================================
علي بن أبي طالب رضي الله عنه : وصية والد
الوسيلة
================================
السلام عليكم
أكمل في هذه المشاركة باقي كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الإمام العلم البحر العلامة الصحابي الجليل , صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته الناهل من الحكمة النبوية رابع أربعة في الإسلام , حبيب المؤمنين البعيد عن وصف أو غلو , والقريب من كل مدح وفضيلة فرضي الله عنك يا أبا الحسنين..
في هذه الوصية يكمل علي رضي الله عنه الكلام الجميل المنمق العميق لابنه وللمسلمين أيضا , ولو لاحظت في هذه القصيدة لوجدتها تبعد كل البعد عن أي غلو أو تطرف أو إنزال أنفسهم غير المنزلة التي أنزلهم لهم رب العالمين بأعمالهم ودينهم وتوحيدهم , فالدعوة إلى الله وتنظيف الباطن والرغبة والرهبة هي أمور يهتم بها المسلم المؤمن الذي يعلم من نفسه المعصية والتقصير , ولهذا ينبه عليها علي رضي الله عنه بالطريق الجميل مع استحضار صفة الأبوة الجالبة للرغبة في الإستماع والفهم , فيقول رضي الله عنها :
وإذا مررت بآية في ذكرها *** وصف الوسيلة والنعيم المعجبُ
فاسأل إلهك بالإنابة مخلصا *** دار الخلو سؤال من يتقربُ
واجهد لعلك أن تحل بأرضها *** وتنال روح مساكين لا تخربُ
وتنال عيشا لا انقطاع لوقته *** وتنال ملك كرامة لا تسلبُ
وهنا يرشده إلى الوقوف على آيات الرغبة وذكر النعيم الأخروي والتضرع إلى الله تعالى منيبا إليه مستغفرا من الذنوب أن يدخله ربه سبحانه في أهل هذه الآيات , فالمؤمن يرى ذنوبه مثل الجبال فوق ظهره بينما يرى المنافق ذنوبه مثل الذباب الصغير , وكل مؤمن ذاق طعم القرب من الله تعالى يعلم متعة الإستغفار والتوبة والإنابة إليه , فمن خرج من هذا الإطار يرى الأمر كأنه تبكيت بينما يعلم ويفهم المؤمن أنها حلاوة قلبية لا تعلوها حلاوة ولا يدانيها طعم آخر.
ولعلك تأملت كلام علي رضي الله عنه عن الوسيلة , والوسيلة ههذه اتخذها بعض أهل الأهواء وسيلة للخروج عن النهج السليم في القرب إلى الله تعالى , لأنه سبحانه وضح الطريق الموصلة إلى رضوانه وإلى جنته , وهذه الطريق لها خط سير معين فأراد أهل الأهواء أن يخرجوا عن هذا الخط بإتخاذ وسائل أخرى زعموا أنها توصل إلى الله تعالى , وأنها من أفضل القربات إلى الله تعالى محتجين بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 35] , وبقوله تعالى { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57] , فقالوا أي وسيلة تقرب إلى الله تعالى فهي حسنة!!
وهذا من الجهل العظيم , ولذلك أدخلوا تحت هذا الفكر أمور شركية وبديعة مقيتة , فاستغاثوا بقبور الصالحين واعتبروا أنها وسيلة للقربى , واتخذوا الصالحين وسطاء مثلما فعل المشركون العرب قديما , واعتبروا هذه أيضا وسيلة حسنة , بل وتقربوا إلى الله بطين أو تربة مر عليها رجل صالح , وأقمشة توضع في مسجد مدفون فيه رجل صالح , وهذا كله دخل تحت مسمى الوسيلة وهو بـــــــــــــــــــــــــــاطلا لا يشك في ذلك عاقل.
فإذا كانت الوسيلة وردت في الآية الكريمة مطلقة كما يفهم , وبدلالة الألف واللام التي تفيد الإستغراق فلماذا لا يتقرب إلى الله تعالى ببقرة أو سيارة أو شجرة أو حتى قلمه أو جواله ؟ أليس على مفهومه قد وردت الوسيلة مطلقة فما الذي منع من التقرب إلى الله تعالى بهذه " الوسائل " المباحة وليس فيها شيء محرم ؟ إن هؤلاء خرجوا من مفهوم الآية ودلالاتها إلى اعتقادات أخرى أرادوا من ذلك أن يوسعوا بابا ضيقه الله تعالى إلا من أمور حددها الشرع الحنيف وعرفها أهل العلم الأثبات.
فمن ناحية اللغة فإن مفهومهم باطل , لأنه ليس كل كلمة دخلت عليها الألف واللام أفادت الإستغراق , فالكلمات التي تحمل معنيان تكون الألف واللام بالنسبة لها تحديد وتقيد لا إستغراق أو إطلاق , وأما الذي تفيد معنى واحد فتفيد الإستغراق مثل كلمة ذهب أو فضة , فإذا دخلت عليها الألف واللام صار استغراقا , فتقول ( الذهب ,الفضة ) , وأما الوسيلة فمنها ما يكون وسيلة صحيحة ومنها ما يكون وسيلة سيئة وهذا معروف عند العقلاء جميعا , والرب سبحانه لا يرضى إلا بالوسيلة الحسنة فيكون الألف واللام تحديدا للحسن منها دون السيء ولا يصح هنا أن يحتجوا بالألف واللام.
ومن ناحية الشرع فما عرفنا وسائل رضي الله سبحانه عنها إلا ثلاثة أمور :
1- دعاء الصالحين الأحياء بأن يلتمس الإنسان دعاء رجل صالح أو والد أو والدة له , وهذه من الوسائل المسموح بها ولا إشكال في ذلك
2- التوسل بالعمل الصالح عند الله تعالى , مثل أصحاب الغار الذي أغلق عليهم الغار فتوسلوا إلى الله بأعمالهم .
3- التوسل إلى الله تعالى بأسماءه وصفاته , وهذا مستفاد من كتاب الله تعالى
ومن هنا فالوسيلة تعني الوسيلة التي أمر الله بها أو سمح بها أو ندب إليها , ولهذا استخدم عليا رضي الله عنه نفس الكلمة بالألف واللام ليدلل على معناه , فقال ( وصف الوسيلة ) فالوسيلة إذا لابد أن تكون موصوفة معلومة مفهومة صحيحة قد قبلها الشرع وسمح بها , ولا يحتج بكل وسيلة عقلية عند أصحابها لأنهم رأوا أنها تقرب إلى الله , فهذا هو نفس المدخل الشركي الذي دخل على المشركين قديما وحرفوا به دين إبراهيم عليه السلام
يتبع إن شاء الله
.