الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد...
استدل البعض خطئا على أن كلمة رب في سورة يوسف عليه السلام تصرف إلى السيد بغير تفصيل أو فهم للآيات.وإذا رجعنا إلى سورة يوسف نجد أنها كانت على ثلاثة أقسام :
القسم الأول وهو ما كان خطاب من رب العالمين.
القسم الثاني ما كان من خطاب يوسف عليه السلام عن نفسها
لقسم الثالث ما كان من خطاب يوسف عليه السلام لغيره ولنفصل الأمر بنوع من الإيجاز
القسم الأول : لا يخفى أي مسلم أن كلمة رب والتي جاءت من خطاب الرب تعالى مقصود بها رب العالمين لا غيره , مثال قوله تعالى ((وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ))ومثال قوله تعالى ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ))ويتضح من هاتان الآيتان أن كلمة رب واضحة في أن الدلالة هي لرب العالمين وما يجادل في هذه أحد ( بعيدا عن الدلالة اللغوية والسياق )
القسم الثاني : هو ما كان من خطاب يوسف عليه السلام , وهذا أيضا يرجع على رب العالمين والدليل على ذلك الآتي1-كل الآيات في السورة والتي خرجت على مخرج خطاب يوسف عليه السلام جاءت بالدلالة على رب العالمين , وتأمل الآيات
قال تعالى ((وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ))
قال تعالى ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين ))
قال تعالى ((قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِين ))
قال تعالى ((فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))قال تعالى ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين ))
قال تعالى ((قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِين ))
قال تعالى ((وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ))
قال تعالى ((رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ))
في كل هذه الآيات يستخدم يوسف عليه السلام كلمة ( رب ) أو كلمة ( ربي ) في الدلالة على رب العالمين لا سواه.
وإنما وقع الخلاف في فهم قوله تعالى (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) و والخلاف على ماذا ترجع الهاء في قوله (إنه) , فقال البعض إنه راجع على العزيز وهو قول مرجوح , وقال البعض إنه راجع على رب العالمين سبحانه وهو الراجح لأسباب
- قد سبق بيان أن كل كلمات ربي ورب خرجت من يوسف عليه السلام والمقصود بها رب العالمين.
- كلمة ( انه ) راجعة على رب العالمين , والسياق كله يدل على ذلك والآية تدل على ذلك , فقد بدأ قوله ب ( معاذ الله ) ثم ختمها بقوله ( إنه لا يفلح الظالمون ) ويقصد بها خاتمة الظالمين لأنفسهم عند رب العالمين
- لا يترك يوسف عليه السلام الزنا لأن العزيز أحسن إليه , ولكنه نبي يترك الحرام لأنه يخاف من رب العالمين , ولهذا فإن قوله ( إنه ربي أحسن مثواي ) يقصد بها إحسان ربه تعالى له في إنقاذه من البئر وتمكينه في قصر عزيز مصر.
- الآية التالية لهذه الآية توضح الفرق , قال تعالى ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )) وهذا خطاب من رب العالمين يوضح معنى كلمة ربه التي استخدمها يوسف عليه السلام.
القسم الثالث : وهو قول يوسف عليه السلام لغيره ( ربك )
وفي هذا القسم استخدم يوسف عليه السلام لغة العرف , لأن هؤلاء الذي كانوا معه كانوا يعبدون هؤلاء الأسياد بالإضافة إلى أنهم كانوا مملوكين لهم.
ويدل على ذلك قوله تعالى ( أأرباب متفرقون أم الله الواحد القهار ) و فهو يدعوهم إلى ترك عبادة هؤلاء الأرباب من دون الله تعالى.
ولما خاطبهم بكلمة ( ربك ) نسبه إلى سيده الذي يمتلكه , ولهذا تجد أن السورة المباركة تفرق بين المالك وبين السيد.
تأمل قوله تعالى عن امرأة العزيز (وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَسُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
وفي نفس الوقت قالت امرأة العزيز عن نفسها ( وما أبرئ نفسي إن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم )
فالسياق فرق بين الزوج وبين الرب , وطالما أنه زوج لها فلا يقال في حقها ربها لأنه لا يملكها أما في حق العبيد فجوز بعض العلماء أن يقال في حق سيده رب لأنه يملكه من بعض الوجوه , ومن هنا خرج قول يوسف عليه السلام ( ربك ) أي سيدك الذي يملكك وليس مجرد السيد.
ومن هنا فيتضح أن إطلاق لفظ رب بغير إضافة لا يصح لغة ولا شرعا إلا في حق العبيد المملوكين فقط.
والله أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين