الدكتور محمد السبيعي نزل الاسبوع اللي فات مقال عن ازدواج الجنسية وطرح الموضوع طرح قوي، وفي رايه ان الضجة الحالية بسبب مقال في جريدة الشرق الاوسط ان عدد الكويتيين المقيمين في السعودية تقريبا مية ألف. الكاتب يقول ان الجريدة لا قالت هذيلي كويتيين عندهم جنسية سعودية. لكن بعض المتعصبين صوروا الموضوع كأنهم مزدوجين جنسية. وبعدين له وجهة نظر ويتكلم عن اباء الجيل الحالي من ابناء القبائل لهم حق في اكثر من جنسية بسبب طبيعة حياتهم واراضيهم. المقال يستاهل القراية وفيه نقد كثير لطريقة تعامل الحكومة وجمعية حقوق الانسان مع هالموضوع، ما جاب اسمه بس يلمح لعلي البغلي.
السياسة 6/5/2009
كتبت عن ظاهرة ازدواج الجنسية بين مواطني هذا المجتمع مرة قبل هذه المرة. كان ذلك قبل أكثر من ثلاثة أعوام (الوطن: 21 أبريل 2006). وقد كان يومها ردا على الكاتب الراحل الدكتور أحمد الربعي حين طالب الأجهزة المختصة في دول مجلس »التعاون« بمحاصرة هذه الظاهرة. على أني يومها لم أحاول البحث في جدية ذلك المطلب الذي ربما أثبتت الأيام بطلانه أو قل عدم جديته. بل ذهبت إلى أن تعدد الجنسيات بين مواطني مجلس »التعاون« إن وجد فهو بالنظر إلى تعدد الوشائج التي تنتظم بين شعوب هذه المنطقة وإلى ديناميكية نمط الإنتاج البدوي السائد في الجزيرة العربية, وأخيرا وليس آخرا إلى امتدادات أراضي القبائل عبر الحدود الدولية, هو بالنظر إلى كل ذلك أمر مشروع, بل بديهي إلى أبعد الحدود. وليس أدل على بداهة مثل هذه الحالات الاستثنائية أو الخاصة من أوضاع سكان المناطق الحدودية في دول تعلي من شأن حقوق الإنسان وموروثه كما, الحال بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. فهناك يتمتع السكان على جانبي الحدود بتسهيلات خاصة لتنقلهم وفي حيازة وثائقهم. بل إنه ليصل الأمر في ولاية شليزفيغ-هولشتاين المتاخمة للدانمرك في شمال جمهورية ألمانيا الاتحادية, وحيث تقطن أقلية دانمركية إلى حجز عدد من مقاعد برلمان تلك الولاية لنواب من أصول دانمركية. وشأن هذا كان بالمناسبة قد حدث يوما في هذه المنطقة حين كانت تحت ظلال بريطانيا العظمى. فإحدى فرضيات الإبقاء على المنطقة المقسومة بين الكويت والمملكة العربية السعودية كمنت في حينها في المحافظة على وحدة قبيلة العوازم التي قطنت تلك النواحي من تشرذم سيحدث حتما لو اقتسمت الدولتان فعليا تلك المنطقة.
كان ذلك من قبيل التنظير حيث لا غبار على وجود ما أسميناه بالحالة الخاصة في أنحاء العالم كافة, وعلى إمكانية القبول بتمتع أفراد هذه الحالة بالتسهيلات اللازمة ومنها حمل أكثر من جنسية. والحق أن من ينظر إلى تلك الظاهرة الخاصة في خضم السياسة في هذا البلد وفي أي سياق ترد يجزم بأن خصوصيتها لا تقتصر فقط على التصنيف النظري, بل هي وخصوصاً أيضا في أسلوب توظيفها في المعترك السياسي. فمن هو مقصود عادة بالاتهام بازدواج الجنسية? هم فقط وبصراحة أبناء القبائل ممن يزعم بحملهم لتابعية المملكة العربية السعودية, وربما بعض دول مجلس »التعاون« الأخرى. نعم هناك سواهم ممن قد يحملون نفس الأوراق وآخرون يحملون جنسيات الأعاجم شرقا وغربا على حد سواء إلا أن عن هؤلاء لا يود أحد أن يعرف شيئا. وإن عرف عنهم شيئا يعلل بأن ما بحوزة هؤلاء هي وثائق اكتسبت بحكم المولد, دون أن يكون لهم يد في ذلك. ومع ذلك فمن يقتاد امرأته وهي حبلى في شهرها التاسع لكي تضع جنينها حيث تمنح الجنسية برسم الولادة لا يمكن له أن يبرأ من شبهة السعي للحصول على جنسية أخرى من دون مبرر من مبررات الحالة الخاصة التي ذكرنا. وإذا كانت تلك الجنسية الأجنبية قد اكتسبت حقا دون نية فلم لا يبادر أصحابها إلى التنازل عنها وهم في تمام عقولهم بعد سن البلوغ?
