غاليه كمال
عضو فعال
(( الحياة ))
الحياة ... هي كلمة بسيطةبحروفها، عريقة بمعناها، عظيمة
بمضمونها، فهي بحر من الأزمات، و سماء من الآهات، هيرياح
من الصرخات، و أمطار من الصدمات، فما هو معنى الحياة الآن...!
سوى ذلك الألم المكتوم، والجرح المشؤوم، هي الدموع التي
تزيد الهموم ، هي تلك الآه التي في أعماق القلب تدوم، هي
البؤس الذي على الوجوه مرسوم، هذه هي حياتنا التي نعيشها
كالتماثيل في جمود بلا أحاسيس، فما سبب هذا الجمود و
الجحود؟!!
إنه الموت ... نعم هو الموت، فالميت لا يشعر بالألم و لا يحس
بالجرح فلا يهمه الحزن، و لا يضره الأنين،فالأحاسيس بالنسبة
له ليست سوى مجون، و الحياة بأكملها لون من ألوان الجنون،
فالحي اليوم هو الميت بالأمس، حيث أن الإنسان يعاني منذ
صغره من قسوة الحياة، كما يُجرح ويُطعن في الصميم، و تكون
دموعه هي الصديق الحميم، فالحياة التي يصورها لنا الأبوان
كالجنة الحبيبة و السعادة المنتظرة الطويلة تصدمنا و نحن في
بداية طريقنا الذي نشقه بأنفسنا بجرح عميق كخيانة من أقرب
صديق، فتترك أثراً واضحاً و ندبة دائمة في قلوبنا و عقولنا و
نفوسنا، و تعرقل بذلك كل خطوة أخرى نحاول أخذها نحو الأمام،
و لكن مع مزيد من بريق الأمل و إصرارنا و عزيمتنا نخطو إلى
الأمام، فلا تتركنا الحياة حتى تصفعنا صفعة أقوى من سابقتها
كغدر من أعز أخ أو حبيب، فعندما يتخلى عنك الأخ أوالحبيب و
أنت في أمس الحاجة إليه و يخون الثقة تكون تلك صفعة مؤلمة و
قاسية لاتنسى، و على الرغم من ذلك نصبر على ما أصابنا
ونتحمل و نتجاهل الألم، فنعود إلى حياتنا اليومية، و نكمل
مشوارنا، ثم تأتينا الحياة بما هو أعظم و أدهى من ذلك،فتطعنُنا
بالخناجر في ظهورنا حتى نهوي إلى الأرض و لا نقدر على
النهوض من جديد،فنطعن من أغلى و أعز و أقرب الناس إلى
قلوبنا، نطعن ممن فضلناهم على أنفسنا و ضحينا بالغالي و
النفيس من أجلهم، فنطعن من زوج يخون و ينكر طول العشرة
الحلوة، أو نطعن من أبناء أهدونا العقوق و النكران جزاء مشقة
تربيتهم، وهذه المرة نقع و لا نقوى على الوقوف من جديد، نقع و
نهوي دون حراك، فتكون هي نهاية المشاعر، و فناء
الأحاسيس،سفر الروح، و وفاة القلوب.
نعم نحن نموت...!! و من هنا تبدأ حياتنا بعد الموت،هي البرزخ
في عالم الحياة، هي الآخرة في الدنيا، فنشعر بلا أحاسيس، و
نمشي بلاحراك، و نكمل طريق الحياة الذي انتهى بلا مبالاة، و
عندها ننتقم و نثأر من الحياة التي قتلتنا، فنجرح و نصفع و نطعن
بالخناجر المسمومة ظهور الطيبين من الناس أي الساذجين، أو
بالأصح أولئك الذين أطلقنا عليهم لقب الأغبياء لجهلهم بالحياة،
فنحن الآن خبراء محترفين قد أتقنا خدعها و ألاعيبها الرخيصة، و
إننا نسعى إلى تكوين جيش من الأحياء الأموات الذين يعملون و
يبنون و يطورون في الحياة، و لكنهم في نفس الوقت عاجزون،
يهدمون ما في نفوسهم، و يحطمون ما في قلوبهم، فهذه هي
دورة الحياة، و هذا هو معناها الآن.
وبالرغم من ذلك كله هي ليست يائسة بالنسبة للجميع، فقليل
من الناس تراهم مبتسمين ضاحكين للحياة و سعيدين و راضين
بحياتهم، و تجدهم نبعاً من المشاعر و الأحاسيس المفعمة
بالحب و العطف و الحنان و التضحية و الإيثار و الأمان،و هم أحياء
فعلاً بقلوبهم و عقولهم و نفوسهم، فيا ترى ما هو سرهم؟ إنه
الإيمان، نعمهو الإيمان بالله تعالى، و الثقة بحسن تقديره للأمور،
و الخضوع لإرادته، هو الإيمان بالقضاء و القدر، فتطلعاتهم هي
الآخرة، و طموحاتهم هي الجنة، و حياتهم هي إعمارالأرض في
الدنيا و الإعداد للآخرة، يا العجب إنه لحل بسيط لأعظم أزمة
تواجهنا،فالإيمان بالله تعالى هو الحل لكل أزمة تتحدانا في
دنيانا، فيا عباد الله احرصوا على التقوى و الطاعة، حتى تكونوا
من أصحاب الجنة الفائزين، و تكونوا في دنياكم عباداً صالحين، و
في حياتكم أناساً هانئين.
بقلم /غاليه كمال