فقه الصيام
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد , اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد...
مع اقتراب شهر رمضان يلزم التنبيه والتذكير ببعض الأمور الهامة والمسائل الشرعية في باب الصيام وأحكام.
وفي هذا الموضوع سوف نتناول إن شاء الله تعالى مسائل النية والإمساك وأقسام المفطرين والقضاء ورؤية الهلال والإفطار وما يستحب للمسلم عمله في رمضان وغير ذلك من المسائل المهمة , فالله أسأل أن يتقبل منا صالح الأعمال وأن يبلغنا رمضان وأن يفتح لنا فيه من أبواب الخير والبركة والعمل الصالح والقبول إنه ولي ذلك والقادر عليه...
-----------------------------------------------------------------------------------
تمهيد
صيام رمضان فرض من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين , وهو فرض على كل مسلم صحيح مقيم إلا الحائض والنفساء .
أولا النية وفيها عدة مسائل:
المسألة الأولى: النية شرط في صحة الصيام ,والأصل في ذلك ما ثبت عند أحمد وأصحاب السنن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن أبيه عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ )) صححه الألباني, فلابد من تبييت النية قبل الفجر في كل صوم واجب سواء كان صوم رمضان أو في قضاء أو في صيام نذر , فإذا لم ينوه من الليل لم يجزه بخلاف صيام التطوع فله أن ينوى بعد أن يصبح.وهذا مذهب الأئمة الأربعة وعامة أهل العلم وإنما شذ في هذه المسألة بعض أصحاب الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى والدليل مع الجمهور.
المسألة الثانية : النية المجزئة : ذهب جمهور أهل العلم على أنه لابد من عقد نية محددة واعتقاد أن اليوم التالي هو يوم من أيام رمضان خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى والذي قاس رمضان على غيره من العبادات , فذهب إلى أنه إذا نوى نطلق الصيام أجزأه وإذا نوى أن يصوم اليوم التالي على أنه صيام نفل أجزأته نيته وانقلبت نيته إلى صيام فرض , وقد قاس الإمام ابو حنيفة رحمه الله الصيام على الحج وهذا قياس فاسد لأنه خالف الدليل الصحيح بالإضافة لما تقرر في باب النيات أنه لابد من تعيين نوع العبادة , فلا يصلي المسلم أربع ركعتان في وقت الظهر بغير أن ينوي إن كان ظهرا أم عصرا , فقياس الصيام على الحج ليس بأولى من قياسه على سائر العبادات , وهذا هو الصواب فلابد من التحديد إلا إذا ورد دليل يدل على عدم التحديد في موضع معين فيقتصر على هذا الموضع ولا يقاس عليه غيره.
المسألة الثالثة : وقت النية المجزأة , وقد تبين من حديث حفصة رضي الله عنها أن النية تكون قبل الفجر , وقد جاء الحديث بصيغة النكرة في صيام النفي فتعم , ولهذا ذهب الجمهور خلافا لأبي حنيفة رحمه الله إلى أنه لابد من تبييت النية قبل الفجر وإن لم يبيت كان صيامه باطلا, بخلاف صيام التطوع الذي يجوز للمسلم أن يعقدها نهارا بعد انقضاء الليل
المسألة الرابعة : هل تكفي نية واحدة في أول الشهر أم لا ؟, الصحيح أنه لابد من نية لكل يوم بخصوصه وهو مذهب الجمهور في هذه المسألة , وقد ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه يكتفى بنية واحدة في أول الشهر فقاس الصيام على الحج ورأى أنه كما أن الحج أعماله متعددة ويحتاج إلى نية واحدة في المبدأ فهكذا الصيام , ولكن جمهور أهل العلم ردوا على ذلك بأن هذا قياس مع الفارق ولا يصح لأن الحج فيه أركان متعددة فلو هدم ركن منها لصار الحج باطلا أم صيام رمضان فكل يوم فيه مستقل فلو أن إنسان أفسد صيامه في يوم ما لا يترتب على ذلك فساد الشهر بالكامل , فثبت من هذا أن كل يوم لا تعلق له بالأيام التي قبله ولا بالأيام التي بعده , وهذا القول هو الصحيح وهو مذهب الجمهور كما اسلفت فلابد من ينة مستقلة يعقدها المسلم قبل الفجر على أنه صيام رمضان.
المسألة الخامسة : من نوى الإفطار فهل يفطر أم لا ؟ , اختلف أهل العلم في هذه المسألة والصحيح هو القول بالتفصيل...
فمن نوى الإفطار وجزم به وعزم على ذلك فقد أفطر ولو لم يتناول مفطرا , لأن النية شرط في صحة الصيام , والعبادات مدارها على النية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) , والصوم عبادة وفي هذه الحالة قد فسدت بنية الخروج كالصلاة , وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم لقوة مأخذه خلافا للأحناف والشافعية الذين ذهبوا إلى أنه لا يفطر إلا إذا تناول مفطرا .
وأما إذا نوى عليه غير عازم بل تردد في ذلك , فصومه صحيح لأن الأصل بقاء نية الصيام والأصل لا يزال بالشك.
المسألة السادسة : التلفظ بالنية , لا يشرع التلفظ بالنية لأن النية لا تعلق لها باللسان أصلا بل تعلقها بالقلب , فالنية هي القصد أو الإرادة الجازمة فلا يكون للسان مدخل فيها...
ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم تلفظوا بالنية , ولكن قد ذهب الشافعية إلى سنية التلفظ بها والحنفية على الندب والحنابلة على استحبابها سرا , وعللوا ذلك بأن جمع القلب مع اللسان أولى من الإنفراد.
وقد اختار شيخ الإسلام القول الثاني للحنابلة بعدم مشروعية التلفظ بها وهو الصواب لعدم ورود دليل صحيح من النبي صلى الله عليه وسلم يفيد بذلك.
والله أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين
يليه باب الإمساك