السلام عليكم...
اليوم الذي قتل فيه الحسين رضي الله عنه يوم عظيم , فقد حدث في الإسلام حدث كبير الشأن وأنتج شرخا عظيما في البيت الإسلامي من ذلك اليوم , والحسين رضي الله خرج مجتهدا أن يتولى الخلافة ويأخذها من يزيد , ولكن الذي بايعوه خلوه وتركون ومنعوه مما بايعوه عليه , فتركوه يلاقي مصيره في كربلاء بغير إعانة ولا مساعدة , وكذلك تم منع أي وسيلة من وسائل الصلح التي رغب فيها الحسين رضي الله عنه من قبيل ظلمة في الجيش المقابل , وما كان يعلم الحسين رضي الله عنه أن هذا هو نتيجة الخروج وأن لا يراعي فيه هذا الجيش نسبه الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبته ومنزلته الكبيرة في الإسلام كأحد أفضل الناس الذي شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة , فكانت الفاجعة له ولبعض أهل بيته والذي قتلوا جميعا في هذا اليوم المأساوي العظيم.
والحسين رضي الله عنه لما غلب على ظنه أن الموت قادم وأنه سوق يقتل وأن سبل الإصلاح قد باءت بالفشل , واجبه الموت بشجاعة وقوة وعابدة ونسك , حاله مثل الصحابة الذين تربوا على عين النبي صلى الله عليه وسلم , فختم حياته بالعبادة والذكر كما فعل الفاروق رضي الله عنه الذي قتل مصليا , وكعثمان بن عفان رضي الله عنه والذي قرأ القرآن في ركعة قبل القتل , وكعلي رضي الله عنه الذي قتل وهو داخل إلى المسجد , فقابل الموت بشجاعة وصبر وعبادة ونسك على أمل أن ينتقل إلى لقاء الأحبة محمد وحزبه , ولكنه ما نسي أن يرشد المسلمين الذين يحبونه ويتولونه أن لا يكون موته واستشهاده سببا في فعل أمور لا يرضى عنها الشرع من جزع أو لطم أو شق الصدر أو غير هذا مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم , فنهى أخواته عن هذا الأمر واقسم عليهم أن لا يفعلن ذلك لاسيما بعدما رأى علامات الحزن الشديد من مجرد احتمال موته كما روت الشيعة أنفسهم في الرواية :
مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 110 - 112
قال أبو مخنف - حدثني الحارث ( 1 ) بن كعب وأبو الضحاك ( 2 ) عن علي بن الحسين بن علي قال : اني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها وعمتي زينب عندي تمرضني إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء .............. فاما عمتي فإنها سمعت ما سمعت وهي امرأة وفي النساء الرقة والجزع ، فلم تملك نفسها ان وثبت تجر ثوبها وانها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت : وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت فاطمة أمي ، وعلي أبي ، وحسن أخي ، يا خليفة الماضي وثمال الباقي . قال : فنظر إليها الحسين ( ع ) فقال : يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان ، قالت : بابي أنت وأمي يا أبا عبد الله استقتلت نفسي فداك ، فرد غصته وترقرقت عيناه وقال : لو ترك القطاء ليلا لنام ، قالت : يا ويلتي أفتغصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي وأشد على نفسي ، و لطمت وجهها وأهوت إلى جيبها وشقته وخرت مغشيا عليها . فقام إليها الحسين فصب على وجهها الماء وقال لها : يا أخية اتقي الله ، وتعزى بعزاء الله ، واعلمي ان أهل الأرض يموتون ، وان أهل السماء لا يبقون ، وان كل شئ هالك الا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ، ويبعث الخلق فيعودون وهو فرد وحده ، أبي خير مني ، وأمي خير مني ، وأخي خير مني ، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة . قال فعزاها بهذا ونحوه وقال لها : يا أخية اني أقسم عليك فأبري قسمي ولا تشقى علي جيبا ، ولا تخمشي علي وجها ، ولا تدعى علي بالويل والثبور إذا انا هلكت . قال : ثم جاء بها حتى أجلسها عندي ..............))
وكانت هذه وصية الحسين رضي الله عنه والذي أقسم عليها لبيان أهميتها وعدم الخروج عنها , لاسيما وأن الأخبار متواترة في ذم هذه الأفعال والتحلي بالصبر عند المصائب , فلا يكون موقف المسلمين منه هو مخالفته فيما وصى به , ولا يكون من الأدب ترك أمره ووصيته فهذا من الأدب البارد إن سلم من مخالفة الشرع , وأما إذا صاحب المخالفة كان مذموما من جميع النواحي وما كان في بقاءه أمرا واحدا صحيحا لا من جهة الشرع ولا من جهة الأدب , والله يهدينا جميعا ويلحقنا بالنبي صلى الله عليه وسلم والصديق والفاروق وذو النورين وأبو الحسنين والحسن والحسين ومعاوية بن أبي سفيان وزين العابدين وعمار بن ياسر وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري وخالد بن الوليد وابن عباس وأبو هريرة وجميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويدفع عنا الغلو والتعصب ويرزقنا متابعة الكتاب والسنة .
والحمد لله رب العالمين
.