...:: أمراض القلوب دعوة للتخلي والتحلي ::...

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
=====
تمهبد
=====

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد , اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد...


فهذه دعوى للتخلي والتحلي بمناسبة شهر رمضان , التخلي عن العيوب القلبية والتحلي بالأخلاق الإسلامية والدينية الحميدة العالية الفاضلة , ودعوى التخلي هذه هي دعوة علمية للنظر في أمراض القلوب وأسبابها وكيفية اقتلاعها من القلوب ثم كيفية علاجها والمختلف من مرض إلى آخر بناء على نوع المرض وفترة مكثه في القلب وغير ذلك من التفصيلات المهمة التي سوف تتضح إن شاء الله أثناء عرض هذه المادة الهامة.


ومعلوم طبعا كتاب إحياء علوم الدين للغزالي رحمه الله , وهو كتاب عظيم إلا انه حوى آفات عظيمة جدا منها اشتماله على أخبار موضوعة وأقوال مخالفة للكتاب والسنة , ولذا قد قام ابن الجوزي رحمه الله بتنقيح وتهذيب هذا الكتاب في ( منهاج القاصدين ) ثم قام بعد ذلك العلامة عبد الرحمن بن قدامة المقدسي في إختصار هذا الكتاب في كتابه ( مختصر منهاج القاصدين ) , ثم بعد ذلك قام الشيخ جمال الدين القاسمي بتلخيص الإحياء في كتاب سماه ( موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين ).


وهذا كله جهد كبير من العلماء في تنقيح هذا السفر المهم ومحاولة حذف المخالفات منه وتهذيبه حتى يكون نافعا للمسلمين بغير إشكال من حديث موضوع او قول مخالف , ولقد قام عدد من المحققين في تحقيق الكتاب الأخير في كتاب ( تهذيب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين ) , وهو ما سوف أعتمد على ترتيبه في الجزء الثاني بالذات , مع فتح المناقشات في هذه المسائل الهامة إن وجدت لها مناقشين ومهتمين.




والمواضيع التي سوف نتناولها إن شاء الله تعالى هي :
  1. كتاب رياضة النفس في علاجها وإصلاحها
  2. كتاب آفات اللسان
  3. كتاب ذم الدنيا
  4. كتاب ذم البخل وذم حب المال
  5. كتاب ذم الجاه والرياء
  6. كتاب ذم الكبر والعجب
  7. كتاب ذم الغرور
  8. كتاب التوبة
  9. كتاب الصبر والشكر
  10. كتاب الرجاء والزهد
  11. كتاب التوكل
  12. كتاب محبة الله
  13. كتاب النية والإخلاص والصدق
  14. كتاب المحاسبة والمراقبة
  15. كتاب التفكر
  16. كتاب الموت وما بعده.
هذه الموضوعات التي نريد أن نغوص فيها في الأيام القادمة إن شاء الله تعالى , والله ييسر كل عسير ويتقبل منا ومنكم صالح الأعمال في هذا الشهر الفضيل وما بعده


والحمد لله رب العالمين
 

@Noura@

عضو مخضرم
ولعل من أمرض القلوب أقساها ..!!

قال بن القيم رحمة الله ماعوقب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلوب والبعد عن الله وما خلقت النار الا لإذابة القلوب القاسية،فإذا قسا القلب قحطت العين.."

ستكون لنا متابعة لهذا الموضوع بالتأكيد

تقديري واحترامي لك أخي أبو عمر
وكل عام وإنت بخير
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
=================
تمهيد عن رياضة النفس
=================

الحمد لله وكفى , وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد...

هل النفس تحتاج إلى رياضة ومجاهدة لإصلاحها ؟ وكيف تكون هذه الرياضة وطريقتها وهل هي تختلف من مرض في النفس إلى آخر , أم أن الرياضة النفسية تلك تعالج جميع الأمراض ؟!


النفس تحتاج إلى رياضة ومجاهدة لإزالة ما يكون فيها من أمراض وعيوب , وهذا الجهاد لابد أن يكون بعلم وفهم كي لا تنقلب النفس إلى أسوأ مما كانت عليه قبل المرض , وهو يختلف من مرض إلى آخر , فمن كان مريضا بحب السمعة والرياء لا يكون رياضته النفسية ومجاهدته لها بنفس الطريقة بالضبط مع من ابتلي بمرض الشح أو البخل , وهناك من الأمراض والعيوب ما تتطور إلى غيرها وتكبر , بمعنى أن هناك أمراض تكون كالشجرة , وغيرها يكون كالثمرة على هذه الشجرة والعياذ بالله تعالى , كما أن توحيد رب العالمين شجرة وباقي آثارها من أمر بالمعروف والحياء الخ الخ أفرع لهذه الشجرة وثمرات لها.


ومن هنا فإن كل مرض من الأمراض القلبية يلزم تصوره والغوص في أعماقه حتى يتسنى لنا معرفة أسبابه وكيفيه خلعه بحيث لا يبقى له أثر لينبت بعد ذلك في أرض القلبية الطيبة فيكون شجرة لها ثمار وأفرع تؤذي الإنسان فلا ينتفع بالدين ولا بالدنيا , ويمر قطار عمره سريعا بغير أن يتخلى عن هذه العيوب فلا يدخل في قوله تعالى ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) فلا يسلم قلبه من العيوب والآفات التي يلزم أن يسلم منها قبل أن يأي إلى ربه يوم القيامة.


النفس تحمل عيوبا كثيرة بسبب وجودها في الدنيا , فتنشأ عن طريق التربية عيوبا معينة فعلى قدر ما يكون من مجهود للوالدين في خلعها ومعالجتها كانت النتيجة إما إزالتها بالكلية أو أغلبها وتبقى لها آثار يمكن لها أن تنبت مرة أخرى , ثم يكبر الإنسان ويختلط بالناس ومناهجهم وأفكارهم , فيأخذ من تلك العيوب أيضا , وقد يعتقد باعتقادات خاطئة في الفكر والإستدلال ثم لا تلبث أن تقوى في قلبه فتكون وجودا أيضا , وبالجملة فإن هناك أسبابا كثيرة في كون الإنسان يكتسب العيوب والأمراض القلبية التي تُنكد عليه عيشه وتفسد عليه الإنتفاع بالدين , ومن هنا فإن مجاهدة نفسه لازمة لإزالة تلك العيوب والمفاسد من أرض قلبه الطيبة النقية ثم رعاية الأخلاق الحسنة والإهتمام بها.



قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد (( في النفس كبر إبليس, وحسد قابيل, وعتو عاد, وطغيان ثمود, وجرأة نمرود, واستطالة فرعون, وبغي قارون, وقحّة هامان وهوى بلعام (عرّاف أرسله ملك ليلعن بني إسرائيل فبارك ولم يلعن), وحيل أصحاب السبت, وتمرّد الوليد, وجهل أبي جهل.وفيها من أخلاق البهائم حرص الغراب, وشر الكلب, ورعونة الطاووس, ودناءة الجعل, وعقوق الضب, وحقد الجمل, ووثوب الفهد, وصولة الأسد, وفسق الفأرة, وخبث الحية, وعبث القرد, وجمع النملة, ومكر الثعلب, وخفة الفراش, ونوم الضبع.غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك. فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الجند, ولا تصلح سلعته لعقد: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ } التوبة 111, فما اشترى إلا سلعة هذبها الإيمان, فخرجت من طبعها إلى بلد سكانه التائبون ))الفوائد - (ج 2 / ص 100)



وهذا كلام عميق يحتاج إلى تفصيل وسوف يأتي إن شاء الله تعالى في طيات هذا الموضوع إن شاء الله تعالى , وجهاد النفس أمر واجب على كل مسلم , قد مدح الله تعالى المسلمين الذين يجاهدون أنفسهم في سبيل الله تعالى ليصلحوها فقال تعالى (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ))[الشمس/9، 10] , وقال تعالى (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ))[العنكبوت/69] , ومن هنا فاستجب لهذه الدعوة أخي الكريم وتعالى إلى هذا الموضوع النافع المهم جدا فأنت كما قال الشاعر


أقبل على النفس واستكمل فرائضها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسانا



-----------------------------------------------------------------------------------



ولعل من أمرض القلوب أقساها ..!!
قال بن القيم رحمة الله ماعوقب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلوب والبعد عن الله وما خلقت النار الا لإذابة القلوب القاسية،فإذا قسا القلب قحطت العين.."

