د. محمد شحرور
لنعرف ما معنى كلمة الأمي التي وردت في الآيات السابقة.
لقد أطلق اليهود والنصارى على الناس الذين لا يدينون بدينهم أي ليسوا يهوداً ولا نصارى لفظ الأمي (وجاءت من كلمة غوييم العبرية "الأمم").
وهو ما نعبر عنه اليوم بالدهماء أو الغوغاء أو العامة. لأن هؤلاء الناس كانوا جاهلين ولا يعلمون ما هي الأحكام في كتاب اليهود والنصارى، والنبوات التي جاءت لهم. ومن هنا جاء لفظ الأمي التي تعني:
1_
غير اليهود والنصراني.
2_
الجاهل بكتب اليهود والنصارى.
وهذا واضح في الآية رقم 20 من آل عمران (وَقُل للَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالأُمِّيِّينَ) فالذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى
والباقي من الناس هم الأميون.
وهذا المعنى واضح أيضاً في الآية رقم 75 من آل عمران عندما ذكر أهل الكتاب اليهود والنصارى فمنهم أي اليهود (مَّنْ إِن تَأمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِليكَ) ومنهم أي النصارى (مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطارٍ يُؤَدِّهِ إِليكَ). فلماذا لا يؤدي اليهود الأمانات لغيرهم؟ لأنهم يعتبرون "الغوييم" الأمم خدماً لهم وأنهم الدهماء
وهؤلاء الأُمِّيُّونَ لا تنطبق عليهم وصايا الرب حيث قال (ذَلكَ بِأَنَّهُم قَالُوا لَيْسَ عَليْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ).
وفي سورة الأعراف الآية 157 (الَّذينَ يَتَّبعُونَ الرَّسُولَ النَّبيَّ الأُمِّيَّ).
أمي لأنه ليس منهم لأنه قال: الَّذِي يَجدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوراةِ والإِنجِيلِ).
وكذلك جاءت في الآية 158 حيث أتبعها بأن محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى الناس جميعاً اليهود والنصارى والأميين علماً بأنه
لم يكن أصلاً يهودياً ولا نصرانياً بل من الفئة الثالثة وهي الأميون.
وبمعنى الجهل في الكتاب قال: (وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتابَ إِلاَّ أَمَانيَّ) (سورة البقرة 78) أي الذي لا يعلمون الكتاب ومحتوياته هم أميون بالكتاب ولذا أتبعها (وَأَنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (سورة البقرة/ 78).
للمصدر، رجاءاً إضغط
هنا.
بدايةً يظن بعض السفهاء من القوم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ليس أمياً , والأمة التي بُعث فيها ليست أمية , وكما أسلفت وتكلمت عن معاني كلمة أمي ودلالة لفظها في كثير من كتب العرب التي هي العمدة والمرجع في اللغة , وكذلك أقوال المفسرين , فمن هرب من المفسرين وقع في علم أهل اللغة , فلا ينفك من كليهما البتة .
الأخ فرناس يتكلم بلسان الليبرالية أو لنقل أم اللبرالية التي أنجبتها سفاحاً العَلمانية , فهم يُنكرون أمية النبي صلى الله عليه وسلم , وقد قال تعالى { وما كنت تتلوا من قبله من كتابٍ ولا تخطه بيمنك } وفي هذا دلالة قاطعة على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف الكتابة والقراءة , فلا يتلوا من الكتاب شيئاً , ولا يخطه بيمنه صلى الله عليه وسلم , ونحن نحيل الأخ فرناس إلى عمدة العلم والكتب السالفة وهو يجيء إلينا بالمواقع ومحمد شحرور .
فهم حصروا معنى الأميين أو الأمي بالذي لا يعرف الكتب السماوية المنزلة !
يقول العلامة الزهري { قيل للذي لا يكتب و لا يقرأ أمي ، لأنه على حيلته التي ولدته أمه عليها و الكتابة مكتسبة متعلمة و كذلك القراءة من الكتاب } الزاهر للأزهري الهروي الجزء الأول صفحة مئة وتسعة .
قال الراغب الأصبهاني : الأمي هو الذي لا يكتب و لا يقرأ من كتاب ، و عليه حمل قول تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم } , في كتابه غريب القرآن للراغب الأصبهاني الصفحة ثمانية وعشرين .
وابن قتيبة رحمه الله ينسب كلمة الأمي لأمة العرب لأنها لم تكن تقرا ولا تكتب { قيل لمن لا يكتب أمي ، لأنه نسب إلى أمة العرب أي جماعتها و لم يكن من يكتب من العرب أي جماعتها و لم يكن من يكتب من العرب إلا قليل من لا يكتب إلى الأمة } غريب الحديث لابن قتيبة الجزء الأول صفحة أربع وثمانين .
هؤلاء هم جهابذة اللغة , ولكلٍ اختصاصه , إلا إذا أردتم من العسَّال طيناً فهذا أمرٌ آخر !
أمَّا أهل التفسير فقال الطبري رحمه الله : { يعني بالأميين الذين لا يكتبون و لا يقرءون ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا أمة أمية لا نكتب و لا نحسب } تفسير الطبري الجزء الأول , صفحة ثلاث مئة وثلاث وسبعون .
وسبق ووضعت كلامي الشوكاني إمام التفسير واللغة , ولكن أراني مضطراً أن أضع أمامك قولاً في مكانٍ آخر له يقول فيه كما قال بمقاله الأول وفي الإعادة الإفادة : { منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها من أمهاتها لم تتعلم الكتابة و لا تحسن القراءة للمكتوب } فتح القدير الجزء الأول صفحة مئة وأربعة .
الآية التي سبق ووضعتها لكَ ولكنَّك لست ذهين , فقط تتقن النقل واللصق , كنت أود فقط منك التبصر بها ولو قليلاً و وهو أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأ ويكتب ومات على ذلك , وهذا من سياق اللغة التي تقتضي ذلك في قولِ ربنا { وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك إذاً لارتاب المبطلون } فكلمة كتاب المجرورة بمن نكرة , تدل على الزمن المطلق إذا جاء منفياً , ولا أظنَّك تعلم ذلك , فلم تصلل للآجرومية ولا أظنك حتى وصلت للتحفة , فمقامك كما رأيناه في برنامجك العلمي من خلال الكتب المقروءة .
ولكَ هذه القاضية حتى تنكمش وتنكص على عقبيك كما ينبغي , في صحيح مسلم الجزء الثاني صفحة سبع مئة وأستة عشر , وفي البخاري الحزء الثاني صفحة سبع مئة وخمسة وستين , واللفظ هنا لمسلم , أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم { إنا أمة أمية , لا نكتب ولا نحسب , الشهر هكذا وهكذا وهكذا , وعقد الإبهام في الثالثة , وهكذا هكذا يعني تمام الثلاثين } أي أن الشهر يأتي تسعة وعشرين ويأتي ثلاثين , وفي هذا بيان أنَّ العرب أمة أمية ولكنَّها ذو أدب وحافظة .
ويُقال في المنطق إن كنت تفهمه ولا أظن ذلك , أن مفهوم الحديث الغير منطوق هو أنَّ الأمة كلها أمة لا تقرأ ولا تكتب وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم منهم أيضاً لا يقرأ ولا يكتب , والذين يكتبون هم قلة بين العرب , فكان الأليق تسمية الكثرة ويغلب اسم الكثرة على القلة , فهذا ما يقرره المنطق سعادة الفرناس الملصق !
وأقول في آخر الكلام , وماذا بعد الحق إلا الضلال ! أفلا تعقلون !
عبدالله العبدلي