مقالات الدكتور خالد الجنفاوي

برقان73

عضو بلاتيني
روح المبادرة


يتميز المجتمع الناجح بتشجيعه "روح المبادرة" لدى أعضائه فسواء كان الأمر يتعلق بالاقتصاد أو الثقافة أو أي من النشاطات الإنسانية "المفيدة" فعادة ما تقاس نجاحات المجتمع بمدى تمكينه أفراده من تحويل أحلامهم وتطلعاتهم الى حقائق ملموسة على أرض الواقع.
ونتمنى في هذا السياق أن تترسخ "روح المبادرة" في كل مشاريعنا التنموية في الكويت, بل و نأمل أن يستخدم منهج المبادرة والابداع كمعيار وطني يميز أغلب نشاطاتنا الاقتصادية والثقافية والسياسية, ففي المحصلة الأخيرة سينتفع الجميع إذا ما ترسخت روح المبادرة في المجتمع الكويتي.
وروح المبادرة هي ذلك النوع من المرونة الضرورية والتقّبل السهل لكل ما هو جديد وإيجابي, و تشير روح المبادرة كذلك الى قدرة المجتمع ككل في السماح لكل ما هو إبداعي أن يتحقق, فعلى المستوى الشخصي يختلف ذلك الفرد الذي نشأ في بيئة أسرية تشجع روح المبادرة عن غيره, فتراه يتحول مع مرور الزمن الى شخص مستقل ذهنياً يستطيع أن يمنح نفسه والآخرين كل ما هو جديد وناجح, بل إنّ المجتمع بأسره سيستفيد إذا أصبحت روح المبادرة أحد أهدافه الأخلاقية والحضارية العامة, فالمجتمع الناجح في عالم اليوم هو ذلك المجتمع الذي يزخر بطاقات فردية ومجتمعية إبداعية تقبل التغيير للأفضل وتقبل زيادة على ذلك الا يكون هذا التغيير للأفضل المحطة النهائية في رحلة التطور والرقي.
وسواء تمثلت روح المبادرة خلال بدء جهد فردي أو أسري أو مجتمعي شاملاً لتحويل آمال التطور والرقي الى واقع ملموس أو تمثلت بدلاً عن ذلك في رواج ثقافة مجتمعية تشجع على الانجاز وتفتح الأبواب المغلقة فعادة ما تتميز روح المبادرة في أنها تضع حلولاً ناجحة وعملية لأغلب التحديات اليومية التي يواجهها الفرد والمجتمع, بل زيادة على ذلك فعادة ما يقود تشجيع روح المبادرة في المجتمع الانساني الى احتساب كل جهد فردي إيجابي وكأنه مساهمة حقيقية وفعالة في تطور المجتمع ككل!
فلعل وعسى أن يتجاوز البعض هنا في الكويت تكرار تلك الاسطوانة المشروخة بأنّ كل ما يتحقق في الكويت لا يعجبهم لأنه كذا, وكذا أو لأنه يفتقد هذا أو ذلك الهدف ... فنتمنى في هذا السياق يدرك هؤلاء الصورة العامة لأوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية, والتي تشير مباشرة الى أنّنا "نجحنا" فعلاً عندما تمسكنا بروح المبادرة, ونجحنا فعلاً عندما لم نسمح لأي نوع من التحديات أن يحبط تطلعاتنا أو يخيّب آمالنا وسنستمر في تحقيق النجاح والتقدم والتطور ما دمنا نؤمن بأن روح المبادرة هي ما يجب ان تميز جميع أنواع نشاطاتنا وتفاعلاتنا الإنسانية في الكويت, فلعل وعسى.
 

برقان73

عضو بلاتيني
الهيمنة الاخلاقية والثقافية


ثمة "معضلة أخلاقية" متكررة عادة ما تعاني منها الطبقة الاجتماعية المسيطرة أو المجموعة الايدلوجية المهيمنة والتي ترغب في بسط نفوذها على الآخرين الذين يتشاركون معها في العيش في نفس المجتمع الإنساني: وهي إيمان هؤلاء أن أخلاقهم, أو ما يعتبرونه آداباً اجتماعية صحيحة من وجهات نظرهم الشخصية يجب أن يعتنقها الاخرون حتى لو كانت تلك الأخلاقيات والأداب والتجارب الحياتية تعكس فقط مصالح وخبرات طبقية أو اجتماعية أو ايديولوجية محددة! أي أن المعضلة الأخلاقية والتي يسببها الاعتقاد بعمومية وشمولية المبادئ الأخلاقية والثقافية لمجموعة إنسانية ما عادة ما تسبب صراعاً مريراً مع الآخرين والذين لا يشعرون أن من واجبهم الإيمان بصحة أو حتى بشرعية كل ما يعتقد الآخرين أنه صحيح وأخلاقي ومقبول أو غير مقبول ثقافياً!
وبالطبع فما نتحدث عنه في هذا السياق ليس له علاقة بالاخلاقيات الاجتماعية المقبولة أو الاعتيادية أو الإنسانية العامة, ولكن نشير بشكل مباشر الى تلك الاخلاقيات "المنتقاة باليد" وبشكل شخصاني اختياري بحت, فهي أي هذا النوع من الأخلاقيات والمبادئ الثقافية والفكرية المنتقاة تعكس "فقط" أهدافاً اجتماعية واقتصادية وثقافية تخدم المصالح الخاصة بمجموعة إنسانية دون غيرها... وليذهب الأخرون .... فهؤلاء والذين يحاولون قدر جهدهم تعميم ما يعتبرونه مشروعاً أخلاقياً ومقبولا ثقافياً عندهم على الآخرين لا يدركون تماماً أن الآخرين يختلفون عنهم من الناحية الاقتصادية والايديولجية...الخ بل لم ولربما لن يمروا في التجارب الحياتية نفسها.
هذه المعضلة الاخلاقية متكررة ومدمرة للمجتمع الإنساني لأن محاولات البعض تطبيق وتنسيق ما يعتقدون أنه الأفضل وإرغام الآخرين على الايمان به عادة ما يهدد أمن الآخرين ويهضم حرياتهم الشخصية ولأنه بشكل أو بآخر يلغي تجاربهم الشخصية والثقافية المميزة ولا يعير اهتماماً كبيراً للخيارات الشخصية لمن هم مختلفون, وأتعس مثال لهذا النوع من الهيمنة Hegemonyهو تلك المحاولات اليائسة لجعل حتى ما يفكر به الآخرون من أحلام واهداف وتطلعات يتناسق مع توجهات شخصانية يعتنقها الأغلبية أو من يمتلكون المال أو مصادر الانتاج أي من يمتلكون نوعاً ما من القوة الاجتماعية أو الاقتصادية أو يسيطرون على رأس المال الثقافي!
يوجد عزيزي القارئ علاج لكل داء, وعلاج الهيمنة الاخلاقية والثقافية في المجتمع الإنساني يتمثل دائماً في حث الآخرين على التفتح العقلي والثقافي وقبول من هم مختلفون عنهم ويتمثل كذلك في إصرار الفرد على جعل الأخرين يدركون أنه مختلف عنهم, قبلوا أم لم يقبلوا ذلك!
 

برقان73

عضو بلاتيني
أنْتَ "مُخْتَلِف" إذا أنْتَ "حُر"


عُرفت "الحرية" بعلاقتها التاريخية مع "العبودية" فالاولى هي بطبيعة الحال هروب من الثانية, بل ان احد ركائز الحرية هي عدم وجود قيود وانماط ونماذج فكرية واجتماعية "تحد" من حرية الافراد في ان يصبحوا مستقلين, ولهذا سنلاحظ ان الكثير هذه الايام من كتاب ومثقفين وغيرهم خاصة عندما يتحدثون عن الحرية كمفهوم عالمي فهم عادة ما يربطون بين الاستبداد والعبودية والتقييد الجسدي والرمزي وبين توفر او غياب الحرية في المجتمع الانساني, ولكن "الحرية" كما تعني التخلص من القيود بمختلف انواعها فهي تعني ايضا "حرية الفرد العادي في ان يكون مختلفا عن غيره"اي ان يشعر بانه ليس من حق الاخرين من منظرين فكريين وغيرهم ان يربطوه ويقيدوه "قسرا" بنماذج تاريخية يقدمونها على انها النماذج "المشروعة" للحرية, فالفرد في هذا السياق "حر" في ان يصبح قبليا, و حر في ان يكون ذو توجهات ليبرالية بل و"حر" ايضا في ان يكون اصوليا دينيا...الخ, ما دام ما هو عليه وما يختاره لا يؤثر بشكل سلبي ومباشر في حرية الاخرين او يحد منها!
ومن هذا المنطلق فالانسان العادي حر ايضا ان لا ينتمي لهذا او لذلك المعسكر الفكري في بيئته المحلية فقط لان "الاخرين" يعتبرون هذا الامر صحيحا ومتوقعا, فالانسان الحر فعلا لا قولا هو من يقاوم "القولبة والنمطية والاصطفافات والنعرات الخاصة والعامة." بمعنى ان اختلافك عن من تعتقد انك تتشارك معهم في امور كثيرة لا يمكن له في اي حال من الاحوال ان يضعف او يقلل من انتمائك وولائك لهذه او لتلك المجموعة الانسانية, فاختلافك هو سر نجاحك كفرد ولهذا انت تستمر "فريدا" و "متميزا" عن الاخرين وتنجح وتنجز وتتطور وتصبح انسانا افضل من ذي قبل, فانت في بداية الامر خرجت على هذه الدنيا حرا و"مختلفا" وطليقا ومفعما بامكانيات لا حدود لها, فما بالك بعد ذلك تقبل التقييد والتكبيل والتعليب والتصنيف وانت تبتسم?!
 

