خادم الامام
عضو بلاتيني
بسم الله الرحمن الرحيم
نبين من خلال هذه المناظرة ان الشيعة نزيهون من انواع الشرك .
اولا نبين انواع الشرك :
إنّ الحاصل من الآيات القرآنية، والاَحاديث المرويّة، والتحقيقات العلمية، أنّ الشرك على قسمين، وغيرهما فروع لهذين، وهما: الشرك الجلي، أي: الظاهر، والآخر: الشرك الخفي، أي: المستتر.
الشرك الجلي
أمّا الشرك الظاهري، فهو عبارة عن: اتّخاذ الاِنسان شريكاً لله عزّ وجلّ، في الذات أو الصفات أو الاَفعال أو العبادات.
أ ـ الشرك في الذات، وهو: أن يشرك مع الله سبحانه وتعالى في ذاته أو توحيده، كالثنويّة وهم المجوس، اعتقدوا بمبدأين: النور والظلمة.
وكذلك النصارى... فقد اعتقدوا بالاَقانيم الثلاثة: الاَب والابن وروح القدس، وقالوا: إن لكلّ واحد منهم قدرة وتأثيراً مستقلاً عن القسمين الآخرين، ومع هذا فهم جميعاً يشكّلون المبدأ الاَوّل والوجود الواجب، أي: الله، فتعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً.
والله عزّ وجلّ ردّ هذه العقيدة الباطلة في سورة المائدة، الآية 73، بقوله: (لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة وما من إله إلاّ إله واحد) وبعبارة اُخرى: فالنصارى يعتقدون: أنّ الاَلوهية مشتركة بين الاَقانيم الثلاثة، وهي: جمع أقنيم ـ بالسريانية ـ ومعناها بالعربية: الوجود.
وقد أثبت فلاسفة الاِسلام بطلان هذه النظرية عقلاً، وأنّ الاتّحاد لا يمكن سواءً في ذات الله تبارك وتعالى أو في غير ذاته عزّ وجلّ.
ب ـ الشرك في الصفات... وهو: أن يعتقد بأنّ صفات الباري عزّ وجلّ، كعلمه وحكمته وقدرته وحياته هي أشياء زائدة على ذاته سبحانه، وهي أيضاً قديمة كذاته جلّ وعلا، فحينئذٍ يلزم تعدد القديم وهو شرك، والقائلون بهذا هم الاَشاعرة أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الاَشعري البصري، وكثير من علمائكم التزموا بل اعتقدوا به وكتبوه في كتبهم، مثل: ابن حزم وابن رشد وغيرهما، وهذا هو شرك الصفات... لاَنّهم جعلوا لذات الباري جلّ وعلا قرناء في القدم والاَزلية وجعلوا الذات مركّباً، والحال أنّ ذات الباري سبحانه بسيط لا ذات أجزاء، وصفاته عين ذاته.
ومثاله تقريباً للاَذهان ـ ولا مناقشة في الاَمثال ـ:
هل حلاوة السكّر شيء غير السكّر ؟
وهل دهنية السمن شيء غير السمن ؟
فالسكّر ذاته حلوٌ، أي: كلّه.
والسمن ذاته دهن، أي: كلّه.
وحيث لا يمكن التفريق بين السكّر وحلاوته، وبين السمن ودهنه، كذلك صفات الله سبحانه، فإنّها عين ذاته، بحيث لا يمكن التفريق بينها وبين ذاته عزّ وجلّ، فكلمة: «الله» التي تطلق على ذات الربوبية مستجمعة لجميع صفاته، فالله يعني: عالم، حيٌّ، قادر، حكيم... إلى آخر صفاته الجلالية والجمالية والكمالية.
ج ـ الشرك في الاَفعال... وهو الاعتقاد بأنّ لبعض الاَشخاص أثراً استقلالياً في الاَفعال الربوبية والتدابير الاِلهية كالخلق والرزق أو يعتقدون أن لبعض الاَشياء أثراً استقلالياً في الكون، كالنجوم، أو يعتقدون بأن الله عزّ وجلّ بعدما خلق الخلائق بقدرته، وفوّض تدبير الاُمور وإدارة الكون إلى بعض الاَشخاص، كاعتقاد المفوّضة، وقد مرّت روايات أئمّة الشيعة في لعنهم وتكفيرهم، وكاليهود الّذين قال الله تعالى في ذمّهم: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) .
