طبعا هو من المجددين , ولكن كيف تقول أنه لم يكن مشتهرا بالعلم أخي الكريم ؟! عمر بن عبد العزيز عالم متفقه قد روى أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وجمع خصال الخير كلها في شخصه رحمه الله تعالى رحمة واسعة, فقد قال ابن حجر رحمه الله في حقه (( وَنَظِير مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ بَعْض الْأَئِمَّة حَدِيث " إِنَّ اللَّه يَبْعَث لِهَذِهِ الْأَمَة عَلَى رَأْس كُلّ مِائَة سَنَة مَنْ يُجَدِّد لَهَا دِينهَا " أَنَّهُ لَا يَلْزَم أَنْ يَكُون فِي رَأْس كُلّ مِائَة سَنَة وَاحِد فَقَطْ بَلْ يَكُون الْأَمْر فِيهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الطَّائِفَة وَهُوَ مُتَّجَه ، فَإِنَّ اِجْتِمَاع الصِّفَات الْمُحْتَاج إِلَى تَجْدِيدهَا لَا يَنْحَصِر فِي نَوْع مِنْ أَنْوَاع الْخَيْر ، وَلَا يَلْزَم أَنَّ جَمِيع خِصَال الْخَيْر كُلّهَا فِي شَخْص وَاحِد ، إِلَّا أَنْ يُدَّعَى ذَلِكَ فِي عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ، فَإِنَّهُ كَانَ الْقَائِم بِالْأَمْرِ عَلَى رَأْس الْمِائَة الْأُولَى بِاتِّصَافِهِ بِجَمِيعِ صِفَات الْخَيْر وَتَقَدُّمه فِيهَا ؛ وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ أَحْمَد أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْحَدِيث عَلَيْهِ ، وَأَمَّا مَنْ جَاءَ بَعْده فَالشَّافِعِيّ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَة ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْقَائِم بِأَمْرِ الْجِهَاد وَالْحُكْم بِالْعَدْلِ )) فتح الباري لابن حجر - (20 / 370)
فقد تعلم العلم وطبقه ونشره بين الناس , بل كان من أئمة الإجتهاد ومن أعلى طبقات العلماء العاملين بشهادة العلماء أنفسهم , فقد جمع بين الأمرين معا , وكان يأخذ عنه الحديث والعلم أئمة العلوم الشرعية في ذاك الزمان وما بعده , وقضى بين الناس بالمدينة وهذا يعني أنه وصل إلى درجة الإجتهاد في العلم الشرعي لا سيما في القضاء , ولكني أضع لك بعضا من سيرته من سير أعلام النبلاء لتقف على بعض فضائله وقوته في العلم الشرعي
سير أعلام النبلاء - (5 / 114)
48 - عمر بن عبد العزيز * (ع) ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، الامام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد السيد أمير المؤمنين حقا أبو حفص، القرشي الاموي المدني ثم المصري، الخليفة الزاهد الراشد أشج بني أمية.
حدث عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل ابن سعد، واستوهب منه قدحا شرب منه النبي صلى الله عليه وسلم، وأم بأنس بن مالك، فقال: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى.
وحدث أيضا عن سعيد بن المسيب، وعروة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن عبدالرحمن، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وعامر بن سعد، ويوسف بن عبدالله بن سلام، وطائفة.وأرسل عن عقبة بن عامر، وخولة بنت حكيم، وغيرهم.
وكان من أئمة الاجتهاد، ومن الخلفاء الراشدين رحمة الله عليه.
حدث عنه أبو سلمة أحد شيوخه، وأبو بكر بن حزم، ورجاء بن حيوة، وابن المنكدر، والزهري، وعنبسة بن سعيد، وأيوب السختياني، وإبراهيم بن عبلة، وتوبة العنبري، وحميد الطويل، وصالح بن محمد بن زائدة الليثي،
قالوا: ولد سنة ثلاث وستين، قال: وكان ثقة مأمونا، له فقه وعلم وورع، وروى حديثا كثيرا، وكان إمام عدل رحمه الله ورضي عنه....
الليث بن سعد: حدثني قادم البربري أنه ذاكر ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيئا من قضاء عمر بن عبد العزيز إذ كان بالمدينة، فقال ربيعة: كأنك تقول: أخطأ، والذي نفسي بيده ما أخطأ قط.
وعن أبي جعفر الباقر قال: لكل قوم نجيبة، وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز، إنه يبعث أمة وحده.
روى الثوري، عن عمرو بن ميمون قال: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة.
قلت: قد كان هذا الرجل حسن الخلق والخلق، كامل العقل، حسن السمت، جيد السياسة، حريصا على العدل بكل ممكن، وافر العلم، فقيه النفس، ظاهر الذكاء والفهم، أواها منيبا، قانتا لله، حنيفا زاهدا مع الخلافة، ناطقا بالحق مع قلة المعين، وكثرة الامراء الظلمة الذين ملوه وكرهوا محاققته لهم، ونقصه أعطياتهم، وأخذه كثيرا مما في أيديهم، [ مما ] أخذوه بغير حق، فما زالوا به حتى سقوه السم، فحصلت له الشهادة والسعادة، وعد عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين، والعلماء العاملين.
قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز.... ))
والكثير الكثير في عمر بن عبد العزيز رحمه الله , وما ضمه الناس إلى الخلفاء الراشدين إلا لأنه يشبههم فيما كانوا عليه من العلم والعمل , فليس من خليفة راشج إلا وقد كان إماما في العلم والفقه وكذلك كان هو , ولو تتبعت سيرته وقرأتها لعلمت هذا من أول مشواره في طلب العلم إلى المؤدبين إلى غير ذلك , فهو إمام من أئمة العلم والعمل والحكم والزهد , فلا يصل إنسان إلى ما وصل إليه عمر بن عبد العزيز رحمه الله من هذه الشهرة في العدل بين الناس إلا إذا صار إماما في العلم الشرعي , لأنه به وحده يصل الحاكم إلى هذه الدرجة , فلابد من التفقه قبل التسيد كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه. والحمد لله رب العالمين
.