=================
الحيـــاة والنـــور
=================
الحمد لله وكفى , وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد...
اقرأ قوله تعالى (( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[الأنعام/122]
الآية الكريمة قد ذكرت أمران , الأمر الأول هي الحياة والأمر الثاني هو النور , والحياة هنا ليست الحياة على تعريفها أي المضادة للموت , وإنما حياة القلوب ونوره , فالقلب له حياة وله نور ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور , فما هي حياة القلب وما هو نوره وما أهمية هذه الأمور للمسلم في سيره إلى الله تعالى ؟!
تخيل لو أن إنسانا يسير في طريق مظلم , وهذا الطريق غير مستوى بل يوجد حفر وقد يوجد به أيضا آفات وحشرات وهوام مؤذية أو وحوش ضارية , كحال أي طريق مهجور مظلم غير مطروق , فالإنسان الذي لابد أن يسير من خلال هذا الطريق - إذ لا طريق غيره - لابد له من أمور تعينه على سيره هذا , الأمر الأول كشاف نور يبصر به مواطن الأذى في طريقه حتى يتقيها , والأمر الثاني أن تكون حواسه قوية بحيث أنه لو سمع صوت وحش أو دابة مؤذية قادمة عليه يستطيع أن يسمعها ويتخذ إجراءه تجاهها وأمور أخرى ولكن لنزكز على مسألة النور والحياة فهي التي تعنينا اليوم.
كلما كان كشاف النور في يد هذا الرجل قويا وكبيرا وسليما من المعايب كلما استطاع أن يبصر أكثر من غيره , وأن يكشف الظلمة في طريقه بطريقة تجعله يسير سيرا مطمئنا بغير تعسف أو قلق , فهو يرى مسافات بعيدة قبل أن يصلها , بخلاف الآخر الذي يسير بغير ضوء فهذا يقع أكثر ما يمشي , أو الذي استطاع الخصول على كشاف ولكنه ضعيف , يضيئ قليلا وينطفئ أكثره , فهذا لا يطمئن إلا في حالة الضوء ويرجع إليه الخوف مرة أخرى في حالة انقطاعه ضوءه.
وكلما كان هذا الرجل قويا في حواسه كلها كلما كان مطمئنا في سيره , فسمعه قوي يسمع به الأصوات البعيدة , ويبصر الأخطار القريبة والبعيدة أيضا , وأما من ضعف بصره فالضوء في يده لا ينفعه إلا إذا كان قويا جدا على الرغم من لازم تضرره بضعف بصره , وأما من ضعف سمعه فإن الضوء ينفعه في سيره ولكن ضعف سمعه قد يضره بحيث تؤيذيه هامة قريبة من قدمه فلا يسمع بتحركها , ولا يشتعر بها إلا بعدما تلدغه.
فالحالة السليمة إذا هو أن يسير الإنسان بأقوى ما يستطيع في هذه الأرض بأفضل ضوء وأقوى قوى عنده , وهذا الذي يجعله يسلم من الأذية والمهلكات في طريقه , وهذان القوتان هما من قوة القلب , فالنور هو العلم الشرعي والقوة هي قوته الناتجة من العبادة الصحيحة المتواصلة لله رب العالمين , والطريق الذي يسير عليه هو طريق الحياة الدنيا الذي مُلِئَ بالفتن والمتشابهات , فإذا كان عند المسلم علما صحيحا خاليا من الشوائب متوافق مع الكتاب والسنة , كلما كان نور قلبه قويا يستطيع أن يبصر في أمور دنياه واختياراته فيها , وكلما قل هذا العلم كلما قل الضوء , وقد يضعف الضوء بسبب تشوش العلم في قلبه , فعقديته مختلطة بين أهل السنة وبين غيره , فهذا كصاحب الضوء الذين ينير أحيانا ويضعف أحيانا أخرى.
وأما قوة السمع والبصر في القلب فهي ناشئة عن العبادة الصحيحة لله تعالى , وكلما كان له عبادة صحيحة سليمة موافقة للسنة , كلما كان سمع وبصر قلبه قويا جدا , يسمع به ما يمكن أن يضره أثناء سيره في الدنيا , وأما إذا ضعفت عبادته أو أدخل عليها بعض البدع أو المنكرات أو غير ذلك , كلما ضعفت حواس قلبه عن تحذير القلب إلى ما يحيط به من أخطار أو شبهات أو آفات , ولذلك تأمل هذه الآية القرآنية (( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ))[الأعراف/179] , فتأمل جيدا هذه الآية وقد وصفهم الله تعالى بالصمم وعدم الفقه والعمى على الرغم من وجود هذه الآلات عندهم , كالقلب والعين والسمع , ولكنها معطلة تماما فهم غافلون عن رب العالمين سبحانه وعن حقوقه عليهم.
فلابد أن يستمد المسلم قوة نوره من هذان الأمران العلم والعمل , فلو اختل أحدهما لم يضمن أن يسير في الدنيا على بصيرة أو أن يصل إلى الآخرة بسلام , وكلما كملت عنده القوتان كلما كان أفضل من غيره , وأبصر منه يرى ما لا يرى الآخرين , ويسمع ما لا يسمعه الآخرين , ويفهم ما لا يفهمه الآخرين , وتظهر هذه الأمور في المواطن الصعبة الشديدة , وإذا تأملت حال الصديق رضي الله عنه وموقفه من حروب الردة على الرغم من مخالفة الصحابة جميعا له , لعلمت أنه لم يستحق لقب الصديق جزافا أبدا , ولم يكن المقدم بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فضل درجته من الله تعالى , فهو الواحيد الذي أبصر خطر المرتدين , وهذا هو النور البعيد الذي طال عن غيره من الصحابة , وحتى بعدما ظهر لهم الحق في قوله ومذهبه , كان أقوى الناس ارادة في تنفيذ حرب عليهم صعبة جدا نظرا للظروف المتغيرة , وهذه أيضا من قوة حواسه وحياة قلبه , فليس كل إنسان يعرف الخير يستطيع أن يصل إليه أو أن يناله , فقد يكون عالما ولكنه ضعيف ولذلك رغب النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الله بما قاله (( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزمية على الرشد )) فليس كل من يعرف الرشد يقوى على أن يحوذه.
يتبع إن شاء الله تعالى
-----------------------------------------------------------------------------------
امراض القلوب ... وماهو القلب السليم .. ؟
القلب السليم هو عكس القلب المريض , وهو القلب السالم من الشهوات المحرمة والشبهات المانعة من الإنتفاع بالدين , وهو المقصود بقوله تعالى (( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الشعراء/88، 89] , وسوف يأتي بيانه إن شاء الله أخي الكريم في تفصيل أقسام القلوب
حياك الله
--------------------------------------------------------------------------------------------------
تسجيل متابعة
:إستحسان::إستحسان::إستحسان:
نتشرف بمتابعتكم .
.