د ـ الشرك في العبادات.. وهو أنّ الاِنسان أثناء عبادته يتوجّه إلى غير الله سبحانه، أو لم تكن نيّته خالصة لله تعالى، كأن يرائي أو يريد جلب انتباه الآخرين إلى نفسه أو ينذر لغير الله عزّ وجلّ..!!
فكلّ عمل تلزم فيه نيّة القربة إلى الله سبحانه، ولكنّ العامل حين العمل إذا نواه لغير الله أو أشرك فيه مع الله غيره، فهو شرك.. والله عزّ وجلّ يمنع من ذلك في القرآن الكريم إذ يقول: (فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً).
الحافظ: استناداً إلى هذا الكلام الذي صدر منكم الآن فأنتم مشركون، لاَنّكم قلتم: إنّ من نذر لغير الله فهو مشرك، والشيعة ينذرون لاَئمّتهم وأبناء أئمّتهم.
أمّا القسم الثاني من الشرك، فهو الخفيّ، ويتحقّق في نيّة الرياء والسمعة في العبادات، فقد ورد في الخبر: أنّ من صلّى أو صام أو حجّ.. وهو يريد بذلك أن يمدحه الناس فقد أشرك في عمله.
وفي الخبر المروي عن الاِمام جعفر بن محمد الصادق 8 أنّه قال: لو أنّ عبداً عمل عملاً يطلب به رحمة الله والدار الآخرة ثمّ أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركاً.
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: اتّقوا الشرك الاَصغر، فقالوا: وما الشرك الاَصغر يا رسول الله ؟ قال: الرياء والسمعة.
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفيّ، فإنّ الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء(13) ثمّ قال صلى الله عليه وآله: من صلّى أو صام أو تصدّق أو حجّ للرياء فقد أشرك بالله.
فالواجب في الصلاة وغيرها من العبادات أن تكون النية فيها خالصة لوجه الله وقربة إلى الله وحده، بأن يتوجّه الاِنسان في حين عمله العبادي إلى ربّه عزّ وجلّ، ويتكلّم معه وحده، ويركّز ذهنه، ويوجّه قلبه إلى الذات الموصوفة بالصفات التي ذكرناها، وذلك هو الله لا إله إلاّ هو.
وأكتفي بهذا المقدار، وأظنّ بأنّ الحقّ قد انكشف للحاضرين المحترمين، بالخصوص المشايخ والعلماء في المجلس، فأرجو أن لا ينسبوا الشرك إلى الشيعة بعد هذا، ولا يُمَوِّهوا الحقيقة على العوام.
تبسّم الشيخ عبد السلام ضاحكاً وقال: وهل بقي عندكم شيء في هذا المضمار، فاكتفيتم بهذا المقدار ؟! فالرجاء إن بقي عندكم شيء في الموضوع فبيّنوه للحاضرين.
قلت: هناك قسم آخر جعلوه من أقسام الشرك، ولكنّه مغفور، وهو:
الشرك في الاَسباب
وهو الذي يتحقّق في أكثر الناس من غير التفات، فإنّهم يتّخذون الوسائط والاَسباب للوصول إلى أغراضهم وتحقيق آمالهم، أو إنّهم يخشون بعض الناس ويخافون من بعض الاَسباب في الاِحالة دون حوائجهم وآمالهم، فهذا نوع من الشرك، ولكنه معفوٌّ عنه.
والمقصود من الشرك في الاَسباب: أنّ الاِنسان يعتقد بأنّ الاَسباب مؤثّرة في الاَشياء والاُمور الجارية، مثلاً: يعتقد أنّ الشمس مؤثرة في نمو النباتات، فإذا كان اعتقاده أنّ هذا الاَثر من الشمس بالذات من غير إرادة الله تعالى فهو شرك.
وإذا كان يعتقد أنّ الاَثر يصدر من الله القادر القاهر فهو المؤثّر والشمس سبب في ذلك، فهو ليس بشرك، بل هو حقيقة التوحيد، وهو من نوع التفكّر في آيات الله وقدرته سبحانه.
