراق تطهير لجماعة المسلمين من هذه الرواسب، وأمن لهم من هذه المخاوف، ونرفع بها الغطاء عن هذه المحنة الدفينة؛ لإطفاء جذوتها وكتم حملتها، خشية أن تعمل عملها فتفرق كلمة المسلمين، وتوجد الفروق بينهم، وفيتخطفهم الناس، ويبقى صوت الحق ضئيلاً، وحامله ضعيفاً.

-4 ويقول عن من سلط نفسه على الدعاة إلى الله سبحانه: أنك ترى الجرَّاح القصاب، كلما مر على ملأ من الدعاء اختار منهم «ذبيحاً» فرماه بقذيفةٍ من هذه الألقاب المرَّة، تمرق من فمه مروق السهم من الرمية، ثم يرميه في الطريق، ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق، فإن ذلك من شعب الإيمان.

وترى دأبه التربص، والترصد: عين للترقب وأُذن للتجسس، كل هذا للتحريش، وإشعال نار الفتن بالصالحين، وغيرهم.

-5 ويقول عن المظلوم: وكم أورثت هذه التُّهم الباطلة من أذى للمكلوم بها من خفة في الصدر، ودمعة في العين، وزفرات تظلم يرتجف منها بين يدي ربه في جوف الليل، لهجاً بكشفها ماداً يديه إلى مغيث المظلومين، كاسر الظالمين.

والظالم يغط في نومه، وسهام المظلومين تتقاذفه من كل جانب، عسى أن تصيب منه مقتلاً.

فيا لله: «ما أعظم الفرق بين من نام وأعين ساهرة تدعو له، وبين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو عليه»

-6 وينقل رحمه الله عن الحافظ بن عساكر رحمه الله قوله في كتابه «تبيين كذب المفتري»: «واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء - رحمة الله عليهم - مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مَرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لِنَعش العلم خلق ذميم...»

-7 ويقول عن أدلة الطاعن في الدعاة إلى الله: (نهاية ما لديه من بينات أنها: وساوس غامضة، وانفعالات متوترة، وحسد قاطع وتوظيف لسوء الظن، والظن أكذب الحديث وبناء على الزعم، وبئس مطية الرجل زعموا.

فالمنتشق يُشَيِّدُ الأحكام على هذه الأوهام المنهارة، والظنون المرجوحة، ومتى كانت أساساً تبنى عليه الأحكام4

-8 ويقول عن خطأ الكبار: من ذا الذي سلم من الخطأ - غير أنبياء الله ورسله- ، وكم لبعض المشاهير من العلماء من زلات، لكنها مغتفرة بجانب ما هم عليه من الحق والهدى والخير الكثير

من الذي ما أساء قط

ومن له الحسنى فقط

ولو أخذ كل إنسان بهذا لما بقي معنا أحد، ولصرنا مثل دودة القز، تطوي على نفسها بنفسها حتى تموت.

وانظر: ما ثبت في «الصحيحين» عن جابر - رضي الله عنه - «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم».

وهذا وهم أهل بيت الرجل وخاصته فكيف بغيرهم؟.

-9 ويقول رحمه الله: (ومتى صار من دين الله: فرح المسلم بمقارفة أخيه المسلم للآثام! ألا إن هذا التصيد، داء خبيث متى ما تمكن من نفس أطفأ ما فيها من نور الإيمان، وصَيَّرَ القلب خرباً يباباً، يستقبل الأهواء والشهوات، ويفرزها. نعوذ بالله من الخذلان.

-10 ذكر رحمه الله في آخر كتابه مجموعة وصايا لكل مسلم:

أولاً: الأصل الشرعي: تحريم النيل من عِرض المسلم.

ثانياً: الأصل بناء حال المسلم على السلامة، والستر، لأن اليقين لا يزيله الشك، وإنما يزال بيقين مثله.

ثالثاً: لا يخرج عن هذين الأصلين إلا بدليل مثل الشمس في رائعة النهار على مثلها (فاشهد أو دع). فالتزم واجب «التبين» للأخبار، والتثبت منها؛ إذ الأصل البراءة.

رابعاً: التزم «الإنصاف الأدبي» يلزمك بأن لا تجحد ما للإنسان من فضل، وإذا أذنب فلا تفرح بذنبه، ولا تتخذ الوقائع العارضة منهية لحال الشخص، واتخاذها رصيداً يُنفق منه الجَرَّاح في الثَّلب، والطَّعن. وأن تدعو له بالهداية، أما التزيد عليه، وأما البحث عن هفواته، وتصيدها، فذنوب مضافة أخرى.

خامساً: اعلم أن «تصنيف العالم الداعية»- وهو من أهل السنة - ورميه بالنقائص: ناقض من نواقض الدعوة، وإسهام في تقويض الدَّعوة، ونكثِ الثقة، وصرف الناس عن الخير، وبقدر هذا الصَّد، ينفتح السبيل للزائغين... فاحذر الوقوع في ذلك.

سادساً: وكان الشيخ طاهر الجزائري المتوفى سنة 1338 هـ - رحمه الله تعالى - يقول وهو على فراش الموت5:

(عُدُّوا رجالكم، واغفروا لهم بعض زلاتهم، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم، ولا تُنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم) أ.هـ. كلام العلامة بكر أبو زيد

وهنا أقول هذا ما خطّه القلم، واحتسبَه العبد الضّعيف عند ربّه؛ رجاء أن يَغفِر له تقصيرَه في المسارعة إلى واجب النّصرة وحِفْظِ العهْد، والله يتولانا جميعاً، وهو خير النّاصرين.

