engineer-5
عضو بلاتيني
أصل المشكلة السلفية وحلها
كلمة رائعة وتحليل أروع للاستاذ يسار ابراهيم الحباشنة وحديث جميل يوضح فيه مشكلة السلفية المدارس الدينية الاخرى ضمن اسلوب راقي وجدير بالمتابعة
اترككم مع ذلك المقال الجميل
أصل المشكلة السلفية وحلها
لا أريد أن أقول "الوهابية" حتى لا يظن أحد أن منطلقنا هو العداء، أو أن مقصدنا هو الاستفزاز. ولذلك أقول "السلفية" .. فنحن لا نصدُر عن الكراهية... أقول: "السلفية" في أكثر خلافاتهم مع غيرهم من المدارس الإسلامية لا يواجهون مشكلة عدم وجود النصوص المؤيدة لأقوال مخالفيهم. وإنما مشكلتهم هي عدم القدرة على استخراج تلك النصوص. أو بالأحرى عدم إرادة استخراج تلك النصوص، وإن ووجهوا بها فمشكلتهم هي أنهم ينظرون إليها إما متجاهلين لها او رافضين فهمها رفضا يكاد يكون أبعد شيء عن المنطق.
لقد قرأت مئات الحوارات بين السلفية ومخالفيهم، فكان مما يثير عجبي دائما هو : لماذا "السلفية" ينظرون إلى أنفسهم باعتبار أنهم يمتلكون الحقيقة فلا يقبلون دليل الغير ولو في أبسط المسائل. في البداية قلت أن منشا ذلك لا بد وأن يكون هو الكِبر الديني. ولكن مهلا، فلا بد أن يكون ثمة شيء وراء ذلك. فخرجت بنتيجة، لعلني أكون مخطأً فيها ولكنها ما يتراءى لي الآن على الأقل.
إنه "الخوف". أجل الخوف.
ولكنه الخوف مم ؟
الخوف على المدرسة السلفية نفسها من أن تُخترق وتتفتت. والخوف من التعددية باعتبارها شيئا يخالف طبيعة الإسلام.
إن نواة المدرسة السلفية قديما وحديثا هي فكرة أن الحقيقة تتكون من قالب واحد. ولا بد أن يكون قالبا واحدا حتى في الفروع. أي أن المسلمين كلهم لا بد وأن يفكروا بطريقة واحدة ونمط واحد لا اختلاف فيه ولا تعدد. فدائرة الأصول عند السلفي أوسع بكثير من دائرة الفروع. مع أن العكس هو المنطقي وهو الصحيح.
السلفية يعتقدون أن نمطهم في التفكير هو النمط الإسلامي الأصيل. ولكن هل يكلفون أنفسهم عناء البحث المُخْلِص ليعرفوا هل الأمر كان فعلا كذلك!
الاختلاف في الفروع، بل وحتى في لوازم الأصول كان موجودا في عهود الصحابة والسلف ولم يزل مستمرا في تاريخ المسلمين الفكري سواء في فترات قوتهم أو في فترات ضعفهم.
لا يدرك السلفية أن مدرسة الرأي بفهومها الواسع كان لا بد لها من الظهور، بل كان مقدرا لها أن تظهر حتى تستمر حضارة الإسلام وتزدهر في ظل تعددية معقولة لا تمس جوهر الثوابت والأركان الإسلامية. إذ لولا هذا الاختلاف ما كان للإسلام أن ينمو وينتشر ويتسع لاحتواء الشعوب والقبائل والأعراف والأمزجة المختلفة.
لا يدرك السلفية بأن الله تعالى أراد للناس أن يكونوا مختلفين، وأن الاختلاف هو عماد الحضارة والخلافة في الأرض {... وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:251]. وكأن السلفية في لاوعيها معاندة خفية للأقدار.
إن النمط الواحد الذي يسعى إليه السلفية ما هو إلا وهم وسراب، لم يوجد يوما ما، ولن يكتب له النجاح، لأنه مخالف لنواميس الاجتماع البشري، ومخالف لأساس الحضارة والخلافة.
كل الذين ضاقوا ذرعا بالاختلاف والرأي فشلوا ولم يكن النجاح حليفهم. سواء كانوا من المسلمين أو من أهل الأديان الأخرى والأيديولجيات المختلفة.
وأكاد أجزم أنه لم يوجد خليفة للمسلمين تمكن من استيعاب المسلمين ورفع راية الإسلام وإعزازها إلا بقبوله للاختلاف المعقول وسعة صدره في تقبل حقيقة أن الأفهام تتفاوت وأن الأمزجة والميول تختلف. ولنضرب مثلا على ذلك المعتزلة وعلى رأسهم الخليفة المأمون. قدموا الكثير من الخير للإسلام ويسروا الكثير من سبل ومصادر المعرفة، ولكن لما دخلتهم آفة (أنا الأعلم) وأرادوا أن يقسروا الناس على رأي واحد في مسألة علقت برؤوسهم كالوسواس قصرّوا عمر دولتهم بأيديهم، وهدموا ما بنوا بمعاولهم.
ولذلك أقول إنه من الصعب جدا أن تقنع أصحاب الفكر النمطي الواحد، لأن الوساوس الكثيرة قد علقت برؤوسهم، وما أصعب التخلص من الوسواس العقلي إن تَمَكّن من العقل. ولذلك، فإنهم لا يقنعهم بخيبة سعيهم إلا الزمان بتقلباته وتغيراته.
إلا أن ما يؤسف له هو أن هذه الآفة معدية جدا. فقد يخالف السلفية أقوام على مبدأ إنكارهم لرفض السلفية الآخر ودليله، فينتهوا إلى أن يصبحوا "سلفية" من نوع الجديد، يرفضون السلفية الأولى ... ويتهموها بالشيطنة وتنغرز في قلوبهم الكراهية لكل "وهابي" ويأبون أن يفهموا ما الذي أوصله إلى تفكيره ذلك .. ثم لا أحد يلتمس العذر للآخر.. وتصبح الكراهية هي عماد الدين .. لا الصلاة لرب العالمين.
ملاحظة: نويت أن أستخرج مجموعة من نصوص الكتاب والسنة الكثيرة المؤيدة لما جاء في مقالتي، ولكنني عدلت عن ذلك استنهاضا لهمم إخواننا من السلفية وغيرهم لكي يقوموا بذلك عني .. وأنا أضمن لهم أنها موجودة حقيقيةً، ضماناُ أُسأل عنه يوم القيامة
يسار إبراهيم الحباشنة