السعودية والديموقراطية الكويتية وما قاله أحمد العبدالله
لم أصدق عيناي اليوم صباحاً عندماً قرأت نص مقابلة وزير الصحة السابق الشيخ أحمد العبدالله مع قناة "سكوب" والتي نشرتها جريدة "الراي" الكويتية، رجاءً إضغط هنا. لم تأتي الدهشة في الحقيقة من الأسلوب الذي يجنح بعض الشيء للسذاجة والذي استخدمه أحمد العبدالله في أغلب إجابته وردود أفعاله على استجوابه في مجلس الأمة. فكلمات من على شاكلة "توقيت الترحم غير مناسب" و "الصديق عند الضيق" و "أنا كنت من أكثر الناس حديثاً" و "راس براس أنا ورئيس الوزراء" و "توقعت أن يحدث لي نوع من التعويض" و "في الكويت حسد يترس الدنيا" و "أنا أعرف أناساً من الملتحين كل "ويك إند" هناك في دبي" وغيرها من التعبيرات وردود الأفعال لا توحي، في الحقيقة، للمتابع من بعيد وللذي لا يعرف أن المتحدث هو وزير سابق في حكومة الكويت، لا توحي بأية دبلوماسية في إختيار التعبيرات وتعتمد السذاجة في الطرح والتحليل مما لا يتوقع معه القارئ بأن المتحدث هو وزير مخضرم سابق من وزراء الكويت. ولكن ما أثار دهشتي في الحقيقة هي هذه الجزئية بالذات في نص المقابلة:
"أنا كمواطن أعتقد ان الديموقراطية معنا ولا مفر منها، لكن ما يحصل الآن هو ديكتاتورية. وربما أن بعض الدول المجاورة لا يريدون الديموقراطية التي عندنا أن تُصدر اليهم، ويوعزون لنواب ويقولون لهم "هوسوا" على الحكومة [صعدوا ضد الحكومة]، والدليل أنه وبالفعل بعد إستجوابي جمع الأمير سلمان [بن عبدالعزيز] جماعته وقال لهم "شوفوا، تبون جذي قالوا لا والله ما نبي".
وهل تتهم السعودية بتشويه الديموقراطية؟
أنا لا أتهم، وقلت بحسن نية إن جماعتنا يدعون كذلك، وبعد إستجوابي هذه الحادثة حصلت وهي أن الأمير سلمان قال لجماعته من المفكرين والمتعلمين تبون ديموقراطية الكويت؟ وقالوا لأ. وهذا لا يعني أن السعودية هي المعنية، لكن هذا ما نما إلى علمي، ويمكن أن تكون دول ثانية والله أعلم. لكن واضح إنه، سبحان الله، لا أحد يأتي على سيرتهم، مع إن بعض الدول عندهم الخمر وغيره، ولا يأتون [النواب] على سيرتهم وفي اجازاتهم يذهبون عندهم وانت عندك حرام وممنوع وكل شيء ممنوع". إنتهى النقل.
منبع الدهشة يأتي من محورين. الأول هو أن هذا الإتهام المباشر بالتدخل في الشأن الداخلي الكويتي من خلال نواب برلمانيين ولصالح قضية داخلية سعودية قد أتى من أحد أفراد أسرة الصباح. والمحور الثاني هو إن كانت هذه المعلومة صحيحة ومتداولة على مستوى أسرة آل صباح، وربما غيرهم، فإن طريقة التعاطي معها يوحي بأن الإدارة السياسية للكويت هي إدارة ضعيفة وغير فاعلة وتتركز على الشأن الداخلي فقط مع غض النظر تماماً عن المحيط السياسي الخارجي وتضارب المصالح مع الدول المعنية.
إن وجود نواب في البرلمان الكويتي "مجندين" لصالح الأجندة السياسية السعودية هو أمر خطير جداً، مساوي في العرف الوطني لكل دولة تحترم نفسها في العالم بـ "الخيانة". إن الدول، ومن ضمنهم المملكة العربية السعودية ولا شك، تأبى على كرامتها بالدرجة الأولى ثم مصالحها ومستقبلها بالدرجة الثانية أن يكون ضمن من يدير شؤون بلادها من يتلقى الـ "الأوامر" من جهة خارجية، سواء تم هذا الأمر بمقابل مادي أو بقناعة أيديولوجية أو بعرف وتقليد ومفهوم قبلي متخلف بائس، لا فرق هنا. فالتجرد للمصلحة الوطنية في البرلمان الكويتي أو الحكومة أو حتى على مستوى أقل فرد في هذا المجتمع لا يجب أن يكون موضع نظر، ولا يجب السكوت عنه ومداراته وإيجاد الأعذار له، لأن المسألة هنا هي مسألة وطن قد ضاع قبل ذلك مع العراقيين بسبب سياسات مشابهة تماماً لما قرأناه اليوم.
قبل 2 أغسطس 1990 كانت الكويت تتبع نفس النهج السياسي البائس في مداراة العراق وسياساته ومصالحه الداخلية والخارجية وعلى حساب مصالح الكويت الداخلية والخارجية. فكان كتّاب الصحف يطبلون ليلاً ونهاراً لمصالح العراق وسياساته، وكانت المخابرات العراقية متواجدة من أقل عامل في شوارع الكويت إلى المراتب العليا في الإدارة، وكانت أجوائنا وأراضينا وموانئنا مفتوحة بالكامل للمصالح العراقية، وكان الخطاب السياسي الكويتي الخارجي ما هو في الحقيقة إلا صدى للخطاب السياسي العراقي، بل إنه حتى عندما حاول العراقيون إسقاط طائرة مدنية كويتية تحمل السيد عبد الرحمن العتيقي قبل المؤتمر الإسلامي والذي عقد في الكويت سنة 1987 في محاولة منها لإتهام الإيرانيين بالمحاولة، والذي أنا كنت شاهداً شخصياً عليها، خرجت علينا الصحف لتقول بأن الطائرة قد حولت مسارها بسبب سوء الأحوال الجوية ونقص بالوقود وتم التكتم على تلك المحاولة حتى يومنا هذا، ثم يأتي وزير الدفاع العراقي بعدها بأيام لـ "جبر الخواطر" وكأن شيءٌ لم يكن. بعد كل هذا التنازل من الكويتيين لصالح المصلحة العراقية أتانا العراقيون غازين.
إن المملكة العربية السعودية لها مصالح متعددة داخلية وخارجية، وهذا مفهوم ومشروع، ولكن من غير المفهوم ولا المشروع أن يتم السكوت عن التدخل في الشأن الداخلي الكويتي أو تجنيد أفراد كويتيين لتنفيذ هذه المصالح وفي داخل الكويت. فإذا ثبت أن بعض النواب في مجلس الأمة يعتمد سياسة التصعيد ضد الحكومة أو ضد بعض أفراد آل الصباح الكرام لا لشيء إلا لتنفيذ أمر أو رغبة أو طلب أو مصلحة سعودية، فإن هذا الأمر يجب أن يجابه فوراً وبحسم حتى نقطع دابر "الخيانة" بيننا.
نحن إخوة مع السعوديين، نعم. كما نحن إخوة مع غيرهم من الدولة المجاورة أو البعيدة نسبياً عنا. ولكن أن يتدخلوا في شأننا الداخلي وبهذه الصورة، فلا. إن كانت السعودية وقادتها لا يريدون الديموقراطية، فهذا شأنهم، يدتبرون أمرهم فيه داخل حدودهم ومع شعبهم، ولكننا هنا في الكويت أحرار حتى النخاع، ديموقراطيون حتى آخر قطرة من دمنا، نعشق أن نكون أحراراً في وطننا وفي غيره. فإن كان السعوديون لا يفهمون ذلك، فأنا أضمن لهم بأن ما سوف يأتي من الأيام والسنين كفيلة بإفهاهم. فما عليهم سوى الإنتظار، فإننا منتظرون.
فرناس