الحق أن شأن هؤلاء الذين هم حقا يسعون من دون حياء إلى الحصول على أكثر من جنسية من جنسيات الأعاجم ليس شأني الآن. بل إن أولئك ممن يتهمون بحمل التابعية السعودية أو غيرها من أبناء القبائل هو ما يعنيني في هذه الورقة. فمع تسليمي بمشروعية مثل هذه الظاهرة إن وجدت فلا أراها في الحقيقة مشكلة. وإن كان البعض يراها كذلك فلا تلوح لي بالخطورة التي يتوهمها البعض. بل لا أراها حتى بالحجم الذي يود البعض إظهارها به. فإن كان هناك من يحمل إلى جانب الكويتية التابعية السعودية فهم في اغلبية الأحوال آباء الجيل الحالي إن لم يكونوا آباء آبائه. هذه الفرضية لا تستتبع فقط أن الرقم الذي يخمن لهؤلاء ضئيل, بل في تناقص مضطرد, ما دام الأمر للأبناء بالحصول على جنسية ثانية ليس بالأمر اليسير. معنى هذا أن المستقبل القريب كفيل بحل ما يراد له أن يكون مشكلة.
كان هذا رأينا طوال سنوات عديدة كلما أطل علينا من يود أن يجعل من هذه الحالة الخاصة مطية لمصالحه الخاصة, حتى وإن قاد ذلك إلى التهديد بشق صف المجتمع. لكن ما تكشف لنا بعد إثارة هذا الشأن في هذه الأيام والتسييس عالي المستوى الذي خبره يدخل هذه الحالة الاجتماعية الخاصة في رأينا وقودا في الحرب الباردة للفرز الإثني في هذا المجتمع.
لقد اتضح لنا أن ما خمناه حقيقة بالنظر الى اعتبارات سوسيو-اقتصادية قد نسج منه آخرون زورا وفجورا حتى يكاد يصبح الأمر برمته فرية كبرى, ومناورة رخيصة لشحذ حدة الصراع على الموارد في هذا المجتمع. فرغم الطرح المكثف لهذه الظاهرة في هذه الأيام والترويع من خطرها الداهم على الديمقراطية والوحدة الوطنية كما يروج له كاتب مرتزق أو داعية حقوق إنسان مشبوه, أو قامت بتبنيه إحدى المؤسسات الصحافية, فإن كل هذا لا يقوم على فحش ما فيه على أي دليل على صحة دعواه, وإلا فيم غياب الوثائق التي تثبت ذلك. اغلبية الظن أن هؤلاء يستندون في كيل اتهاماتهم على خبر بريء ورد في صحيفة الشرق الأوسط والسعودية في منتصف التسعينات من القرن الماضي إقامة عدد من الكويتيين يناهز عددهم مائة ألف أو يزيد بحسب الروايات في أرجاء المملكة العربية السعودية. هذا مفاد الخبر لا أكثر ولا أقل. والحق أن ذلك ليس بسر فأرقام المقيمين الأجانب في كل دول العالم موثقة وتحت التصرف لمن أرادها. ولذا فإننا لا نستبعد أيضا صحة ذلك الخبر مع تحفظنا على الرقم المفصح عنه. وسواء استندت الصحيفة على مصادر رسمية أو على مصادر خاصة لها في المنافذ الحدودية, أو لعلها اشتقت ذلك من عدد ملاك العقارات من الكويتيين وإن لم يقيموا في المملكة, أو لعل الأمر يعود إلى عد عشوائي لسيارات تحمل لوحة كويتية, فمهما كان الأمر فالصحيفة لم تتجاوز الحدود الموضوعية لإيراد الخبر ولم تتحدث إلا عن كويتيين وليس عن مزدوجي جنسية. ثم أي غرابة أو استنكار في هذا ما دام بين الكويت والسعودية من الوشائج ما يعطي أكثر من مبرر لاستقرار عدد غير قليل من الكويتيين في أرجاء المملكة الواسعة? فهناك علاقة القرابة التي تنتظم الشعبين من واقع عبور أراضي كثير من القبائل لحدود البلدين بالإضافة إلى هجرة كثير من القبائل الأخرى وما تفرع عنها من أسر من أصقاع متفرقة من الجزيرة العربية على الكويت. وهناك علاقات المصاهرة الغزيرة عبر حدود البلدين حيث تلحق الزوجة الكويتية بزوجها هناك. وهناك حالات ليست بالقليلة يقرر معها الزوج