وهكذا بالنسبة إلى كلّ الاَسباب والمسبّبات، فالتاجر في تجارته، والزارع في زراعته، والصانع في صناعته، والطبيب في طبابته، وغيرهم، إذا كان ينظر إلى أدوات مهنته، وأسباب صنعته وآثارها، نظراً استقلالياً، وأنّ الآثار الصادرة من تلك الاَسباب والاَدوات تصدر بالاستقلال من غير إرادة الله تعالى، فهو شرك، وإن كان ينظر إلى الاَسباب والاَدوات نظراً آلياً فيعتقد أنّها آلات، والله تعالى هو الذي جعل فيها تلك الآثار، فلا مؤثّر في الوجود إلاّ الله، فهو ليس شركاً بل التوحيد بعينه.
بعد أن بيّنا أقسام الشرك وأنواعه، فأسألكم: أي أقسام الشرك تنسبوه إلى الشيعة ؟!
ومن أيّ شيعي عالم أو عامّي سمعتم أنّه يشرك بالله سبحانه في ذاته أو صفاته وأفعاله ؟!
وهل وجدتم في كتب الشيعة الاِمامية والاَخبار المرويّة عن أئمّتهم عليهم السلام ما يدلّ على الشرك بالتفصيل الذي مرّ ؟!
الحافظ: كلّ هذا البيان صحيح، ونحن نشكركم على ذلك، ولكنّكم إذا دقّقتم النظر في معتقداتكم بالنسبة لاَئمّتكم، ستصدّقونني لو قلت إنّكم تطلبون الحوائج منهم، وتتوسّلون بهم في نيل مقاصدكم وتحقيق مطالبكم، وهذا شرك ! لاَنّا لا نحتاج إلى واسطة بيننا وبين ربّنا، بل في أيّ وقت أحببنا أن نتوجّه إلى الله تعالى ونطلب حاجاتنا منه فهو قريب وسميع مجيب.
قلت: أتعجّب منك كثيراً ! لاَنّك عالم متفكّر، ولكنّك متأثّر بكلام أسلافك من غير تحقيق، وكأنّك كنت نائماً حينما كنت اُبيّن أنواع الشرك ! فبعد ذلك التفصيل كلّه، تتفوّه بهذا الكلام السخيف وتقول: بأنّ طلب الحاجة من الاَئمّة شرك!!
فإذا كان طلب الحاجة من المخلوقين شرك، فكلّ الناس مشركون !
فإذا كانت الاِستعانة بالآخرين في قضاء الحوائج شرك، فلماذا كان الاَنبياء يستعينون بالناس في بعض حوائجهم.
اقرأوا القرآن الكريم بتدبّر وتفكّر حتى تنكشف لكم الحقيقة، راجعوا قصّة سليمان عليه السلام في سورة النمل، الآيات 38 ـ 40: (قال يا أيّها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنّي عليه لقويّ أمين، قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قَبلَ أن يرتدّ إليك طرفك فلمّا رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربّي...) .
من الواضح أنّ الاِتيان بعرش بلقيس من ذلك المكان البعيد، بأقلّ من لمحة البصر، لم يكن هيّناً وليس من عمل الاِنسان العاجز الذي لا حول له ولا قوّة، فهو عمل جبّار خارق للعادة، وسليمان مع علمه بأنّ هذا العمل لا يمكن إلاّ بقدرة الله تعالى وبقوّة إلهية، ومع ذلك ما دعا الله سبحانه في تلك الحاجة ولم يطلبها من ربّه عزّ وجلّ، بل أرادها من المخلوقين، واستعان عليها بجلسائه العاجزين.
فهذا دليل على انّ الاستعانة بالآخرين في الوصول إلى مرادهم، وطلب الحوائج من الناس، لا ينافي التوحيد، وليس بشرك كما تزعمون، فإنّ الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا دار أسباب ومسبّبات، وعالم العلل والمعلولات.