برقان73

عضو بلاتيني
"التنوع" العرقي والديني والمذهبي والثقافي "مفيد للصحة"


ثمة مصطلح مهم, ومثير, ومُشوق اخترعته ,حسب ما نعتقد, "عقول غربية" صرفة وهو: "التنوع" أو "الاختلاف," Diversity وهو يُفسر هذة الأيام كمفهوم حضاري إيجابي وعولمي تبنته الأمم المتحدة في معظم دراساتها ومنشوراتها وقراراتها التاريخية السابقة والحالية ويشير "التنوع" الى حالة إنسانية وثقافية واجتماعية ضرورية بالنسبة للعيش في عالم اليوم يتم من خلالها "قبول" التنوع والاختلاف الثقافي والعرقي والديني والمذهبي واللغوي والشخصي....الخ بين الأفراد خاصة اولئك الذين يتشاركون العيش أو العمل في مجتمع واحد أوينتمون لوطن واحد. ويتم عادة إسقاط مفهوم "التنوع" ودلالاته الأخلاقية والاجتماعية والثقافية ليشمل "حرية الرأي".
التنوع العرقي والديني والمذهبي والثقافي "مفيد للصحة" لأسباب عدة لعل أهمها أن من يقبل بضرورة حتمية وجود اختلافات بين الأفراد هو من يهتم كثيراً في تحقيق "الصحة النفسية," حيث لا يمكن تصور أن يتمتع اي فرد بالراحة النفسية إذا لم يقبل أن الآخرين الذين يتشاركون معه في عضويتهم في نفس المجتمع وانتمائهم لنفس الوطن "ليس من الضروري" أن يكونوا نسخة مطابقة له, بل ولا يمكن تصور أن يحظى أي فرد بقبول شخصي ذاتي ما لم يقبل بداية أنه مختلف عن الآخرين بسبب امتلاكه خلفية ثقافية أو دينية, أو عرقية, غير مشابهه لمن هم حوله. فإحراز الراحة النفسية إذاً والانسجام مع النفس ومع الآخرين لن يتحقق ما لم يتمكن الفرد العادي من الؤئام وتحقيق السلام مع نفسه ومع الآخرين.
إضافة الى ذلك, فقبول التنوع العرقي والديني والمذهبي والثقافي مفيد للصحة بالنسبة للأفراد, لأن من يعرف أنه يعيش في مجتمع يقبل الفروقات الشخصية والدينية والعرقية والمذهبية والثقافية بين الأفراد يدرك كذلك أنه عادة ما تُحترم الأراء الشخصية في هذا النوع من المجتمعات (ما لم يؤد إعتناق بعض الآراء الشخصية الى إيذا الآخرين.) ففي هذه الحالة الأنسانية "التنوعية" والفريدة, إذا شئتم, عندما يدرك الفرد العادي أن آراءه الشخصية والالعامة ستقبل في بيئته كخيارات شخصية لا دخل للآخرين بها, فهو سينعم بالصحة النفسية والجسدية, اي أنه يعرف تماماً انه لن يتعرض للأعتداء الجسدي من قبل الآخرين أو الإهانة, الخ أي أنه ببساطة شديدة سينام قرير العين.
عزيزي القارئ, الإنسان كجسد وكروح وكنفس وككيان بشري تجتمع فيه كل النقائض والمتناقضات التي لا يمكن تصورها, فالعقول البشرية كل على حدة يمكن أن تستوعب ملايين المعلومات المختلفة, ويحتوى جسدنا على ملايين الخلايا المختلفة, إذا علمياً وفكرياً وفلسفياً لا يوجد معيار واحد أو نمطي يمكن أن نقيس من خلاله تشابهنا مع الآخرين, بل لا يمكن تصور وجود "متوسط" أو مُعدل بشري, مهما كان نوعه, نستطيع من خلاله جمع الآخرين تحت مظلة واحدة, فمولدنا وحياتنا ومغادرتنا لهذه الحياة تمت وستتم بشكل مختلف!
 

برقان73

عضو بلاتيني
"مراكز الثقل" في الجهرة والأحمدي


نعتقد أنه إذا هناك أمر آخر أكثر أهمية من موضوع إسقاط القروض وزيادة الرواتب أو أكثر أهمية من إيجاد حلول عملية لمشكلة إرتفاع السلع الاستهلاكية في الكويت: هو التمكين البشري أو الإنساني Empowerment للمواطن الكويتي العادي, وهو يعني ببساطة متناهية مساهمة حقيقية وملموسة من مجلس الأمة والحكومة في توفير بيئات إنسانية آمنة وخلاقة ترحب بالأنسان الكويتي العادي في كل مناطق الكويت وتمكنه من تطوير قدراته الشخصية والأستفادة القصوى من مهاراته, وهذا لن يحدث بالطبع ما لم يتم تسوية وتمهيد حقل الفرص المتكافئة.
فليس من المعقول مثلاً أن تبقى معاهد التدريب الوظيفية أو التعليمية أو العلمية والترفيهية...الخ متركزة في مناطق معينة في الكويت من دون وجود بدائل مقاربة لها في المستوى في مناطق أخرى, وليس من المعقول كذلك أن تكون أغلب النشاطات الثقافية والعلمية وحتى الاستثمارية والتجارية المميزة متوفرة لسكان بعض المناطق بينما الآخرون يستمرون يراقبون ما يحدث على صفحات الجرائد فقط لا غير من دون أن يتمكنوا من المشاركة أو الاستفادة الفعلية مما يجري. وكيف بشاب كويتي عادي يسكن في الجهرة او الصباحية أو الفحيحيل مثلاً أن يغتنم الفرص لتطوير مهاراته الاقتصادية والإدارية أو اللغوية أو الثقافية, وأن يتمكن من المشاركة الفعلية والحقيقية وهو يعرف تماماً أنه لا توجد مؤسسات حكومية أو خاصة تقدم مثل هذه الخدمات وبمستويات مقبولة في منطقته? وكيف به كذلك أن ينمي النواحي المختلفة من نشاطاته الانسانية وهو يعرف تماماً أن "مركز الثِّقل" لكل ما له قيمة إقتصادية وثقافية حقيقية, إذا شئتم, لا يقع بقربه, بل متمركز هناك في منطقة أخرى بعيده لن يصل إليها في الوقت المناسب سواء بسبب الازدحام أو الملل من قطع كل تلك المسافة البعيدة كل يوم!
تسوية وتمهيد حقل الفرص المتكافئة في الكويت يعني بشكل واضح إنشاء "مراكز ثقل" اقتصادية وعلمية وثقافية وحضارية وترفيهية في جميع مناطق الكويت, فإذا تم إنشاء مستشفى نموذجي في منطقة فيجب أن يكون له مرادف متساو معه في مستوى الخدمات الصحية المتميزة في منطقة أخرى, وإذا تم إنشاء واجهة بحرية متميزة قرب منطقة معينة فيجب أن يتم إنشاء واجهات بحرية وبالخدمات المميزة نفسها في مناطق أخرى محاذية للبحر وما أكثر أعداد هذه الأخيرة! وزيادة على ذلك كله فالهدف من وراء كل ذلك البناء والتشييد ليس التبذير والصرف فقط ولكن رهاننا الوطني الأول والأخير هو تمكين الإنسان الكويتي العادي, أي من يسكن في الشامية والجهرة والقرين والأحمدي ومختلف مناطق الكويت, من الاستفادة الفعلية من نفس فرص التنمية, ومن نفس فرص التمكين الشخصي, فلعل وعسى.
 

برقان73

عضو بلاتيني
الحرية تعني "التحرر" من التلاعب الفكري


ثمة فرق كبير بين الحرية "الشكلية" و"الفعلية", فالاولى, وهي التي عادة ما تكون رائجة في المجتمع الانساني المعاصر, "ظاهرية" وزائفة لا تستند على دلائل حقيقية تثبت صحتها, واما الثانية, اي الحرية الفعلية, وهي عادة ما تكون نادرة الوجود, فهي واقعية وملموسة تتجلى أحياناً في أفراد يتمتعون بالاستقلالية الكاملة والتحرر الفعلي من كل اشكال "القيود" وخاصة تلك القيود الفكرية التي تصنعها, أو بشكل أدق, "تفبركها" عقول أؤلئك القلة الذين امتهنوا "التلاعب" بعقول الاغلبية بحجة سعيهم نحو تحقيق "الحرية" للجميع, إذاً الفرد, ونعنى هنا في هذا السياق اي فرد, من كان واين ما كان, "حُرٌ" بقدر تحرره وخلاصه من "التلاعب الفكري" الذي يجري حوله والذي يمارسه الاخرون من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية الانانية.
ولنضرب مثالا حياً عن الحرية الشكلية والفعلية لعل الفائدة تعم أو لكي يستوعب من لا يزال يتحدث عن "الحرية" خبط عشواء من دون أن يفقه أبسط مبادئها الاخلاقية ومتطلباتها الواقعية, فخذ على سبيل المثال "فلاناً" من الناس من يطالب بالحرية في التعبير عن ما يجول في خاطره وما يحويه عقله, فترى صاحبنا هذا يندب ويشجب ما يتصوره قهراً وكبتاً متعمداً من قبل الاخرين, وما الى آخره من الاسطوانة المعتادة في هذه السياق التاريخي المطالب بالحرية, ولكن عندما نتمعن قليلا في ماهية ما يطالب به فلان سنكتشف, ويا لا ذهولنا, أنه وقع "ضحية," لا حول له ولا قوة, لتلاعب فكري واضح! ففلان لا يطالب مثلا بحرية التعبير عن مكنوناته الشخصية أو عن استقلاليته كبشر واع ومتمكن من نفسه, ولكن ما يطالب به لا يتعدى, في عقول من يفقهون, كونه مطالبة لاعطائه مزيداً من الوقت "لينقل" بتفان منقطع النظير أقوال "الاخرين" وأفكارهم وكأنه رضي عن قناعة أن يصبح جهاز تسجيل تتم تعبئته اليوم لينطلق "يهرف" غداً بما ليس له, وبما لا يفقهه وبما لا ينفعه وبما لا تملكه يداه, وبما لا يؤمن به من الاساس!
وخُذ فلاناً آخر من يعرف تماماً انه يمتلك "الخيار الحر" في التعبير عن أفكاره من دون وجود ترسبات وقيود وسلاسل وضعها الاخرون على عقله وقلبه, فهذا الشخص "حُرٌ" بكل ما تعنيه الكلمة لانه ببساطة متناهية رفض الحرية "الشكلية" والتي هي نقل فقط لاقاويل واحاديث الاخرين واختار بدلا عن ذلك التمتع بالحرية "الفعلية" اي حريته هو وليس نسخة مكررة Copycat وربما ساذجة من حريات "الاخرين"!
الفرد العادي يولد ويستمر حراً ولكن بقدر تمكنه من مواصلة التمتع بالحرية الفعلية وبقدر نجاته وخلاصه من قيود وسلاسل "تسبكها" عقول الاخرين و"تبدو" له ذهبية ومغرية وتعد بالسعاد والهناء, ولكنها في حقيقتها عنوان لكل أنواع التلاعب الفكري الرخيص ومقدمة لاسْرٍ لا خلاص من بعده.
 

برقان73

عضو بلاتيني
صعب أن تكون »إنساناً« في العالم العربي




ثمة وضع تناقضي حول قضية "حقوق الانسان" في المجتمع العربي التقليدي, فإذا كان الانسان العادي في هذا المجتمع الضارب في القدم لا يسمح له من الاساس أن يكون "إنساناً" طبيعياً فكيف يطالب البعض بتطبيق المبادئ العالمية لحقوق الانسان ومنح الفرد العربي الحق في الحياة والسعادة والامن...الخ بينما لم تتوفر بعد الظروف العقلية والاجتماعية والثقافية والاخلاقية التي تسمح لهذا الفرد أن يعيش كبشر مثل باقي الخلق?
أن تكون "إنساناً" في العالم العربي أمر صعب للغاية ولأسباب عدة لعل اهمها أن الانموذج العربي التقليدي حول ماهية الانسان لا يبدو أنه تغير بعد مضي مئات من السنين فهو لا يزال ينظر اليه كجزء لا يتجزأ من مجموعة عرقية أو اجتماعية أو طبقية معينة ويتم عادة "تصنيفه" والتعامل معه من هذا المنوال فقط وعبر فلترة سلبية تصل حتى النخاع, فيتم مثلا النظر الى حقوقه الطبيعية وواجباته ومسؤولياته وهكذا من زواياً معينة عادة ما تكون تفريقية وتمييزية. فمشكلتنا نحن العرب أن كثيراً منا لم يفهم بعد, أو لا يرغب في الفهم, أن أي إنسان عادي سواء كان قصيراً أم طويلا أم أبيض أم أسود أم رجلا أم امرأة "يمكن أن يصبح ما يشاء" إذا أتيحت له الفرصة أن يكون "أنساناً طبيعياً." ولكن كيف لهذا الانسان أن يصبح كذلك ما دام بعض الافراد ضيقي الافق وبعض البيئات الاجتماعية العربية التقليدية يسعون دائماً بشكل مباشر أو غير مباشر الى تقييد الاخرين بسلاسل من اختراعهم تمنع الانسان أن يعيش كبشر طبيعي له حق الاختيار وله حق التفكير الحر وله حق استنشاق الاوكسجين الذي يتنفسه غيره من البشر?
أن تصبح إنساناً طبيعياً في العالم العربي أمر يتجاوز في صعوبته كل التحديات والمصاعب التي يمكن أن يواجهها أي انسان في مجتمع انساني طبيعي والذي يمكن أن يتمتع فيه بكامل حقوقه الانسانية إذا توافرت الظروف الاجتماعية والسياسية والاخلاقية المناسبة, بل أن الانسان العربي إذا سُمح له أن ينظر الى نفسه كإنسان, ولو قليلا من الوقت, فسينظر اليه الاخرون عادة ككائن حي ولا شيء غير ذلك, "فكيف له أن يطلب أكثر من هذا إذا كان يُسمح له أن يتنفس ويأكل ويشرب ويذهب ويجيء وبالمجان"?
 

برقان73

عضو بلاتيني
»الحرية النفسية« أهم من "حرية الرأي والتفكير"


توجد وجهات نظر مختلفة حول نوع "الحرية" التي عادة ما يطالب بها الانسان في حالته الطبيعية, فالبعض يجادل مثلاً أن "حرية الرأي والتفكير" أو "الحرية الاجتماعية" أو "الحرية الاقتصادية" هي أهم كثيراً من أنواع الحريات الأخرى, ويوجد هناك آخرون من يعارضون هذا التوجه إذ أنهم يطالبون بذلك النوع من "الحرية الكاملة" من كل أنواع القيود الطبيعية, أو المختلقة من قبل الآخرين. ولكن يوجد نوع معين من الحريات أكثر أهمية من أنواع الحريات السابقة إذ انه يتمثل في حرية لا يقيدها أختلاف الآراء أو تعدد طرق التفكير أو أحراز المكانة الاجتماعية المرغوبة ...الخ ولا تعطلها كذلك المثالية واللا واقعية التي عادة ما ترتبط بالحرية الكاملة. هي "الحرية النفسية" التي يصعب في كثير من الأحيان تحقيقها ما دام لا يزال يسود طرق تفكير فردية ومجتمعية نمطية لا تعي جوهر ومعنى الحرية الحقيقية.
الحرية النفسية هي تمكن الفرد العادي من الاختيار بين فرص متاحة بشكل حر وسط بيئة أنسانية طبيعية, لا يوجد فيها خوف وقلق يصنعه الآخرون, وليتمكن الفرد العادي من تحقيق اقصى درجات أمكانياته وقدراته الفطرية والمكتسبة. اي أن "الحرية النفسية" بشكل أو بآخر تعني قدرة الفرد العادي على تحقيق أنسانيته الكاملة !
والحرية النفسية عادة ما تكون شخصية أي أنها تنبع من الفرد نفسه وتتمثل في طريقه رؤيته لدوره في المجتمع الذي يعيش فيه, وهي عادة ما تظهر ساعة ما تختفي "المعوقات" التي يضعها الآخرون في وجه الفرد إذا أراد الأستفادة من أمكانياته ومهاراته وقدراته الشخصية. ولهذا السبب لا يبدو أن الأغلبية يستوعبون "الحرية النفسية" لأنهم ينشدون تحقيق حرية شمولية هي في حقيقتها كابتة ومقيدة للفرد العادي. وهناك آخرون أكثر عداوة للحرية النفسية الفطرية, بل ويحاربونها لأنهم يعرفون تماماً أنها تعني بشكل واضح "هزيمة مدوية" لكل أنواع التلاعب والأستغلال الفكري الذي حبكه ومارسه البعض ضد الفرد العادي, ويعني تحقق الحرية النفسية كذلك بوار تجاره الديماغوجيين وأشباههم, وأولئك الذي يبذلون جهوداً جباره بشكل يومي لتقييد الفرد العادي بشبكة معقدة من القيود الخيالية والخزعبلاتية.
أنا كفرد حر بقدر ما سأسمح لنفسي بالتمتع بالحرية النفسية الشخصية, أي أن أدرك أنني إذا لم أتمكن من تحقيق أمكاناتي وقدراتي والاستفادة من مهاراتي الطبيعية والمكتسبة في البيئة الانسانية التي أعيش فيها حالياً فلا أنا حر ولا من يحزنون ! بل لا يتجاوز دوري, في هذا السياق, سوى أداة لا حول لها ولا قوة يستخدمها "الآخرون" لتحقيق مآربهم وخططهم وأهدافهم الحقيقية
 

برقان73

عضو بلاتيني
عقلية "المؤامرة"


يشير مصطلح "المؤامرة" في اللغة العربية الى التشاور بشأن أمر ما بين بعض الأفراد أو لربما تدل على "الأمر" بفعل كذا وكذا... ولكن المعنى اللاتيني لهذه الكلمة المتكررة » Conspiracy« يبدو لنا أكثر شمولاً (وهو المعنى الشائع في الثقافة العربية), فالمؤامرة متى ما استخدمت في السياق الثقافي والاجتماعي العربي فهي بالحتم ستشير الى تدبير الدسائس المزعومة والاتفاقيات السرية والمكائد المفبركة أو القيام بعمل غير قانوني أو إرتكاب جريمة بشعة ضد أحد الأفراد أو المجموعات.
وعادة ما يكون سياق عقلية المؤامرة مُدمراً للحياة الانسانية, أي أنها أصبحت مع مرور الوقت آلية ناجحة للقضاء على الخصوم أو لأتهام العالم بأسره بالتآمر على هذه الحضارة الانسانية أو تلك!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الاسباب المؤسسة لرواج عقلية المؤامرة? ما الذي تشير اليه من النواحي الشخصية والاجتماعية? وكيف تؤثر سلباً على الحياة الانسانية?
لعل أحد أهم الأسباب التاريخية لاستمرار رواج عقلية المؤامرة في الثقافة العربية هو "ضيق مساحة الحرية الفردية" في المجتمع العربي التقليدي. فعندما لا يتوفر للفرد العادي مساحة معقولة من "التسامح" يمارس من خلاله حريته الشخصية في التفكير وإتخاذ القرارات بشكل مستقل, فهو بالطبع سيكون ضحية لمخاوفه المتخيلة تجاه الآخرين. فهؤلاء "الآخرون", حسب تفكير من يُحرم طوعاً أو قسراً من ممارسة حريته الشخصية, يودون بشكل واضح القضاء عليه ويتأمرون ليلا ونهاراً , كيف لهم أن يؤذوه! وفي المقابل, من يعيش في مجتمع يحفظ حرية أعضائه فعادة ما يكون الفرد حراً من كل أنواع المخاوف التأمرية او غيرها.
اضف الى ذلك, فالاستمرار في استخدام عقلية المؤامرة لتفسير ما يدور في الحياة اليومية له تأثير سلبي على الجانب الشخصي, فهي, أي عقلية المؤامرة, تدمر علاقة الفرد بالآخرين وبالمجتمع ككل. فالعقلية التي لا تزال تؤمن بالمؤامرة, أو تعتقد أن الآخرين يتركون كل ما في أيديهم ويرسخون حياتهم لحوك الدسائس ضد البعض عادة ما تنتج مع مرور الوقت وجوداً إنسانياً غير مكتمل جسدياً وروحياً تملؤه الرهبة والخوف وتمنع الفرد من عيش حياة إنسانية طبيعية.
بل أن عقلية المؤامرة تؤثر سلباً على حياة الآخرين, فهم أي "المحظوظون" بالعيش الى جانب من يؤمن بالمؤامرة لدرجة الهوس أو من يؤمن أن الجميع يتأمرون عليه , نقول هؤلاء المحظوظون أو المضطرون للتعامل مع هذا النوع من العقليات الرهابية والتآمرية سيعانون أكثر من غيرهم لأن من يُصِرُّ على استخدام عقلية المؤامرة, مع أنها تتنافى مع الحقائق والوقائع سيرتاب في نفسه أولاً وسيرتاب ثانياً بالهواء الذي يستنشقه, وسيرتاب بالورق والشجر والرمل والصخر, وكل ما يوجد على سطح هذا الكوكب الصغير! فكيف بهذا النوع من بني البشر ألا يحول حياة الآخرين الى جحيم لا يطاق!
 

برقان73

عضو بلاتيني
احترام "الكرامة الإنسانية" في المجتمع العربي


"الكرامة الانسانية في العقيدة بأنه لا يجوز أن يُعامل الانسان كوسيلة لبلوغ غاية ما, بل يجب النظر اليه كهدف بحد ذاته, فهو ليس شيئاً بل شخصاً ,بل إنساناً له حُقوقه وله حُرمته وتقديره وامتيازاته الطبيعية التي لا يمكن التنازل عنها" (-586المعجم الموسوعي).
سواء اعترض البعض على هذه الحقيقة أو حاولوا التملص من محاولة مناقشتها بشكل منصف وواقعي, ثمة "عقليات" عربية لا تزال لا تنظر الى الكائن البشري الآخر كإنسان له حقوقه وحرمته وكرامته البشرية, بل عادة ما تنظر هذه العقليات العربية المنغلقة الى الانسان وخصوصا إذا كان مختلفاً عنها عرقياً او دينياً أو ثقافياً, أو صدف أنه لا يمتلك نوعاً من القوة ليفرض احترامه على تلك العقليات, وكأنه "أداة من دون أي اهمية لمشاعره وحقوقه وامتيازاته الطبيعية مثل المحافظة على كرامته الانسانية من أذى الآخرين.
وهذه العقليات الانسانية التى تتعامل بفظاظة وقسوة وتظهر عدم احترام تجاه الاخرين المختلفين, غالباً ما تكون "شاذة وغير مرحب" بها في المجتمعات الانسانية المتحضرة, سواء كانت غربية أم شرقية, لأن كثيرا من هذه المجتمعات تحاول بشكل أو بآخر الحفاظ على حريات أعضائها وتمنح الانسان, مهما كان عرقه ودينه وتوجهه الفكري, مساحة معقولة من الحرية تكفيه و بشكل مناسب لعيش حياة إنسانية ناجحة ومثمرة, إذا رغب في ذلك."المأساة" في سياقنا العربي, إذا شئتم, هي انه إضافة الى زيادة عدد تلك العقليات المنغلقة على نفسها والتي تحاول قدر جهدها الحط من كرامة الانسان الآخر فقط لاثبات قوتها وجبروتها على الآخرين, فان "الحرية الشخصية" في المجتمع العربي التقليدي إضافة الى ذلك لا تزال احدى المسائل الجدلية غير المحسومة, مع أن مسيرة تقدم المجتمعات الانسانية عادة ما تحط رحالها الى إعتناق مبادئ إنسانية عالمية راسخة مثل الحرية, وضرورة التسامح وضرورة احترام اختلاف الآخرين!
ولذلك نعتقد ان ما دامت مسألة "الحرية" بكل تشعباتها ومضامينها الاجتماعية لم تحسم بعد, أي انها ما دامت وجبة مفضلة للنقاش الأيديولوجي والفكري في العالم العربي, فسيستمر تواجد عقليات عربية لا تعير اهتماماً كبيراً للكرامة البشرية اذ أن توصل عدد كبير من الأفراد في المجتمع العربي الى الايمان بمبادئ أخلاقية بشأن هذه المسألة كما حدث في المجتمعات الانسانية المتحضرة سيغلق الباب نهائياً في وجه استمرار مأساة الحط من الكرامة الانسانية للآخرين. فليس من المعقول مثلاً توقع أن يحترم كثير من أعضاء المجتمع الانساني ويصونوا كرامة الآخرين ما دامت مفاهيم مثل "الكرامة الانسانية" و"الحرية الشخصية" لا تزال تطفو غير مستقرة على سطح النقاشات اليومية دون أن يثبت ويستقر الآخرون على أبسط مفاهيمها بل يستمر يتناولها كل من هب ودب دون أن يتوصل هؤلاء الى اتفاق على أهميتها أو ضرورة تشجيعها في مجتمعاتهم.
وبالطبع ففي المحصلة الأخيرة: إحترام كرامة الآخرين يكون غالباً من أفراد أسوياء أخلاقياً عاهدوا أنفسهم أن يحافظوا على كرامتهم الانسانية عن طريق احترام الآخرين, لادراكهم أن احترام الكرامة الانسانية سلوك وتصرف مربح لكل الأطراف, أي أن ما سيحسم المبادئ الآخلاقية المتعلقة بكرامة الآخرين هي كثرة عدد "القرارات الفردية والشخصية" في المجتمع العربي بأنه من الآن فصاعداً سينظر الفرد الى الآخرين أنهم كائنات بشرية من لحم ودم ومشاعر وعواطف ولذلك فهم يستحقون الاحترام والتقدير.
 

برقان73

عضو بلاتيني
"المعضلة الأخلاقية" في الثقافة العربية


ثمة تعبير مجازي يستخدمه الكثير من الغربيين (وخصوصاً الأسوياء أخلاقياً) في حياتهم, اليومية وهو مصطلح "المعضلة الأخلاقية" (Dilemma) وهو يشير الى مشكلة معينة يواجهها بعض بني البشر الشرفاء عند إقدامهم على فعل ما ليسوا متأكدين تماماً من مشروعيته الأخلاقية, فاحتمال "تضارب المصالح" في العمل الوظيفي, مثلاً, أو "الشك" بعض الأحيان في عدم أداء "الواجب" على أكمل وجه خلال موقف حياتي معين أو وجود "شبهه" في إتباع معايير مزدوجة في التعامل مع الأخرين, عادة ما يثير شعور البعض بشأن وجود "معضلة أخلاقية" في هذا أو ذلك الموقف الذي يمرون به, ولذلك يجب مناقشتها بشكل مفصل لأيجاد حل أخلاقي لها! وبالطبع نعرف مثلاً كما يعرف غيرنا أن الكتب السماوية التي نزلت في منطقة الشرق الأوسط تتحدث بإسهاب عن الأخلاق السوية التي يجب أن يتبعها الأنسان المستقيم أخلاقياً, "ولكن مع هذا" لم يتوصل الكثير من المثقفين والمفكرين العرب الى تحديد معايير "المعضلة الأخلاقية" في السياق الثقافي والأخلاقي العربي ولم يناقشوا بعد دلائلها المختلفة.
ولكن في الغرب, خصوصا في الغرب اللأوروبي, ونتيجة لوجود سياق تاريخي وأخلاقي وسياسي وفلسفي تراكم عبر العصور, واجهت الكثير من المجتمعات الأوروبية معضلة أخلاقية تمثلت على سبيل المثال لا الحصر في »هولوكوست« هتلر أو مساندة ضحايا الحرب البوسنية, وما تحالف الأوروبيين ضد الطاغية النازي, وما إعتقال السفاح كارازاديتش سوى دليل آخر وجديد على أن ما يمارس عموما في المجتمع الغربي التقليدي عادة ما "يتجاوز" المعضلات الأخلاقية والمشاعر الوطنية أو العرقية الجياشة ليتناسق أخيراً مع الأخلاق الأنسانية السوية, مثل ضرورة تقديم المجرمين للعدالة أو عدم إعتبار من يقتل الأطفال الأبرياء مكافحاً أو بطلاً قومياً...وهكذا.
ولكن لم نقرأ أو نسمع كثيراً في السياق العربي الثقافي عن وجود كم هائل من الجدل بشأن أي نوع من المعضلات الأخلاقية! فعادة ما تكون قضايانا القومية أو الوطنية وحتى الثقافية "محسومة" من الناحية الأخلاقية, "فالآخرون دائماً على خطأ"... وهكذا. اي أنه لا يزال بيننا الكثير من يستمرون يتبعون عقلية الأبيض أو الأسود, والتي لا تفرق كثيراً بين ما هو أخلاقي تماماً وغير أخلاقي تماماً, ولكن ما يحكمها غالب الوقت هي المصالح الشخصية, والكبرياء المزيفة, والعناد بكل أشكاله وأنواعه!
فنعتقد مثلاً أن الانسان السوي أخلاقياً أو من ينشأ في بيئة ثقافية وأخلاقية تحثه على التأمل والتفكير العقلاني والأخلاقي بشأن كل ما يدور في حياته اليومية لابد له من أن يواجه بعض الأحيان "نوعاً ما" من المعضلات الأخلاقية سواء من خلال ادائه عمله الوظيفي أو خلال علاقته مع الآخرين.
فالمعضلة الأخلاقية, عند العقلاء والحكماء والرزينيين فكرياً, ليست سوى دليل واضح يشير الى أن هذا أو ذلك الفرد لايزال "يحاول" قدر إستطاعته أن يكون كريم الخلق وفاضلاً ومستقيماً أخلاقياً.
 

برقان73

عضو بلاتيني
الحضارات المفقودة


ثمة مدرسة علمية وفلسفية عالمية لا تزال تجادل أن عالمينا الإنساني القديم والمعاصر ما هي الا "مراحل متأخرة" جداً مما يطلق عليه "الحضارة الإنسانية", ولكن هذين العالمين, القديم والمعاصر, ليس وحدهما! فحسب تفسير علمي وفلسفي مشروع, وُجد في السابق حضارات إنسانية "مفقودة" بالنسبة لنا حالياً, وصلت إلى مراحل متقدمة جدا من التطور العلمي والحضاري والتكنولوجي.اذ استنادا الى هذه المدرسة العلمية والفلسفية, والتي لا زالت تجمع زخماً علمياً مقبولاً, كانت هناك حضارات انسانية قبل ملايين, إذا لم نقل بلايين من السنين أكثر تفوقاً من الناحية الحضارية والعلمية, مقارنة مع الفراعنة أو الأنكا أو المايا أو غيرها! ولعل ما يثير حقاً بشأن هذه النظرية العلمية والفلسفية, هي أنها تفتح أبواباً جديدة لاعادة النظر في القراءات التاريخية التقليدية والمتعارف عليها بشأن ما يطلق عليه نمطياً "التاريخ الإنساني." فعلى سبيل المثال, فإحتمال أن ما هو معروف عن الحضارة البشرية لألاف السنين لا يُعدُّ سوى تطوراً حضارياً "بسيطاً" مقارنة, بما كان يوجد على سطح الأرض خلال ملايين السنين يفتح المجال لاعادة تفسير التاريخ والحضارة والعلوم الإنسانية وسيعيد كذلك اكتشاف "الحضارات الإنسانية المفقودة."
وإعادة تفسير التاريخ الإنساني الذي أتفق عليه المؤرخون التقليديون وفتح المجال لاعادة "غربلة" الفهم العلمي والفلسفي التقليديين لما كان يوجد فعلاً قبل الفراعنة مثلاً سيطلعنا على أسرار حضارية اختفت مع تقادم السنين ويمنحنا الأمل مرة أخرى, أن حضارتنا الإنسانية التي نعرفها الآن ليست سوى "شخابيط" على جدار الزمن, أي ليست "نهاية الأمر"! وليست كذلك سوى بقع متناهية في الصغر على خريطة الحضارات الأرضية! أي أننا كبشر لسنا ورثة لبعض "الهياكل الحجرية" والمترامية على سطح الكوكب هنا وهناك, ولسنا كذلك ورثة فقط لسكان الكهوف استناداً الى زعم آخر! فوفقا لتقرير لمجلة "ديسكفر" العلمية اكتشف فريق يرأسه عالم الآثار الألماني هيرمان بارزينقر في يونيو الماضي مومياء مجمدة في منغوليا تعود لحضارة "سيثيا" والتي تغطي أجزاء من أوروبا وآسيا, شمال شرق البحر الأسود وبحر الأورال. وبالاضافة الى العثور على المومياء, اكتشف هيرمان وفريقه حالياً ذهبية معقدة التصميم, ما يشير الى وجود تطور حضاري سابق ومذهل. وثمة كذلك اكتشافات جديدة مشابهة حول جزر اليابان وفي الهند والصين وغيرها من الأماكن. وجدير بالذكر هنا أن هيرمان بارزينقر وفريقه توصلوا لاكتشافهم نتيجة للتغير المناخي, والذي أدى الى ذوبان الجليد في تلك المناطق!
فلعل الكثبان الرملية الهائلة في "الربع الخالي" مثلاً تحوي تحتها حضارات إنسانية مفقودة لم تُكتشف بعد, ولعل التغير المناخي في السنوات المقبلة سيكشف لنا عن عوالم جديدة لم نعثر عليها بعد! ولكن الأهم من ذلك كله هو أن نبقى "فضوليين" كبشر »Curious« وأن نتأكد أننا لم نصل بعد لمراحل متقدمة جداً من التطور الحضاري, فما هو مقبل في المستقبل يمكن أن يعيد ترجمة كل ما نعرفه عن الحضارات الإنسانية سواء القديمة أو المعاصرة.
 

برقان73

عضو بلاتيني
الجمال الروحي


"يجب ان تبقى الشخصية ساطعة وكذلك نظيفة" »لورد شيستيرفيلد«.
يُعرف كثير من المتخصصين في حقل تنمية الذات "الشخصية الأنسانية" بأنها تلك الصفات أو الميزات أو الخواص المعينة التي تميز الأفراد عن بعضهم بعضاً وهي تشمل على سبيل المثال: المبادئ الأخلاقية الراسخة والميول السلوكية الحقيقية والطريقة المعتادة التي ينتهجها الفرد في التعامل مع نفسه, ومع الآخرين. أي أن "الشخصية الحقيقية" للأنسان أو كما في تعبير آخر "الروح الحقيقية" هي بالفعل ما يبدر منه عادة تجاه نفسه وتجاه الاخرين خلال لحظات زمنية معينة تختفي فيها الرتوش وتسقط الأقنعة وتتلاشى وتبرز الشخصية أو المعدن الحقيقي للفرد!
ولهذا السبب عادة ما تكون النقاشات الأخلاقية والفلسفية الأكاديمية تتركز في الحديث عن تنمية وتطوير الشخصية الحقيقية للفرد, لأنها الأهم والأكثر تأثيراً في مسيرة حياته الأنسانية, فمفهوم متوارد مثلا "الجمال" إذاً لا يمكن أطلاقاً ربطه فقط بالجمال "الخارجي" للأنسان أي تناسق أعضاء جسده الخ, كما يحدث غالب الوقت في السياق الأنساني اليومي, فالجمال الحقيقي هو جمال الشخصية الأنسانية الحقيقية أي "جمال الروح" كما يطلق عليه بشكل دارج هذه الأيام.
وليسأل من يشاء رساماً أو فناناً حقيقياً بشأن ما يريدون أن يعكسوه في إبداعاتهم الفنية سواء كانت لوحة فنية مميزة أو عملاً أدبياً: ما الذي تبحث عنه فعلاً في عملك الفني أو الأدبي? وعادة ما يكون الجواب عن هذا السؤال عند الفنان الحقيقي هو أنه يبذل جهده وطاقاته الأبداعية ليس لتصوير المظهر الخارجي للإنسان, ولكن من أجل أن ينجح فقط في سبر اعماق الوجود الأنساني وملامسة, ولو للحظات عابرة, الجمال الحقيقي عند الآخرين, وهو بالطبع "جمال الروح" بكل ما يعنيه هذا المفهوم الأخلاقي من لمحات شخصية وميول وأخلاقيات أساسية.
فالمحاولات المستمرة للبعض لتحسين مظهرهم الخارجي بشغف يتجاوز بعض الأحيان كل ما هو معقول ومنطقي, لن ينجح أخيراً في اضافة ولو جزء جمالي بسيط لأن هذا النوع من "الترميمات المفبركة" لا يلامس "الجوهر" ولكنه يحاول تحسين مظهر "القشرة الخارجية" فقط, بينما يظل الأنسان كما هو طبعاً وخُلقاً وسلوكاً...وهكذا دون حدوث أي تغيير يذكر, اللهم سوى الشعور المتخيل, ولبعض الوقت, بالنشوة والكبرياء الخاوية والتفوق المتخيل على الآخرين!
ولعل البعض يجادل أن جمال "المظهر الخارجي" للأنسان له دور كبير في تحسين الشعور الداخلي عند الفرد, وعند الآخرين, وأنه أي جمال المظهر استنادا الى هذا الزعم يمنح الأنسان العادي بعضاً من الثقة الشخصية. ولكن يعرف الجميع أيضاً أن جمال المظهر. وإن كان ميزة إيجابية ولكنه أيضاً ليس "نهاية المسألة"! أي أن "الحُسْن" و الزينة تتمثل في بهاء الروح وجمالها مهما كان شكل أو نوع الجسد الإنساني الذي يحويها فهي أي "الروح" لا تؤثر فيها عوامل الزمن ولا تنتهي صلاحيتها, فهي إن كانت حسناء وجميلة مثلاً فستبقى ناصعة ونظيفة ما دامت هناك محاولات جادة ومستمرة لأبقائها كذلك!
وأخيراً, فكيف ببعض المساحيق التجميلية أو الأجهزة أو بعض الألبسة البراقة أن تجعل من أي أنسان أكثر لطفاً ودماثة أو أكثر عدلاً أو تسامحا, أو أن تجعله كريم الخلق أكثر من قبل ما دام جوهره الحقيقي يستمر أنانياً ومتشائماً ونكدا?
 

برقان73

عضو بلاتيني
"البسمة الصدقة" وتفسيرها العلمي


اكتشف فريق من العلماء من "المركز السويسري للعلوم الفعالة" في جامعة جنيف المناطق الأساسية في الدماغ البشري والمسؤولة عن إصدار ردود الفعل تجاه تعابير وجوه الآخرين, وفقا لهذا الاكتشاف إستدل العلماء على وجود مناطق معينة من الدماغ البشري تتفاعل عند رؤية "الوجه الباسم" أو المبتسم ويطلق عليها "فينترال ستريتم" وهي مسؤولة عموما عن عملية التعزيز والمكافأة, وأما "الوجه المتجهم" أو الغاضب فعادة ما يثير منطقة دماغية أخرى يطلق عليها"الأميقدلا" وهي تلك المسؤولة عن إثارة مشاعر القلق والخوف والهلع, وأهمية هذا الاكتشاف الجديد أنه يشير اكثر من السابق الى أن ردود فعل الآخرين لتعابير وجوه من يقابلونهم تؤثر فيها الابتسامة والتجهم واللامبالاة, ويؤثر فيها كذلك السياق الاجتماعي الذي تُستخدم فيه هذه السلوكيات, ولعل أهمية هذا الاكتشاف الأخير تتركز في معرفة العلماء وللمرة الاولى نوع ومكان مصدر "البصمة العصبية" التي تصدر من الدماغ البشري خلال ردود الفعل النفسية, والعصبية تجاه وجوه الاخرين, ويأمل الفريق العلمي السويسري في ان يساعد هذا الكشف العلمي الرائد في تحديد طرق ووسائل العلاج النفسي المناسبة لمواجهة حالات الاختلال العقلية والأزمات النفسية, والتي تتراواح بين القلق والخوف الاجتماعي وحتى التوحد, (ساينس ديلي- 7-8-2008).
ولعل ما نغبطه لدى الغرب عموما هو انغماسهم في "التفكير العلمي" البحت في فهم السيكولوجية الانسانية, وتحبيذهم البحث والاكتشافات العلمية في هذا الشأن, وتشجيعهم كذلك للأفراد والمؤسسات على اعتناق نهج دراسة الظواهر النفسية, والسلوكية من النواحي العلمية البحتة, ما يوفر كثيراً من التفسيرات الناجحة للأزمات النفسية والأمراض المختلفة, وكل هذا يحدث بالطبع من دون رجوعهم بالضرورة للأنجيل أو التوراة ! وفي المقابل نستمر نحن العرب والمسلمين لا مبالين تماماً بما يحويه القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف من "ثروات وأسرار علمية" عن السيكلوجية الانسانية وطرق عمل الدماغ البشري. فعادة ما ننتظر من الآخرين ليثبتوا صحة معلومة علمية ما, ومن ثم نبدأ نُطلعهم على كبريائنا الحضارية المعهودة, "نعم, نحن نعرف هذا الأمر أو تلك الحقيقة العلمية منذ ما يقارب الألف وخمسمئة سنة"! ولكن لماذا لا نبدأ نحن العرب والمسلمين في ترك ما يفرقنا من تفسيرات وتعليقات فكرية ومذهبية ونبدأ نركز جل جهدنا على الانغماس في كشف الأسرار العلمية المذهلة التي يحويها القرآن الكريم وحديث رسولنا الكريم "صلوات الله وسلامه عليه" ?
ولماذا ننتظر من الآخرين حتى يفسروا لنا طرق الحياة الانسانية الناجحة? ولماذا لا نزال نتمسك بأطراف صراعات فكرية جعلت كثيراً منا يتسمر في مكانه وفي طريقة تفكيره سجيناً لأزمان سابقة, بينما الآخرون وصلوا الى القمر وبدأوا يفكرون في استعماره ووصلت مسابرهم الى المريخ والكواكب الأخرى, بينما كثير منا لم يغادروا حتى قواقعهم الفكرية المغلقة?
فنعتقد مثلاً أن العلوم عموما والاكتشافات العلمية المرتبطة بما يوجد بين ايدينا حاليا في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة تستحق التركيز عليها من الناحية العلمية البحتة ومحاولة تفسيرها بشكل ريادي لعلنا نحن العرب والمسلمين ننجح آخر الأمر في تجاوز "الغصة" الحضارية والإنسانية, والتي لا تزال "ناشبة" أي عالقة في عقولنا حول من يملك الحقيقة ومن لا يمتلكها في شؤوننا الاسلامية الدينية, ولعل تجاوزنا لخلافاتنا المذهبية والفكرية و"التركيز على ما هو مشترك بيننا" سينجينا مما نحن فيه من خدر حضاري وعلمي لم يسبق له مثيل في التاريخ الإنساني!
 

برقان73

عضو بلاتيني
دعاة السلم والمناهضون للحروب هم "الرابحون"


يُسمع قبل أي حرب, أو أثناء إشتعالها, وفي كثير من الأحيان بعد ما تنتهي الحرب "أصوات إنسانية نبيلة" تدعو الجهات المتصارعة لوقف ما يفعلون درءا للشر والمآسى والتي عادة ما ترافق الحروب وعادة ما يُلاقى هؤلاء المتميزون إنسانياً وأخلاقياً بالتهكم وبعض من السخرية, وربما في بعض الحالات الشاذة يُتهمون بمساندة هذا أو ذلك الطرف! وكل هذا يحدث بالطبع لأن "دعاة السلم والمناهضون للحروب" يدعون لفتح باب الحوار بين الأفراد والمجتمعات الأنسانية المتنافسه وتغليبهم للسلم بدلاً من الشراسة غير العقلانية والعدوانية والقتل والتدمير. ونعتقد أنه إذا كان هناك "رابح" في الحرب فهم فقط اولئك الذين يدعون الى نشر السلم والى تقوية العلاقات الأيجابية بين المجتمعات الأنسانية لأنهم بشكل أو بآخر يدركون أكثر من غيرهم أن ما سيتؤثر في الحروب هم "بني البشر العاديين" والذين لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالسياسات التي تتبعها دولهم ولا علاقة لهم كذلك في تعزيز فرص طرف ما فرد عضلاته على الساحة الدولية.
وبالطبع نتحدث هنا عن تلك الحروب والتي لا علاقة لها مثلاً بصد محتل بغيض وطرده من أرض دولة مستقلة أحتلها عدواناً, ولكن من يتأثر بالحروب التي تشتعل نتيجة لأسباب سياسية داخلية أو أقتصادية بحتة هم "الأفراد العاديين" أي من ينتمون لأسر ولديهم حياتهم الخاصة ولديهم تطلعاتهم وطموحاتهم السلمية والتي تشابه تطلعات وطموحات اغلب بني البشر الآخرين في المجتمعات الانسانية المختلفة. هؤلاء الأفراد العاديين يرغب أغلبهم في بدأ يومهم وإنهائه بسعادة وطمأنينة بينما ينعمون بالأمن الاجتماعي والاقتصادي, فقط لا غير. ودعاة السلم والمناهضون للحروب هم أنفسهم هؤلاء الأفراد العاديين والذين يعرفون أكثر من غيرهم أنّ حياتهم ستتؤثر بما سيحدث خلال الحرب. فمن يرغب في الحرب من أجل الحرب فقط أو من أجل فرد عضلاته على الآخرين لم يفكر قط بمصير البشر العاديين فما يحكم الحرب لا يكون عادة تلك المبادئ الأنسانية الأخلاقية النبيلة والسلمية والتي تحتويها مثلاً مسودات "الأمم المتحدة" ولكن ما يحكم الحرب هي عملية ضخ الأدريناليين والتي عادة ما تُغشي البصيرة وتُعتم الرؤية وتمنع البعض من التفكير بمساؤي الحروب وما ستسببه من مآسى وفواجع تدمر في كثير من الأحيان حياة أفراد عاديين لا علاقة لهم من بعيد ولا من قريب بالمانشيتات النارية للجرائد المحلية, ولا علاقة كذلك لهم بالطموحات العدوانية لهذا أو لذلك النظام السياسي.
نتمنى أن لا تحدث حرب أخرى في اقليمنا الشرق أوسطي لأننا كشعوب شرق أوسطية وخلافاً عن الآخرين شهدنا حروباً مختلفة دمّرت حياة الأنسان الشرق الأوسطي العادي "بما فيه الكفاية" وهو ذلك الفرد العادي الذي وجد نفسه ضحية لا حول له ولا قوة لطموحات تديرها بشكل أساسي أنانية سياسية مذهلة. وإن كان بعض الحروب الشرق أوسطية مشروعاً من الناحية الأخلاقية لأنها طردت محتلاً بغيضاً عن أراضي دول مستقلة وإن نجحت الحرب في التخلص من ديكتاتور بغيض ظلم شعبه قبل ان يظلم ويعتدي على الآخرين, ولكن "الحرب من أجل الحرب فقط" لا تفيد أيا من الأطراف المتصارعة. فالرابح الحقيقي في هذه القضية البشرية المتكررة, أي الحرب, هم من ينجحون آخر الأمر في ملامسة الضمير الأنساني وتشجيع الآخرين على تغليب الحكمة والسلم وإتباع لغة الحوار بدلاً من الأنغماس في تلك التراجيديا الأنسانية المتكررة والتي عادة ما تترك خلفها دروباً من الدماء والدموع وآنّات مفجعة ستطاردنا وتلازمنا جميعاً لسنوات ولعقود ولقرون قادمة.
 

برقان73

عضو بلاتيني
الخليجيون و"العقلانية والمنطق وواقعية التفكير"