الكويتي العيش بين أنسبائه في المملكة. وإذا استدعينا حقيقة تموضع البقاع المقدسة في المملكة المسلمة فمثل هذا يضيف عاملاً جاذبا للهجرة بين الكويتيين ممن باعوا الدنيا بالآخرة وهفت نفوسهم إلى مجاورة مهبط الوحي أو حيث يرقد رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام. وإذا عززت ذلك بحقيقة أن المملكة هي بحق جنة لإقامة الأعمال والتجارة الحرة تفتح ذراعيها لكل مستثمر وخصوصاً مواطني مجلس »التعاون« فستجد أن عددا غير قليل من رجال الأعمال الكويتيين الذين سئموا الإدارة المتبقرطة وتاهوا بين لوائحها من ناحية وأمزجة القائمين عليها من ناحية أخرى, ستجدهم قد أسسوا أعمالا طائلة وتجارة رابحة تتطلب إقامتهم في المملكة لفترة قد تطول. أما إذا أضفت إلى كل هذا سياسة تنفرد بها حكومة هذا البلد في مطاردة الثروة الحيوانية وترويعها دون اعتبار لمساهمتها في تأمين الغذاء, وهي سياسة جرت وراءها موجة نزوح للمئات من ملاك هذه الثروة عبر الحدود إلى حيث ينظر إلى الجمل وغيره من الأنعام كمكون اجتماعي واقتصادي في ثقافة الجزيرة العربية, وحيث يوفر الدعم اللازم لرعايتها وتكاثرها, من دون تفرقة بالمناسبة بين سعودي وغير سعودي, إذا أضفت هذه الحقيقة المؤسفة أيضا, وجدت أن تلك العوامل مجتمعة تبرر ما ذهبت إليه الصحيفة السعودية.
هذه أمثلة للوشائج الوثيقة بين شعبي الكويت والسعودية وهو أمر ليس سراً, بل يفخر به كل كويتي سواء انتهى نسبا إلى قبيلة أو سواها.
إذا كان الأمر كذلك فما العجب في ذلك? ما المشكلة وراء إقامة كويتيين في الجوار القريب كما ورد في الصحيفة السعودية ما داموا بريئي الذمة? الحق أن لا عجب ولا مشكلة! فغير من يقيم في المملكة أو في دول مجلس ا لتعاون الأخرى هناك الاف ممن استقرت بهم الأقدام في بلاد الله الواسعة من مصر ولبنان وحتى غرب أوروبا ومن تايلند وحتى الولايات المتحدة, بعضهم لدواعي مشابهة لدواعي مواطنيه في المملكة, والبعض الآخر بحثا عن الراحة النفسية وآخرون يفتشون في الغربة عما يقع في بلدهم تحت طائلة المحرم أو الممنوع وغيرهم لحاجة في نفس يعقوب. لكن هؤلاء لا يشغلون بال أحد لأن بالكاد يكون بينهم أحد أبناء القبائل.
المسألة لا يكمن أن تفهم على الوجه الصحيح إلا في إطار الفرز الإثني بين أبناء القبائل في ناحية وظلهم في الناحية الأخرى والصراع على الموارد. فاتهام الآلاف ممن يقيمون في المملكة والتقول عليهم بما ليس فيهم ينسجم تماما والصراع الدائر حول الموارد في هذا المجتمع وتداعياته من حملة تدليس وتضييق على أبناء القبائل وأخذهم بجريرة فشل الغير في إدارة الدولة. ومع أن الصراع بقصد التنافس هو سمة الاجتماع ومبدأ كل تغيير فإن الانحراف عن الأسلوب الشريف في إدارة الصراع والتدليس الممجوج للحقائق هو مما يهدد بخروج الأطراف عن قواعد اللعب. فلو حسنت النية لما جاز الطعن في الذمم والتهافت على إقصاء الغير. ولو كان داعية حقوق الإنسان ذلك المشبوه الذي رأى في مقدم كويتيين من المملكة المجاورة في مواسم الانتخابات سببا للطعن بذممهم وليس دليلا على ارتباطهم بالوطن, لو كان صادقا مع نفسه ولائقا باللقب الذي يحمله لكفاهم عناء القدوم إلى الكويت وطالب السلطات بوضع صناديق التصويت في الممثليات الكويتية في الخارج. كلا فالأمور تتجه نحو فرز إثني حاد يهدد استقرار المجتمع. ألا هل بلغت? اللهم فاشهد!
* كاتب كويتي
syrbee@msn.com
السياسة 6/5/2009
د. محمد بن عصام السبيعي
فرية ازدواج الجنسية ... صناعة "سياسية خائبة! كتبت عن ظاهرة ازدواج الجنسية بين مواطني هذا المجتمع مرة قبل هذه المرة. كان ذلك قبل أكثر من ثلاثة أعوام (الوطن: 21 أبريل 2006). وقد كان يومها ردا على الكاتب الراحل الدكتور أحمد الربعي حين طالب الأجهزة المختصة في دول مجلس »التعاون« بمحاصرة هذه الظاهرة. على أني يومها لم أحاول البحث في جدية ذلك المطلب الذي ربما أثبتت الأيام بطلانه أو قل عدم جديته. بل ذهبت إلى أن تعدد الجنسيات بين مواطني مجلس »التعاون« إن وجد فهو بالنظر إلى تعدد الوشائج التي تنتظم بين شعوب هذه المنطقة وإلى ديناميكية نمط الإنتاج البدوي السائد في الجزيرة العربية, وأخيرا وليس آخرا إلى امتدادات أراضي القبائل عبر الحدود الدولية, هو بالنظر إلى كل ذلك أمر مشروع, بل بديهي إلى أبعد الحدود. وليس أدل على بداهة مثل هذه الحالات الاستثنائية أو الخاصة من أوضاع سكان المناطق الحدودية في دول تعلي من شأن حقوق الإنسان وموروثه كما, الحال بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. فهناك يتمتع السكان على جانبي الحدود بتسهيلات خاصة لتنقلهم وفي حيازة وثائقهم. بل إنه ليصل الأمر في ولاية شليزفيغ-هولشتاين المتاخمة للدانمرك في شمال جمهورية ألمانيا الاتحادية, وحيث تقطن أقلية دانمركية إلى حجز عدد من مقاعد برلمان تلك الولاية لنواب من أصول دانمركية. وشأن هذا كان بالمناسبة قد حدث يوما في هذه المنطقة حين كانت تحت ظلال بريطانيا العظمى. فإحدى فرضيات الإبقاء على المنطقة المقسومة بين الكويت والمملكة العربية السعودية كمنت في حينها في المحافظة على وحدة قبيلة العوازم التي قطنت تلك النواحي من تشرذم سيحدث حتما لو اقتسمت الدولتان فعليا تلك المنطقة.
كان ذلك من قبيل التنظير حيث لا غبار على وجود ما أسميناه بالحالة الخاصة في أنحاء العالم كافة, وعلى إمكانية القبول بتمتع أفراد هذه الحالة بالتسهيلات اللازمة ومنها حمل أكثر من جنسية. والحق أن من ينظر إلى تلك الظاهرة الخاصة في خضم السياسة في هذا البلد وفي أي سياق ترد يجزم بأن خصوصيتها لا تقتصر فقط على التصنيف النظري, بل هي وخصوصاً أيضا في أسلوب توظيفها في المعترك السياسي. فمن هو مقصود عادة بالاتهام بازدواج الجنسية? هم فقط وبصراحة أبناء القبائل ممن يزعم بحملهم لتابعية المملكة العربية السعودية, وربما بعض دول مجلس »التعاون« الأخرى. نعم هناك سواهم ممن قد يحملون نفس الأوراق وآخرون يحملون جنسيات الأعاجم شرقا وغربا على حد سواء إلا أن عن هؤلاء لا يود أحد أن يعرف شيئا. وإن عرف عنهم شيئا يعلل بأن ما بحوزة هؤلاء هي وثائق اكتسبت بحكم المولد, دون أن يكون لهم يد في ذلك. ومع ذلك فمن يقتاد امرأته وهي حبلى في شهرها التاسع لكي تضع جنينها حيث تمنح الجنسية برسم الولادة لا يمكن له أن يبرأ من شبهة السعي للحصول على جنسية أخرى من دون مبرر من مبررات الحالة الخاصة التي ذكرنا. وإذا كانت تلك الجنسية الأجنبية قد اكتسبت حقا دون نية فلم لا يبادر أصحابها إلى التنازل عنها وهم في تمام عقولهم بعد سن البلوغ?
