شيخنا الحبيب أبو عمر أشكر لك ردك الكريم ، وجزاك الله عنا كل خير ، وقد لخصت ما ذكرت لي بنقاط حتى يستطيع أحدنا أن يحصر الفكرة ( من بعد إذنك ) :
1 ) المسألة أن الحي في ذاته نفعه محدود بما يقدر عليه , فإذا كان في الدنيا وكان رجلا معروفا عنه الصلاح فإنه يجوز أن تسأله أن يدعو لك , فالرجل ما زال في الحياة الدنيا وهي دار عمل وليست بدار حساب.
2) فإن مات انتهى عمله وأصبحت صحفيته مغلقة إلا من الأمور الثلاثة وهي ولد صالح يدعو له أو علم نافع أو صدقة جارية.
كيف لإنسان مات وانقطع عمله أن يدعو لي إذا كان هو نفسه لا يستطيع أن يدعو لنفسه بل ولده هو الذي يدعو له.
3)وكون أن الصالحين ومن علمنا قطعا أنهم في الجنة - وهؤلاء منصوص عليهم - أحياء لا يعني هذا أن عملهم مازال مفتوحا بل هم في نعيم إلى أن تقوم الساعة جزاء أعمالهم الصالحة وقد انتهت بالنسبة إليهم دار العمل وأمسوا في دار الحساب.
4) حياة البرزخ لا نعلم كنهها على الحقيقة , وليس هناك ثمة دليل البتة على أنهم ينفعون أن يضرون حالهم كحال الأحياء.
5) كيف إنقلب المعنى من بيان الجزاء الجزيل للشهداء بأنهم فرحون ويتمتعون إلا أنهم ينفعون هم أيضا ويضرون أو حتى يدعون لغيرهم من المسلمين.
6) فالأصل في العبادة التوقيف وليس العقل , فما سمح به الشرع فهو مسموح وما سكت عنه الشرع فهو ممنوع , ولا يجوز للإنسان أن يخترع عبادة أو يستحسن قربة , بخلاف أمور العادات والتي الأصل فيها الإباحة لا التوقف.
7) جاء الشرع بجواز أن يتوسل الإنسان بدعاء الصالحين الأحياء الذي يُتوسم فيهم الخير والعبادة والعلم , ولا يدري الإنسان إن كان الله تعالى يقبل هذا الدعاء أم لا , ولا يدري الإنسان إن كان هذا الرجل من أهل الجنة أم لا إلا أن يكون ثمة دليل وقد انتهى الدليل بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
جزاك الله عنا كل خير ، بقي سؤال إن أذنت فقد نقل الزميل خادم الإمام من باب الاستشهاد برأيه هذا الحديث :
ما رواه في مجمع الزوائد:9/24 قال: (باب ما يحصل لأمته (ص) من استغفاره بعد وفاته): عن عبدالله بن مسعود، عن النبي (ص) قال: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام قال وقال رسول الله (ص):حياتي خير لكم تحدثون وتحدث لكم ، ووفاتى خير لكم تُعرض عليَّ أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ) رواه البزار ورجاله رجال الصحيح انتهى كما صححه عدد كبير من علماء السنة، وقد عدَّدَ من صححه الحافظ السقاف في الإغاثة ص11
فمن خلال ما فهمته أنا من هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر للمسلمين وإن كان ميتا !!!!
- فهل فهمي صحيح أولا ؟
- وهل هذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم له استثناء خاص إذ لم ينقطع عمله كما في الحديث الآخر ، وما الدليل على الاستثناء ؟
- هذا و إن صح الحديث ، فهل يحق لي أن أقول مثلا ومن باب الاستثناء ( يا رسول استغفر لنا ) مثلا كقول أخوة سيدنا يوسف عليه السلام لسيدنا يعقوب عليه السلام !!!!
لا تؤاخذنا شيخ أبو عمر من كثرة أسئلتي بارك الله لنا فيك ؟
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد...
أخي الكريم عبد الله جزاكم الله خيرا على كلامك الطيب وعلى أسلوبك المهذب , وإن كنت أنا دون ما تقوله إلا أنه يسعدني المناقشة في الأمور التي تنفع الإنسان في دنياه وآخرته.
بالنسبة للنقاط التي لخصتها فهي صحيحة إن شاء الله تعالى , ويبقى فيها مسألتان.
الأولى أن الوسيلة المذكورة في الآية ليست مطلقة وإن دخلت عليها الألف واللام وإنما هي مقيدة بالوسائل المسموح بها شرعا
الثانية أن الوسيلة قد تكون بدعاء الصالحين , وقد تكون بالعمل الصالح مثل حديث الثلاثة الذي أغلق عليهم الغار فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة.
.
.
.
.
بالنسبة لحديث البزار هذا الحديث جزءان أما الأول فهو صحيح وهو (
إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ) وهذا الخبر ليس فيه ثمة دلالة على جواز التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته.
وأما الحديث الثاني فهو ضعيف قد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله , وقول البزار رجاله رجال الصحيح لا يدل ذلك على صحة الحديث كما هو معلوم عند الحديثي ( أي المبتدأ ) , فهناك فرق بين أن يقول المحدث رجاله رجال الصحيح , وبين أن يقول إسناده صحيح , وبين أن يقول الحديث صحيح.
فالأولى يعني أن رجال الحديث رجال الصحيح ولكن لا يعني هذا أن العالم قد درس باقي شروط الحديث من إتصال الإسناد مثلا ولهذا يحكم بما انتهى إليه جهده فقط ( رجاله رجال الصحيح )
وأما قولهم ( إسناده صحيح ) فهذا معناه أن العالم قد درس الشروط الثلاثة الأول من شروط الحديث ولكنه لم يدرس شروط العلة والشذوذ والمتابعات وغير ذلك فيحكم بما انتهى إليه جهده أيضا.
وهكذا
وبالنسبة للحديث فليس مشكلته في الإسناد فقط بل في المتن أيضا , وهذه المسألة تعرف بحياة ألنبياء في قبورهم والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم
لا يعلم عن أعمال أمته شيئا وما يدل على ذلك الحديث الذي رواه الشيخان وغيرهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيَقُولُ لَا تَدْرِي بَعْدَكَ)
وتأمل ( لا تدري ما أحدثوا من بعدك ) الذي يظهر عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال أمته من بعده , ومن المفارقة أن الشيعة يستمسكون بهذا الحديث جدا ليستدلوا على أن بعض الصحابة أو كلهم قد ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث واضح في عدم عرض أعمال أمته عليه في قبره والإستغفار لهم أو غير ذلك , وإلا لما منع عليه الصلاة والسلام من التشفع للمسلمين الذي غيروا وبدلوا ورجعوا القهقرى.
ومن هنا فالمسألة ما زالت على أصلها , وهذا هو هدف الإسلام ورسالة التوحيد أن تلجأ إلى الله تعالى وتتوسل إليه بما تبذله من عمل صالح إبتغاء مرضات الله تعالى.
ولذلك تجد أن أعلم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهم أصحابه الذي علمهم وأدبهم وأفهمهم وفقههم لم يلجأوا لقبر النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه الدعاء أو الإستغفار , حتى علي بين أبي طالب رضي الله عنه ما فعل ذلك و واما مسألة الرجل الأعمى فلها تفصيل آخر , وقد تفضل المتبحر بذكره ولكن إن كنت تريد فيها إضافة أفعل إن شاء الله تعالى.
والله أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين