السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
عذرا للاطاله في موضوع (ابن صياد – ابن صائد –آصاف) وذلك لانه كان محل شبه وشكوك عند الصحابه – رضوان الله عليهم وايضا عند علماء الدين واحببت ان انقل اليكم بعضا من اقوالهم حتى تتضح الصوره عند اعزائي القراء.
من قال :ابن الصياد هو الدجال ؟
لقد كان للمواقف التي سبق ذكرها عن ابن صياد أثر كبير مما جعلت غير واحد منهم يجزم انه الدجال من هؤلاء :عمر بن الخطاب وابنه , وابن مسعود , وجابر , وأبو ذر – رضي الله عنهم - , واليك طرف من كلامهم :
· عن ابن المنكدر قال : (( رأيت جابر بن عبدا لله – رضي الله عنهما – يحلف بالله أن ابن الصياد : الدجال ,قلت : تحلف بالله ؟ قال : إني سمعت –رضي الله عنه – يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم )). (1)
· وعن ابن مسعود – رضي الله عنه- قال : (( لان احلف بالله تسعا أن ابن صائد هو الدجال أحب إليّ من احلف واحدة )). (2)
· وعن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهم – قال : (( والله ما اشك أن المسيح الدجال ابن صياد )) (3) .
كلام العلماء في ابن صياد
لقد كان لخلاف الصحابة في ابن صياد (المتهم انه الدجال ) أثر على من جاء بعدهم من أهل العلم في هذه المسألة , فمن ذهب إلى قولهم واعتمده العلامة القرطبي صاحب (( التذكرة ))(4) , وأما أكثر أهل العلم –كالبيهقى ,والخطابي , والنووي , وابن الحجر – فلهم رأي آخر وهو أن ابن صياد ليس هو الدجال , واحتجوا بحديث تميم الداري – الذي سوف نذكره – ورؤيته الدجال في إحدى جزر البحر موثقاً , ولا بأس بذكر طرف من كلامهم :
* قال الخطابي : (( وقد اختلف الناس في ابن صياد اختلافا شديدا , وأشكل أمر حتى قيل فيه كل قول , وقد يسأل عن هذا , فيقال : (( كيف يقر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعي النبوة كاذبا , ويتركه بالمدينة بساكنه.. والذي عندي إن هذه القصة جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفائهم , وكان ابن صياد منهم او دخيلا في جملتهم , وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب فامتحنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزول به أمره , فلما كلّمه علم انه مبطل , وانه من جملة السحرة او الكهنة , او ممن يأتيه رئي من الجن أو يتعاهده شيطان فيلقى على لسانه ما يتكلم به ))
(5) .
* وقال البيهقي في كتابه (( البعث والنشور)): (( اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا هل هو الدجال ؟ وممن ذهب الى غيره احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة , ويجوز ان توافق صفة ابن صياد صفة الدجال كما ثبت في (الصحيح ) ان أشبه الناس بالدجال عبد العزى ابن قطن , وليس في حديث جابر –رضي الله عنه- اكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على حلف عمر-رضي الله عنه –, فيحتمل ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفاً في امره , ثم جاءه الثبت من الله تعالى بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري , وبه تمسك من جزم بان الدجال غير ابن صياد , وطريقة اصح . وتكون الصفة التي في ابن صياد وافقت ما في الدجال )).
* وقال النووي : قال العلماء : (( قصة ابن صياد مشكلة , وامره مشتبه لكن لاشك انه دجال من الدجاجلة , والظاهر ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح اليه في امره بشيء انما اوحى اليه بصفات الدجال , وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع في امره بل قال لعمر –رضي الله عنه- : ( لاخير لك في قتله .....)).
واما احتجاجه هو (أي ابن صياد ) بانه مسلم ... الى سائر ما ذكر , فلا دلالة فيه على دعواه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم انما اخبر عن صفاته وقت خروجه في آخر الزمان (6)
*ويقول الحافظ ابن حجر- جامعا بين هذه الاقوال - : (واقرب ما يجمع به بين ماتضمنه حديث تميم موثقا،وان ابن صياد هو الدجال: ان الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقا ،وان ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المده الى ان توجه الى اصبهان ، فاستتر مع قرينه ، الى ان تجيء المده التي قدر الله تعالى خروجه فيها)(7)
قلت: وبذلك يحمل كلام – من جزم الصحابه من ابن صياد هو الدجال – على عدم اطلاعهم على حديث تميم الداري ، كما قال البيهقي – رحمه الله – وعلل ذلك فقال: كيف يلتئم ان يكون- من كان في اثناء الحياة النبويه شبه محتلم ، ويجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله- ان يكون في آ خرها شيخا كبيرا مسجونا في جزيره من جزائر البحر موثقا بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم هل خرج اولاا؟(8) والى نحو هذا ذهب الحافظ ابن كثير(9).
نكتفي بهذ القدر في موضوع ابن صياد وسنتحدث لاحقا عن المقابله التي حدثت بين تميم الداري و(المسيح الدجال)في جزيرة الدجال....
_______________________________________________________________________
(1)رواه البخاري ك : الاعتصام (7355)ومسلم ك الفتن برقم 94- (2929) وابو داوود ك: الملاحم (4331).
(2)صحيح: رواه ابو يعلي الموصلي في مسنده (9/132-رقم 241-5207)وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/4،5)وعزاه الى الطبراني في الكبير وقال رجال ابي يعلي رجال الصحيح .
(3)رواه ابو داود (4330) وذكره الحافظ في الفتح (13/337)وقال:اسناده صحيح .
(4) (التذكره) للقرطبي (2/791) .
(5)(معالم السنن) للخطابي (4/349)ونقله عنه البغوي واقره في شرح السنه (15/75) ونحوه للطيبي كما في (تحفة الاحوذي في شرح الترمذي) (6/520) للمباركفوري و(عون المعبود ) للحق العظيم آبادي (11/479).
(6)نقله عنه ابن حجر في (فتح الباري) (13/338،339)والنووي في شرح مسلم (18/263)
(7)(فتح الباري)(13/340).
(8) (فتح الباري)(13/338) و(عقد الدرر) للسلمي الشافعي(229).
(9)(نهاية البدايه والنهايه) لابن كثير (1/102) وانظر بسط هذه المساله في كتاب (عقد الدرر في اخبار المهدي المنتظر) ليوسف بن يحيى المقدسي السلمي (ص 282-299).