بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن
الحمد لله رب السموات والأرض وما بينهما رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
اعلم أن أهل السنة هم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى : (( المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان )) انتهى كلامه رحمه الله من مجموع الفتاوى ( 3 _ 375 ) .
والسنة بمعناها الواسع عند السلف الصالح ، قال ابن رجب رحمه الله تعالى : (( هي الطريقة المسلوكة ، فيشمل ذلك ما كان عليه هو ( يعني النبي صلى الله عليه وسلم ) وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال ، وهذه هي السنة الكاملة ، ... ) انتهى من كتاب جامع العلوم والحكم ، للحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى .
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى : (( فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة )) .
قال شيخنا العلامة أبو العباس في القواعد الأصولية : (( فخرج بهذا الحدّ أهل البدع والأهواء كالرافضة والخوارج والمعتزلة والمرجئة والقدرية والجهمية ونحوهم )) انتهى كلامه .
ومن علامات أهل السنة ما قاله الإمام ابن عبد البر ونقله عنه تيمية في الفتاوى والذهبي في كتابه العلو : (( أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك ... )) انتهى
وقال شسخنا أبو العباس في القواعد الأصولية : (( كل من قال أنا سلفي وخالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه العلماء فهو مدعي ، وكل من قال أنا سلفي وكان على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة فهو مصيب ، وكل من خالف الكتاب الكتاب والسنة خرج عن النهج السلفي بقدر ما خالف الكتاب والسنة )) . انتهى كلامه حفظه الله تعالى .
واعلم أنه لا يصير من كانت أصوله على السنة إلى البدعة إذا خالف السنة متأولاً ويبين له بالحكمة والموعظة الحسنة .
وأما عن جماعة الإخوان المسلمون وغيرها من الجماعات الإسلامية ، وهل هذه الجماعات من أهل السنة أم أنهم من الفرق المبتدعة ؛ فإني لما نظرت في بعض المشاركات لا سيما الفتاوى المنقولة عن مشايخنا وعلمائنا ، فكان من الواجب ايضاح الأمر للناس ، دفعاً للخطأ والالتباس ، ونحن نرجو من القراء الأكارم أن يقرأوا بتدبر ، ويحكموا بتجرد ، ويكونوا في جانب الحق حيثما ظهر .
أيها الإخوة الكرام والأخوات الفضليات : لقد آن الأوان لتعود أبناء الأمة صفاً واحداً ، ننطلق براية واحدة مخلصين لله تعالى لا نبغي غيره ولا نرجو سواه ، فنحن أبناء دين واحد ونؤمن برب واحد ، وجماعتنا هي جماعة واحدة قائدها محمد صلى الله عليه وسلم وجنودها هم أصحابه وأتباعهم رضي الله عنهم ، ليس لديهم رسم معين سوى النص الشرعي .
فليعلم الجميع أن أي جماعة تعيش تحت مظلة الإسلام ومنهجها كتاب الله وسنة رسول الله وتسير على طريق أهل السنة والجماعة ، وإن اختارة اسم معين لها كما لا يخفى من المسميات كاجماعة الإخوان أو جماعة التبليغ ونحوهم _ فكل هذه الجماعات هي من أهل الإسلام ، وتقترب وتبتعد من الصراط المستقيم الذي عليه أهل السنة بقدر ما لديها من منهاج يوافق الإسلام أو يخالفه ؛ وينبغي أن نفرق بين الجماعات الإسلامية منهجاً واعتقاداً وبين التي يكون انتسابها إلى الإسلام تلبيساً وظلماً كالبهائية والإثنى عشرية والبريلوية وغيرهم من الفرق الخارجة من دائرة الإسلام فهذه الفرق وغيرها انتسابها لدين الإسلام تلبيساً وهم أعدائنا كغيرهم من الأعداء لدين الله تعالى وأتباعه .
ثم إعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين أن الأصل هو كتاب الله تعالى
والناظر بدقة يرى أن كلا الجماعات الإسلامية _ نرجو الله أن يوحدهم وينفع بهم الأمة ، نرى أنهم يدعون إلى الرجوع إلى الدين ؛ لكن كما يعلم الجميع وبخاصة المتفقهين منهم ، أن هناك أمور في الدعوة مختلف فيه _ وليس هذا الخلاف محصوراً في مسائل فرعية ؛ بل يتعداه إلى المسائل الاعتقادية ؛ فهناك خلاف كبير بين الجماعات والفرق _ وكلهم محسوبون علينا بأنهم مسلمون ؛
وأذكر أنه سئل الإمام الألباني رحمه الله تعالى عن جماعة الإخوان وجماعة التبليغ ، فمن ضمن ما أجاب به رحمه الله تعالى قوله : ولكن نحن نكتفي منهم أنهم يعلنون الانتماء إلى الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، ولكنهم يخالفون في قليل أو كثير وفيهم أفراد وهم معنا في العقيدة لكنهم ليسوا في المنهج ، ولذلك فأنا شخصياً على الأقل لا أجد رخصة لأحد أن يحشرهم في زمرة الفرق الضالة ... ، انتهى كلامه من سلسلة الهدى والنور .
وقد عرف الإمام الشاطبي البدعة وأهل الأهواء في كتابه الاعتصام فقال : (( إن لفظ " أهل الأهواء " وعبارة " أهل البدع " إنما نطلق حقيقة على الذين ابتدعوها وقدموا فيها شريعة الهوى بالاستنباط والنصر لها ... ، )) انتهى .
وقبل الختام إنني أوجه نصحة إلى أبنا الأمة الإسلامية أسأل الله الكريم أن ينفع بهم ويردهم إلى الحق ، ولست أورد هذه النصيحة _ إلا استكمالاً لدائرة الخير ، وتكميلاً لطريق الحق ، فأقول والله الموفق : إنه ليس من الإنصاف والعدل التركيز على أخطاء وخلافات بعض الجماعات الإسلامية ، وأن نلقي باللوم والتشهير والسخرية على هذه الجماعات ، فالواجب دعوة المسلمين إلى حقيقة دينهم ضمن منهاجه الكامل المتكامل ، فينبغي علينا أن نوالي من والى الله ورسوله ونعادي كل من حارب الله ورسوله .
وليعلم الجميع أن الأمة الإسلامية _ تعاني من تسلط الأعداء عليها من كل جانب ، لذلك إننا ندعوا إخواننا وأخواتنا من كل الجماعات الإسلامية أن نسلك الحكمة ، فنتقي الله تعالى ونعمل بكل وسيلة على تجنب الخلافات والنزعات وذلك بأن نعود إلى فهم الدين على الحقيقة ، وذلك بالرجوع إلى تحكيم آية كريمة في القرآن ، وهي قوله تبارك وتعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) .
وقبل الختام أود أن أوضح أنني لست أورد هذا التنبيه بما يحمله ، إلا تواصلاً مع أهل العلم ، لا انتقاصاً لفضلٍ ولا رداً على موقف ، فمشايخنا _ أهل العلم _ كالإمام الألباني والإمام ابن باز والعلامة ابن عثيمين وابن فوزان وغيرهم _ هم مرآة أنفسنا ولله الحمد ، ونحن معهم بمنة الله _ حال واحد ؛ حفظ الله أحياءهم ، ورحم أمواتهم ، ففضلهم سابق ، وبرهم لاحق .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم