طــائر الشمال .. تحليق في سماء الغربة

الحلقة الثالثة عشرة


الحلقة الثالثة عشرة
[FONT=Tahoma (Arabic)]نزلتْ الفتوى علينا برداً وسلاماً فهي لتسهيل صوم المسلمين وللتعامل مع الواقع ولانخراط رجل الدين في العصر الحديث والتعامل معه من منطلق الثقة بأن الاسلام الحنيف لكل زمان ومكان.
عندما يقول شخص ما بأنه اقتنع بفكرة فإن هذا يعني في كثير من الأحيان أن ما كان بداخله في الأصل وجد مبررا خارجيا يقوّيه، ويستند عليه.

ماذا لو كان الانسان قد اخترع الساعةَ قبل نزول القرآن الكريم ، فهل كان سيرِدُ في الذكر الحكيم هذا التوجيه الالهي بــ ( كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ ).
يتصور كثيرون من المسلمين أن العبادة لله تعالى متعلقة بعلم الفلك، وأن الفجر والمغرب وشروق الشمس وغروبها ظواهر يتحدد بها نوع العبادة والصلاة والصوم، لكنها في الحقيقة مواقيت كان يجب ضرب المثل بها وتقريب نوع العبادة جتى يفهم من نزل عليهم القرآن الكريم أصول وقواعد ومواقيت الشعائر.

إنها خمس صلوت متقاربة باستثناء تلك التي تترك للمسلم فترة النوم ليلا، أما الظن بأن الله، تعالى، يفرض على المسلم الشعائر في مكان معين من الأرض، ولنقل منطقة العالم العربي، ويترك كل سكان الكرة الأرضية الذين لا تغرب الشمس عن بعضهم ولا تشرق عن البعض الآخر في وقت محدد قد يتوافق مع الصوم والصلاة فهذا تقليل من شأن خاتمة الرسالات السماوية.
كيف للمسلم في شمال النرويج أن يعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود إن كانت الشمس ساطعة في الصيف أربعا وعشرين ساعة؟
كيف للمسلم أن يكمل الصيام إلى الليل إن جاء شهر رمضان المبارك شتاءً وهو مقيم في مدن مثل هامرفست أو بودا أو نارفيك أو حتى جزيرة سفالبارد الملحقة بشمال النرويج، فالليل طويل يمتد ثلاثة أشهر أو أكثر لا ترى غير ظلام؟
سيقول قائل: يصوم المسلم على أقرب بلد اسلامي؟ وهل هناك في الاسلام بلد اسلامي أم أن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون؟ وهل أقرب بلد اسلامي لنا هو ألبانيا أو البوسنة أو حيث الأغلبية المسلمة؟
كيف تكون في العاصمة أوسلو وأنت تصوم أطول يوم في السنة ( 23 يونيو ) فيمتد صومك أكثر من واحد وعشرين ساعة ويصرخ الجسد عطشا وجوعا، ولا تستطيع أن تنجز عملا حتى يأتيك الطعام فيمد الجسم بالطاقة، والعقلُ يتدفق إليه الدم؟
كيف تُعَلّم ابنك الصوم إنْ أتى شهر رمضان صيفا، وهو الطفل الذي لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره، فيسقط من الاعياء أمام عينيك، وطفل آخر في المدينة المنورة أو الدوحة أو طهران أو القاهرة يصوم صوما غير مجهد؟ أليس الله هنا هو الله هناك؟

فرحتُ بالفتوى والتزمت بها ومعي رهط من الأصدقاء والمعارف، وأصبحنا نفطر ونمسك في نفس الوقت وفي كل يوم من أيام الشهر المبارك، ثم بدأ التراجع من المسلمين فهم لا يصدقون أن المسلم يفطر بعد صوم يوم كامل كالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها والشمس تترك لتوها كبد السماء، وإن جاء شهر البركة شتاءً فساعات الصوم قد لا تزيد عن فترة هضم الطعام في المعدة؟

أعدت زوجة صديقي ( قبل الفتوى ) طعام الافطار لنا وكنت في زيارة للأسرة الكريمة. كانت منهكة وتكاد تسقط من الاعياء، والابن الذي تعلّم الصوم لا يفهم كيف يجبره هذا الدين أن يتعذب، وأن ينتظر حتى يأذن الكبار له، وتكاد عضلات جسده الغض تتهاوى، والأب يجلس متحاملا على نفسه وقد جف لعابه.
كانت تلك صورة الصوم في الصيف، أما في الشمال فكانت كأنها انتحار باسم الدين والطاعة، واختفى مفهوم العبادة الميسرة الجميلة لتحل محلها قسوة غير مبررة.

كانت الفتوى التي أصدرها مفتى مصر في ذلك الوقت ( شيخ الجامع الأزهر لاحقا ) فضيلة الامام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق رسالة تأكيد أن الدين عبادة سمحة وعقلانية ولا تتنافر مع احتياجات الجسد، وأن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينالون حظهم من تلك الشعائر بنسب عادلة.

مرت ثلاث سنوات، ثم بدا أن الذين تراجعوا عن الفتوى كانوا هم الأغلبية، وثار صديق لي في وجهي عندما قلت له بأنه ما خُيّر نبي الاسلام ، صلوات الله وسلامه عليه، بين أمرين إلا اختار أيسرهما، قائلا: هذا حديث ضعيف فالمفترض أن يختار النبي الأمر الصعب!

نفس العام ( 1982 ) حدث تطور هائل في النرويج عندما أرسلت وزارة الدفاع 800 جندي في قوات حفظ السلام لجنوب لبنان ليبدأ أول تغيير في العقلية النرويجية المنحازة للكيان الصهيوني، فقد عاد هؤلاء، وجاء غيرهم، وعاد غيرهم، وجاء إلى النرويج شباب يقصون على عوائلهم وأصدقائهم أن العرب ليسوا بهذه الصورة البشعة، فهناك فلسطينيون ولبنانون طيبون، وهناك اسرائيليون متوحشون ويطلقون النار عشوائيا فتصيب الأبرياء.

في نهاية عام 1982 يصل إلى الكويت وفد اسلامي من النرويج، ويكتشف أعضاء الوفد أنني كنت هناك، ثم يبدأ أول صدام بيني وبين المركز الثقافي الاسلامي. هم يتهمونني بأنني لست عضوا في أي تجمع اسلامي أو مركز أو جمعية وبالتالي لا أمثل إلا نفسي، وأنا أتهمهم بأن الصراع في مركزهم يقوم على أموال دول الخليج والدعم المالي وأن كثيرين يخفون وجها آخر يشوه صورة ديننا الحنيف. أحد الذين سافروا إلى دولة خليجية أبلغني صراحة بأن الأمر بالنسبة له ليس أكثر من اطلاق اللحية، والتحسر والبكاء على أحوال المسلمين، وهنا ستنفتح خزائن الخليجيين الطيبين. هذا الشخص جمع فعلا في زيارة خليجية مبلغا كبيرا من المال، ثم هرب به إلى بلده.


قررت ترك العمل في مدينة الطلاب بعدما تفاقمت العنصرية من ثلاثة أشخاص يمثلون أهمية كبيرة، وضاق صدري بتلك المشاعر الحمقاء التي تميز بين الناس على أساس اللون والدين والجنسية الأولى وموطن الميلاد، إلى أن قررت مع بداية عام 1983 الانتقال إلى مشروع ثقافي اعلامي كبير. مكتبة عالمية بلغات كثيرة لأول مرة في تاريخ العاصمة أوسلو ، وكانت خبرتي في العمل في مكتبة بجنيف دافعا لي. فسافرت إلى معرض الكتاب الدولي بفرانكفورت، وبدأت أولى خطوات المشروع الثقافي الاعلامي الذي تم افتتاحه في قلب العاصمة أوسلو في أكتوبر عام 1983 واستقبلته وسائل الاعلام النرويجية من تلفزيون وصحف استقبالا حَفيّاً، وحضر حفلَ الافتتاح السفيران المصري والتركي.

[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]
وإلى الحلقة الرابعة عشرة بإذن الله ...........​
[/FONT]
 

قوس قزح

عضو مميز
الأخ الأكبر .. محمد عبدالمجيد ..

كثرت الظباء على خراشي ... فلا يدري خراش ما يصيد

حلق بنا .. فلا زلنا في شوق إلى حلقاتك ..
 

الفرزدق

عضو فعال
نظم صوتنـــا مع صـــوت الاستـــــاذ الفاضــل قوس قـــزح ..


الاســـــتاذ الفاضـــل .. محمــــد عبدالمجيـــد ..



مـــازلنــا ننتظــــر ..
 
الحلقة الرابعة عشرة


الحلقة الرابعة عشرة
[FONT=Tahoma (Arabic)]
هزني حدث خطير في هذا العام ( 1983 ) غيّرَ مجرى حياتي الثقافية والفكرية ووضعني أمام أكبر تحديات واجهتني طوال سنوات عمري.
كنت أراسل بعض المجلات المهجرية، خاصة ( المستقبل ) التي كان يصدرها نبيل خوري ( رحمه الله ) ، و ( الوطن العربي ) والتي كان يترأس تحريرها الأستاذ وليد أبو ظهر ( رحمه الله) . ويتم نشر مقالاتي القصيرة أو رسائلي وكان ذلك منذ ثلاثين عاما تقريبا.
المرّة قبل الأخيرة التي نشرت لي مجلة ( الوطن العربي ) الصادرة في باريس، قام المحرر بتشويه مقالي، وأضاف وحذف منه كأنه في مدرسة ابتدائية مع أحد تلاميذه، وغضبت غضبا شديدا فكأن دخانا خرج من بين أضلعي يوشي بحريق داخلي.
أرسلت للمحرر رسالة ثانية أقص عليه فيها من نبأ الأخلاق الاعلامية، وأمانة القلم، وبأنّ ماقام به مناف تماما لمهنة صاحبة الجلالة .. السلطة الرابعة، وأنني لست تلميذا في فصله الدراسي، فبيني وبين الكتاب علاقة متينة، وأواصر محبة، وصلة رحم يبدو فيها الكتاب كأخ عزيز لدي لم تلده أمي.
لكن المحرر قام للمرة الثانية بنشر رسالتي بعدما صاغها على مزاجه، واستبدل بمفرادتي مفرداته، ثم أنهاها بكذبة وقحة على لساني ولم أكن، والله يشهد، قائلها! كتب يقول: لأن هذا يجعلني أشعر أنني لا أستطيع الكتابة! وهي جملة تعمد فيها اهانتي.

سرحت كثيرا، فلو كانت الكلمة المقروءة مع حليب الطفل فقد رضعتها. لقد قرأت ديوان البحتري في سن الثالثة عشرة، وتفسير ( في ظلال القرآن الكريم ) ولم أكن قد أكملت الثامنة عشرة من عمري، وقرأ المدرس على التلاميذ وأنا في الخامسة عشرة من عمري قصيدة مطولة نظمتها بنفسي. وقطعت شوطا طويلا في كتاب عن مقارنة الأديان و أنا في الثالثة والعشرين من عمري.
[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]
كنت أعلم أن كتاباتي لا يمكن أن يرضى عنها رقيب أو رئيس تحرير أو حتى أصغر مساعديه، وأنني أتجاوز الخطوط الحمراء في كلماتي، ومن يقبلني للعمل معه يجازف مجازفة كبيرة.​
[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]
تعلمت الكتابة على الآلة الكاتبة في سن السادسة عشرة في معهد بشارع سعد زغلول بالاسكندرية. دخل صاحب المعهد مرة وشاهدني أكتب شكوى إلى الرئيس جمال عبد الناصر، فتطابر الشرر من عينيه، وكادت جمجمته تنفجر في وجهي، وأذكر أنه كان سمينا جدا، ولو قذفني من النافذة بيد واحدة لكان الأمر هينا.
أمسكني من رقبتي. سحبني من خارج المعهد، وطردني قائلا: تبعت جواب من معهدي للريس عبد الناصر؟ عاوز توديني في ستين داهية؟


الجملة التي أنهى بها محرر ( الوطن العربي ) كانت من الاهانة التي تدفع للأمام، وأعطتني ثقة أكبر بدلا من أن تفت في عضدي، أو تلزمني حدود الآخرين.
في أوائل الستينيات أصدرت دار المعارف كتيبا صغيرا كان له تأثير كبير على علاقتي بالكتاب، وظل هذا التأثير معي في كل ساعات ودقائق حياتي حتى أنني أورثته أولادي.
كان هناك في الكتيب مقال احصائي يقول بأنك إنْ قرأت عشر دقائق في اليوم وأنت تنتظر صديقا على محطة الحافلة أو تجلس في حديقة عامة أو في قطار، فإنك تكون قد قرأت عشرين كتابا من القطع المتوسط في العام!
شاهدت ابني الأوسط ( وسيأتي الحديث عنه لاحقا بإذن الله) يمسك كتابا ويقرأ فيه أمام الكمبيوتر، فلما سألته أجاب: لأنني أقوم بطباعة بعض الصفحات، وأريد أن أستفيد من كل دقيقة في حياتي، فلماذا أنتظر دقيقة حتى يتم طبع الصفحة؟
عندما كان في السنة الأولى الاعدادية في مدرسة هنا في أوسلو ، قامت المُدّرسة بتوزيع كتيب صغير على التلاميذ، فلما انتهت من التوزيع قال لها ابني: لقد قرأته وأنت تقومين بالتوزيع على زملائي! فقد رأى أن انتظارها ضياع للوقت.

أعود للاهانة التي وجهها إلى محرر ( الوطن العربي ) فقد قررت بعدها أن أصدر مجلة عربية هي الأولى من نوعها في النرويج، والثانية في شمال أوروبا بعد ( اسكندنافيا ) المجلة العربية السويدية التي كان يصدرها الزميل اسحق مجيد صاحب المكتبة العربية ( لبناني ) في استوكهولم، ويتم توزيعها على الخطوط الجوية الاسكندنافية.
أسررت بهذا السر لبعض أصدقاء الغربة فأجمعوا أن هذا عمل جنوني، وأنني أحتاج إلى مخرج وموزع وكمبيوتر واشياء أخرى كثيرة، لكن روح التحدي التي صنعتها الاهانة من محرر المجلة كانت مصنوعة من صلب لا يلين، فقررت أن أكون رئيس التحرير والمحرر والكاتب والموزع ومصحح الأخطاء وهو ما يطلق عليه باللغة النرويجية ( دكان لشخص واحد )!

التصقت الفكرة في ذهني، وتحولت إلى حلم، ثم تخطيط لاخراجة للواقع، ولكن انشغالي في افتتاح المكتبة العالمية كمركز اعلامي جعل اصدار المجلة مؤجلا أكثر من عام، حتى صدر عددها الأول في يونيو عام 1984 ولا تزال تصدر بفضل الله حتى هذه اللحظة.

استأجرت مكانا للمكتبة العالمية، واشتريت كتبا بلغات عديدة منها العربية والفرنسية والنرويجية والأردية والاسبانية و .......
وكان لدي جهاز كمبيوتر بدائي لو رآه طفل زمننا الحالي لسقط على الأرض من الضحك. أبلغت البعثات الدبلوماسية والتلفزيون والصحافة وعددا من الاعلاميين والأصدقاء، واخترت شابا صغيرا كان مُشَرّفا وأنيقا ليكون في استقبال الضيوف. ولهذا الشاب حكاية أخرى تكاد ترقى إلى نسيج الخيال.

وتم الافتتاح في 16 أكتوبر 1983، وكنت قد حصلت من أحد البنوك على قرض يزيد على عشرين ألف دولارا، ولم تكن زوجتي ( السابقة ) راضية اطلاقا على المشروع، ولم تحضر الافتتاح وتأثرت حزنا، فهي ترى أن العمل في مدينة الطلاب يأتي بمرتب شهري، وأنني لست صاحب عقلية تجارية.
وكان هذا صحيحا إلى حد ما، فبعض الناس يتحول التراب بين أصابعهم إلى ذهب، والبعض الآخر يشاهدون الذهب فيظنون أنه تراب يلمع، وكنت من النوع الثاني.

وإلى حلقة قادمة إن شاء الله
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]
[/FONT]
 
الحلقة الخامسة عشرة

الحلقة الخامسة عشرة
[FONT=Tahoma (Arabic)]
في نفس العام ( 1983) بلغت ابنتي الرابعة من عمرها، وهنا ينبغي أن تكون لي وقفة طويلة مع واحدة من أخطر وأهم وأصعب قضايا العصر .. وكل العصور.
إنها التربية التي أفرد لها عبقري عصر النهضة قاسم أمين حزءاً كبيرا من عقله وقلمه ليتحدث عنها، فهي صانعة الحضارات ورافعة المجد، وهي أيضا صانعة الانحدار والتدهور والتخلف.
كلنا نتاج طبيعي للتربية التي عجنها البيت، وقام بصبّها في الشكل الأول، ثم جاء الأصدقاء والمعارف والشارع والمدرسة والظروف المستجدة والدين والعرف والعادات والتقاليد لتضع بصماتها على الشكل الأول الذي صاغته وصبته في قالبه الأسرة.
الخطأ يدفع ثمنَه الصغيرُ، ثم يظل ما بقي له من عمر يسدد ما عليه من ديون التربية الأولى، أو الصناعة المنزلية التي شكلت قطعة العجينة أو الصلصال وسدت ثغراتها أو تركتها تتوسع.
يهمل البيت العناية بأسنانك حتى بعدما يتم تبديلها في سن السادسة والسابعة والثامنة، فتدفع أنت الثمن حتى يواريك أحبابك الثرى بعد عمر مديد.
لا يكترث البيت لاعوجاج في لسانك أو طريقة نطق بعض الحروف أو هوايتك في النظر لعين الشمس أو يغمضوا عيونهم عن لهوك مع كبار في السن وأنت غض غرير، فيحدث ما يظل جزءا من أرقك الحياتي حتى آخر أيام عمرك.

في البيت تتعلم قيمة التسامح مع الآخرين، أو فيه أيضا تعود إلى والديك وتبلغهما أن زميلك في الفصل والذي لم يبلغ العاشرة من عمره كافر وابن كافر، فيطلبان منك عدم مخالطته، وتبدأ أولى الخطوات مع العنصرية والكراهية تماما كما كان الأبيض في أمريكا أو جنوب أفريقيا يتعلم في طفولته أن الأسود نجس، لذا عندما قرأت عن شاب أرسل لاحدى المجلات يستفتي في قسمها الديني عن زميله غير المسلم الذي عاده وهو مريض، وجلس على طرف فراشه، فهل أصبح الفراش نجساً؟ تذكرت على الفور قضية التربية والتسامح واعتبار ما لدى الآخر وراثة وليس خيارا وكان من الممكن أن تسقط أنت من بطن أم بهائية أو قاديانية أو ملحدة أو وثنية أفريقية أو هندية من احدى قرى نيبال.
التربية تصنع طفلا، ثم شابا مفخخا دون أن تعرف أنه سينفجر في يوم من الأيام، وسيصبح عجينة ليّنة في أيدي تجار الموت.
فالشاب الذي طعن عملاق الرواية نجيب محفوظ كان يقرأ العربية بصعوبة، ولم تهتز السكينة في يده، فهو لا يعرف ( ثرثرة فوق النيل) و ( السراب ) و ( بداية ونهاية ) و ( الثلاثية ) و ( اللص والكلاب ) ....
والشباب الذين كانوا يتدفقون بالمئات على ميدان محطة القطارات في زيوريخ عام 1975 ويصطادهم الشاذون جنسيا مقابل عشاء ساخن وفراش وثير، كانوا ضحية التربية قبل أن يكونوا لقمة في فيْهْ الزمن الذي أوجعهم بقسوته، والظروف التي اضطرتهم لهذا الاختبار فسقطوا فيه بالضربة القاضية لأن التربية لم تشكل في الطفولة وبدايات المراهقة انسانا يستطيع أن يصمد أمام وحش الزمن المفترس.


كانت ابنتي تخطو أولى خطواتها في عالم هو عالمها، أي النرويج واللغة الأم والحضانة، ثم المدرسة لاحقا. وكنت أعرف أن هناك شعرة صغيرة فاصلة في التربية بين الكفر بما لدى والدها وكراهية عالمه، والايمان بأن مجتمعها هو الذي يعطي الصدق والحق وأن والدتها من أهل البلد فلعل الحق معها.
شعرة واحدة بين الشد والجذب، وبين الصلابة والليونة، وبين الواقعية والخيال، فإذا تخطيتها في أي جانب يدفع الطفل الثمن غاليا.
95% من النرويجيين كانوا يعاقرون الخمر، فهو تراث وتقاليد وعادات وأمور طبيعية لا نقاش فيها، فكيف أقنع ابنتي في الطفولة عن أشياء سيأتي موعد الالتقاء بها بعد عشر سنوات أو أكثر بقليل؟
لحم الخنزير خاصة تلك النقائق ( الهوت دوج ) التي يسيل لها لعاب أي طفل عندما يكون في الحضانة ويتجمع عشرة أو عشرون ويتلذذون أمام طفلك علانية، فكيف تقوم التربية هنا بدور يجمع الدين في أبسط أوامره ونواهيه، ثم تزركشها، ثم تُجَمّلها، ثم تضيف إليها من خبراتك ما يجعل طفلك ينفر منها لكنه يحترم الآخرين وخياراتهم وتربيتهم ، ولا يقلل من شأنهم، ولا يسخر ويظن أن لديه الحق المطلق وما عند الآخرين باطل مطلق أيضا؟

التربية كالصناعة اليدوية الدقيقة وأي خطأ فيها تراه العين المدربة عندما يكبر الطفل، ويكتشف أن والديه أو احدهما لم يكن دقيقا تماما في أحد مواضع تلك الصناعة الرائعة التي تدفع للعالم بانسان مهتز أو ثابت، بانسان ضعيف أو قوي.

كلنا ندفع ثمن أخطاء ارتكبها الأقربون ونحن صغار، فالطفل الصغير والذي يعاني من سمنة زائدة هو مشروع موت مبكر، فتتعامل الأسرة مع الجانب الذي تراه بعين سقيمة، ثم تتركه في يد أمراض لاحقة ستجد في هذا الجسد تربة خصبة.
وأول سيجارة تدفع بالسموم للرئتين هي مشروع موت أيضا، قد يستمر سنوات طويلة يحترق فيها الجسد من الداخل، ويخشن الصوت، وتطلى الأسنان بطبقة سوداء في الداخل، ويختفي لمعانها الطبيعي فتتنافر مع الوجه وتأخد من الابتسامة والضحكة جمالهما.
كلنا ندفع في الكبر آثار التربية في الصغر، وليس بالضرورة أن يكون سداد الثمن على كل ما حدث، إنما هي أشياء تظهر وتستمر أو تخفت لبعض الوقت، ثم تعود ثانية.
في الزواج المختلط عندما يظن أحد الطرفين أنه يملك كنوز هويته الأصلية ويحارب الآخر بها، ولا يسمح بتفاعل طبيعي ليس فيه استعلاء أو فوقية أو تمييز فإن الشخصية المهتزة غير الواثقة تكون قد ثبتت أقدامها في عمق الطفل ويصعب التخلص منها طوال سنوات العمر المديدة أو القصيرة.
كيف تدفع التربية للعالم بطفل ثم شاب مراهق غير ذي عوج، أو على الأقل بأقل عدد ممكن من الأمراض النفسية والعصبية والجسدية والعقلية؟

التربية مسؤولية خطيرة، بل لعلها أخطر اختبار يتعرض له المُرَبّي وقد لا يعرف ولو طال به العمر نتيجة الاختبار، فيخرج من بين يديه طفل ثم شاب عالة على المجتمع أو مساهم في رفعته وحركته وفي قلب التفاعلات، وليس على هامش أحداثه.
الخوف هو العدو الأول للتربية السليمة، فإذا غابت عيناك عن طفل أو شاب غير مقتنع بما تقول، أو على الأقل خائف من توجيهاتك ونواهيك فأنت كمدير السجن تماما، لا يقوم بالاصلاح إنما بالزام الآخرين لعب دور المطيعين.

كانت ابنتي هي المسلمة الوحيدة في دار الحضانة، وطلبت من العاملين الانتباه جيدا، وأوضحت بالتفصيل معظم الأشياء التي تحتوي على لحم الخنزير، خاصة بعض المعلبات.
كانت سونيا في الثالثة من عمرها، عندما مازحني مدرس في دار الحضانة قائلا: لقد تعلمت من ابنتك اليوم درسا بليغا! كنت أهم بفتح علبة طعام صغيرة، ولكن سونيا قالت لي بأنها لا تأكل لحم الخنزير. قلت لها ولكن هذه العلبة خالية تماما منه، قالت: عليك أن تقرأ بيانات محتواها. ثم أردف قائلا: وكانت المفاجأة أنها فعلا تحتوي على لحم الخنزير، ولكن ابنتك حفظت شكل العلبة من قبل. كانت فخورة جدا أنها قالت ( لا ) بشجاعة، وأعتذر هو بشدة.
كنت قد أزمعت أن أعلم أولادي أغلى وأجمل وأسمى كلمة وهي ( لا ) عندما يضعف الجميع فيقبل بعضهم ( نعم ) على مضض. إنها الكلمة السحرية في التربية، وهي التي ستحدد الشكل شبه النهائي في مستقبل الطفل عندما يصارع الحياة، فتصرعه أو يقاومها ما بقيت فيه روح ...

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
19 ابريل 2007 السابعة صباحا
[/FONT]
 
الحلقة السادسة عشرة


الحلقة السادسة عشرة
[FONT=Tahoma (Arabic)]
لكن التربية لا تعني أن لا يخرج عضو أعوج من جسد سليم، وأن بيتاً يُذكر فيه اسم الله لا يسمح بتصدير أعتى المجرمين لمجتمع مسالم.
عندما كنت مقيما في جنيف كان هناك شاب محتال، يقترض أموالا من مواطنين عرب، ثم يبلغ السلطات السويسرية عن أماكن وجودهم إن لم يكونوا حاصلين على اقامة شرعية، فيتم طردهم. أذكر أنه اقترض مني مبلغا من المال، وعلمت من كثيرين بعد ذلك أنه من أكبر المحتالين. ذهبت إليه وكلي غضب وطلبت منه اعادة المبلغ، وذكرت له اسماء اشخاص تسبب في طردهم بعدما اقترض منهم مبالغ كبيرة. قلت له: إنني آسف أنك ابن لأحد أهم الشهداء والمفكرين ورجال القانون، وأنت ابن فاسد لوالد لا تزال ذكراه العطرة تفوح في جنبات المحاكم ويعرفه كل رجال العدالة.

ومع ذلك فالمرة الوحيدة طوال غربتي التي آذيت فيها شخصا لم يضرني مباشرة كانت ضد شاب ينتمي لأسرة من الملائكة حتى أنني استضفت في بيتي والدته لعدة ايام ، أما شقيقه الأكبر فكان وقتئذ يحتل منصبا كبيرا جدا في الدولة.
كان يبحث عن عمل في أوسلو، فأتصلت بشخص أعرفه ومقيم في مدينة بعيدة عن العاصمة. قلت للصديق المتزوج بأن هذا الشاب من أسرة طيبة، وأنا أعرفهم جيدا، فهل لديك فرصة عمل له؟ قال لي على الفور: ما دمت تثق به، فأرجو أن ترسله غدا وسأعتبره واحدا من أفراد أسرتي الصغيرة، وكان صديقي متزوجا من نرويجية.
بعد أقل من أسبوع أعدت الاتصال فقال لي صديقي بأنه سعيد بوجوده، فقد اعتبره شقيقه الصغير يساعده في عمله.
في أثناء زيارتي للصديق الذي أنشأ معي لاحقا إذاعة صوت العرب من اوسلو ( وسيأتي الحديث مفصلا عنه ) أبلغني أن فلانا قد هرب إلى مدينة صغيرة ، ويختبيء لدى شخص عربي. سألت عن السبب فأنكر معرفته بسبب هروبه.
مساء نفس اليوم جاءني اتصال غاضب وحانق وكأنه زلزال في خطوط الهاتف. كان من الصديق المتزوج، وهو يبكي بحرقة وحكى لي أن الشاب الذي اعتبره شقيقا أصغر له خانه مع زوجته، وهو يبحث عنه في كل مكان في النرويج يريد أن يقتله أو يبلغ الشرطة عنه فهو بدون اقامة قانونية.
نزل الخبر علي نزول الصاعقة، فالخيانة هي أحط عمل يمكن للانسان أن يهبط إليه في أسفل درك من الوضاعة. كم تمنيت وقتها أن آخذ أنا بثأر المغدور ، وجرى أمام عيني شريط طويل عن هذه الأسرة الطيبة، وخاصة والدة الشاب الخائن، التي كان من المفترض أن تخرج من تربيتها الفاضلة نماذج مشرفة ومثالية وطاهرة.
أبلغت صديقي بمكان الشاب الخائن، فاتصل على الفور بالشرطة التي قبضت عليه وقامت بترحيله .

وقد يحدث العكس، ويحدث رد فعل مضاد للتربية الخاطئة، ويسعي الشاب أن يصبح نقيض والده أو والدته .
كان جاري وفي عمر ابني ، وكان يراسلني ويحمل في ردودي أحلامه للهجرة فهو ابن لرجل متسلط ، يسعد في كل لحظات السخرية من أبنائه. يضربه ضربا مبرحا، ويشتمه أمام الجميع.
وكبر الطفل ليدخل مرحلة الشباب المراهق وأول شيء فعله كان الانخراط ف لعبة الملاكمة، وسألته عندما قمت بزيارته في نيويورك وأقمت وابني لديه أسبوعا كاملا عن سبب اختياره الملاكمة، فقال: حتى أتخيل نفسي أضرب والدي القاسي والفظ والغليظ القلب.
ونجح في أمريكا نجاحا باهرا ، لكن ذكريات الطفولة الأليمة كانت تطارده كثيرا.


مضى عام 1983، وغادرت مدينة الطلاب نهائيا، وتفرغت للمكتبة العالمية وعالم الثقافة والكتاب، وازدادت نشاطاتي السياسية، واشتركت في كل المظاهرات المناهضة لاسرائيل.
وجاء عام 1984 ليشهد حدثين كبيرين في حياتي:
الأول هو أن الله تعالى رزقني بطفل ثان، واسميته مجدي على اسم شقيقي الأصغر، ولأن الاسم سهل في الكتابة والنطق في النرويج، ولم تمانع والدته النرويجية.
لم يخطر على ذهني مطلقا الفارق بين الأنثى والذكر، بل كنت متفائلا عندما رزقني العلي القدير بابنتي أولا فلست من الذين إذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مُسّودا وهو كظيم.
قال لي صديق عزيز: أريد أن أدعوك ب( أبو مجدي ) و ليس ( أبو سونيا ) فنحن في بلادنا نفضل اسم الذكر! ورسول الله، صلى الله عليه وسلم هو أبو القاسم.
قلت له: إنها نفس فكرة وأد البنات الجاهلية ولكن بتبرير جديد. ثم إن نبي الاسلام الكريم هو أبو الزهراء!

مع خروج مجدي للعالم خرج مولود آخر من ورق مطبوع تدفع به تروس المطبعة! وأصدرت أول عدد من مجلة ( طائر الشمال ) بعدما سافرت إلى أستوكهولم ، واشتريت من الصديق اسحق مجيد آلة كاتبة متقدمة وثقيلة الوزن وحملتها معي في القطار إلى أوسلو.
واستخدمت لصق لتراسيت لعمل العناوين.
وانشغلت بهذا المثلث العزيز: سونيا ومجدي والمكتبة العالمية ومجلة طائر الشمال، لكنني كنت أحلم في ذلك الوقت بإذاعة عربية أو قناة تلفزيونية، وظل الحلمان متجاورين حتى تحقق أحدهما في يونيو عام 1987 وافتتحت إذاعة صوت العرب من أوسلو ومعي صديق عراقي ظللنا لثلاث سنوات ونصف نعمل في الاذاعة ونتفق في كل شيء تقريبا حتى جاء الثاني من أغسطس المشؤوم عام 1990، وغدر صدام حسين بالكويت، واختلفت مع صديقي حتى أصبحت المسافة بيننا كبعد المشرقين.


في منتصف عام 1984 ومع صدور طائر الشمال بدأت المكتبة العالمية تحقق خسائر تكبر مع كل يوم. فالعرب لا يقرأون إلا قليلا، ويعشقون المطبوعات المجانية، وغير العرب يشترون في عطلاتهم من بلادهم.
أرسلت أعدادا كبيرة من المجلة إلى المسؤولين وصناع القرار والبعثات الدبلوماسية في دول العالم ووزارات الثقافة والاعلام ومحرري المطبوعات، وكانت المجلة في صورتها الأولى بدائية وغير منظمة، وكل مقالاتها بقلمي. إنها سعادة لا أستطيع وصفها، فليس هناك رئيس تحرير أعرض عليه كتاباتي، ولا أنتظر إلا قراري الشخصي، ورؤيتي للأحداث.

وجاء أول رد فعل في صورة مقال افتتاحي في مجلة ( المجالس ) الكويتية وكان بتوجيهات السيدة هداية سلطان السالم ( رحمها الله ) وجاء تحت عنوان ( نشرة مقاتلة في النرويج ).
ومنذ ذلك الوقت كنت أقوم بزيارة ( المجالس ) في كل مرة أزور الكويت، وأقتي وقتا ممتعا في حوار مع الأستاذ حسين العثمان. وتأثرت بشدة في احدى المرات عندما أبلغني بأنه لديه توجيهات من السيدة هداية سلطان السالم بأن تنتقل استضافتي من وزارة الاعلام إلى مجلة ( المجالس ) تعبيرا عن محبة السيدة الجليلة لي، ولكن السيدة أمل الحمد رفضت الطلب، وشكرت العرض الكريم من ( المجالس ) .
بعد سنوات نشرتُ مقالا عن الراحلة السيدة هداية سلطان السالم تحت عنوان ( الرحيل بأمر الغد ) وحزنت عليها حزنا جما.

بعد ذلك نشرت ( العرب ) الدولية في لندن ترحيبا بصدور طائر الشمال في كلمة قصيرة من الحاج أحمد الصالحين الهوني ( سبتمبر 1984 ).
وجاء رد الفعل الثالث في ( الأنباء ) الكويتية، وقمت بزيارة الصحيفة وقدمت للأستاذ فيصل المرزوق جزيل شكري.

الكتابة مسؤولية، واصدار المجلة العربية الوحيدة في النرويج لم يكن أمرا هينا، ولأنه لا كرامة لنبي في وطنه فقد تجمعت سحب قاتمة من مشاعر الحسد والغيرة، وظهرت خلف الابتسامة والتحية والتهنئة أشياء أخرى كثيرة لم أكن أحب اكتشافها في الأقربين، وما أشد حاجتي آنئذ إلى الدعم المعنوي والأدبي والتشجيع في مشروعين ثقافيين دفعة واحدة، المكتبة العالمية ومجلة طائر الشمال.

لكنني في الواقع كنت أعيش بين أحبابي، أولادي والكتاب والقلم، فكانت طعنات الأصدقاء تلقى مقاومة شديدة، فالحسد لا يستطيع أن يخترق عالم الحب والتسامح، والحاسد ينتحر داخليا دون أن يدري، أما الحاقد فلا يعرف أن الروح هربت منه فهي نفخة من الله.
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 22 ابريل 2007
الثانية صباحا
[/FONT]
 

قوس قزح

عضو مميز
الأخ الأكبر محمد عبدالمجيد ..

لا أريد أن أقطع سلسلة حلقاتك ... لكن قبل أن تسترسل .. ضع ملحقاً عن لحظات مخاض المجلة ولماذا سميت بـ " طائر الشمال " ومن الذي إختاره .. لأني أعتبر تلك المحطة منعطفاً مهما في تلك الحلقات ولابد أن يوثق بتفاصيله ..


شكراً ..

فأنا لازلت أستمتع بالتحليق في سماء حياتك ..

قوس قزح ..
 
شكرا

أخي الحبيب قوس قزح حفظه الله
شكرا جزيلا على مشاعرك الطيبة الفياضة، وعلى اهتمامك الكريم.
آمل أن لا أكون قد أطلت وأثقلت عليكم جميعا، وأنا على استعداد لانهاء الحلقات والتوقف فور تلقي الاشارة من الأعضاء الكرام.
ولك ولكم مني أطيب تحية ومحبة وتقدير

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
 

قوس قزح

عضو مميز
أبـــــــــــــــــــــداً لا يحق لك التوقف !!!!!

أخي الأكبر .. محمد عبدالمجيد

أبعد أن أدمنت حلقاتك .. وحلقت في سماء ذكرياتك ..

أكمل أخي الكريم .. فنحن نقرأ بصمت .. ولا يحق لنا إلا الصمت أمام حديث الذكريات ..

أخوك المحب

قوس قزح
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أبانا طائر الشمال أكمل فإن لك عيون ترقب كل ما يجود به قلمك فإنا متابعون لرسم بيانك وبلاغة لفظك ومرونة سردك وجاذبية حديثك ووزن كلماتك فلا تحرمنا فهذا حقنا عليك أبانا العزيز

تحياتي
 

الكاشونة

عضو ذهبي
أستاذنا العزيز محمد عبد المجيد ( طائر الشمال )

نقرأ لك بعيوننا و قلوبنا معا .. أكمل و أطل ..

مع أحترامي و تقديري ,,
 
الحلقة السابعة عشرة


الحلقة السابعة عشرة
[FONT=Tahoma (Arabic)]
أسماء المجلات والفصليات والدوريات بل والصحف تحمل دائما تلك المعاني الاعتيادية التي تسمعها الأذن في كل مكان . الاتحاد. الوطن. الدستور. السياسة. الشعب.الأيام. ... وفي المهجر كانت هناك ( الوطن العربي ) و ( المستقبل ) و ( الدستور) و ( العرب ) و ( الشرق الجديد ) ثم جاءت (الكلمة الممنوعة) وظهرت بعض المجلات المهجرية التي تحمل أسماء غير عادية مثل ( العفريت ) و ( المطرقة )، وفي السويد ظهرت بعد سنوات من صدور ( اسكندنافيا ) مجلة ( المسلة ) للزميل العراقي عدنان الجميلي .
كانت هناك أيضا مجلة ( 23 يوليو ) التي يصدرها السيد نور ومحمود السعدني في العاصمة البريطانية وهي متخصصة في الهجوم على كامب ديفيد والرئيس الراحل أنور السادات، وكانت ساخرة ومتهكمة وقد كتب فيها رئيس الأركان المصري سابقا سعد الدين الشاذلي .
وأصدر ملك الصحافة آنئذ رياض نجيب الريس صحيفة ( المنار ) ولعلها تُذَكّرنا بمثيلتها في الاسم التي كان يصدرها محمد رشيد رضا في أوائل القرن الماضي وهو تلميذ الشيخ الامام محمد عبده صاحب ( العروة الوثقى ) .
[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]
وأصدر بلال الحسن في باريس مجلة ( اليوم السابع ) وكانت المجلة الأكثر جرأة تلك التي كان يصدرها ( ميشيل نمري ) في العاصمة اليونانية أثينا تحت اسم ( النشرة ) وكانت متخصصة في حقوق الانسان العربي ، وتهاجم السجون والمعتقلات والاستبداد، لكن رئيس تحريرها دفع ثمن دفاعه عن حقوق الانسان العربي، والسوري خاصة فاصطادته رصاصات غادرة من قوى التصفية التابعة للمخابرات السورية ، فزعماؤنا في العالم العربي يضيقون ذرعا بالكلمة المكتوبة، ويعتبرون لغة الضاد عدوهم الأول، وصاحب القلم لا يختلف عن قائد انقلاب عسكري مضاد.​
[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]

لم أتوقف كثيرا عند اسم عادي مثل ( المغترب ) و ( المهاجر ) و ( العربي ) و ( الغائب ) و .... فأنا واحد من تلك الطيور المهاجرة في كل مكان من أرض الله الواسعة، والنرويج لم تكن معروفة لدى القاريء العربي، لكنه يعرف السويد بنظامها الاشتراكي المتحرر وثورتها الجنسية في أوائل الستينيات التي داعبت خيال وأحلام ملايين من العرب ورجال العالم الثالث وظن كل منهم أن بشرته السمراء هي جواز مروره لأحضان أي فتاة سويدية شقراء إن وقعت عيناها الزرقاوتان البراقتان على وجهه الذي لوحته شمس الجنوب الحارقة فستسقط تلك السويدية الجميلة من جماله اليوسفي الشرق الأوسطي!
[/FONT]

[FONT=Tahoma (Arabic)][/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]دبلوماسي عربي كبير أصبح سفيرا فيما بعد ، وكان متزوجا من سيدة فاضلة ورقيقة وجميلة، سمعته بنفسي وهو يبدي رغبته الجامحة في أن ( يجرب اللحم الأبيض ) بأي ثمن، فهو يعيش في الشمال لبعض الوقت ويجب انتهاز تلك الفرصة !


قررت أن يكون اسم المجلة نابعا من هموم الهجرة إلى الشمال كما فعل الطيب الصالح في روايته الأكثر شهرة منه ( موسم الهجرة إلى الشمال ) .
لا أدري إن كان الاسم هو الذي بحث عني أم عثرت أنا عليه بعد جهد شاق، لكنه على كل حال اختيار لم أستشر فيه أحدا، ثم إنني لم أقابل واحدا يمكن أن يوافقني ولو مجاملة في فكرة اصدار مجلة باستثناء جان جاك صديقي السويسري الذي كان يثق في قدراتي واتصلت به ليشُدّ من أزري، ويقوّي عزيمتي.
وحط الاسم فوق رأسي كما تحط حمامة غابت طويلا ثم عادت إلى ( الغيّة ) التي اعتادت عليها بصفير متقطع تلتقطه فتعود أدراجها.
طائر الشمال هو الذي الاسم الذي عثر عليّ، ووجدته فلم أفارقه منذ يونيو عام 1984 ليصبح عنوان أول مجلة عربية في النرويج، ولم يدر بذهني منذ هذا الوقت أنني يمكن أن استبدل به اسما آخر.
بصمة سياسية حادة في مجلة تحمل اسما قد يكون لنشرة عن الطيور والحيوانات في شمال أوروبا، فكان التحدي، ولكن توفيق الله، عز وجل، سبق كل شيء.


في النرويج تذهلك تلك العلاقات الاجتماعية التي لا تعترف إلا قليلا بالفوارق الطبقية والاجتماعية والعمرية، فأنت تنادي أي شخص بضمير المخاطَب ( أنت ) حتى لو كنت طالبا في الجامعة وتحدثت إلى مديرها أو عميد كليتك.
بعد انتقالي من سويسرا إلى النرويج وتغيّر نمط العلاقات الاجتماعية الذي لم أقبل بعضه، صارحت زوجتي ( السابقة ) وطلبت منها أن لا تنادي ابنتي سونيا أخوالها وخالاتها وجدتها من الأم بالاسم الأول مجردا. كان طلبي غريبا بعض الشيء، فأذناي لم تستوعبا أن تنادي طفلة صغيرة جدتها باسمها الأول كأنها صاحبتها أو طفلة في عمرها. أبدى الأخوال والخالات دهشتهم قليلا، لكنني أصررت أن تختلف ابنتي عن أولاد خالاتها وأخوالها، وأن يكون للاحترام دوره الفعّال، وحتى هذه اللحظة فسونيا ومجدي الوحيدان اللذان يستخدمان كلمتي ( خالتي وخالي ) في أسرة والدتهما.


شاهدت في الترام رئيس الوزراء آنئذ( ورئيس الحزب اليميني ومحافظ العاصمة لاحقا ) السيد كوري فيلوك يقف في وسطها، وعن يمينه تجلس أم بجانب ابنها الذي لم يبلغ الثامنة من عمره، وابتسمت الأم لرئيس الوزراء الذي كان يقف أمامها ( وطبعا لم يتحدث معه أحد طوال فترة وقوفه في الترام )، لكنها لم تطلب من ابنها الصغير أن يقف ويطلب من رئيس الحكومة الجلوس مكانه!

تذكرت موقفا حدث أمامي أيضا ومنذ سنوات طويلة، وكان في القطار المتجه من القاهرة إلى الاسكندرية، فقد كان نفس الوضع. الأم تجلس وبجانبها ابنها الصغير، ودخل عربةَ الركاب رجلٌ في مقتبل العمر، فلم يجد مكانا، ولمح الطفل الصغير بجانب والدته، فتقدم منه بجفاء شديد وغلظة مسكونة بهستيريا عبرّت عنها حركاتُ يديه. ثم نهر الطفل، وأمسكه من ذراعه، ثم دفعه بعيدا، وجلس مكانه. لم تنبس الأم ببنت شفة، أو حتى تطلب من الرجل الغريب أن يكون ودودا مع ابنها.


