نحن شعبٌ جميل ، وبهيّ ، وغريب ، ومتميز ، في أمور عديدة ،
لدرجة أننا لا يمكن أن نعرفها نحن أنفسنا ،
نجمع بين كل متناقض ،
ونزاوج بين كل متنافر ،
نحبّ الكلام الذي نؤلفه جداً جداً ،
ونتكلم عن كل شيء و أي شيء ،
ونتكلم عمّا يهمنا وما لا يهمنا ،
نناقض كلامنا بكلامنا ، ونقتل بعضنا البعض به
وأعظم سلاحان نمتلكهما هما ألسنتنا وحناجرنا بلا منازع ،
نحن فقاعات صوتية ، أصوات طافية على وجه الهواء ،
ظاهرة صوتية جديرة بكل دراسة وبحث وتحليل ..
الكلام ، من الأمور المحدودة المعدودة التي فلحنا فيها في
هذه الدنيا ،
ورغم هذه الهالة التي نمنحها للكلامنا
وحبنا وافتخارنا وسعادتنا وفرحنا وهيامنا و "هياطنا" بكلامنا ،
إلا أننا نأبى إلا نناقض وننتقص ونخطأ في
أثمن شيء وأجمل شيء نملكه ، كلامنا ، (مجازاً)
بكل جدّية أحدّثكم ، هذا الكلام على أهمّيته في حياتنا ،
وصرفنا أغلب أوقاتنا في ممارسة هواية الكلام ،
بكل عنفوان وقوّة وحيوية مفعمة ..
إلا أننا نأبي إلا ان نلحن فيه ، ونؤدّيه
على غير وجهه ، على أهمية كلامنا الكبيرة في حياتنا
ونحّرف وننطق الحروف بكل
قباحة ووقاحة تجاه لغتنا ،
وبالرغم حبّنا الشديد للأصوات والصياح بكلماتنا والنباح والنواح ،
إلا أننا نصرّ على أن نؤدي الأصوات على غير ما ينبغي
فعجباً لنا ،
وتبّا لنا ،
من شريرين وعاقّّين ،
تجاه شيء من أعظم الأشياء التي نملك ...
السيد/ : "كلام" ،
وأبشع جريمتان ارتكبناها إلى الآن ، على حد علمي ،
هي جريمتانا تجاه
القاف والغين
أو
"الغاف" و "القين"
بلجهتنا الجميلة ،
ولكن رغم بشاعة هذه الجريمة ،
إلا أنها في غاية ٌ الفكاهة والظرافة ،
فبعض الكلمات تتحول إلى كلمات عجيبة ، مستعجمة ،
وأصوات مضحكة و مستغربة ،
بل إنها أصحب محط سخرية الغير ، ومادّة للفكاهة والتندر
على لهجتنا العريقة وشعبنا العظيم ..!
وهذا الشذوذ في النطق ، ملاحظـٌ في بقع على هذه الأرض
أكثر من غيرها ، وخصوصًا تلك الخاصّة بإخواننا سكان ديار ما وراء الدائري الخامس ،
أو في بعض الأحيان الدائري السادس ، ومن والاهم ،
أعني بهم إخوننا وأخواتنا الحضر ،
وهذا برغم جمالهم وطيبتهم وحلاوتهم وبرائتهم ،
إلا أن هذا الخطأ اللغوي الذي لا يغتفر ، متفشٍ فيهم بشكل مروّع
ومُهــد ِّد ،
بل ومضحك في كثير من الأحيان ،
فمن منّا لا يتعجب حينما يسمع تعابير
مثل:
" القني والفغير"
و " أغيم حفل قنائي في فندغ ... "
و "القزو العراغي القاشم "
و "السايغ والشقالة .. "
و " فريغ كُرة الغَدم .. "
و "غال قازي الغصيبي غصيدة ... "
وغيرها الكثير .
إنني لا أحاول أن أتهجم على لهجة إخواننا من سكّان بلاد ما وراء الدائري
بقدر ما أنا محبٌ لهم وراغبٌ في الحفاظ على سلامة ألسنتهم الوردية الضخمة الجميلة ،
ولكي تعرفوا مدى التدهور التي وصلت إليه هذه اللهجة العريقة
ومدى مشابهتها جداً للهجة سكان ديار ما وراء الشط (شط العرب)
أن تأخذوا عجوزاً من تلك الديار ،
وعجوزاً من تلك الديار ،
وستجدوا أن الفرق لا يلاحظ إلى حدٍ كبير،
وأحسنوا الظن فيّ
واعلموا أني لا أريد إلا ان أحاول أن أطهر هذه البلاد من رجس العجمة في اللسان ،
ونبقي ديارنا الأبيّة على العهد الذي ذكره "قازي الغصيبي" :
عهدته عربياً ما لوى فمه ... بلهجة هاجرت من شاطئ التتر !