يبقى هاجس ما بعد نضوب النفط بلا نموذج يحتذي ، وتسعى العديد من الدول النفطية للتفكير والتخطيط لما بعد النفط وعلى أقل تقدير لاستمرار اقتصادياتها، وهذه المقالة المترجمة عن بروناي وهي من إحدى أكثر الدول النفطية ثراء إن لم تكن أثراها على الإطلاق، ومقاربة في جزء من نواحيها للكويت والدول الخليجية، تبرز نواحي عن آمال تلك البلاد في التخطيط للخفض من الاعتماد على الإيرادات النفطية ، ومن ثم التجهز لمرحلة ما بعد النفط. ويرجى ملاحظة تاريخ المقال.
ولا يطرح المقال في ذهن القارئ هذه التساؤلات وفقط حول ما نعده للمستقبل الذي سيعيشه كواقع أعضاء المنتدى وأبنائهم ، بل ويطرح تساؤلات حول مدى استفادتنا مما تتيحه الديمقراطية في النقاش وخلق محصلة الآراء لتتبلور الرؤية حول ما نصبو إليه من مستقبل أمن يمكننا ووطننا الحبيب في استكمال المسيرة
الرابط:http://www.economist.com/displayStory.cfm?story_id=10881541&fsrc=RSS
واواسان 2035
التفكير في المستقبل: بروناي تستعد لزمن نضوب النفط والغاز
التفكير في المستقبل: بروناي تستعد لزمن نضوب النفط والغاز
16 مارس 2008
مترجم عن وحدة استطلاع الإيكونوميست ViewsWire
وقع حدثين اقتصاديين كبيرين في الأسابيع القليلة الماضية لهما أهمية واضحة لسلطنة بروناي الغنية بالنفط، فبينما يتجاوز سعر برميل النفط 100 دولار، يتهاوى الدولار أمام العملات الدولية. ويوفر النفط ما يقارب ثلثي الدخل من صادرات بروناي (ويوفر الغاز الطبيعي الخل لأغلب الثلث الباقي)، إذن أسعار النفط العالية تعني مبدئياً وفرة اقتصادية. طبعاً المشكلة الآنية هي أن الدولار الضعيف (العملة التي يتم فيها المتاجرة بالنفط) يقلل من قيمة الشحنات النفطية بالقيمة المحلية. وعلى الرغم من أن ذلك يدل على التأثير المحتمل في المدى القصير على هوامش الربحية لمصدري النفط والإيرادات الضريبية، فأن ما يقلق حكومة بروناي هو شكل المدى البعيد، وتحديدا: كيف سيسند الاقتصاد ذاته عندما ينضب المخزون النفطي. وتستمر الحكومة في دراسة السبل في "التحصين المستقبلي" للإقتصاد، وشاهدت بدايات 2008 تطورات أكثر على هذه الجبهة.
واواسان 2035:
أزاحت الحكومة الستار في نهاية يناير عن أول خطة وطنية طويلة المدى ، أسمتها "واواسان بروناي "2035 (وتعني رؤية بروناي في 2035). ويستخدم صانعي السياسة الآن خطط خمسيه قصيرة المدى، ولكن واواسان 2035 تتميز بدورها الذي يتمحور حول اهتمام الحكومة في عدم صحة الاقتصاد الذي يعتمد على صادرات النفط والغاز. ويمثل قطاع الطاقة حاليا 94% من إيرادات الدولة، و96% من الصادرات، و 74% من الاستثمار، و 69% من الناتج الكلي المحلي. ومن المتوقع نضوب المخزون النفطي لبروناي في خلال العشرين عام المقبلة، بينما من المتوقع نضوب مخزون الغاز الطبيعي في حوالي 30 عام. ونتيجة لذلك، ومن دون تحول ناجح لصناعة لا تعتمد على منتجات وخدمات الطاقة، من المتوقع أن يكون مستقبل بروناي أقل بهجة.
تركز "واواسان بروناي 2035" على ضرورة إيجاد سبيل يدعم ويطيل من أمد الاقتصاد الغير النفطي، وتهدف الخطة كذلك إلى رفع السلطنة إلى مصاف الدول العشرة الأوائل من حيث مستوى الناتج القومي للفرد بحلول 2035 (بروناي حاليا من ضمن الثلاثين دولة الأعلى عالميا). وتصبو "واواسان بروناي 2035" إلى أن ينتج عنها إدارة مخلصة لمهمة حماية المستقبل الطويل المدى للسلطنة.
وتسعى الحكومة من ضمن خططها لتطوير الاستثمار الصناعي في غير قطاعات الطاقة، ففي أواخر يناير وقعت مذكرة تفاهم بين مجلس بروناي للتنمية الاقتصادية (Brunei Economic Development Board (والمعروف في BEDB) و مُنتِج كبير للألمونيوم، Alcoa الأمريكية، للتوسع بالدراسات لتمتد إلى الجدوى من إنشاء معمل لصهر الألمونيوم في السلطنة، وقد وقع الطرفين كذلك مذكرة تفاهم لوضع مخطط لتطوير الأعمال الصغيرة التي ستساعد رجال الأعمال المحليين بالاستفادة من الفرص المتاحة من معمل الصهر الذي ستستثمر فيه شركة Alcoa.
كما عقد مجلس بروناي للتنمية الاقتصادية في فبراير منتدى للاستثمار في سنغافورة ، وعلى الرغم من أن الاستثمار في منتجات الطاقة كان معروضا في أجندة المنتدى، ألا أن ملامح القطاعات الأخرى آخذة في الظهور. وتخطط الحكومة إلى أن تدخل في خططها تطوير مركز لمناولة الحاويات على جزيرة موارا بالتوازي مع منطقة لتمرير الصادرات ومنطقة صناعية. ويرغب مجلس بروناي للتنمية الاقتصادية لتطوير الأعمال الإسلامية التي تمتد من إنتاج الغذاء بالاشتراطات الإسلامية وصولا للتمويل الإسلامي.
الفكرة طيبة ، ولكن هل ستفلح؟
حينما تبدو الحكومة مدركة لما يلزم فعله لضمان المستقبل الطويل المدى للسلطنة، فأن تحقيق ذلك من خلال الترتيب المنهجي المتتالي قد يبرهن صعوبته، وما توقعته السلطنة من قدرة كامنة في قطاع السياحة هو قيد المثال على ذلك، فبروناي لديها القدرة على جذب السياحة لما تحتويه من طبيعة، ولكنها كدولة مسلمة محافظة لها قوانين تمنع تداول الخمور قد تواجه صعوبة في إتمام هذه القدرات المتوفرة من مناظرها الطبيعية ومناخها الاستوائي.
وكذلك على الرغم من توفر المال لدى الحكومة لتطوير البني التحتية ولإعطاء الحوافز للصناعات الدولية لتنقل منشآتها إلى بروناي، إلا أن نجاح خططها ليس مؤكداً. يبدو أن موقع "سونجاي" الصناعي يسير حسب الجدول الزمني وجذب استثمار كبير لبناء مصنع للميثانول ، وهناك بحث في عدد آخر من مشاريع الاستثمارات الكبيرة. ولكن تطوير الميناء في "بولاو موارا بيسار" – وهو مفتاح الحكومة في خلق آلاف الوظائف – سيتنافس مع مراكز إعادة الشحن القائمة في الجوار القريب مثل ميناء "بورت كلانج" الماليزي وميناء سنغافورة. وإذ تنعقد الآمال على قدرة الخدمات المالية في ملئ الفجوة، فحتى لو تمكنت هذه القطاعات من النمو بقوة (قد يساعد على ذلك التوسع في النظام المصرفي الإسلامي) فلن تكون بالحجم اللازم للرفع الجوهري للناتج المحلي الكلي.
وبشكل عام يتطلب تطوير الاقتصاد غير النفطي لبروناي تغيير النظام الضريبي وتغييرات كبيرة محتملة في التزامات العلاقة ما بين الدولة والمواطنين، والتحدي في نجاح السلطنة في تطبيق هذا النوع من التغيير قد يكون أكبر من التحدي في جذب الاستثمار.
الحفاظ على الطاقة
إن تنمية الوعي في الحفاظ على الطاقة هو من النواحي الأخرى في جهود الحكومة للصمود أمام المستقبل، فبروناي لا تستطيع استرداد ما تستهلكه من مخزونها النفطي ولكنها تستطيع أن تحاول في تأخير نضوبه، فوزير النفط يحي بكر قد شدد من أهمية الحفاظ على الطاقة، وفي فبراير ألح على المواطنين لتغيير أسلوب حياتهم وليتأهبوا لمستقبل البلاد عندما ينتهي مخزون البلاد من النفط. وحتى تطول فائدة البلاد من مخزون الطاقة، وضعت الحكومة 200,000 برميل يوميا حداً أقصى لإنتاج النفط، بينما يتوجب على المواطنين، كما قال السيد بكر، أن يتبنوا أسلوب معيشي اقل حاجة للطاقة. لكن من مسببات تراخي المواطنين بشأن موارد الطاقة هو أنها مدعومة من الدولة ومن غير المحتمل أن يتبدل هذا في المستقبل المنظور.
البعد السياسي
التصور في أن يخضع اقتصاد بروناي للتغيير الهيكلي هو أمر سياسي أيضا ويحمل في طياته احتمال الاضطراب الاجتماعي. ويمكن تجاهل النشاط السياسي الآن، فبروناي تفتقر إلى مجلس تشريعي منتخب، وتتركز القوة حول مكتب السلطان، يضاف إلى ذلك أن السلطان لا يقع تحت تأثير ملموس من الشعب للإسراع في الإصلاح السياسي ويعزو الجزء الأكبر من ذلك لمستوى المعيشة العالي ولأن الثروة النفطية تسمح للحكومة بتوفير الوظائف والرعاية الصحية من دون فرض ضريبة الدخل. ويمكن تفسير هدوء الشعب السياسي بشكل أكبر من واقع أن أكثرية جيران بروناي هم من بلدان جنوب شرق آسيا الأقل ثراء.
إن نفاد مخزون النفط والغاز في المدى الطويل سيجعل من الصعب على الحكومة أن توفر الميزات الواسعة التي أضحى المواطنين يتوقعونها، وهذا قد يزيد من المطالبة الشعبية في محاسبة الحكومة وبالتالي الديمقراطية.
إنتهى