د. الخضاري
عضو
الشيعة .. المواطنة ... وتعديل المناهج !
من منكم يذكر قضية معبد السيخ في الكويت؟
قد يبدو السؤال غريبا بعض الشيء، لكنني أدعي أنه مدخل جيد للتعامل مع المتغيرات المستجدة على واقع الطائفة الشيعية في الكويت.
الموضوع باختصار يتلخص في رغبة أبناء الديانة السيخية من الوافدين في استئجار أحد الأدوار في منطقة سلوى لاستخدامه في إقامة شعائرهم الخاصة، الأمر الذي أثار حفيظة المتشددين باعتبار عدم جواز هذا الأمر دينيا –حسبهم-، ولا أدري شخصيا علام انتهى الأمر، إلا أن الملفت حينها كان توافق رأي هؤلاء المتشديين مع رأي أحدهم من الباحثين عن سدة الزعامة للطائفة الشيعية في الكويت، وهو بالمناسبة معروف ب"فاكساته" التي يوزعها على الصحف بمناسبة وبغيره، إذ "أفتى" سماحته ب"هدم" معبد السيخ ذاك موضحا بأنه "على أولياء الأمور و المسؤولين منع الكفار و المشركين من تبليغ مذاهبهم الفاسدة و نشر ثقافتهم المعادية للإسلام و ترويج كتبهم الفاسدة و نشر ثقافتهم المعادية للإسلام " .
عندها، لم تكن المسألة بالنسبة للأخ المذكور أعلاه متعلقة بحقوق دستورية كفلت للمواطن وغيره، ولم تكن سمعة الدولة وجوهرها المدني المتسامح –أو هكذا يفترض- مسألة أصيلة، فالموضوع أولا وأخيرا ذو بعد فقهي محض يتطلب استدعاء أعلى درجات التحريض المتمثل في الحض على "هدم" ذلك المعبد، مبررا ذلك بأنه "لا قيمة واقعاً و فطرياً لإنسان بعيد عن الله و يعبد أصناماً صنعها هو بيده فيتعامل مع هذا الإنسان معاملة خاصة و يمنع عن اقامة شعائرهم الباطلة المنحرفة المفعمة بالشرك و الضلال و الكفر و الالحاد".
ومن دون الخوض في تفاصيل الرد على هذا الموقف غير المتسامح في التعامل مع الآخر غير المسلم وسلبه كل قيمة "واقعية وفطرية"، إلا أن اللغة المستخدمة في إبداء الرأي آنف الذكر وجملة الدوافع التي يسوقها "سيدنا" الجليل لا تكاد تتمايز عن اللغة التي يستخدمها خصوم الشيعة في التحريض عليهم والدفع بحرمة تخصيص دور للعبادة والطقوس الدينية لهم، الأمر الذي يلقي بعض الضوء على الديناميكية التي يتحرك ضمن إطارها ذلك المنظور المهووس بالآخر المخالف باعتباره خطرا يتهدد وحة الأمة وعقيدتها.
المثير للاهتمام هنا، فيما يخص واقعنا الحالي، هو ذلك التبدل في الدفوعات والحجج التي يسوقها بعض الشيعة –ومنهم صاحبنا إياه-، في ظل اللحظة الاقليمية الراهنة، لرفع سقف المطالب الخاصة بالطائفة، مستفيدين من عملية إعادة السلطة لتقييم تحالفاتها، لجهة إعادة تحديد موازين القوى، ظنا منهم أنها الفرصة المناسبة تاريخيا، والتي من الممكن ألا تتكرر بنفس الزخم والمواءمة سياسيا واجتماعيا.
تسهل ملاحظة هذا التبدل في "اللغة" من خلال تتبع تصريحات ومطالبات و"فاكسات" البعض التي تستدعي جملة من المفردات الجذابة المتعلقة بالمواطنة والمساواة والحقوق الدستورية، وأن الكويت "بلد متسامح"، وأن الممارسة الدينية تعتبر من أبسط حقوق الأفراد، وغيرها، كل هذا يتم وفق استدعاء لغة لا تخلو من الرعونة أحيانا لا تتورع عن وصم الجماعات الاسلامية السنية ورموزها التاريخية بالتطرف والتشدد، وفق منهجية تتميز بالتصعيد الاعلامي أساسا وتكاد تخلو من أي نزعة توفيقية تسعى لبناء جسور الثقة بين الطرفين.