ستكون لنا متابعة لهذا الموضوع بالتأكيد

تقديري واحترامي لك أخي أبو عمر

وكل عام وإنت بخير


تشرفنا بمروركم أم عثمان , والله يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال , وننتظر المرور القادم

.
 

كهمس

عضو مخضرم
عجيب امر هذا القلب

فيه خير وشر فيه ضر ونفع سبحان الله


متابعيين يا اباعمر
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
==============
مداخل القلب
==============


الحمد لله وكفى , وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد...


فكما هو معلوم أن القلب هو ملك الجوارح , وهو السبب في صلاح العبد أو فساده , وهذا يعتمد طبعا على الذي يدخله من مواد بالحرص أو حتى بطريق الخطأ , وما زالت منافذ القلب السمع والبصر أسرع نقل الصور والأفكار والمعتقدات إلى القلب , والقلب إن كان له حماية من هذه المنافذ تمكنه من " فلترة " هذه المواد ليأخذ منها الصحيح ويتخلص من الفاسد بغير أن يدخله معقل الحكم ومركز التعقل , أمسى القلب سليما من المعايب , وغن كان كالبيت المفتوح بلا حراسة ولا متابعة دخله كل شيء واستوطنته حتى الحيات والعقارب والآفات المهلكة.


ونستطيع أن نشبه القلب بالبيت ومداخله بالأبواب والنوافذ , فإذا كانت البيت صغيرا كان الهجوم عليه أسهل والدخول إليه غير مستصعب , وكلما استطاع الإنسان أن يجعل لهذا البيت حديقة تسبق الباب , ثم أسوار على هذه الحديقة كلما كانت حمايته للقلب أفضل ولمداخله أقوى , وإذا استطاع أن يجعل على هذه الأسوار أنوار كاشفة , أو اجراس منبهة , أو حتى كلاب حارسة كان ذلك من صحيح التخطيط , وسليم التفكير , لأن اللص الذي يريد أن يدخل هذا البيت لابد عليه أن يجتاز كل هذه المشاكل الكبرى من اضاءات وكشافات وكلاب حارسة , وماسفة كبيرة حتى يصل إلى باب البيت الذي لابد وأن يكون مقفلا هو الآخر.


وهذه الحراسة تجعل القلب يتنبه إذا كان ثمة أي غريب عند أسوار البيت فلا يُفاجأ به على بابه يضربه عليه أو يكسره أو يتحسس فرصة للدخول إلى البيت , بل يتنبه القلب مبكرا لخطر وجود أحد غريب على أطراف مملكته , وهذا هو المطلوب من الإنسان لكي يحمي قلبه , فلا يجعل لنفسه حماية ضعيفة من عبادة قليلة وعلم مشوش , بحيث لو أراد الشيطان أن يُزين له عملا أو يفسد عليه نية لوجد خواطره على قلبه مباشرة , بل يجعل لنفسه عبادة واسعة وعلما مبسوطا بحيث يكتشف خيانة الشيطان مبكرا , ولعل المثال يوضح المعنى أكثر.


لو كان مسلما يصلي الفرائض فقط ولا يُجَمِلُها بأية نوافل حولها من سنن ومستحبات , فالشيطان عندما يريد غزو قلبه فإنه يوسوس له على الفريضة نفسها , فيقول له مثلا ( نم واترك العشاء وعندما تستيقظ صلها ) , أو يقول له ( دع صلاة الصبح ثم صليها قضاء بعدما تستيقظ ) , أو يقول له ( دع عنك درس اليوم فإنك محتاج إلى الراحة ), المقصود أن الإنسان له كانت حمايته قليلة وهي متملة في مجرد الفرائض لكان هجوم الشيطان عليه مباشرة , فيكون خسران الإنسان عظيما , لأن ترك الصلاة وزر عظيم وهي تُبعد العبد عن الله تعالى المسافات الشاسعة وتقرب الشيطان أكثر وأكثر , فإذا ترك ذنبا مرة سَهُل عليه أن يتركه مرة أخرى , وهذا انحدار آخره نار جهنم إلا أن يتغمده الله برحمته.