وهنا أجد من المناسب أن أختم المقال برسالة خاصة أرسلتها إلى الشيخ عصام البشير أقول فيها:

الحمد لله على نِعَمِهِ وعظيمِ آلائِهِ، وصلّى الله وسلّم على عبدِهِ ورسولِه وسيّدِ أوليائِهِ، وعلى آله الطّاهرين وصحبه الكرام وسائر إخوانه وأصفيائه.

الأخ المفضال المكرَّم/الدّكتور عصام البشير...سدّده الموْلى وحفِظَه وأنّسَه، وكَلَأَه بعَيْنهِ وحَرَسَه.

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صبّحك الله ومسّاك بكلّ خيـر، وفَتَح عليك مِن شآبيبِ رحمتِهِ، وأوْفَد عليك مِن ملائكتِهِ ورَيَاحِينِ وِلايَتِه: ما يُعينُك به على أعْباءِ هذه الحياةِ الخَؤونِ لمن رَكن إليها واعتمد عليها، وأَسْبلَ عليك سَترَه الجميل، وأغْدق عليك فضلَه الوارِف، وشَرَح صدْرك الطّاهر بفُيوض معرفَتِه، وألهمَك السّدادَ والرُّشْد، وأَخَذ بك إلى مَرَاقات الهُدى وفَضَاءاتِ التّوفيقِ والنُّجْح وأسبغ الله عليك نِعَمَه، وأودع في أَقوالك وأفعالك، حِكَمَه، ونَوَّر لك ما استكنَّ وراءَ سِجافِ الغيب، وهَدَاك لِـما اختُلف فيه مِن الحقّ، وخَلَعَ عليك مِن خصالِ المجدِ والعفّةِ وطهارةِ المعدن فوْقَ ما يَعْرِفُهُ فيكَ أصفياؤُك وخِلّانُك والخُلَّصُ مِن مُحبّيك... وبعد:

إنْ كنتَ لسْتَ مَعِى فالذِّكْرُ منْكَ مَعِى

يراكَ قلْبى وإنْ غُيِّبْتَ عنْ بَصَرِى

العينُ تُبْصِرُ مَن تَهْوَى وتَفْقِدُهُ

وناظِرُ القلْبِ لا يَخْلُو مِن النَّظَــر

تحيّةً مِلؤُها حنينٌ لا يعرفه إلّا المرهَفون مثلك، وأريجُها شوقٌ لا يحسّ هَيْمنَتَه وسُلطانَه إلاّ مَن تَأْسُره معانى المروءةِ والوفاءِ للعِشْرة، وأنت مَن لا يَخِيسُ بذِمّة، ولا يُسْلِيكَ النّأْىُ حين يَسْلُو الْـمُحبّون عن خِلاّنِهِم، ويتشاغلُ أهل المروءات عن مُوجِبات المروءة وعهود المودّة!

حبيبٌ أنت والله إلى قلوب إخوانِك وإِلَىَّ خاصّة، تتنازعُنى فى حبّك: أُخُوّةٌ فى الله، ونزاهةٌ فى حبٍّ جمَعَ على غير ميعادٍ، وفكرةٌ ومنهج، وإعجابٌ غَزَانِى لا أعرف كُنْهَه... ونَوَازِعُ أُخَرُ يَحْملُها الوجدان، وقد يقْصُر عنها البيانُ والتّوصيف.

أخى الحبيب: لعلّ ما مضى مِن أيامنا أكثر مِمّا بقِى، والأوّابون المجتهدون أحْرصُ على بذْر شىْءٍ مِن الخير؛ قبْلَ أن تُقِلَّهم سُفُنُ المنايا إلى رحلةِ اللّقاءِ مع الله تعالى، وما أبْدَعَها وأحلاها لمن عمِل صالحاً وصبر، ولِى فى الله تعالى أعظمُ الرّجاء أن تكون أحدَ أولئك الأوّابين.

وإنِّى لَأَجْأرُ إلى الله سبحانه أنْ يَحرُسَك، ويأخُذَ بيدك لكلّ خير، ويمنَحَك التّوفيق فوق ما تُؤمِّل، وأن يُجري على كفّيكَ الطّاهرتين بعضَ النّفعِ لهذه الأمّةِ الـمَهيضةِ الجناحِ، المكْلُومةِ الجانِبِ، وإنّى لَفي أصْلِك ومَنْبَتِك النّزِيهِ لَوَاثقٌ.

كما أعتذر إليك -أخى الحبيب- عن تأخّر النصرة فى الجرائد؛ لعذر السّفر، وطيّبَ الله ذِكْرَك، وجَعل عاقِبتك إلى خيرٍ، وعافاك وعفا برحمته وكرَمِهِ عنِّى وعنك، وعَصَمك الله مِن شرّ كلّ ذى شرّ، وحفِظك وآواك، ورفع قدْرك وهداك.

ودمْتَ لأخيك جاسم المهلهل وسلِمت
 

Edrak

مشرف منتدى القلم
الاخوة الاعضاء الرجاء التقيد بقوانين منتدى القلم وعدم كتابة ردود لا تخدم الموضوع و هدفها المجاملة فقط.

تم مسح المشاركات


... اما الموضوع فسيتم الأبقاء عليه لأن عضو اخر نقل المقال.

انتهى
 
أعلى