كنت في مبنى الحكومة النرويجية والذي يجمع كل الوزارات تقريبا ما عدا وزارة الخارجية، وكان لدي موعد مع سكرتير رئيسة الوزراء السيدة جرو هارلم برنتلاند ( أصبحت فيما بعد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في جنيف وهي الآن على المعاش وتقيم في اسبانيا ). دخلتُ المصعدَ وقد ازدحم، وقبل أن يوشك على اغلاق الباب آلياً، حاول رجل أن يدخل لعله يجد مكانا صغيرا ضيقا له، ولكن الواقفين داخل المصعد صاحوا به أن لا مكان له، فاعتذر بشدة وتراجع إلى الوراء. كان الرجل هو وزير الاقتصاد وأحسب أن كل مَنْ في المصعد يعرفه!

في خلال أزمة البترول عام 1973 شارك الملك الراحل أولاف أبناء شعبه في ترشيد استهلاك الوقود، فكان يركب الترام والحافلة والمترو، ويدفع قيمة التذكرة من جيبه الخاص، وله صورة في الأرشيف الصحفي يتم نشرها بين الحين والآخر. وكانت مشاويره القريبة من القصر بالعجلة، فلا يتوقف نرويجي واحد ليزعج الملك بحديث باستثناء بعض الابتسامات.

في احدى المرات هاج البرلمان النرويجي وماج، واحتج أعضاؤه على طلب من رئيسة الوزراء ( وقتئذ ) السيدة جرو هارلم برنتلاند عندما طلبت حارسا خاصاً بحُكم أنها امرأة ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها.
كانت الاحتجاجات منطلقة من مبدأ أن لا أحد يحرس أحدا في النرويج، ثم مَن الذي سيدفع أجر هذا الحارس؟ وكيف تتحمل خزينة الدولة هذا العبء؟ ( لاحظ أن النرويج لديها احتياطي من المال لا يعرف النرويجيون كيف يستخدمونه، وهي ثالث أكبر منتج للنفط بعد السعودية وروسيا ).
وتضامن حزبها ( حزب العمال ) مع رئيسته ورئيسة الحكومة، وتم تعيين حارس خاص لها من أموال الدولة.


عندما أجريت حديثا عام 1989 مع وزير الخارجية السيد شل ماجنا بوندفيك ( رئيس الحزب الشعبي المسيحي لاحقا، ورئيس الوزراء مرتين ) لم يكن هناك معه غيري. وكان الحديث مخصصا لصحيفة ( الشرق ) القطرية، والأسئلة أمامي باللغة العربية، وأترجمها للنرويجية فورا.
طرحت عليه سؤالا محرجا جدا عندما قال بأن من حق أي يهودي نرويجي أن يعود إلى اسرائيل.
قلت له: أنت تستخدم كلمة ( يعود ) فهل تطلب من رئيس البرلمان السيد يو بينكوف وهو يهودي والرجل الثاني بعد الملك ( بروتوكوليا ) أن يعود إلى اسرائيل رغم أنه نرويجي مثلك؟
غضب وزير الخارجية مني، وأغلق جهاز التسجيل الذي أمامي، وطلب مني الخروج فورا. رفضت قائلا بأنه وعدني بالاجابة عن جميع الأسئلة، ولن أخرج. لم يستدع وزير الخارجية الحرس الخاص أو أمن الوزارة، لكنه هدأ قليلا وقال لي: لكنك تحرجني بأسئلتك! قلت له: وأنت تورط نفسك بأجوبتك. قال: إذن لا تنشر هذا السؤال عن يو بينكوف. واحترمت رغبته، وبعد اللقاء طلب مني أن لا أنشر الحديث في الصحافة النرويجية، وقال لي وهو يودعني على باب مكتبه: لا أريد أن أجري معك حديثاً بعد اليوم!
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 23 ابريل
الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا
[/FONT]
 
الحلقة الثامنة عشرة

الحلقة الثامنة عشرة

[FONT=Tahoma (Arabic)]في تلك الفترة كان يمثل مصرَ سفيرٌ مستنيرٌ هو الأستاذ أحمد فؤاد حسني ومعه القنصل العام الأستاذ عبد الحليم السجاعي وثالثهما الأستاذ محيي يوسف.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]أجرى السفيرُ لقاءً مع صحيفة يهودية صهيونية دون أن يدري، وفام رئيس التحرير السيد ( بير هين ) وهو يهودي نرويجي بعمل لقاء آخر مع السفير الاسرائيلي ووضعه في الصفحة المقابلة، وبدا اللقاءان غير متساويين بحيث من يقرأ الاثنين ينحاز فورا للاسرائيلي.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]اتصلتُ بالسفير، ثم قمت بزيارته، وكان متواضعا دمث الخلق، وشرحت له الموقف، وطلبت منه أن يتصل بنا إنْ لم يكن واثقا، فنحن مقيمون هنا ونعرف أهل البيت من النرويجيين، فاعتذر بلباقة متحضرة بدلا من أن تأخذه العزة بالاثم ، وحملتُ له هذا الموقف النبيل حتى بعدما غادر النرويج.[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]زيارتي الثانية للكويت في عام 1984 لكنها هذه المرة تأخذ منحى آخر، وتقترب من رجال الاعلام والثقافة والأدب، ومع ذلك فقد قمت بزيارة للدكتور فؤاد العمر مدير بيت الزكاة ، ولم أكن أحمل مشروعا اسلامياً.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]بدأت التعرف عن كثب بأدباء ومثقفين واعلاميين ، وقضيت معظم هذه الزيارة للاقتراب من الجانب المجهول من دولة الكويت .. أي الفكر الثقافي والأدبي ومن حسن حظي أن الأربعة الذين استمتعت بصحبتهم الفكرية جعلوا المشهد الكويتي الثقافي في ذهني يبدأ من نقطة انطلاق جيدة رغم أنني كنت متابعا من بعيد للحركة الأدبية والثقافية ، خاصة عن طريق ( العربي ) و ( عالم الفكر ) .[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]كانت الصحبة الجميلة مع الدكتور خليفة الوقيان والأديب الشاعر سليمان الخليفي والأستاذ عبد الفتاح الصبيح ( مدير إذاعة الشعب المصرية الأسبق ) والأستاذ حسين اللبودي ( رحمه الله ) والذي أهداني شرائط الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم .[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]في وزارة الاعلام بدا أن زمنا من التعاون الوثيق والصحي والصادق في طريقه ليتبلور بهدوء بعدما التقيت الشيخ ناصر محمد الأحمد الجابر الصباح والأستاذ رضا الفيلي والسيدة أمل الحمد.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]بديات عام 1985 تبشر بسنة مشحونة بالأحداث، فقمنا بزيارة لمصر ولم يكن مجدي قد بلغ عامه الأول. في طريق العودة، ونحن في ترانزيت مطار كوبنهاجن الدولي كانت سونيا ( 6 سنوات ) تتحدث بفخر أن اسمها مطابق لاسم ملكة النرويج ( الأميرة وقتها وزوجة ولي العهد ) وتتمنى مقابلتها! وفجأة قالت لها والدتها: انظري هناك من الذي يسير أمامك؟[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]كانت الملكة سونيا ملكة النرويج في قاعة الترانزيت وليس معها حراسة باستثناء شخصين من القصر الدانمركي ( بروتوكول ) وثالث من النرويج. جرت ابنتي ناحيتها، وسلّمَتْ عليها وقالت لها: وأنا أيضا نرويجية مثلك واسمي سونيا. وقفت الملكة قليلا، وتحدثت إلى سونيا، ثم تكلمت معنا قليلا.[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]يتعلم الانسان حقوقا في أماكن أخرى لم يكن قادرا في بلده الأصلي على استيعابها، بل حتى على تصورها، فإذا حدّثْتَ أحدهم مثلا عن أن ملك السويد كارل جوستاف والملكة سيلفيا ( وهي ألمانية الأصل وقابلها الملك عندما كانت تعمل في معرض في ألمانيا ) عندما يخرجان للتنزه يكون مع كل منهما شرائح خبز ومشروب ساخن في تورموس صغير، يقول لك محدثك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينام تحت ظل شجرة آمنا مطمئنا ( رغم أنه قتل بعد ذلك )، وهي مقارنة غير عادلة في زمنين مختلفين في كل شيء.[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]رئيس وزراء السويد الأسبق والأشهر في تاريخها أولوف بالما والذي كان له دور مشهود في استقلالية القرار السويدي وادانة الحرب الأمريكية ضد فيتنام ، كان خارجا من دار عرض سينمائية مع زوجته دون أن تكون معهما حراسة. كانت الساعة تقارب الحادية عشرة مساء، وقالت له زوجته بأنها تريد أن تنظر لواجهة عرض محل من الناحية الأخرى للشارع. وبعد دقائق سمعت صراخا، فجرت نحوه لتجده يصارع الموت بعدما تعرض لعملية اغتيال وضيعة.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]لازلت احتفظ برسالتين عندما كنت في عامي الأول في جنيف وأردت البحث عن مكان آخر للاقامة، فأرسلت إلى ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية، ورد علي القصر الملكي بأن عودتي للندن تحتاج لاجراءات صعبة، وربما مستحيلة. والرسالة الثانية كانت من رئيس وزراء السويد أولوف بالما نفسه يعتذر فيها عن عدم قدرته على مساعدتي للحصول على حق الاقامة ( كان ذلك في بداية عام 1974 ) .[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]الحقوق والواجبات عملية نسبية تختلف من مكان إلى آخر، ويتعامل الانسان معها بوجهين دون أن يشعر بالتناقض أحيانا. [/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]في طريق العودة من الرياض إلى أوسلو ( عام 1987 ) قررت زيارة أهلي ليومين. وفي مطار القاهرة الدولي كنت أقف في الصف الطويل للطائرة القادمة من العاصمة السعودية، وأمامي وخلفي ( مصادفة ) عدد كبير من الصعايدة بجلاليبهم المميزة. جاء دوري فسألني ضابط الجوازات: لماذا تقف معهم وأنت تحمل الجنسية النرويجية؟ قلت: لأنني عائد من الرياض ومتوجه لأوسلو وأزور الأهل في مصر! طلب مني الانتظار رغم أن كل من في الصف مر بسهولة، وجاء ركاب طائرة أخرى. وقفت وقتا طويلا، وأخرجت كتابا من حقيبتي وجعلت أقرأ فيه دون أن أنظر إلى الباشا. غضب أكثر، وبعد فترة أشار إلى زميله، وختم جواز سفري.[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]في مطار أوسلو تدلف دون أن تقف أمام ضابط الجوازات أكثر من ثانيتين أو ثلاث، ولا يختم لك جوازك النرويجي في الخروج أو الدخول فهو اعتداء على حريتك، وفي كثير من الأحيان لا يفتح جواز السفر مطلقا ( بدأ فتح الجوازات منذ أقل من عشر سنوات ).[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]وعندما تكون قادما بطائرة من دولة اسكندنافية( الدانمرك، السويد، آيسلندا، فنلندا ) فيكفي أن تمر أمام ضابط الجوازات قائلا: نرويجي! دون أن يطلب منك أن تتوقف لتظهر أي ورقة.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]في عالمنا العربي تقف في المطار كأنك متهم، وترتعش يداك، وتشكر ضابط الجوازات لأنه تفضل ونظر إليك. وقد تشكره عندما يتسلم منك جواز السفر، فإذا أعاد النظرة كَرّة أخرى لوجهك الكريم فقد يزداد نبض قلبك ضعفين. أما لو كنت مصابا بارتفاع ضغط الدم وطرح عليك سؤالين بريئين، رغم أن البراءة وأجهزة الأمن العربية لا تلتقيان، فربما تحتاج لزيارة الطبيب في أقرب فرصة.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]نظرات ضابط جواز السفر العربي تصيبك في مقتل دون أن تقتلك. إنها تخترق الحجاب الحاجز، وتدلف متسللة إلى عقلك، وتحاول كفيروس الكمبيوتر أن تقرأ أفكارك فربما تكون من أعداء الدولة، أعني خصوم الزعيم.[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]لسان حال ضابط جوازات أي مطار عربي يقول لك: لا أصدق أنك بريء.[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]في الطريق من الكويت إلى دمشق مر الزميل عصام أباظة مدير تحرير ( الأنباء ) سابقا على الحدود الأردنية، فاكتشفت أجهزة الاستخبارات التي لا تغيب عنها دقائق معدودة من حياة المواطن المسكين أن زميلنا العزيز كان يكتب في صحيفة إماراتية منذ سنوات طويلة، ونشر مقالا لم يرق للعائلة الهاشمية الشريفة![/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]في مطار تونس اكتشفت السلطات التونسية أن الزائر الذي يحمل الجنسية الفرنسية وهو تونسي الأصل كان قد تظاهر في باريس أمام السفارة التونسية ، وقد مضت على المظاهرة عشر سنوات. لكن أجهزة الاستخبارات اليقظة جدا ضد المواطن والغافلة عن تصفية الموساد لمناضلين فلسطينيين على أرضها، كانت لديها صورة للزائر العزيز يبدو أن موظفي السفارة في باريس التقطوها من خلف النافذة.[/FONT]​