وأما لو كان له عبادة أكثر من نوافل , فإن الشيطان لا يقدر على أن يوسوس له في ترك الفرائض لأنها محمية بالنوافل وهو يعلم أنه لا يستمع حتى لهذه الوسوسة , وإنما سوف يعمد إلى الوسوسة في النوافل , فيقول له ( دع الوتر ونم الليلة ) أو ( اترك عنك سنة الفجر والحق الفريضة ) وبعد ذلك ( صل الفريضة في المنزل لأنك تعب وتريد أن تنام ) فإذا استجاب وخلى حراسته نائمة هجم على الفريضة نفسها وأغراه بتركها ولو مرة واحدة حتى ينفلت الحبل ويبتعد عن رحمة ربه.


إذا فحماية مداخل القلب واجبة لحماية القلب نفسه , إذ أن الشيطان لو استطاع أن يثضعف تلك الحماية وأن يتسلل إلى البيت ويدخله بدأ في نشر سمومه بداخله على قدر ما يقدر لأنه مذهبه مذهب من يضله - كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى - وهو حريص على نشر سمومه بأقل ضوضاء ممكنة حتى لا يشعر صاحب البيت " المحتل " أنه يتم تغيير مناهجه الفكرية , ولا ثوابته العقلية والروحية , بل يستيقظ بعد فترة ليجد نفسه يقول كلاما عجيبا ويتصرف تصرفات عجيبا كان أبعد الناس عنها منذ زمن بعيد.


وبداية الخلل في هذا كان تساهله في حماية قلبه , فلم يقم عليه حراسة ولا أضواء ولا إنذارات ولا شيء , بل أهمل في قلبه وحراسته فدخلت الهوام والحشرات إلى بيته جميعا.


يتبع إن شاء الله تعالى


----------------------------------------------------------------------
عجيب امر هذا القلب
فيه خير وشر فيه ضر ونفع سبحان الله
متابعيين يا اباعمر

ايه والله عجيب أمره , وما سمى قلبا إلا لتقلبه ومن يتركه بغير حماية ولا حراسة يرى منه الأعجب والأغرب , حياك الله أخي الكريم وتشرفنا بمروركم


----------------------------------------------------------------------
جزاكم الله خيرا اخي بو عمر ونفع بك .

جزانا وإياكم أخي الكريم , ونفعنا الله وإياكم بالوحيين , تشرفنا لمروركم

.
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
=================
الحيـــاة والنـــور
=================


الحمد لله وكفى , وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد...


اقرأ قوله تعالى (( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[الأنعام/122]


الآية الكريمة قد ذكرت أمران , الأمر الأول هي الحياة والأمر الثاني هو النور , والحياة هنا ليست الحياة على تعريفها أي المضادة للموت , وإنما حياة القلوب ونوره , فالقلب له حياة وله نور ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور , فما هي حياة القلب وما هو نوره وما أهمية هذه الأمور للمسلم في سيره إلى الله تعالى ؟!


تخيل لو أن إنسانا يسير في طريق مظلم , وهذا الطريق غير مستوى بل يوجد حفر وقد يوجد به أيضا آفات وحشرات وهوام مؤذية أو وحوش ضارية , كحال أي طريق مهجور مظلم غير مطروق , فالإنسان الذي لابد أن يسير من خلال هذا الطريق - إذ لا طريق غيره - لابد له من أمور تعينه على سيره هذا , الأمر الأول كشاف نور يبصر به مواطن الأذى في طريقه حتى يتقيها , والأمر الثاني أن تكون حواسه قوية بحيث أنه لو سمع صوت وحش أو دابة مؤذية قادمة عليه يستطيع أن يسمعها ويتخذ إجراءه تجاهها وأمور أخرى ولكن لنزكز على مسألة النور والحياة فهي التي تعنينا اليوم.