وحيث إنّ الشرك أمر قلبي، فإذا طلب الاِنسان حاجته من آخر، أو استعان في تحقّق مراده والوصول إلى مقصوده بمن لا يعتقد بألوهيّته ولا يجعله شريكاً للباري، وإنّما يعتقد أنّه مخلوق لله عزّ وجلّ، وهو إنسان مثله، إلاّ أنّ الله عزّ وجلّ خلقه قوياً وقادراً بحيث يتمكّن من إعانته في تحقّق مراده وقضاء حاجته، فلا يكون شركاً.
وهذا أمر دائر بين المسلمين جميعاً، يعمل به المؤمنون عامة، وهناك كثير من الناس يقصدون زيداً وبكراً ويقضون ساعات على أبوابهم ليطلبوا منهم حوائجهم ويستعينوا بهم في أمورهم، من غير أن يذكروا الله تعالى.
فالمريض يذهب عند الطبيب ويتوسّل به ويستغيث به ويريد منه معالجة مرضه، فهل هذا شرك ؟!
والغريق وسط الاَمواج يستغيث بالناس ويستعين بهم في إنقاذه من الغرق والموت، من غير أن يذكر الله عزّ وجلّ، هل هذا شرك ؟!
وإذا ظلم جبّارٌ إنساناً، فذهب المظلوم إلى الحاكم وقال: أيها الحاكم، أعنّي في إحقاق حقّي، فليس لي سواك ولا أرجو أحداً غيرك في دفع الظلم عنّي، فهل هذا شرك ؟! وهل هذا المظلوم مشرك ؟!
وإذا تسلّق لصّ الجدار وأراد أن يتعدّى على إنسان فيسرق أمواله ويهتك عرضه، فصعد صاحب الدار السطح واستغاث بالناس وطلب منهم أن يدفعوا عنه السوء، وهو في تلك الحالة لم يذكر الله تعالى فهل هو مشرك ؟!
لا أظنّ أن هناك عاقلاً ينسب هؤلاء إلى الشرك، ومن ينسبهم إلى الشرك فهو: إمّا جاهل بمعنى الشرك أو مغرض !!
فأيّها السادة الحاضرون أنصفوا، وأيّها العلماء احكموا ولا تغالطوا في الموضوع !!
اللهم صلي على محمد وال محمد
نبين من خلال هذه المناظرة ان الشيعة نزيهون من انواع الشرك .
اولا نبين انواع الشرك :
إنّ الحاصل من الآيات القرآنية، والاَحاديث المرويّة، والتحقيقات العلمية، أنّ الشرك على قسمين، وغيرهما فروع لهذين، وهما: الشرك الجلي، أي: الظاهر، والآخر: الشرك الخفي، أي: المستتر.
الشرك الجلي
أمّا الشرك الظاهري، فهو عبارة عن: اتّخاذ الاِنسان شريكاً لله عزّ وجلّ، في الذات أو الصفات أو الاَفعال أو العبادات.
أ ـ الشرك في الذات، وهو: أن يشرك مع الله سبحانه وتعالى في ذاته أو توحيده، كالثنويّة وهم المجوس، اعتقدوا بمبدأين: النور والظلمة.
وكذلك النصارى... فقد اعتقدوا بالاَقانيم الثلاثة: الاَب والابن وروح القدس، وقالوا: إن لكلّ واحد منهم قدرة وتأثيراً مستقلاً عن القسمين الآخرين، ومع هذا فهم جميعاً يشكّلون المبدأ الاَوّل والوجود الواجب، أي: الله، فتعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً.
والله عزّ وجلّ ردّ هذه العقيدة الباطلة في سورة المائدة، الآية 73، بقوله: (لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة وما من إله إلاّ إله واحد) وبعبارة اُخرى: فالنصارى يعتقدون: أنّ الاَلوهية مشتركة بين الاَقانيم الثلاثة، وهي: جمع أقنيم ـ بالسريانية ـ ومعناها بالعربية: الوجود.
وقد أثبت فلاسفة الاِسلام بطلان هذه النظرية عقلاً، وأنّ الاتّحاد لا يمكن سواءً في ذات الله تبارك وتعالى أو في غير ذاته عزّ وجلّ.
ب ـ الشرك في الصفات... وهو: أن يعتقد بأنّ صفات الباري عزّ وجلّ، كعلمه وحكمته وقدرته وحياته هي أشياء زائدة على ذاته سبحانه، وهي أيضاً قديمة كذاته جلّ وعلا، فحينئذٍ يلزم تعدد القديم وهو شرك، والقائلون بهذا هم الاَشاعرة أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الاَشعري البصري، وكثير من علمائكم التزموا بل اعتقدوا به وكتبوه في كتبهم، مثل: ابن حزم وابن رشد وغيرهما، وهذا هو شرك الصفات... لاَنّهم جعلوا لذات الباري جلّ وعلا قرناء في القدم والاَزلية وجعلوا الذات مركّباً، والحال أنّ ذات الباري سبحانه بسيط لا ذات أجزاء، وصفاته عين ذاته.
ومثاله تقريباً للاَذهان ـ ولا مناقشة في الاَمثال ـ:
هل حلاوة السكّر شيء غير السكّر ؟
وهل دهنية السمن شيء غير السمن ؟
فالسكّر ذاته حلوٌ، أي: كلّه.
والسمن ذاته دهن، أي: كلّه.
وحيث لا يمكن التفريق بين السكّر وحلاوته، وبين السمن ودهنه، كذلك صفات الله سبحانه، فإنّها عين ذاته، بحيث لا يمكن التفريق بينها وبين ذاته عزّ وجلّ، فكلمة: «الله» التي تطلق على ذات الربوبية مستجمعة لجميع صفاته، فالله يعني: عالم، حيٌّ، قادر، حكيم... إلى آخر صفاته الجلالية والجمالية والكمالية.
ج ـ الشرك في الاَفعال... وهو الاعتقاد بأنّ لبعض الاَشخاص أثراً استقلالياً في الاَفعال الربوبية والتدابير الاِلهية كالخلق والرزق أو يعتقدون أن لبعض الاَشياء أثراً استقلالياً في الكون، كالنجوم، أو يعتقدون بأن الله عزّ وجلّ بعدما خلق الخلائق بقدرته، وفوّض تدبير الاُمور وإدارة الكون إلى بعض الاَشخاص، كاعتقاد المفوّضة، وقد مرّت روايات أئمّة الشيعة في لعنهم وتكفيرهم، وكاليهود الّذين قال الله تعالى في ذمّهم: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) .
د ـ الشرك في العبادات.. وهو أنّ الاِنسان أثناء عبادته يتوجّه إلى غير الله سبحانه، أو لم تكن نيّته خالصة لله تعالى، كأن يرائي أو يريد جلب انتباه الآخرين إلى نفسه أو ينذر لغير الله عزّ وجلّ..!!
فكلّ عمل تلزم فيه نيّة القربة إلى الله سبحانه، ولكنّ العامل حين العمل إذا نواه لغير الله أو أشرك فيه مع الله غيره، فهو شرك.. والله عزّ وجلّ يمنع من ذلك في القرآن الكريم إذ يقول: (فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً).
الحافظ: استناداً إلى هذا الكلام الذي صدر منكم الآن فأنتم مشركون، لاَنّكم قلتم: إنّ من نذر لغير الله فهو مشرك، والشيعة ينذرون لاَئمّتهم وأبناء أئمّتهم.
أمّا القسم الثاني من الشرك، فهو الخفيّ، ويتحقّق في نيّة الرياء والسمعة في العبادات، فقد ورد في الخبر: أنّ من صلّى أو صام أو حجّ.. وهو يريد بذلك أن يمدحه الناس فقد أشرك في عمله.
وفي الخبر المروي عن الاِمام جعفر بن محمد الصادق 8 أنّه قال: لو أنّ عبداً عمل عملاً يطلب به رحمة الله والدار الآخرة ثمّ أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركاً.
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: اتّقوا الشرك الاَصغر، فقالوا: وما الشرك الاَصغر يا رسول الله ؟ قال: الرياء والسمعة.
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفيّ، فإنّ الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء(13) ثمّ قال صلى الله عليه وآله: من صلّى أو صام أو تصدّق أو حجّ للرياء فقد أشرك بالله.