ثمة مفهوم مثير في علم التربية أو "البيداغوجيا" يطلق عليه "التثاقف" " Acculturation "وهو ببساطة تشرب بعض الأفراد أو حتى مجتمع إنساني معين لثقافة مجتمع إنساني آخر. وهي عادة ما تكون عملية تكيف ثقافية وإجتماعية "إيجابية ومفيدة" خصوصا إذا كان المجتمع المؤثر أكثر تطوراً ورقياً من النواحي الحضارية. ففي نهاية هذه العملية الثقافية التاريخية تبدأ "تنغرس" بعض المبادئ الاجتماعية والحضارية لدى الفرد أو المجتمع نتيجة تأقلمهما بمرور السنين مع ما يميز المجتمع الأكثر نجاحاً أو الأكثر ثقافة, وهكذا. وليس من الضروري طبعاً أن تتم عملية "التثاقف" هذة بسبب وقوع إحتلال عسكري مثلاً ولكنها نقلة حضارية مستمرة تحدث في كل المجتمعات الأنسانية وتعكس ميلاً إنسانياً طبيعياً نحو أعتناق ما هو أكثر منطقية وأكثر نجاحاً بالنسبة للحياة اليومية.
المشكلة لدينا نحن العرب هو مع أننا نعتبر من أوائل المجتمعات الأنسانية التي إحتكت بالثقافات الأنسانية الأخرى, سواء كانت هذه حضارات سومرية, أو فينيقية, أو فرعونية, أو غربية, ولكننا مع ذلك لم نتشرب بعد ما تميزت به تلك الحضارات الأنسانية مثل: "العقلانية وإتباع المنطق وواقعية التفكير في إدارة شؤون الحياة اليومية."
فبعد مضي العشرات من السنين على إحتكاكنا الحضاري ولا سيما مع الغربيين, تستمر "العقلانية والمنطق وواقعية التفكير" تبدو لنا منبوذة وغير مرحب بها الذهنية العربية العامة. فبدلاً من تطبيقنا لأختيارات عملية في ما نريد أن نستخدمه ونستعمله من المبادئ الحضارية التي ميزت المجتمعات الأنسانية الأخرى استمر كثير من العرب المثقفين في تشرب ميول ثقافية وحضارية "هامشية" بالنسبة للحضارات الأنسانية الأخرى. ولنأخذ على سبيل المثال ما يطلق عليه "الحداثة" كما يشار اليها في ما يختار البعض أن يطلق عليه في الأدب العربي المعاصر. فبدلاً من استخدام هذا المفهوم الأنساني الأدبي (الحداثة) لإعادة مراجعة مكنوناتنا الحضارية والثقافية, وإعادة تفسير ثرواتنا الذهنية بشكل إيجابي وضخ حياة جديدة في الذهنية العربية المعاصرة, فعل البعض العكس! أي أن الحداثة في جانب معين من السياق العربي أصبحت تشير في كثير من الأحيان الى تهتك ذهني وثقافي لا يبدو انه يريد الالتئام قريباً ,الدليل الآخر كذلك أن البعض لا يزال شغفاً في إستحواذ قشور ثقافية لا تسمن ولا تغنى من جوع! و"سوء الأختيار" هذا بالطبع يمكن العثور عليه في تعاملنا اليومي مع "العقلانية والمنطق وواقعية التفكير" والتي يبدو أنها ميزت الثقافات الغربية عن غيرها, فبدلاً من محاولة التأقلم مع الميول الذهنية والحضارية الأيجابية تستمر اللاعقلانية واللامنطق وخزعبلانية التفكير بعض الأحيان تتقدم قائمة الأولويات الحضارية عند بعض العرب!
نتمنى, والتمني بالنسبة للبعض ربما يكون ضرباً من المستحيل ولكنه عند البعض الآخر يمكن أن يتحقق بسهولة, هو أن نبدأ نحن العرب خصوصا سكان دول الخليج وجزيرة العرب عموما في أداء ما عجز الآخرون عن تحقيقه! فنحن أي الخليجيين عموما لا زلنا نمتلك طاقات ذهنية ثرية, وإرثاً حضارياً وتماسكاً إجتماعياً وثقافياً مميزاً ستمنحنا القدرة على الاستفادة الفعلية من تجارب الأمم السابقة, ولأن كثيرا منا بالطبع لا يزال يتمتع بذهنية صافية لم تؤثر فيها بشكل كبير مقولات هذا أو ذالك من الأفراد من يختار البعض وصفهم برموز الثقافة والحضارة العربية. نحن الخلييجين فقط وفقا لما نعتقد من نتمتع حالياً بتلك المهارة الثقافية من أجل ترسيخ "العقلانية والمنطق وواقعية التفكير" في مجتمعاتنا الخليجية المميزة!
 

برقان73

عضو بلاتيني
الرشاقة العقلية


كما يسعى البعض الى تحقيق رشاقة الجسم, يسعى آخرون كذلك الى لتحقيق "رشاقة عقلية" وهي تتطلب أيضاً أنواعاً محددة من التمرينات والتدريبات والتمدد والأنطواء, وهكذا كما يفعل الكثير خلال سعيهم الى الحصول على جسد إنساني أكثر رشاقة أو أفضل مما لديهم حالياً فيستخدمون جهاز "الجري الآلي" ويمارسون التمرينات السويدية, وربما تستهويهم اليوغا! فكما توجد في الجسم الأنساني عضلات تتطلب الاعتناء بها والأستمرار في تقوية أنسجتها توجد أيضاً "عضلات عقلية" , إذا شئتم, تأتي في شكل ملايين من "الخلايا الدماغية" والتي يجب أن يلتفت اليها الانسان ويعتني بها إذا أراد تحقيق الرشاقة العقلية.
وكان يعتقد في السابق أن كبر حجم أو زيادة وزن الدماغ الأنساني تدل على الذكاء, ولكن العلم كشف عدم صدق تلك الفكرة المتواردة, فوزن الدماغ عند الأنسان البالغ يتراواح بين 1300و 1400 غرام ولكن لا تفرق زيادة وزنه أو كبر حجمه في تحديد نسبة الذكاء, فما يميز عقول الآخرين هو إختلاف القدرات والمهارات الفردية و طريقة إستخدام العقل في إيجاد حلول للمشكلات والمصاعب وإتباع الوسائل وطرق التفكير المختلفة خلال الحياة اليومية. فالرشاقة العقلية التي نتحدث عنها هنا تنتج عن طريق الاستمرار في إستخدام القدرات العقلية والنشاطات العصبية المرتبطة بعمل الدماغ, فإذا أستمر الفرد يرجع الى عقله دائماً حين يريد إتخاذ القرارت المختلفة أثناء يومه, بدلاً من اللجوء كما يفعل الكثيرون هذه الأيام الى الاستناد الى المشاعر والعواطف, نقول ترتبط رشاقة العقل عند الفرد في مدى وطول مدة إستخدامه للآليات العقلية المختلفة, مثل الاستنتاج وربط المعلومات والتحليل العقلي, والمقارنة لأغلب الظواهر الحياتية التي يواجهها خلال يومه. ففي هذا السياق, يعتبر الفرد الذي يتميز بإستخدامه لقدراته العقلية بدلاً عن العواطف الجياشة والمجاملات "المفبركة" مع الآخرين "أكثر نجاحاً من غيره" لأنه بشكل أو آخر يتخذ قراراته الشخصية تجاه العالم مستنداً على ما منحه الله عز وجل من قدرة التمييز بين الأمور, وهذه الأخيرة تكون أكثر أو أقل كفاءة وفعالية إستناداً الى مستوى تعويد الأنسان العادي لعقله على التفكير والتفسير العقلي لأغلب ما يواجهه.
العقل أو تلك الكتلة الدماغية المتواجدة في أعلى الجسد وتحويها جمجمة صلبة , هي ما يجب أن تقرر أخيراً "أسلوب الحياة" الذي يرغب الانسان في إتباعه, فإذا رغب البعض في أهمال ما يتمتعون به من قدرات عقلية ويلجأون لما هو أسهل أي "فلترة" العالم الخارجي خلال العواطف الجياشة والمتفجرة, فلا يتوقع أن يكون لديهم عقلا نشطا أو فعالا ولكن اؤلئك الأخرين الذين يرجعون دائماً الى عقولهم هم أكثر نجاحاً ورشاقة.
فالشخص الذي يعرف تماماً أن ما يمتلكه من عقل يمكن أن يتطور عن طريق التفكير المستمر والاستخدام الفعال للقدرات العقلية, وعن طريق تطوير هذه القدرات خلال التثقيف الذاتي والأستمرار في الاطلاع على أسرار الدماغ البشري, نقول هذا الفرد الذي يستند الى عقله في أغلب شؤونه الحياتية عادة ما يكون أكثر نجاحاً في تجاوز المعضلات والقفز فوق المصاعب والحواجز المعيقة لأنه ببساطة أكثر رشاقة من الناحية العقلية عن غيره, اؤلئك الملايين من بني البشر الذين يستمرون يهملون تدريب وتطوير عقولهم وتحقيق إستقلاليتها وحريتها من قيود الآخرين, ويستمرون رهائن طوعية لخزعبلات وفتن وشِباك الآخرين!
 

برقان73

عضو بلاتيني
اتركوا عنكم السياسية وركزوا على يومياتكم


خلافاً لما يعتقده البعض, لا يهتم كثير من أصدقائنا الاميركيين, وكثير من الناس العاديين في الغرب في الأمور السياسية الداخلية لبلدانهم, فليس لدى هؤلاء الوقت الكافي لاضاعته في ملاحقة الخلافات بين هذا أو ذلك الطرف في لعبة السياسة! فما يركز عليه الانسان الغربي بعامة هو كيف يؤمن معيشته بأفضل طريقة ممكنة, وكيف له أن يوفر مستلزماته وحاجاته اليومية من اكل وسكن وملبس,وهكذا, وهذا "العزوف" الطوعي عن متابعة السياسة ومشكلاتها وتعقيداتها المختلفة نتيجة لتراكم خبرات تاريخية أثبتت للانسان الغربي العادي أن السياسة عموما هى خليط مختلف ومتغير من الأراء والاراء المضادة تغلفها عادة خلافات ليس بالضرورة ان تكون لها علاقة مباشرة بالحياة اليومية للانسان العادي. وهكذا تجد الكثير من الاميركيين والغربيين لا يعطون أهتماماً كبيراً, أو لنقل لا يمنحون وقتهم الخاص والثمين لمتابعة أخبار سياسييهم, بل يلتفتون الى ما هو أهم بالنسبة لهم وهو كيفية تحقيق النجاحات الشخصية والأسرية في عالم صعب ومتغير.
المشكلة أن السياسة ومتابعة شؤونها في الكويت "اصبحت شغل من لا شغل له" فلقد تحول كثير من غير المؤهلين الى محللين سياسيين, وهم في الحقيقة لا يفقهون أبسط ابجديات العمل السياسي مهما كانت نوعية هذا العمل! الأفضل وفقا لما نعتقد هو ان يلتفت المواطن الكويتي العادي الى إدارة شؤون حياته اليومية بأفضل طريقة ممكنة وسط موجة غلاء عالمية أثرت على اقتصاديات دول متعددة.
فاستثمار الوقت الشخصي الثمين في "توزيع التحليلات السياسية هنا وهناك" لا يدل بالضرورة على فهم عميق للعمليات السياسة التي تجري في البلد, بل يشير بدلاً عن ذلك الى أن هذا أو ذلك الفرد ترك جانباً وطواعية, ما هو أهم بالنسبة لحياته اليومية, وهو محاولة إيجاد وسائل وطرق ناجحة لرعاية مستقبله الفردي أو العائلي, إذا كان رب أسرة. وليترك المواطن العادي السياسة والسياسيين فهؤلاء يمارسون ما يمارسون لأنهم متمرسون في ما يفعلون, ولأن السياسة هي حقل نشاطهم اليومي, وأما المواطن العادي فنشاطه اليومي يجب أن يكون مختلفاً تماماً عن السياسي.
فالمواطن العادي يجب أن يعطي جل اهتمامه لتطوير حالته الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية باتباع التفكير العقلاني واستغلال كل دقيقة في وقته لما سينفعه شخصياً, أو ينفع أسرته ! فالسياسة أو التعلق بالامور السياسية لدرجة الشغف لم ينفع الانسان العادي قط, بل عادة ما يسبب الكثير من الضغوط النفسية غير الضرورية ويؤثر بشكل غير مناسب على توازن الحياة اليومية, والتي يجب أن تدور حول الحياة الواقعية أي ما يحصل فعلاً منذ بداية اليوم الى نهايته! نتمنى أن يلتفت كثير من المواطنين العاديين نحو عيش حياتهم اليومية بأفضل طريقة ممكنة لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق الانجازات الفعلية والملموسة, وأما غير ذلك فهو عادة ما يُهدر الوقت الثمين الذي يجب ان يُستغل لمناقشة أمور حياتية يومية أهم كثيراً من السياسة.
 

برقان73

عضو بلاتيني
الحرية "غصة" في الحلق


كم هي جدلية "الحرية الشخصية" في المجتمع العربي? فلا نعتقد أننا سنبالغ كثيراً إذا أصررنا على أن الحرية الشخصية والفردية, أو ما يطلق عليها بعض الأحيان "حرية الاختيار" لا زالت تعتبر "غصة" في حلوق البعض لا يستطيعون بلعها مباشرة, ولا يستطيعون هضمها كذلك, وخصوصا إذا كانت تلك الحرية الشخصية تعود للآخرين! فلا يزال هناك كثير من المتشددين (وليس بالضرورة أن يكونوا دائماً من »المتشددين الدينيين« في المجتمع العربي التقليدي يعتبرون "الحرية" بكل تفرعاتها ومعانيها الحقيقية ذلك الشبح أو ذلك المخلوق المخيف الذي يمكن أن يطاردهم في أحلامهم, ويتحول إلى كابوس يومي! الحرية الشخصية أو محاولة بعض "الأحرار" في المجتمع العربي التقليدي الحفاظ على ما يعتبرونه حقهم الطبيعي والبدهي لا زالت مسألة جدلية في مجتمع هو مع الأسف من المفروض أن يكون وريث أعرق الحضارات الإنسانية الشرق أوسطية.
الحرية "غصة" في حلوق البعض لأنها ببساطة تنتزع منهم تلك الغريزة الأنانية بالرغبة في السيطرة على شؤون الآخرين الخاصة والعامة. فالحرية أو من يطالب بها تسحق "الأنا" المتضخمة عند البعض, وتُحَجمها وتحسُرها في حدودها الطبيعية. الحرية هي تلك المنطقة الشخصية والشديدة الخصوصية, والتي تحيط بالفرد العادي وتفرق بينه وبين الآخرين, أي أنها مثل الحدود الجغرافية لوطن معين يجب أن يقاتل الإنسان من أجل الحفاظ عليها من تعدي الآخرين, ويصد عنها تدخلاتهم. والحرية كذلك "غصة" لأن الخصوصية والحرية الفردية وحرية الاختيار عادة ما تتحول إلى لقمة كبيرة الحجم لا يستطيع النهمين والأنانيين والشرهين ابتلاعها, فهي لا تدخل أزوارهم, بل تظل معلقة في الحلق تمنع عنهم التنفس, ولهذا فعادة ما يتحول وجه من يحاول اغتصاب حريات الآخرين إلى قدر ساخن يغلي ويفور دائماً !
حريتي الشخصية وما منحني إياه الله تعالي من حرية الاختيار كانسان عادي ستستمر غصة في حلق من يطالب بأخذها مني, وسواء حاول البعض التبجح بكل الإشكال, ومهما حاولوا قدر استطاعتهم أن ينتهكوا حريتي الشخصية بأي شكل من الأشكال فاستمر صامداً كالجبل لا أتزحزح! فإذا سمحت لكل من هب ودب أن يتعدى على حريتي الشخصية, ولو لأنش واحد, ولو بقدر بسيط لا تراه العين المجردة, فلقد تخليت طوعياً وبشكل تلقائي عما هو ملكي وليس ملك الآخرين, كان من كان أو كان ما لم يكن, فليحذر من يريد الاعتداء على حريات الآخرين والاستيلاء عليها ولا يقرب مما يعتبره الآخرون حرياتهم الشخصية لأن النتيجة الحتمية لهذا الأمر هي الموت اختناقا أو بسبب ضيق التنفس !
 

برقان73

عضو بلاتيني
ديمقراطية قوية وليست خاوية


تذكر الكثير من المصادر أن »التعليم« عادة ما يعتبره العقلاء والناجحين مُمَكِّناً وعنصراً إيجابياً يجعل الأنسان قادراً على تحقيق طموحاته, وأهدافه المستقبلية في التقدم والتطور والرقي الشخصي ,والاجتماعي, ويطلق على هذا المفهوم »Empowerment« ويعني »تمكين« الفرد من تحقيق الانجاز في مجال حياتي معين, وكذلك »الديمقراطية« تُخول الفرد والمجتمع والدولة التي تتبناها كوسيلة ستيراتيجية تحقيق مختلف التطلعات الايجابية السلمية والمثمرة. فالنظام الديمقراطي أي كل ما يعنيه مصطلح الديمقراطية غالباً ما يدل على تعزيز الفرص الحقيقية بالنسبة للأنسان وللمجتمع من أجل وضع اللمسات الأخيرة على المشاريع التنموية والتطورية, وتفعيل الاهداف الشخصية والمجتمعية لكي تتحقق على أرض الواقع, أي بشكل ملموس يراه ويخبره من يشترك في العملية الديمقراطية. ما نريد أن نراه يتحقق في الكويت هو الديمقراطية مانحة للفرص ومقوية لوحدتنا الوطنية, وليست خاوية الانجاز ومدوية تملؤها الاصوات الهادرة لأن هذا الهدف الستيراتيجي الديمقراطي هو السبيل الوحيد والوسيلة الفعالة لعيش الحاضر بشكل فعلي, والاستعداد للمستقبل في عالم متغير! وبالطبع ففي مقدور البعض المجادلة والجدل الى ما لا نهاية بشأن ماهية الديمقراطية الصحيحة, أو الخطأ وفق زعمهم, بل يملك الجميع الحرية في تصور الديمقراطية كيف ما يشاؤون, ولكن ما يتفق عليه جميع المهتمين بالديمقراطية هي أن هذه الأخيرة يجب, وفي وقت من الأوقات, أن "تدر" وتمنح الفرص المتجددة وتسهل آخر الأمر عملية تحقيق الاهداف الاقتصادية والتعليمية والتنموية بمختلف أنواعها. أي أنها وإن كانت مساحة مفتوحة لتداول مختلف الآراء بشأن مختلف القضايا المحلية الا انها أيضاً مساحة محدودة تحسرها وتحدها "المحصلة الأخيرة" للعملية الديمقراطية وهي: التنفيذ والانجاز والتحقيق وملامسة الأماني والتطلعات الوطنية في الواقع. ولقد ذكرنا في بداية المقال أن "التعليم" سيُمكن الانسان من ان يتطور على مختلف الصعد الشخصية والحياتية التي يرغب في الانجاز فيها, وكذلك هي (الديمقراطية) شبيهة الى درجة كبيرة لما يتوقعه المرء أن يحدث في العملية التعليمية: فما إن يبدأ الانسان في مسيرة التعليم حتى يبدأ يستخدم الطرق والوسائل التعليمية المختلفة لتحقيق خبرات جديدة, وإنتهاء بتطوير مهارات معينة وكشفه عن قدرات شخصية لم يكن يدركها من قبل! فالديمقراطية تُعلم الفرد العادي والمجتمع كيفية إستخدام "حرية التعبير" مثلاً لأيصال الآراء من أجل المساهمة الايجابية, وكذلك من المفروض أن تدرب الفرد العادي على قبول الآراء المعارضة إذا كانت تشير الى حلول أكثر عملية ونجاحاً. ففي هذا السياق الديمقراطي التعليمي والمشترك, إذا شئتم, يتمكن الانسان العادي والمجتمع ككل من تحقيق خبرات جديدة تفرز إنجازاً وتنفيذاً حقيقياً لما يراد إنجازه وتحقيقه. واخيراً يعرف من يحاول تحقيق بعضا من الحكمة (لأنه لم يوجد بعد على سطح هذا الكوكب إنسان عادي حقق الحكمة بشكل كامل) نقول يعرف الكثير من العقلاء والرزينين أننا هنا في الكويت, وعبر مسيرتنا التاريخية الحافلة بالانجازات, والتي تمتد لقرون, حققنا ما عجز عن تحقيقه بعض الآخرين, فلقد توصلنا عبر جهودنا الوطنية المشتركة الى قبول العملية الديمقراطية كمعيار أساسي يحكم تجربتنا الوطنية الخاصة, وحري بنا بالطبع الا يغيب عنا ما حققناه في الماضي حين فعلنا الوسائل الديمقراطية لإنجاز ما نتطلع اليه ان يتحقق لنا كأفراد وكمجتمع, وما نريده أن يتحقق الآن هو ديمقراطية مانحة ومقوية ومعززة للفرص تنقلنا من حاضر راوحنا فيه طويلاً الى مستقبل مزدهر لا زالت تختزنه ذهنيتنا الوطنية وتتأمل بتحقق, فلعل وعسى. * كاتب كويتي
 
أعلى