=============================
الصديق أبو بكر رضي الله عنه أفضل الناس بعد الأنبياء
=============================
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد , اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وابتع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد...
تمهيد
ألح زميلنا بهلول في طلب الدليل على أن الصديق رضي الله عنه أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين , وقد وصف أهل السنة بالغلو في ذلك وهذا من الإجحاف لاسيما وأنه خلا من دليل صحيح يثبت غلو أهل السنة في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه...
وقد نبهنا قبلا على أن هذه المسألة ليست من مسائل العقيدة ولن يحاسب الإنسان عليها يوم القيامة من حيث أنه كان يعتقد بأنه من أفضل الناس بعد الأنبياء أم لا , ولا تؤثر في صحة العقيدة ولا في عمل العبادات وإنما هي منزلة أنزلها له رب العالمين المتفضل سبحانه لجهده وبلاءه في خدمة الإسلام والمسلمين ولحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له...
ولقد طلبنا من زميلنا بهلول أن يورد دلالة قوله بغلو أهل السنة في أبي بكر في أي مظهر من مظاهر التكريم أو التعظيم بطريقة قد نهى الله عنها فأبى علينا إلا اعتراضه وتساؤله عن هذا القول فقط , مع العلم بأن أهل السنة والجماعة لا يظهرون أي أمر مخالف للشرع في محبة الصديق رضي الله عنه , فلا يُقسمون بإسمه ولا ينذون له ولا يذبحون له ولا يخافونه أو يهابونه ولا يحبونه المحبة الطاغية فوق محبة الله تعالى ولا يقيمون الموالد في مولده أو وفاته , ولو سألت غالب المسلمين عن اليوم الذي مات فيه الصديق رضي الله عنه أو الذي ولد فيه ما علموه ولا تذكروه إلا أن يرجعوا إلى الكتب والمراجع - وقد أخبرنا المتبحر بهذه المعلومة جزاه الله خير - لحرص أهل السنة والجماعة على قمع أي مظاهر من مظاهر الغلو في الرجال ,لغلق الباب على الشيطان كي لا يدخل على العقل بتزيين الشرك فيقع الناس فيما وقع فيه الأوائل من عبادة الناس والعكوف على قبورهم وغير ذلك .
وهذا تمهيد هام وتوضيح لمكانة هذه المسألة حتى لا يغلو فيها البعض هي الأخرى...
أبو بكر الصديق رضي الله عنه أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل
أولا هذا ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة كما بين المتبحر جزاه الله خيرا , وهو في حد ذاته دليل شرعي لقوله تعالى (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ))[النساء/115] , ولا يجوز أن يخرج عن سبيل المؤمنين , وقد ثبتت فضائل الصديق رضي الله عنه ثبوتا لا يمكن لأحد مس العلم مسة أو ضمه ضمه أن ينكره لا بالمنهج العلمي ولا بالاستدلال العقلي ولا حتى بالثبوت التاريخي.
ثانيا من هم أفضل الخلق بعد الأنبياء ؟ , بمعنى آخر من هو الذي يدخل بعد النبي مباشرة في الأفضلية ؟ , بالطبع لا نترك هذا للعقل فإن العقل يتفاوت وليس هو حجة في الرجوع عند الخلاف بل الرجوع يكون للكتاب والسنة كما أخبر سبحانه فقال تعالى (( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ))[الشورى/10] , وقال تعالى (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))[النساء/65].
فالرجوع يكون إلى الكتاب والسنة , وعند النظر في التنزيل نجد أن الله تعالى رتب الأفضلية على النحو التالي , قال تعالى (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا )) , فالأنبياء ثم الصديقين ثم الشهداء ثم الصالحين.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية (ج 2 / ص 353)(( أي: من عمل بما أمره الله ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقًا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم. ثم أثنى عليهم تعالى فقال: { وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }. انتهى
فدرجات الناس تكون على هذا النحو الذي أخبرنا به ربنا سبحانه
الأنبياء
الصديقين
الشهداء
الصالحين
وقد ثبت في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ { مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ } فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ)) .البخاري - (ج 14 / ص 84)
وقد ثبت الدليل الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمى أبو بكر رضي الله عنه بالصديق , كما روى البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه أنه قال (( صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ وَقَالَ اسْكُنْ أُحُدُ أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ )). صحيح البخاري - (ج 12 / ص 33)
فهو صديق بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم , وقد ثبت أيضا في الحديث الصحيح أنه أحب الرجال إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لولا عدم جواز اتخاذ خليل من البشر للنبي صلى الله عليه وسلم لكان أبو بكر رضي الله عنه هو خليل الرسول صلوات ربي وسلامه عليه , وقد ذكر المتبحر جزاه الله خيرا هذه الأحاديث فليرجع إليها...
وبعد إثبات ما تقدم أن أفضل الناس بعد الأنبياء هو الصديقون , وأن أبو بكر رضي الله عنه قد ثبت لقبه ورتبته لهذا اللفظ تبقى مسألة واحدة , وهي لماذا يكون مفضلا على غيره من الصديقين أو لماذا يكون الأول بعد الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم...
والإجابة على ذلك بسيطة وهي أن أمة الإسلام هي أفضل الأمم قال تعالى (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )) [آل عمران/110] , ومن هنا فأمة الإسلام هي أفضل الأمم والأولى عليها , ونبي هذه الأمة هي أفضل نبي وصديق هذه الأمة هو أفضل صديق.
وإن كانت هذه الآية قد نزلت للصحابة أول ما نزلت لأنهم كانوا المتوجه إليهم الخطاب ابتداء إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما في الأصول فيكون الخطاب للصحابة من جهة وللمسلمين عامة من جهة أخرى.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الناس على الإطلاق هو قرن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح عند البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ))صحيح البخاري - (ج 9 / ص 133)
وهذه أيضا تثبت منزلة الصديق لأنه من أهل القرن الأول ومن هنا تتحق في الصديق رضي الله عنه كل الأمور ليكون هو الأول بعد الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم...
وقد نبه المتبحر جزاه الله خير على هذه النقطة في مشاركته الأولى فنقل ما نصه
وهذا كلامٌ ثمين للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
وأفضل الصديقين على الإطلاق أبو بكر رضي الله عنه، لأن أفضل الأمم هذه الأمة، وأفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه.
.
والأدلة إذا واضحة وصريحة إما عن طريق الإجماع وهو وحده كاف في الحجية وإما عن طريق الإستدلال من النصوص المعصومة , فرضي الله عنك يا صديق الأمة , وأستغفر الله العظيم من أي خطأ أو زلل في بياني عن صديق الأمة رضي الله عنه , فليس مثلي بالذي يصلح أن يتكلم عن هؤلاء الرجال أهل الدين والعلم والعبادة والورع واليقين والجهاد والدعوة , ولكن البغاث بأرضنا يستنسر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحمد لله رب العالمين