[FONT=Tahoma (Arabic)]الحقوق والواجبات مكتسبة في المجتمع، وفي النرويج تستطيع أن تعتذر لرئيس جهاز المخابرات لو استدعاك قائلا بأنك ستذهب إلى السينما مع ابنك الصغير الذي وعدته، فيعتذر لك ويحدد موعدا آخر. في بلادنا العربية يوقظك رنين الهاتف بعد منتصف الليل، ويطلب منك المتحدث أن تحضر إلى مكتب الضابط المناوب صباح الغد، فتشكره، وهو لا يعتذر عن ايقاظك .[/FONT]​


[FONT=Tahoma (Arabic)]تلقى الشاب المسكين طلبا من أجهزة استخبارات صدام حسين أن يتوجه إلى قسم الأمن القريب من داره في بغداد. وكادت عظام ركبتيه تنفصل من الخوف. استقبله ضابط بعثي صغير وقال له: عليك أن تقوم بتسليم مفاتيح شقتك لنا في غضون يومين، ولا تسأل عن السبب. بحث عمن يستضيفه وزوجته والأولاد ، ثم توجه لمخفر الأمن قبل الموعد المحدد، وسلّمَهم مفتاح الشقة وهو يقدم لهم شكره الجزيل ( !!) .[/FONT]
[FONT=Tahoma (Arabic)]بعد مرور عام كامل وشاق وحزين تخلله أرق في كل لياليه السوداء ونهاراته الأكثر سوادا، جاء طلب صغير على ورقة ألقاها في وجهه عسكري أمن جلف: عليك بالحضور غدا إلى مخفر الشرطة لتتسلم مفاتيح شقتك.[/FONT]​

[FONT=Tahoma (Arabic)]الاهانة تختلف من مكان إلى آخر، والنرويجي السجين مثلا لديه انترنيت وتلفزيون في الزنزانة، وأكبر جاسوس في تاريخ النرويج وهو آرنا تريهولد قام بتأليف كتابه في السجن، وتفاوض مع دار النشر دون أن تبدي أي جهة أمنية ملاحظة واحدة. وقد يخرج السجين في عطلة قصيرة من السجن لزيارة ابنته في المدرسة أو للاحتفال بمناسبة خاصة، ومعه حارس أو حارسة شقراء جميلة تنتظره ريثما ينتهي من تناول الطعام في مطعم فاخر![/FONT]​

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 27 ابريل 2007
الساعة التاسعة صباحا
 
اعتذار

أعتذر بشدة عن تأخري لكل المتابعين الكرام لأنني انشغلت في عدد جديد من طائر الشمال الورقية، ولكم مني أطيب تحية ومحبة.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو
 
الحلقة التاسعة عشرة

[FONT=Tahoma (Arabic)]
الحلقة التاسعة عشرة

ارتكبت خطأين في المكتبة العالمية وكان الأول هو زيادة أعداد الكتب العربية مع معرفتي المسبقة بأن العرب لا يقرأون، والعربي في أوروبا لا يشتري كتابا بلغته ويدفع فيه ثمن كأسين بيرة ، وهو دائم المقارنة بأسعار بلده.
والعربي ينتظر أن تعطيه الكتاب مجانا، فإذا أعطيته إياه فربما يتصفحه، أما القراءة الدسمة والعميقة والمتأملة فنسبة ضئيلة جدا من العرب يتميزون بها.
والعربي يظن أن القراءة هواية ، أي من حقك أن تقرأ أو تبقى جاهلا ، ولا يعرف أنه واجب ديني ووطني وانساني وأخلاقي، وأيضا عقلي.
الخطأ الثاني كان في سوء اختياري موقع المكتبة العالمية فلم أكن أعرف أنها تقع بالقرب من تجمعات الذين يتعاطون المخدرات ومعهم العاهرات، ففقدتُ شريحة من الناس وهم الأطفال الذين كان أكثر من ثلث المكتبة موجها إليهم، وكانت لديّ كتب أطفال بالاسبانية والتشيكية والبولندية والانجليزية والدانمركية والأردية و .. غيرها.
أصبحت المكتبة العالمية تجمعا عربيا، وكانت تعمل معي امرأة شابة نرويجية متزوجة من تركي وهي تترك انطباعا جيدا يزيدك احتراما لها. في احدى المرات أبلغتني بأنها ترى المكتبة العالمية في طريقها للانهيار لأن ( أصدقائي ) العرب، حسب وصفها، يأتون للحديث والنقاش بصوت مرتفع ولا يشتري أي منهم كتابا واحدا.
بدأ القلق يساورني من زيارات متفرقة بين الحين والآخر من متعاطيي المخدرات في المنطقة، فيدخلون ويخرجون بدافع الفضول، لكنني في الحقيقة شخص لا يثق بسهولة فيما يتعلق بأمني الشخص، ولا أترك المصادفة ولو كانت نسبتها المئوية قريبة من الصفر تنتظر المفاجأة، ولا يمكن أن أحمل شيئا من شخص إلى آخر دون أن أفتحه.