في ظل هذا كله، تأتي المطالبة الأخيرة لبعض النواب والفعاليات الشيعية لتعديل مناهج التربية الاسلامية لجهة حذف ما يتعرض منها لعقائد الشيعة وممارساتهم، كزيارة القبور وغيرها، إذ يتذرع هؤلاء بتعارض هذه المناهج مع مبادئ التعايش السلمي بين الأديان والطوائف تحت سقف المواطنة، وتشجيع نزعة الكراهية لاعتبارات دينية وطائفية تتعارض مع ما جبل عليه أفراد المجتمع الكويتي تاريخيا.
ومع إقرارنا بأن المناهج الدراسية، وخاصة في مايخص مادة التربية الاسلامية، تحتوي على ما يثير الضغائن ولا يساعد بالتأكيد على نشر ثقافة التسامح والتعايش، إلا أنه من الصعوبة بمكان أن نؤمن أن الدافع الرئيسي وراء هذه المطالبات يرتكز على قراءة حضارية وشاملة ترمي لإعادة صياغة عقول النشأ في الكويت على قيم المحبة والعدل والمساواة.
إن أخطر ما يقوم به هؤلاء هو انتهاز اللحظة الزمنية المواتية للدفع بمطالب تهدف لإعادة تأسيس العلاقة بين الطوائف في الكويت باتجاه يخدم مصلحة طرف على آخر، الأمر الذي يقفز على واقع البلاد ثقافيا وفكريا ولاينتج عنه سوى إعادة تموضع تنتظر ظرفا تاريخيا مغايرا يرجع بها إلى خط الصفر.
نعم نحن نؤيد تعديل المناهج، بل وغربلتها، لا باتجاه خدمة طائفة، بل لجهة التأسيس لجيل جديد، جيل يؤمن بحقوق الجميع، سنة وشيعة ومسيحيين وحتى سيخا، جيل يستطيع قيادة البلد بقدر عال من التسامح وقبول الآخر، منطلقا من أسس ثقافية راسخة، لا تتغير بتغير الظرف الزمني وتداعياته.
من منكم يذكر قضية معبد السيخ في الكويت؟
قد يبدو السؤال غريبا بعض الشيء، لكنني أدعي أنه مدخل جيد للتعامل مع المتغيرات المستجدة على واقع الطائفة الشيعية في الكويت.
الموضوع باختصار يتلخص في رغبة أبناء الديانة السيخية من الوافدين في استئجار أحد الأدوار في منطقة سلوى لاستخدامه في إقامة شعائرهم الخاصة، الأمر الذي أثار حفيظة المتشددين باعتبار عدم جواز هذا الأمر دينيا –حسبهم-، ولا أدري شخصيا علام انتهى الأمر، إلا أن الملفت حينها كان توافق رأي هؤلاء المتشديين مع رأي أحدهم من الباحثين عن سدة الزعامة للطائفة الشيعية في الكويت، وهو بالمناسبة معروف ب"فاكساته" التي يوزعها على الصحف بمناسبة وبغيره، إذ "أفتى" سماحته ب"هدم" معبد السيخ ذاك موضحا بأنه "على أولياء الأمور و المسؤولين منع الكفار و المشركين من تبليغ مذاهبهم الفاسدة و نشر ثقافتهم المعادية للإسلام و ترويج كتبهم الفاسدة و نشر ثقافتهم المعادية للإسلام " .
عندها، لم تكن المسألة بالنسبة للأخ المذكور أعلاه متعلقة بحقوق دستورية كفلت للمواطن وغيره، ولم تكن سمعة الدولة وجوهرها المدني المتسامح –أو هكذا يفترض- مسألة أصيلة، فالموضوع أولا وأخيرا ذو بعد فقهي محض يتطلب استدعاء أعلى درجات التحريض المتمثل في الحض على "هدم" ذلك المعبد، مبررا ذلك بأنه "لا قيمة واقعاً و فطرياً لإنسان بعيد عن الله و يعبد أصناماً صنعها هو بيده فيتعامل مع هذا الإنسان معاملة خاصة و يمنع عن اقامة شعائرهم الباطلة المنحرفة المفعمة بالشرك و الضلال و الكفر و الالحاد".
