30/06/2009
مجرد رأي
استجواب الخالد.. شبهات وسقطات
كتب هيثم حمد الشايع :
كان يمكن ان يكون استجواب النائب مسلم البراك لوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد مستحقا لو لم يهدد به النائب خلال حملته الانتخابية، اذ كان ذلك بمنزلة انحراف في اس
تخدام الاداة الدستورية، فالمشرع الكويتي لم يتح للنواب منح الثقة ابتداء للوزراء او حجبها عنهم، ولئن كان النائب البراك قد هدد بمساءلة الخالد، فانه ذهب الى ابعد من ذلك حينما رفض توزيرهم، واعتبر ذلك بمكانة تحد له من السلطة التنفيذية مما يعني انه بطن مسألة حجب الثقة مسبقا، وهو ما يعد شبهة ثانية تضاف الى مجموع الشبه التي تلف هذا الاستجواب، والتي اولها ان مساءلة وزير عن اعمال وزارة سابقة غير جائز، الا حين يعلم بامر المخالفة ثم لا يتخذ حيالها اجراء ما، فيعد حينها موافقا عليها بينما الوزير الخالد اتخذ اجراء الاحالة النيابة العامة بعد توزيره ثانية مما يعتبر انه في حل من المحاسبة وفقا لحكم المحكمة الدستورية في ذلك.
استجواب البراك كان يمكن ان يكون مستحقا ايضا لو انه تضمن مثلا المساءلة عن السياسة العامة التي ينتهجها الوزير في ادارته للشؤون الامنية، والتي ثبت انها تعاني خللا متفاقما يلاحظ المراقبون في القصور الامني الواضح، والذي اقله قلة الكوادر البشرية واغلاق مخافر باكملها او محدودية تأثير بعضها في المحيط الذي تخدمه نتيجة لذلك النقص العددي.
استجواب البراك كان يمكن ان يكون مستحقا لو انه آثر تناول حجم الجريمة المتزايدة في المجتمع الكويتي وانشغال الاجهزة الامنية عن ملاحقتها او توفير الظروف والمتطلبات للاستقرار الامني.
ان يستجوب وزير لانه وقع مناقصة اقتضتها ظروف ما لا يمكن تفسيره الا بانه تقصد سياسي اذ ايا كان المبلغ الذي حدد لها، فان الوزير بذاته لا يملك الخبرة لمعرفة تفاصيل اللوحات الاعلانية، وانما يأخذ الاستشارة من كوادره، ولذا فان احالة الملف للنيابة العامة لتحدد ما اذا كان في الامر شبهة جنائية يضفي شيئا من المصداقية على ذمة الوزير المالية فلو كان متورطا كما اراد النائب الفاضل ان يثبت ذلك، فانه سيتحاشى امر تلك الاحالة ولاختار الاستقالة من منصبه، وكفى المؤمنين القتال، خاصة انه لم يكن هناك من بوادر لمتابعة الملف قضائيا من قبل النواب الذين أثاروا القضية، اذ يتيح قانون المال العام لاي مواطن تتوافر لديه ادلة على شبهة تبديد المال العام ان يبادر الى ابلاغ النيابة العامة عن تلك الجريمة، في حين لم يبادر اي من النواب الذين اثاروا القضية الى ذلك طوال عام مضى.
ولئن تجاوزنا حديث الاستجواب، فإن حديث طرح الثقة ذو شجون عريضة، فكما يمنع العرف السياسي ذوي المصلحة المباشرة من الحديث في تشريع قد يستفيدون منه، فإن توقيع نواب معينين على طلب طرح الثقة، يلقي بظلال من الشك على اهدافهم تلك، اذ يعلم كل مراقب في المجتمع ان قبيلة في الدائرة الخامسة عاقبت نوابها السابقين، فأقصتهم سياسيا، حينما لم يبروا بوعودهم في ملاحقة الوزير سياسيا خلال الفصل التشريعي السابق، حينما اختار الوزير تضييق الخناق عليهم في ترتيب امر انتخاباتهم الفرعية حينها، وبالتالي جاء نوابهم الحاليون مدفوعين بهاجس العقاب القبلي، ان لم يبادروا هم الى حجب ثقتهم عن الوزير، وبالتالي كان لهم مصلحة مباشرة، بغض النظر عن اقتناعهم بمحاور الاستجواب من عدمه، وهو ذات ما ينطبق على نواب آخرين، اندفعوا للانتقام من وزير حرك ملاحقة قضائية بحقهم خلال فترة الانتخابات.
سياسيا يمكن ان يقال ان استجواب الشعبي نجح حينما استطاع تحريك عشرة نواب، ليوقعوا طلب طرح الثقة، غير ان هذا الظاهر ليس صحيحا، فلو ان موقعي الطلب كانوا من غير ذوي المصلحة المباشرة في الانتقام من الوزير، لقيل ان كتلة العمل الشعبي على حق فيما ذهبت اليه، وربما كان ذلك احد العثرات التي مني بها هذا الاستجواب، حيث لم يحرص من أداره على ابعاد هذه الشبهات عنه، واكتفى بحشد مؤيدين لطلب طرح الثقة من غير الذين تدور حولهم شبهة المصلحة المباشرة من سقوط الوزير.
ولئن كان امر الاستجواب والمساءلة محبذا، فإنه في ظل ظروف سياسية
كالتي تمر بها الكويت يبدو وكأنه منح الفرصة لمنتهزي المقايضات لعقد صفقاتهم على حساب الوطن، وهو امر يتحمل تكلفته النواب الذين آثروا ان يقتل الذئب وتفنى الغنم.
اخيرا فإن امر معالجة الهفوات او المخالفات المالية التي تقع من المسؤولين، يجب ان يبحث لها عن اجراء حقيقي، فكم من المخالفات طويت، وكانت اكبر حجما مما اتهم به وزير الداخلية فقط، لان فاعليها مرضي عنهم من قبل هؤلاء النواب الانتقائيين.