كلما كان كشاف النور في يد هذا الرجل قويا وكبيرا وسليما من المعايب كلما استطاع أن يبصر أكثر من غيره , وأن يكشف الظلمة في طريقه بطريقة تجعله يسير سيرا مطمئنا بغير تعسف أو قلق , فهو يرى مسافات بعيدة قبل أن يصلها , بخلاف الآخر الذي يسير بغير ضوء فهذا يقع أكثر ما يمشي , أو الذي استطاع الخصول على كشاف ولكنه ضعيف , يضيئ قليلا وينطفئ أكثره , فهذا لا يطمئن إلا في حالة الضوء ويرجع إليه الخوف مرة أخرى في حالة انقطاعه ضوءه.


وكلما كان هذا الرجل قويا في حواسه كلها كلما كان مطمئنا في سيره , فسمعه قوي يسمع به الأصوات البعيدة , ويبصر الأخطار القريبة والبعيدة أيضا , وأما من ضعف بصره فالضوء في يده لا ينفعه إلا إذا كان قويا جدا على الرغم من لازم تضرره بضعف بصره , وأما من ضعف سمعه فإن الضوء ينفعه في سيره ولكن ضعف سمعه قد يضره بحيث تؤيذيه هامة قريبة من قدمه فلا يسمع بتحركها , ولا يشتعر بها إلا بعدما تلدغه.


فالحالة السليمة إذا هو أن يسير الإنسان بأقوى ما يستطيع في هذه الأرض بأفضل ضوء وأقوى قوى عنده , وهذا الذي يجعله يسلم من الأذية والمهلكات في طريقه , وهذان القوتان هما من قوة القلب , فالنور هو العلم الشرعي والقوة هي قوته الناتجة من العبادة الصحيحة المتواصلة لله رب العالمين , والطريق الذي يسير عليه هو طريق الحياة الدنيا الذي مُلِئَ بالفتن والمتشابهات , فإذا كان عند المسلم علما صحيحا خاليا من الشوائب متوافق مع الكتاب والسنة , كلما كان نور قلبه قويا يستطيع أن يبصر في أمور دنياه واختياراته فيها , وكلما قل هذا العلم كلما قل الضوء , وقد يضعف الضوء بسبب تشوش العلم في قلبه , فعقديته مختلطة بين أهل السنة وبين غيره , فهذا كصاحب الضوء الذين ينير أحيانا ويضعف أحيانا أخرى.


وأما قوة السمع والبصر في القلب فهي ناشئة عن العبادة الصحيحة لله تعالى , وكلما كان له عبادة صحيحة سليمة موافقة للسنة , كلما كان سمع وبصر قلبه قويا جدا , يسمع به ما يمكن أن يضره أثناء سيره في الدنيا , وأما إذا ضعفت عبادته أو أدخل عليها بعض البدع أو المنكرات أو غير ذلك , كلما ضعفت حواس قلبه عن تحذير القلب إلى ما يحيط به من أخطار أو شبهات أو آفات , ولذلك تأمل هذه الآية القرآنية (( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ))[الأعراف/179] , فتأمل جيدا هذه الآية وقد وصفهم الله تعالى بالصمم وعدم الفقه والعمى على الرغم من وجود هذه الآلات عندهم , كالقلب والعين والسمع , ولكنها معطلة تماما فهم غافلون عن رب العالمين سبحانه وعن حقوقه عليهم.


فلابد أن يستمد المسلم قوة نوره من هذان الأمران العلم والعمل , فلو اختل أحدهما لم يضمن أن يسير في الدنيا على بصيرة أو أن يصل إلى الآخرة بسلام , وكلما كملت عنده القوتان كلما كان أفضل من غيره , وأبصر منه يرى ما لا يرى الآخرين , ويسمع ما لا يسمعه الآخرين , ويفهم ما لا يفهمه الآخرين , وتظهر هذه الأمور في المواطن الصعبة الشديدة , وإذا تأملت حال الصديق رضي الله عنه وموقفه من حروب الردة على الرغم من مخالفة الصحابة جميعا له , لعلمت أنه لم يستحق لقب الصديق جزافا أبدا , ولم يكن المقدم بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فضل درجته من الله تعالى , فهو الواحيد الذي أبصر خطر المرتدين , وهذا هو النور البعيد الذي طال عن غيره من الصحابة , وحتى بعدما ظهر لهم الحق في قوله ومذهبه , كان أقوى الناس ارادة في تنفيذ حرب عليهم صعبة جدا نظرا للظروف المتغيرة , وهذه أيضا من قوة حواسه وحياة قلبه , فليس كل إنسان يعرف الخير يستطيع أن يصل إليه أو أن يناله , فقد يكون عالما ولكنه ضعيف ولذلك رغب النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الله بما قاله (( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزمية على الرشد )) فليس كل من يعرف الرشد يقوى على أن يحوذه.