ومن دون الخوض في تفاصيل الرد على هذا الموقف غير المتسامح في التعامل مع الآخر غير المسلم وسلبه كل قيمة "واقعية وفطرية"، إلا أن اللغة المستخدمة في إبداء الرأي آنف الذكر وجملة الدوافع التي يسوقها "سيدنا" الجليل لا تكاد تتمايز عن اللغة التي يستخدمها خصوم الشيعة في التحريض عليهم والدفع بحرمة تخصيص دور للعبادة والطقوس الدينية لهم، الأمر الذي يلقي بعض الضوء على الديناميكية التي يتحرك ضمن إطارها ذلك المنظور المهووس بالآخر المخالف باعتباره خطرا يتهدد وحة الأمة وعقيدتها.
المثير للاهتمام هنا، فيما يخص واقعنا الحالي، هو ذلك التبدل في الدفوعات والحجج التي يسوقها بعض الشيعة –ومنهم صاحبنا إياه-، في ظل اللحظة الاقليمية الراهنة، لرفع سقف المطالب الخاصة بالطائفة، مستفيدين من عملية إعادة السلطة لتقييم تحالفاتها، لجهة إعادة تحديد موازين القوى، ظنا منهم أنها الفرصة المناسبة تاريخيا، والتي من الممكن ألا تتكرر بنفس الزخم والمواءمة سياسيا واجتماعيا.
تسهل ملاحظة هذا التبدل في "اللغة" من خلال تتبع تصريحات ومطالبات و"فاكسات" البعض التي تستدعي جملة من المفردات الجذابة المتعلقة بالمواطنة والمساواة والحقوق الدستورية، وأن الكويت "بلد متسامح"، وأن الممارسة الدينية تعتبر من أبسط حقوق الأفراد، وغيرها، كل هذا يتم وفق استدعاء لغة لا تخلو من الرعونة أحيانا لا تتورع عن وصم الجماعات الاسلامية السنية ورموزها التاريخية بالتطرف والتشدد، وفق منهجية تتميز بالتصعيد الاعلامي أساسا وتكاد تخلو من أي نزعة توفيقية تسعى لبناء جسور الثقة بين الطرفين.
في ظل هذا كله، تأتي المطالبة الأخيرة لبعض النواب والفعاليات الشيعية لتعديل مناهج التربية الاسلامية لجهة حذف ما يتعرض منها لعقائد الشيعة وممارساتهم، كزيارة القبور وغيرها، إذ يتذرع هؤلاء بتعارض هذه المناهج مع مبادئ التعايش السلمي بين الأديان والطوائف تحت سقف المواطنة، وتشجيع نزعة الكراهية لاعتبارات دينية وطائفية تتعارض مع ما جبل عليه أفراد المجتمع الكويتي تاريخيا.
ومع إقرارنا بأن المناهج الدراسية، وخاصة في مايخص مادة التربية الاسلامية، تحتوي على ما يثير الضغائن ولا يساعد بالتأكيد على نشر ثقافة التسامح والتعايش، إلا أنه من الصعوبة بمكان أن نؤمن أن الدافع الرئيسي وراء هذه المطالبات يرتكز على قراءة حضارية وشاملة ترمي لإعادة صياغة عقول النشأ في الكويت على قيم المحبة والعدل والمساواة.
إن أخطر ما يقوم به هؤلاء هو انتهاز اللحظة الزمنية المواتية للدفع بمطالب تهدف لإعادة تأسيس العلاقة بين الطوائف في الكويت باتجاه يخدم مصلحة طرف على آخر، الأمر الذي يقفز على واقع البلاد ثقافيا وفكريا ولاينتج عنه سوى إعادة تموضع تنتظر ظرفا تاريخيا مغايرا يرجع بها إلى خط الصفر.
نعم نحن نؤيد تعديل المناهج، بل وغربلتها، لا باتجاه خدمة طائفة، بل لجهة التأسيس لجيل جديد، جيل يؤمن بحقوق الجميع، سنة وشيعة ومسيحيين وحتى سيخا، جيل يستطيع قيادة البلد بقدر عال من التسامح وقبول الآخر، منطلقا من أسس ثقافية راسخة، لا تتغير بتغير الظرف الزمني وتداعياته.