الحق أن شأن هؤلاء الذين هم حقا يسعون من دون حياء إلى الحصول على أكثر من جنسية من جنسيات الأعاجم ليس شأني الآن. بل إن أولئك ممن يتهمون بحمل التابعية السعودية أو غيرها من أبناء القبائل هو ما يعنيني في هذه الورقة. فمع تسليمي بمشروعية مثل هذه الظاهرة إن وجدت فلا أراها في الحقيقة مشكلة. وإن كان البعض يراها كذلك فلا تلوح لي بالخطورة التي يتوهمها البعض. بل لا أراها حتى بالحجم الذي يود البعض إظهارها به. فإن كان هناك من يحمل إلى جانب الكويتية التابعية السعودية فهم في اغلبية الأحوال آباء الجيل الحالي إن لم يكونوا آباء آبائه. هذه الفرضية لا تستتبع فقط أن الرقم الذي يخمن لهؤلاء ضئيل, بل في تناقص مضطرد, ما دام الأمر للأبناء بالحصول على جنسية ثانية ليس بالأمر اليسير. معنى هذا أن المستقبل القريب كفيل بحل ما يراد له أن يكون مشكلة.
كان هذا رأينا طوال سنوات عديدة كلما أطل علينا من يود أن يجعل من هذه الحالة الخاصة مطية لمصالحه الخاصة, حتى وإن قاد ذلك إلى التهديد بشق صف المجتمع. لكن ما تكشف لنا بعد إثارة هذا الشأن في هذه الأيام والتسييس عالي المستوى الذي خبره يدخل هذه الحالة الاجتماعية الخاصة في رأينا وقودا في الحرب الباردة للفرز الإثني في هذا المجتمع.
لقد اتضح لنا أن ما خمناه حقيقة بالنظر الى اعتبارات سوسيو-اقتصادية قد نسج منه آخرون زورا وفجورا حتى يكاد يصبح الأمر برمته فرية كبرى, ومناورة رخيصة لشحذ حدة الصراع على الموارد في هذا المجتمع. فرغم الطرح المكثف لهذه الظاهرة في هذه الأيام والترويع من خطرها الداهم على الديمقراطية والوحدة الوطنية كما يروج له كاتب مرتزق أو داعية حقوق إنسان مشبوه, أو قامت بتبنيه إحدى المؤسسات الصحافية, فإن كل هذا لا يقوم على فحش ما فيه على أي دليل على صحة دعواه, وإلا فيم غياب الوثائق التي تثبت ذلك. اغلبية الظن أن هؤلاء يستندون في كيل اتهاماتهم على خبر بريء ورد في صحيفة الشرق الأوسط والسعودية في منتصف التسعينات من القرن الماضي إقامة عدد من الكويتيين يناهز عددهم مائة ألف أو يزيد بحسب الروايات في أرجاء المملكة العربية السعودية. هذا مفاد الخبر لا أكثر ولا أقل. والحق أن ذلك ليس بسر فأرقام المقيمين الأجانب في كل دول العالم موثقة وتحت التصرف لمن أرادها. ولذا فإننا لا نستبعد أيضا صحة ذلك الخبر مع تحفظنا على الرقم المفصح عنه. وسواء استندت الصحيفة على مصادر رسمية أو على مصادر خاصة لها في المنافذ الحدودية, أو لعلها اشتقت ذلك من عدد ملاك العقارات من الكويتيين وإن لم يقيموا في المملكة, أو لعل الأمر يعود إلى عد عشوائي لسيارات تحمل لوحة كويتية, فمهما كان الأمر فالصحيفة لم تتجاوز الحدود الموضوعية لإيراد الخبر ولم تتحدث إلا عن كويتيين وليس عن مزدوجي جنسية. ثم أي غرابة أو استنكار في هذا ما دام بين الكويت والسعودية من الوشائج ما يعطي أكثر من مبرر لاستقرار عدد غير قليل من الكويتيين في أرجاء المملكة الواسعة? فهناك علاقة القرابة التي تنتظم الشعبين من واقع عبور أراضي كثير من القبائل لحدود البلدين بالإضافة إلى هجرة كثير من القبائل الأخرى وما تفرع عنها من أسر من أصقاع متفرقة من الجزيرة العربية على الكويت. وهناك علاقات المصاهرة الغزيرة عبر حدود البلدين حيث تلحق الزوجة الكويتية بزوجها هناك. وهناك حالات ليست بالقليلة يقرر معها الزوج الكويتي العيش بين أنسبائه في المملكة. وإذا استدعينا حقيقة تموضع البقاع المقدسة في المملكة المسلمة فمثل هذا يضيف عاملاً جاذبا للهجرة بين الكويتيين ممن باعوا الدنيا بالآخرة وهفت نفوسهم إلى مجاورة مهبط الوحي أو حيث يرقد رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام. وإذا عززت ذلك بحقيقة أن المملكة هي بحق جنة لإقامة الأعمال والتجارة الحرة تفتح ذراعيها لكل مستثمر وخصوصاً مواطني مجلس »التعاون« فستجد أن عددا غير قليل من رجال الأعمال الكويتيين الذين سئموا الإدارة المتبقرطة وتاهوا بين لوائحها من ناحية وأمزجة القائمين عليها من ناحية أخرى, ستجدهم قد أسسوا أعمالا طائلة وتجارة رابحة تتطلب إقامتهم في المملكة لفترة قد تطول. أما إذا أضفت إلى كل هذا سياسة تنفرد بها حكومة هذا البلد في مطاردة الثروة الحيوانية وترويعها دون اعتبار لمساهمتها في تأمين الغذاء, وهي سياسة جرت وراءها موجة نزوح للمئات من ملاك هذه الثروة عبر الحدود إلى حيث ينظر إلى الجمل وغيره من الأنعام كمكون اجتماعي واقتصادي في ثقافة الجزيرة العربية, وحيث يوفر الدعم اللازم لرعايتها وتكاثرها, من دون تفرقة بالمناسبة بين سعودي وغير سعودي, إذا أضفت هذه الحقيقة المؤسفة أيضا, وجدت أن تلك العوامل مجتمعة تبرر ما ذهبت إليه الصحيفة السعودية.
هذه أمثلة للوشائج الوثيقة بين شعبي الكويت والسعودية وهو أمر ليس سراً, بل يفخر به كل كويتي سواء انتهى نسبا إلى قبيلة أو سواها.
إذا كان الأمر كذلك فما العجب في ذلك? ما المشكلة وراء إقامة كويتيين في الجوار القريب كما ورد في الصحيفة السعودية ما داموا بريئي الذمة? الحق أن لا عجب ولا مشكلة! فغير من يقيم في المملكة أو في دول مجلس ا لتعاون الأخرى هناك الاف ممن استقرت بهم الأقدام في بلاد الله الواسعة من مصر ولبنان وحتى غرب أوروبا ومن تايلند وحتى الولايات المتحدة, بعضهم لدواعي مشابهة لدواعي مواطنيه في المملكة, والبعض الآخر بحثا عن الراحة النفسية وآخرون يفتشون في الغربة عما يقع في بلدهم تحت طائلة المحرم أو الممنوع وغيرهم لحاجة في نفس يعقوب. لكن هؤلاء لا يشغلون بال أحد لأن بالكاد يكون بينهم أحد أبناء القبائل.
المسألة لا يكمن أن تفهم على الوجه الصحيح إلا في إطار الفرز الإثني بين أبناء القبائل في ناحية وظلهم في الناحية الأخرى والصراع على الموارد. فاتهام الآلاف ممن يقيمون في المملكة والتقول عليهم بما ليس فيهم ينسجم تماما والصراع الدائر حول الموارد في هذا المجتمع وتداعياته من حملة تدليس وتضييق على أبناء القبائل وأخذهم بجريرة فشل الغير في إدارة الدولة. ومع أن الصراع بقصد التنافس هو سمة الاجتماع ومبدأ كل تغيير فإن الانحراف عن الأسلوب الشريف في إدارة الصراع والتدليس الممجوج للحقائق هو مما يهدد بخروج الأطراف عن قواعد اللعب. فلو حسنت النية لما جاز الطعن في الذمم والتهافت على إقصاء الغير. ولو كان داعية حقوق الإنسان ذلك المشبوه الذي رأى في مقدم كويتيين من المملكة المجاورة في مواسم الانتخابات سببا للطعن بذممهم وليس دليلا على ارتباطهم بالوطن, لو كان صادقا مع نفسه ولائقا باللقب الذي يحمله لكفاهم عناء القدوم إلى الكويت وطالب السلطات بوضع صناديق التصويت في الممثليات الكويتية في الخارج. كلا فالأمور تتجه نحو فرز إثني حاد يهدد استقرار المجتمع. ألا هل بلغت? اللهم فاشهد!
* كاتب كويتي
syrbee@msn.com