يتبع إن شاء الله تعالى

-----------------------------------------------------------------------------------

امراض القلوب ... وماهو القلب السليم .. ؟

القلب السليم هو عكس القلب المريض , وهو القلب السالم من الشهوات المحرمة والشبهات المانعة من الإنتفاع بالدين , وهو المقصود بقوله تعالى (( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الشعراء/88، 89] , وسوف يأتي بيانه إن شاء الله أخي الكريم في تفصيل أقسام القلوب

حياك الله



--------------------------------------------------------------------------------------------------


تسجيل متابعة



:إستحسان::إستحسان::إستحسان:



نتشرف بمتابعتكم .

.
 

مقدام

عضو مميز
شيخنا الفاضل أبو عمر .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

إنقطعت عن الشبكة لفترة من الزمن لأمر خاص ، والآن عدت والعود أحمد ، وأحاول أن أتابع المواضيع من الإخوة والأخوات الأفاضل فهي ماشاءالله كثيرة ومتشعبه .

قرأت موضوعك قراءة سريعة ، وهو موضوع قيم وجيد في نفس الوقت وفيه إفادة وإستفادة .

وأسجل أيضا متابعة للموضوع ، نفعنا الله بك ، ولا حرمنا منك .
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
شيخنا الفاضل أبو عمر .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

إنقطعت عن الشبكة لفترة من الزمن لأمر خاص ، والآن عدت والعود أحمد ، وأحاول أن أتابع المواضيع من الإخوة والأخوات الأفاضل فهي ماشاءالله كثيرة ومتشعبه .

قرأت موضوعك قراءة سريعة ، وهو موضوع قيم وجيد في نفس الوقت وفيه إفادة وإستفادة .


وأسجل أيضا متابعة للموضوع ، نفعنا الله بك ، ولا حرمنا منك .



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...

أوحشتنا جدا يا مقدام عسى يكون المانع خير ؟ ثم أسعدتنا مرة أخرى بالرجوع والعودة عندما رأينا مساركتك في المسابقة ...

حياك الله يا معود

 

مقدام

عضو مميز
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...

أوحشتنا جدا يا مقدام عسى يكون المانع خير ؟ ثم أسعدتنا مرة أخرى بالرجوع والعودة عندما رأينا مساركتك في المسابقة ...

حياك الله يا معود

أضحك الله سنك يا شيخ ، والله ضحكت من كلمة ( يا معود ) حتى كاد النفس ينقطع عني ، أسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة لي ولك ولسائر المسلمين .

والله وإنتوا أيضا أوحشتونا ، وصدق من قال ( رب أخ لك لم تلده أمك ) .

ووالله الذي لا إله إلا هو إني أعتبر كل الزملاء والزميلات إخوة بدون ذكر معرفات حتى لا أبخس حق أحد منهم .
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
=================
الإلتفات إلى عيوب النفس
=================



الحمد لله وكفى , وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد...


فإنه من سعادة العبد أن يعرف عيوب نفسه وأن يسعى في علاجها وإصلاح نفسه منها, فإن الإنسان الغافل عن عيوب نفسه مثله مثل من زرع شجرة في بيته ثم غفل عن النباتات الضارة التي نبتت حولها لأنها صغيرة , ثم أهمل رعاية هذا النبات إلا من سقيا الماء , وهو لا يدري أن الماء يسقى النبات وكذلك الحشائش الضارة التي كبرت والتفت على ساق النبات وبدأت في حرمانها من الماء لتكبر هي وتضمحل الأخرى المطلوب رعايتها , ويمر الوقت فيكتشف ذاك الإنسان المهمل أن النبتة الأصلية صاحبة الفوائد المرجوة قد ذبلت وقام حولها بجوارها حشائش أخرى ضارة قد استفادت من اهماله وسقياه الماء.


