عمر بن معاويه
عضو مخضرم
Sunday, May 31, 2015
المأزق السعودي
محمد اليوسفي
جريدة الوطن السعودية
غالبية أهل التاريخ، يتفقون على أن تأسيس الدولة السعودية الأولى تم باللقاء التاريخي بين رجل الدين المتشدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب ورجل السياسة محمد بن سعود (حاكم الدرعية) سنة 1745م تقريبا.
ففي هذا اللقاء عرض بن عبدالوهاب على بن سعود نصرته في "الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله تعالى، وبأن كل بدعة ضلالة، وأخبره أيضاً بما عليه أهل نجد من البدع[1] والجور والاختلاف والظلم"[2].
وقد رحب بن سعود بهذه المطالب، وأعلن الاثنان تحالفهما تحت شعار "الدم بالدم والهدم بالهدم"[3].
وهكذا بدأ الاثنان رحلتهما في دعوة القُرى والمدن والبلدان المجاورة إلى "التوحيد" وترك الشرك والكفر والبدع[4] حسب منهج "التوحيد" الذي وضعه الشيخ محمد بن عبدالوهاب ولذلك سُمي بالمنهج "الوهابي"[5].
وهو يقوم بشكل أساسي على التوحيد الخالص لله، وعدم إشراك الأنبياء والأولياء والقبور والنذور والأحجار والأشجار في القدرات الإلهية، وهي أي قدرة ذاتية أو وسيطية على جلب الخير ودفع الشر، أو الإضرار والإفادة[6].
وبذلك أصبح غالبية المسلمين المتساهلين في هذه المسألة تحت مرمى نيران الحلف الوهابي/السعودي، وكان مصير هذه البلدات والأقوام إما الدخول في الطاعة وهدم ما لديهم من قبور ونذور والخضوع لابن سعود، أو الحكم عليهم بالكفر والشرك والردة، وبالتالي وجوب إقامة الحد عليهم وهو غالباً ما يكون الغزو والقتل والسبي[7].
وقد استمر هذا التحالف بين أبناء بن عبدالوهاب وأبناء بن سعود إلى يومنا هذا، وصمد أمام ضربات موجعة كانهيار الدولة وإعادة تأسيسها للمرة الثانية (1824م) والثالثة (1902م)، ولم يتغير الأسلوب "التبشيري الوحشي" للدعوة طوال السنوات السابقة للثلاثينيات من القرن الماضي، وعن أعمالهم وصِفاتهم كتب الصحفي الفرنسي إدوار دريو:
"كانوا غلاظ القلوب يأنفون زينة الأماكن المقدسة، فابن سعود انتزع السجادة النفيسة المصنوعة من الذهب والحرير التي وجدها عند قبر إبراهيم، وقوّضوا قبب القبور منها قبة محمد، وانتزعت المآذن، لكن الكعبة حفظت وأبقي على الحجر الأسود"[8].
وقد امتدت غاراتهم (التي يطلقون عليها صفة الفتوحات) إلى "النجف" و"كربلاء" و"الحجاز"، وقد كتب "دريو" عما فعلوه في "كربلاء" في الشهر الرابع من العام 1802م:
"ما لبث الوهابيون أن دخلوا حرم القبر المقدس ودمروا محتوياته وقدموها قربانا وتعبدا لشعائرهم الجديدة اعتقادا منهم بأن ما قاموا به هو أمر محبب لدى الله مما زادهم ميلا إلى إراقة الدماء، فقضوا على الرجال والنساء والأطفال إلا من استطاع الهرب والنجاة من غضبهم الجامح.
وما إن انتهت المذبحة وفرغت من أي ضحايا جدد حتى بدأ البعض منهم يفكر بالاستيلاء على الكنوز الطائلة التي جمعت من تبرعات المؤمنين الذين أتوا من جميع أنحاء آسيا وغيرها، كما ذهب بعضهم الآخر الظن إلى أن قبة المسجد قد غُلفت بأوراق الذهب، فأخذوا بإزالتها"[9] [10].
وبعد سيطرتهم على "الحجاز"، قام الوهابيون بمنع الحج لعدة سنوات، بسبب ما تمارسه قوافل الحجاج من بدع حسب رأيهم[11]، وقد تعرضت الكويت لعدة غارات وهابية، كان آخرها وأشهرها ما يُعرف باسم "معركة الجهراء" في العام 1920م[12]، والتي شنها الوهابيون على الكويت كي يعود أهلها إلى "الإسلام"، ويتركوا المنكرات والدخان، ويُكفّروا الأتراك، ويُخرجوا القنصل البريطاني من الكويت، ويهدموا المستشفى الأمريكاني، ويطردوا أطبائه، ويُرحّلوا الشيعة من الكويت !![13]
ولم يتوقف وهج الغارات الوهابية سوى في العام 1926م، وذلك بعد استقرار أركان حكم "نجد" و"الحجاز" في يد السلطان عبدالعزيز بن سعود، وتوحيده لجزيرة العرب، وإعلان قيام المملكة العربية السعودية، وانشغاله في تأسيس الدولة والبناء، بدلا من الغارات والغزوات، وهنا كان أول انشقاق فكري "داخلي" في الحركة الوهابية، حيث قرر الحاكم الاستقرار و"تعطيل" فرض الجهاد، بينما رغب بقية القادة في الاستمرار بالغزوات والجهاد، فمارس هؤلاء "المزايدة" على ابن سعود وتمردوا عليه، فقضى عليهم في معركة "السبلة" في العام 1929م.
وبعد ذلك استقر الحكم السياسي في المملكة، لكن انشقاق الحركة الوهابية "الداخلي" لم يستقر، فقد نجح حكام آل سعود في ضمان تحالف تلاميذ الشيخ محمد عبدالوهاب معهم، لكنهم فشلوا في نزع فتيل "الجهادية التبشيرية" من الجينات الوهابية، فبين فترة وأخرى، يخرج إلى السطح من يُزايد عليهم، ويطرح نفسه لـ"الأُمة" كـ بديل أكثر تمسكا بالمنهج الوهابي من آل سعود وشيوخ بلاطهم.
وقد شهدنا ذلك في العام 1979م مع حركة "جهيمان العتيبي" واحتلاله للحرم المكي، وشهدناها مرة أخرى مع حركة "أسامة بن لادن" في العام 2001م، وشهدناها مع حركة "أبو مصعب الزرقاوي"، و"أبو محمد الجولاني"، و"أبو بكر البغدادي"، وأخيرا مع "خالد المولد" الذي أعلن قبل أيام عن أن الحكومة السعودية والشعب السعودي "كفرة"، وأنه المسلم الوحيد بالعالم.
كل هؤلاء ينتمون إلى المنهج الوهابي، ويستخدمون فتاوى الشيخ محمد عبدالوهاب وابن تيمية وابن القيم في التبرير لأعمالهم الجهادية أو سمِّها الإرهابية إن شئت، يقتلون الأبرياء، ويهدمون الأضرحة، ويُهجِّرون الآمنين من بيوتهم.