في عام 1992 كنت في زيارة للرياض ، وبعد وصولي تلقيت طلبا بترك حقيبة لي في الفندق والمغادرة إلى مدريد لحضور افتتاح المركز الاسلامي، ثم العودة لاحقا. وسافرت فعلا ، وحضرت الافتتاح ، وأهديت الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ألبوم صور للعاصمة السعودية التقطتها بنفسي خلال زيارتي السابقة، وكان ذلك بعد صلاة العصر في المسجد الجديد في العاصمة الإسبانية بعدما افتتحه الأمير، وبعد ذلك توجهنا إلى مدينة اشبيلية لحضور اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية الذي أقامته سفارة المملكة على هامش معرض اكسبو 92.
لم أعد إلى الرياض واختلفت مع مدير الاعلام الخارجي اختلافا بَيّناً في أمر خاص بواجب الضيافة، وقام الأستاذ عساف أبو ثنين سكرتير الأمير سلمان بن عبد العزيز بمصالحتنا، لكن غضبي لم يهدأ ولا أريد الدخول في التفاصيل.

عدت إلى أوسلو ، وبعد عدة أشهر تلقيت دعوة كريمة لزيارة الكويت، ومن هناك اتصلت بوزارة الاعلام السعودية طالبا ارسال الحقيبة الموجودة في الفندق بالرياض.
ذهبت لتسلمها في مطار الكويت الدولي ومعي صديق من الحرس الوطني الكويتي، لكنني رفضت الاقتراب منها، رغم أنها حقيبتي، قبل أن يقوم رجل أمن كويتي بفتحها أولا في داخل الدائرة الجمركية ، ويفتشها جيدا، ثم يسمح لي بتسلمها.
قال لي ضابط أمن كويتي: لكنها مرسلة من الحكومة السعودية، وهي حقيبتك!
قلت له: لو كانت مرسلة من أقرب الناس لي، فهي مهمة الأمن قبل تسلمي إياها. ولو كانت المصادفة واحدا في المليون ، ووضع لي شخص لا أعرفه شيئا ممنوعا، حتى لو كان موظف في الفندق في الرياض، فكيف سأتصرف؟
بعد الاجراءات داخل الدائرة الجمركية في غير وجودي، تسلمت الحقيبة وقام ضابط الأمن الكويتي بمصافحتي بحرارة مبديا احترامه من تصرفي الذي بدا في البداية غير طبيعي.
أعود إلى عدم ثقتي، وهي التي دفعتني في منتصف مايو 1990 لعدم العودة لبغداد نهائيا، فقد كنت أعرف أن زيارتي الأخيرة التي احرقت الاستخبارات العراقية ستة أفلام التقطتها ( اشرت للحكاية من قبل ) هي خاتمة الرحلات، وتذكرت أن صدام حسين هو الذي أمر بوضع السم للرئيس الجزائري هواري بومدين واكتشفتْ الاستخبارات السوفيتية وقتها الأمر بعد فوات الأمر.
فتاة عراقية معارضة مقيمة في الدانمرك، كانت قد تلقت وعدا من بغداد بأن أجهزة الاستخبارات لن تمسها بسوء. وصدّقَتْ المسكينة بأن رجال صدام حسين يملكون ذرة من الشرف والشهامة واحترام الضيف.
وعادت لزيارة أهلها في بغداد، ورحبت بها أجهزة الأمن، وشربت لديهم كوبا من العصير ( إياه ) وربما ساورتها الشكوك لبعض الوقت وصرفتها بعيدا !
عادت إلى كوبنهاجن، وبعد أقل من ثلاثة أسابيع كان السم قد وصل إلى كل أنحاء جسدها، وفارقتها الروح، وتركت لغيرها تعلّم الدرس.
في منتصف عام 1985 اتصلت بضابط مكافحة المخدرات الذي ساعدته في 1982 في القبض على عصابة تهريب مخدرات خطيرة. وجاءني، فطرحت عليه سؤالا انفجر ضاحكا من غرابته!
قلت له بأنني قلق بشأن دحول وانصراف بعض الشباب الذين يتعاطون المخدرات في المنطقة وأحيانا عاهرات، فماذا لو ترك أحدهم قطعة مخدرات في المكتبة العالمية؟
قال لي: عليك أن تبلغنا فورا!
قلت له: لكنني لا أعرف شكلها، فكيف اتصرف؟
واعتبر جهلي بشكل أنواع المخدرات والحشيش وغيرها أمرا رائعا، وجاءني في اليوم التالي ومعه ( عينة ) من كل نوع من أنواع المخدرات والحشيش والهيروين المتداول، وعلّمني أسماءها ( نسيتها فيما بعد )، وكيف أتعرف عليها إن تركها أحد في المكتبة العالمية.
لا أعرف إن كان عدم الثقة هذا أمرا ايجابيا أم سلبيا، ولو أرسل معي صديق مبلغا من المال في مظروف صغير لأسلّمه لأهله في مصر، فإنني أطلب منه فتح المظروف أمامي.
في مساء أحد أيام عام 1986 دخلت المكتبة العالمية فتاةٌ عاهرة، وجعلت تصرخ وتولول وتبكي بشدة قائلة بأن زبونا اغتصبها، وأن ملابسها تمزقت، وتريد أن تقوم بتغييرها في مكتبي.
كان الموقف حرجا، لكن أمني وسلامتي أهم، فسمحت لها بأن تغير ملابسها شريطة أن يكون هذا أمامي. أبدت اعتراضها قليلا، ثم قلت لها بأنني لا أترك أحدا بمفرده في مكتبتي ما دمت لا أعرفه. وفعلا لم أتحرك من مكاني، وخشيت أن تلقي الفتاة بقطعة مخدرات في مكتبي!

كانت المكتبة العالمية تثير الكثيرين، واجتمع لدي عدد من النشطاء السياسيين، وكان اللبنانيون يعقدون اجتماعاتهم بها. وأصبح المكان مراقَبا من كل الأجهزة والسفارات في نفس الوقت الذي تخسر فيه المكتبة العالمية، وتزداد الديون وتثقل كاهلي، وأنا أيضا مشغول بطائر الشمال وبالأسرة مع وجود طفل ثان يحتاج للرعاية.
في احدى المرات دخل رجل أنيق يتفحص الكتب، ويطرح أسئلة عنها، لكن شكوكي قفزت لتسبق كل شيء آخر رغم أنه لم يقم بأي تصرف غير عادي.
كان الحديث معه لطيفا ووديا ولم يلاحظ أيا من تلك الشكوك، وغادر المكان. كانت سيارته واقفة أمام المكتبة، وجلس، ثم أدار المحرك، ومن خلال زجاج المكتبة شاهدني وأنا أحاول التقاط رقم السيارة، ثم التقت عينانا، وشعرت بانقباض شديد.
في الصباح اتصلت بالشرطة، وأبلغتهم مخاوفي، وكنت قد كتبت رقم السيارة بعد مغادرتها.
عشر دقائق لا أقل، كنت اتلقى اتصالا هاتفيا من الشرطة، وقال لي الضابط بأنني محظوظ، فهذه السيارة مستأجَرة من شخص يعمل في جهاز استخبارات مقره في العاصمة النمساوية فيينا، ويجب الحذر.
لم تتوقف نشاطاتي في المظاهرات ضد اسرائيل، واعتبرني الاخوة الفلسطينيون واحدا منهم إلى أن اصطدمت مع سفير فلسطين عندما قمت بتنظيم مظاهرة كبيرة ضد اسرائيل، فجاءني يطلب تغيير اللافتات لتكون في صالح منظمة التحرير الفلسطينية وليست موجهة مباشرة إلى الكيان الصهيوني.
رفضت طلبه بشدة، فقال لي بأنها قضيته وأنه صراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين، فلم أتزحزح عن موقفي، قائلا بأن اسرائيل خطر على أهلي في مصر، وأنني لا أقوم بالمظاهرة من أجل عيون أبي عمار ( رحمه الله ).
كانت المظاهرة كبيرة وناجحة، وفي منتصف يوم سبت حيث يكون قلب العاصمة مليئا بالناس.
في نهاية عام 1985 تلقيت دعوة كريمة من الدكتور عبد الله عمر نصيف أمين عام رابطة العالم الاسلامي لحضور المؤتمر العالمي للمساجد، وزيارته زيارة شخصية، والقيام بعُمرة، وكانت تلك أول مرة أزور فيها المملكة العربية السعودية.
كان مضيفي رائعا وكريما وودودا، وحضرت حفل غداء في مطعم فندق العطاس على البحر الأحمر والتقيت هناك بفضيلة الامام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور جاد الحق علي جاد الحق ( الذي حدثته في قضية الصوم في بلاد شمس منتصف الليل )، والشيخ عبد العزيز بن باز ( رحمهما الله ). كان لي حوار طويل بالفرنسية مع المفكر روجيه جارودي، وأذكر أنني سألته عن اسمه ( رجاء ) كما تردد الصحف المصرية، فقال لي بأن هذا هراء لأنني لم أبدّل اسمي، وسيظل بعد اعتناقي الاسلام (روجيه ) الذي اعتز به.
[/FONT][FONT=Minion Pro (Arabic)]

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 13 مايو 2007الساعة التاسعة صباحا
[/FONT]
 
أعلى