وهذه حال الأخلاق السيئة والأوصاف الضارة التي تنبت في قلب الإنسان إذا أهمل رعايته , فلا يعرف عيوب نفسه ولا يبصرها إلا بعدما تكون قد كبرت في قلبه وذبلت أشجار الدين الباسقة , فإذا هم بنفسه أن ينزع الحشائش الضارة من قلبه غلبته شهوته وضعفه على تركها , فإذا أهمل فترة أكثر وأكثر ما وجد في نفسه قوة لكي يتمكن من خلعها لقوة جذورها وتمكنها من أرض قلبه , فعاش بعيوبه مستكينا له قابلا لوجودها وهو يعلم أنها ضارة له ومهلكة لقلبه لا محالة.


ومن هنا فإن من علامات سعادة العبد أن يبصر عيوبه وأن يلحظ تلك الأخلاق والأوصاف السيئة التي تحاول أن تتلصص إلى نفسه وقلبه فيعمد إليها بقوة وحزم وعلم كي يقتلعها , فإن وقع قام مرة أخرى , فلا يهنأ ولا يهدأ حتى يسحب تلك النباتات الضارة من قلبه فيرجع إليه قلبه سليما ليقوم بعمله , لأن القلب هو محل التفكير والتدبر والنظر واتخذا القرارات عند الإنسان , وهو كذلك محل التأثر من الإنسان بالمعاصي والذنوب , فقد قال سبحاته (( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))[المطففين/14] , أي بما كانوا يكسبون وضع الران على قلوبهم , فإذا كان محل التعقل والتدبر واتخذا القرار قد دخلته من المواد ما تشوش عليه أفكاره وعلمه فماذا يكون حاله مع المعاصي؟!


المعاصي ضارة جدا للقلب , حالها كحال من اشترى سيارة وقد علم أن الوقود الذي يصلحها نوع محدد , فإذا هو يخلط بين ذلك الوقود وبين الماء وبين غيره اهمالا منه في حق سيارته , وسريعا يجد مركبته قد ركبها الأعطال وفسدت عليه وأفسدت عليه أموره , والقلب هكذا لابد له من مواد تسقيه وتخليه من المضار فإذا أدخل عليها موادا مختلطة من الطاعة والمعصية , والأفكار السيئة والأمور الشيطانية فسد عليه قلبه وأخطأ في نظره وقراراته وتحليلاته , فإذا كان رب أسرة أو كبير قوم انعكس ذلك الفساد على من يعول أو من يحتكم بحكمه ويأخذ بأقواله , ولا حول ولا قوة إلا بالله.


والسؤال الهام في هذا المقام هو كيف يمكن للإنسان أن يعرف عيوبه , هذا ما يكون في المشاركة القادمة إن شاء الله تعالى , والحمد لله رب العالمين

.
 

7adsawy

عضو بلاتيني
بارك الله بك اخي بو عمر
اخي من التفت الى عيب نفسه وانشغل باصلاح نفسه
لم يتكلف الالتفات لعيوب الناس ..فلتبك على خطيئتك وليسعك بيتك !
عسى الله يعينا ..لا حرمكم الله الاجر .
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
بارك الله بك اخي بو عمر
اخي من التفت الى عيب نفسه وانشغل باصلاح نفسه
لم يتكلف الالتفات لعيوب الناس ..فلتبك على خطيئتك وليسعك بيتك !
عسى الله يعينا ..لا حرمكم الله الاجر .




آمين نحن وإياكم أخي الكريم , عسى الله يُبصرنا بعيوبنا ويجعل قلوبنا خالصة مخلصة خالية من كل عيب وفساد
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
=================
طرق اكتشاف عيوب النفس
=================

الحمد لله وكفى , وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد...