فالواجب في الصلاة وغيرها من العبادات أن تكون النية فيها خالصة لوجه الله وقربة إلى الله وحده، بأن يتوجّه الاِنسان في حين عمله العبادي إلى ربّه عزّ وجلّ، ويتكلّم معه وحده، ويركّز ذهنه، ويوجّه قلبه إلى الذات الموصوفة بالصفات التي ذكرناها، وذلك هو الله لا إله إلاّ هو.
وأكتفي بهذا المقدار، وأظنّ بأنّ الحقّ قد انكشف للحاضرين المحترمين، بالخصوص المشايخ والعلماء في المجلس، فأرجو أن لا ينسبوا الشرك إلى الشيعة بعد هذا، ولا يُمَوِّهوا الحقيقة على العوام.
تبسّم الشيخ عبد السلام ضاحكاً وقال: وهل بقي عندكم شيء في هذا المضمار، فاكتفيتم بهذا المقدار ؟! فالرجاء إن بقي عندكم شيء في الموضوع فبيّنوه للحاضرين.
قلت: هناك قسم آخر جعلوه من أقسام الشرك، ولكنّه مغفور، وهو:
الشرك في الاَسباب
وهو الذي يتحقّق في أكثر الناس من غير التفات، فإنّهم يتّخذون الوسائط والاَسباب للوصول إلى أغراضهم وتحقيق آمالهم، أو إنّهم يخشون بعض الناس ويخافون من بعض الاَسباب في الاِحالة دون حوائجهم وآمالهم، فهذا نوع من الشرك، ولكنه معفوٌّ عنه.
والمقصود من الشرك في الاَسباب: أنّ الاِنسان يعتقد بأنّ الاَسباب مؤثّرة في الاَشياء والاُمور الجارية، مثلاً: يعتقد أنّ الشمس مؤثرة في نمو النباتات، فإذا كان اعتقاده أنّ هذا الاَثر من الشمس بالذات من غير إرادة الله تعالى فهو شرك.
وإذا كان يعتقد أنّ الاَثر يصدر من الله القادر القاهر فهو المؤثّر والشمس سبب في ذلك، فهو ليس بشرك، بل هو حقيقة التوحيد، وهو من نوع التفكّر في آيات الله وقدرته سبحانه.
وهكذا بالنسبة إلى كلّ الاَسباب والمسبّبات، فالتاجر في تجارته، والزارع في زراعته، والصانع في صناعته، والطبيب في طبابته، وغيرهم، إذا كان ينظر إلى أدوات مهنته، وأسباب صنعته وآثارها، نظراً استقلالياً، وأنّ الآثار الصادرة من تلك الاَسباب والاَدوات تصدر بالاستقلال من غير إرادة الله تعالى، فهو شرك، وإن كان ينظر إلى الاَسباب والاَدوات نظراً آلياً فيعتقد أنّها آلات، والله تعالى هو الذي جعل فيها تلك الآثار، فلا مؤثّر في الوجود إلاّ الله، فهو ليس شركاً بل التوحيد بعينه.
بعد أن بيّنا أقسام الشرك وأنواعه، فأسألكم: أي أقسام الشرك تنسبوه إلى الشيعة ؟!
ومن أيّ شيعي عالم أو عامّي سمعتم أنّه يشرك بالله سبحانه في ذاته أو صفاته وأفعاله ؟!
وهل وجدتم في كتب الشيعة الاِمامية والاَخبار المرويّة عن أئمّتهم عليهم السلام ما يدلّ على الشرك بالتفصيل الذي مرّ ؟!
الحافظ: كلّ هذا البيان صحيح، ونحن نشكركم على ذلك، ولكنّكم إذا دقّقتم النظر في معتقداتكم بالنسبة لاَئمّتكم، ستصدّقونني لو قلت إنّكم تطلبون الحوائج منهم، وتتوسّلون بهم في نيل مقاصدكم وتحقيق مطالبكم، وهذا شرك ! لاَنّا لا نحتاج إلى واسطة بيننا وبين ربّنا، بل في أيّ وقت أحببنا أن نتوجّه إلى الله تعالى ونطلب حاجاتنا منه فهو قريب وسميع مجيب.
