مانشيت !
لم أجد حكومة تستغفل الناس - ويصدقها هؤلاء الناس الغلابة - مثل الحكومة الكويتية.
عجيبة وغريبة مَـرّة (على قولة الجيران).
وأنا أتصفح كتاب الدكتور عبدالله النفيسي (الكويت: الرأي الآخر) وتحديدا ً في فصل "المأزق السياسي" أشار النفيسي إلى نقطة هامة جدا ً - جدا ً - تتعلق في كيفية تخدير الحكومة للشعب تخديرا ً مبينا , وكان ذلك بعد حل مجلس 75 في أغسطس 76 , نشر النفيسي في كتابه عدد من المانشيتات التي نُشرت في الصحف بعد وقف العمل بالبرلمان في تلك السنة , تقول بعضها:
- (أوامر من سمو ولي العهد بتقديم دراسات حول إلغاء يوم الخميس بالوزارات والدوائر والرسمية والمدارس وتخفيض ساعات العمل في القطاعين الحكومة والأهلي)
- (الترقيات تشمل كافة موظفي الدولة)
- (تحسين أوضاع الموظفين)
- (لا تسفير ولا إبعاد بل دراسة ملفات الخطرين على الأمن )
- (توحيد الجنسية الكويتية)
ومانشيتات أخرى.
وبيّن النفيسي أن تصرف الحكومة آنذاك كان القصد منه هو تصوير البرلمان بأنه هو من يعطل العمل والإنجاز (مثلما نجدهم يصورون للناس حاليا) فجائت مثل هذه المانشيتات وغيرها حتى يصدق الغلابة هذه الكذبة, وقد رد النفيسي على هذا الموضوع بشكل مفصل ومقنع.
ولا أجد اختلافا ً عما وصفه النفيسي حاليا, فالناس - ويا للغرابة - تصدق المانشيت رغم وضوحه, فمثلا ً , نشرت احدى الصحف مانشيتا يقول: (
توجه لتأجيل الدراسة من 4 إلى 8 أسابيع) , طبعا ربعنا حذفوا كلمة "توجه" وأول حرف من الكلمة التي بعدها فقرءوا المانشيت على النحو التالي (تأجيل الدراسة من 4 إلى 8 أسابيع) , لا , وبدون أن يقرؤوا التفاصيل! بل هناك من اتصل ليخبرني أنهم أجلوا الدراسة بعد قراءته للمانشيت المذكور , وسألته:
- شيقول المانشيت؟
- مكتوب بالراي إنهم أجلوا الدراسة من 4 إلى 8 اسابيع.
وعندما قرأت المانشيت وجدته كما كتبته لكم أعلاه
طبعا ليس هذا فقط, بل ما أكثر المانشيتات والأخبار التي صدقها الكثير من الناس وفي النهاية هي مجرد توقعات ومحاولة من صحفي لإثارة نائب أو شريحة معينة أو محاولة لإجبار جهة معينة للنفي أو التأكيد أو أن الحكومة تلعب لعبتها في تهدأة الناس واللعب عليهم ومعهم, أي أن الخبر في النهاية غير مؤكد.
وأذكر أن أحدهم قال لي أن الحكومة اعتمدت زيادة 50 دينار للمواطنين, ويحدثني والابتسامة من الشق للشق, لا , وقد أرسل sms لبعض معارفه يبشرهم...
- شلون عرفت بالخبر عزيزي ؟
- من الجريدة الفلانية
وتعالي يا جريدة يا فلانية , ونقرأ , وإذ بالمحرر يكتب أن "مصدر رفيع المستوى رجح أن الحكومة ستطرح موضوع زيادة الـ 50 دينار في اجتماعها القادم" يا سلاااام , يا جماعة حرام عليكم
والأمثلة لو ضربناها - وسدحناها ودسنا ببطنها - فهي كثيرة.
تذكرت ما سبق, وأنا أرى الحكومة - عاملها الله بما تستحق - طغت في هذا الجانب, وكثّرت من اللعب في أعصاب الناس الغلابة وتحديدا ً البدون, فمثلا ً كشف التجنيس مرورا بالتسهيل بموضوع الحقوق الإنسانية وانتهاء بالمعلمين البدون! وما بين هذه وتلك كثير من أبر البنج والتخدير.
وفي كل مرة يصدر تصريح من الحكومة عن البدون سواء عن مصادر صحفيين أو عن وزير يُعلن أن هناك "نية" لعمل كذا وكذا, إلا ووجدنا الإشادات تخرج من كل حدب وصوب وهات يا إشادة صادقة هنا وضرب بالكواسير هناك وردح بقوة هنالك , والناس تبارك لبعض ويتم توزيع الشَرْبات وأرباب الأسر يخرون سجدا ً والمسؤولين يشدون على يد الحكومة ويحييونها على الإقدام على هذه الخطوة الإيجابية الإنسانية والأعمدة الصحفية تمتلأ بالحديث عن "مبادرة" الحكومة و"تسهيلها" على الناس...
- يالله يا حكومة متى يبدأ التنفيذ؟
- أي تنفيذ؟
- انت ِ ما قلتي أنج نويتي تعالجين القضية بإعطاء الناس حقوقهم الإنسانية وتوظيفهم؟
- إي آنا نويت, مو يقولون الأعمال بالنيات, خلاص , آنا نويت, يعني عملت, وانكتبتلي حسنة والحسنة بعشر أمثالها وانتهى.
بكل هدوء تتراجع الحكومة عن "نيتها" وتذهب كل الإشادات والكواسير والردح والمديح والتهنئات على الفاضي, وردود الفعل على هذا التراجع نجدها متناثرة ولا تكاد تُرى بالعين المجردة, وذلك بسبب مفعول البنج الذي سدح الناس وشلهم عن الحركة والكلام.
حنظلة