من كتاب تهذيب موعظة المؤمنين (( اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه , فمن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه , فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج , ولكن أكثر الخلق جلهلون بعيوب أنفسهم , يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه , فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربهة طرق

الطريق الأول : أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس , مطلع على خفايا الآفات ويتبع إشارته في مجاهدته , وهذا شأن التلميذ مع أستاذه فيعرفه أستاذه عيوب نفسه , ويعرفه طريق علاجه.

الطريق الثاني : أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا يلاحظ أحواله وأفعاله , فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه ينبهه عليه , فهكذا كان يفعل الأكابر من أئمة الدين , كان عمر رضي الله عنه يقول : رحم الله امرأ أهدي إلي عيوبي , وكان يسأل حذيفة ...
فكل من كان أوفر عقلا وأعلى منصبا كان أقل إعجابا , وأعظم اتهاما وفرحا بتنبيه غيرع على عيوبه , وقد آل الأمر في أمثالنا إلى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا ويكاد هذا أن يكون مفصحا عن ضعف الإيمان.
فإن الأخلاق السيئة حيات وعقارب لداغة , فلو نبهنا منبه على أن تحت ثوبنا عقربا لتقلدنا منه منة وفرحنا به , واشتغلنا بإزالة العقرب وقتلها , وإنما نكايتها على البدن ولا يدون ألمها يوما فما دونه , ونكاية الأخلاق الرديئة على صميم القلب , وأخشى أن تدوم بعد الموت أبد الآباد , ثم إنا لا نفرح بمن ينبهنا عليها ولا نشتغل بإزالتها , بل نشتغل بمقابلة الناصح بمثل مقولته , فنقول له وأنت أيضا تصنع كيت وكيت , وتشغلنا العداوة معه عن الإنتفاع بنصحه , يشبه أن يكون ذلك من قساوة القلب التي أثمرتها كثرة الذنوب , وأصل ذلك كله ضعف الإيمان , فنسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بعيوبنا ويشغلنا بمداواتها , ويوفقنا بشكر من يطلعنا على ماسوينا بمنه وفضله.

الطريق الثالث : أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعداءه , فإن عين السخط تبدي الماسويا و ولعل إنتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكر عيوبه أكثر من انتفاع بصديق مداهن يثني عليه ويمدحه ويخفي عنه عيوبه , إلا أن الطبع مجبول على تذكيب العدو وحمل ما يقول على الحسد , ولكن البصير لا يخلو عن الإنتفاع بقول أعداءه , فإن مساويه لابد وأن تنتشر على ألسنتهم.

الطريق الرابع : أن يخالط الناس فكل ما رآه مذموما فيما بين الخلق فليطالب نفسه به وينسبه إليه , فإن المؤمن مرآة المؤمن فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه , ويعلم أن الطباع متقاربة في اتباع الهوى , فيما يتصف به غيره فلا ينفك هو عن أصلخ أو عن أعظم منه أو عن شيء منه , فليتفقد كل ما يكرهونه من غيرهم لاستغنوا عن المؤدب , وهذا كله من حيل من فقد شيخا مربيا ناصحا في الدين , وإلا فمن وجده فقد وجد الطبيب فليلازمه فإنه يخلصه من مرضه )) انتهى

ويجدر التنبيه إلى أن ذكرهم الشيخ المربي والطبيب البصير في هذا الزمان أمسى أمرا شائكا , ولابد أن يجتهد المسلم في معرفة الشيخ العالم البصير بالعيوب كما يجتهد في معرفة الطبيب الحاذق وهو على غير علم من الطب , وذلك عن طريق سؤال أهل الثقة الأثبات في ذلك مع وضع أقواله وأفعاله تحت مجهر الشرع لبيان التقارب والتباعد في المنهج الصحيح.

تم وفي المشاركة القادمة نعرض لعلامات حسن الخلق , والحمد لله رب العالمين

.

 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
السلام عليكم اخوي بوعمر


اخوي اتمنى انك تكمل الموضوع


نبي نستفيد اكثر

وجزاك الله خير من فضله



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم وأهلا بك وسط إخوانك..


سوف أضع فيه مشاركة أخرى غدا إن شاء الله تعالى , فتابع معنا والله ييسر لنا كل عسير إن شاء الله ويهدينا لأحسن الأخلاق...
 
أعلى