قلت: أتعجّب منك كثيراً ! لاَنّك عالم متفكّر، ولكنّك متأثّر بكلام أسلافك من غير تحقيق، وكأنّك كنت نائماً حينما كنت اُبيّن أنواع الشرك ! فبعد ذلك التفصيل كلّه، تتفوّه بهذا الكلام السخيف وتقول: بأنّ طلب الحاجة من الاَئمّة شرك!!
فإذا كان طلب الحاجة من المخلوقين شرك، فكلّ الناس مشركون !
فإذا كانت الاِستعانة بالآخرين في قضاء الحوائج شرك، فلماذا كان الاَنبياء يستعينون بالناس في بعض حوائجهم.
اقرأوا القرآن الكريم بتدبّر وتفكّر حتى تنكشف لكم الحقيقة، راجعوا قصّة سليمان عليه السلام في سورة النمل، الآيات 38 ـ 40: (قال يا أيّها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنّي عليه لقويّ أمين، قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قَبلَ أن يرتدّ إليك طرفك فلمّا رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربّي...) .
من الواضح أنّ الاِتيان بعرش بلقيس من ذلك المكان البعيد، بأقلّ من لمحة البصر، لم يكن هيّناً وليس من عمل الاِنسان العاجز الذي لا حول له ولا قوّة، فهو عمل جبّار خارق للعادة، وسليمان مع علمه بأنّ هذا العمل لا يمكن إلاّ بقدرة الله تعالى وبقوّة إلهية، ومع ذلك ما دعا الله سبحانه في تلك الحاجة ولم يطلبها من ربّه عزّ وجلّ، بل أرادها من المخلوقين، واستعان عليها بجلسائه العاجزين.
فهذا دليل على انّ الاستعانة بالآخرين في الوصول إلى مرادهم، وطلب الحوائج من الناس، لا ينافي التوحيد، وليس بشرك كما تزعمون، فإنّ الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا دار أسباب ومسبّبات، وعالم العلل والمعلولات.
وحيث إنّ الشرك أمر قلبي، فإذا طلب الاِنسان حاجته من آخر، أو استعان في تحقّق مراده والوصول إلى مقصوده بمن لا يعتقد بألوهيّته ولا يجعله شريكاً للباري، وإنّما يعتقد أنّه مخلوق لله عزّ وجلّ، وهو إنسان مثله، إلاّ أنّ الله عزّ وجلّ خلقه قوياً وقادراً بحيث يتمكّن من إعانته في تحقّق مراده وقضاء حاجته، فلا يكون شركاً.
وهذا أمر دائر بين المسلمين جميعاً، يعمل به المؤمنون عامة، وهناك كثير من الناس يقصدون زيداً وبكراً ويقضون ساعات على أبوابهم ليطلبوا منهم حوائجهم ويستعينوا بهم في أمورهم، من غير أن يذكروا الله تعالى.
فالمريض يذهب عند الطبيب ويتوسّل به ويستغيث به ويريد منه معالجة مرضه، فهل هذا شرك ؟!
والغريق وسط الاَمواج يستغيث بالناس ويستعين بهم في إنقاذه من الغرق والموت، من غير أن يذكر الله عزّ وجلّ، هل هذا شرك ؟!
وإذا ظلم جبّارٌ إنساناً، فذهب المظلوم إلى الحاكم وقال: أيها الحاكم، أعنّي في إحقاق حقّي، فليس لي سواك ولا أرجو أحداً غيرك في دفع الظلم عنّي، فهل هذا شرك ؟! وهل هذا المظلوم مشرك ؟!
وإذا تسلّق لصّ الجدار وأراد أن يتعدّى على إنسان فيسرق أمواله ويهتك عرضه، فصعد صاحب الدار السطح واستغاث بالناس وطلب منهم أن يدفعوا عنه السوء، وهو في تلك الحالة لم يذكر الله تعالى فهل هو مشرك ؟!
لا أظنّ أن هناك عاقلاً ينسب هؤلاء إلى الشرك، ومن ينسبهم إلى الشرك فهو: إمّا جاهل بمعنى الشرك أو مغرض !!
فأيّها السادة الحاضرون أنصفوا، وأيّها العلماء احكموا ولا تغالطوا في الموضوع !!
اللهم صلي على محمد وال محمد