ماساة الذات الانسانيه
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-
عندما خلق الله عزوجل هذا الكون ، خلق فيه مالانهاية له ومالايستحيل علي العقل ادراكه او تحديده من المخلوقات . ولعل اعظم مخلوق في هذا الكون هو الذات الانسانيه ، أي الانسان الفرد ، الانسان الواحد المفرد بذاته .
والذات الانسانيه الفرديه مكتوب عليها الشقاء والعذاب والمعاناة في هذا الكون ، وهو امر لافكاك لها منه ولاخلاص ، فالمعاناة والموت هما مصيرها المحتوم ان عاجلا ام اجلا ، فالذات الانسانيه معرضه ، في حياتها ، الي شتي صنوف العذاب والشقاء والمعاناة ، من امراض جسمانيه وعصبيه ونفسيه ، وشعور بالاحتياج والرغبات والمطالب لايمكن اسكاته ابدا بل ويستحيل اسكاته ، والفقروالخوف والتوترومرض الموت والاعتداء ومختلف انواع الحوادث وفقدان الاحبه والاعزاء والحرمان والدمار الجسدي وسقوط جسم ثقيل عليها والاصابات والمصائب والشلل والاعاقه وضعف الجسم وعجزه عن الحركه مع الاضطرار للبقاء مدي الحياة طريح الفراش والسرير او كرسي الاعاقه ، وماالي ذلك من صور للمعاناة القاسيه المريره تعانيها حتما الذات الانسانيه في حياتها والتي لايمكن حصرها ، اضافة الي الموت المحتوم .
ان الاخطار ، من مختلف الاشكال والالوان والانواع ، تحيط ، من كل صوب وحدب ، بالذات الانسانيه .
لقد مر علي هذا الكون العجيب المثير مليارات من الذات الانسانيه الفرديه ، والتي عانت في حياتها شتي صنوف الويلات والمعاناة ، ثم سارت الي مصيرها المحتوم وهو الموت ، وتعيش الان الميارات من الذات الانسانيه الفرديه ، تعاني في حياتها من شتي صنوف وانواع والوان المعاناة القاسيه المريره ، وتنظر مصيرها المحتوم وهو الموت ، والمساله هي مسالة وقت فقط ، لااكثر ولااقل ، وهناك المليارت من الذات الانسانيه الفرديه تنتظر دورها في المعاناة القاسيه البشعه المؤلمه ، لتعاني بمنتهي القسوه ، ولتسير نحو المصير المحتوم وهو الموت ، وهناك المليارات من الذات الانسانيه الفرديه لم تاتي بعد ولم تولد،والتي ستاتي ، بعد حين ، الي هذا الكون الرهيب ، لتعاني الامرين ، ثم لتاخذها طريقها المرسوم لها سلفا وهو الموت .
ورغم تعدد المخلوقات ، الا ان الذات الانسانيه تبقي هي اعظم مخلوق بالكون ودون منافس اومنازع ، فالمجتمع مثلا ، هو ماهو الافكره عقليه مجرده ، لاوجود عيني حقيقي له ، فالمجتمع ليس له جسم نعرفه به ولاكيان له ، ولايستطيع شخص ايا كان ان يشير باصبعه الي المجتمع ويقول لنا ان هذا هو المجتمع وانه يسكن في المكان الفلاني ، فالمجتمع كفكره عقليه مجرده لايمكن حصرها بزمان ومكان معين .
والمجتمع وكل ماهو مجرد لايتالم ولايتعذب ولايجوع ولايسهر ولايصاب بالارق ، ولايشعر بالقهر والظلم والخوف والفزع والهلع ، وشتي صنوف الاوجاع والالام ، بينما الانسان الفرد ، الانسان الذات ، هو الموجود الحقيقي ، والموجود العيني ، وهو من يمكن ان يشار اليه بالاصبع وان نقول ان هذا هو فلان الفلاني ، بجسمه وكيانه ولحمه ودمه ، فالذات الانسانيه هي الوجود الحقيقي والعيني ، وهي التي يمكن حصرها في الزمان والمكان .
كما ان الذات الانسانيه بالاضافة الي انهاهي محل العذاب والمراره والمعاناة في الدنيا ، فهي ايضا محل الحساب ، امام الله تعالي ، يوم القيامه .
فالانسان الفرد محاصر في الدنيا ، محاسب في الاخره ، وهذا هو حال الذات الانسانيه .
والذات الانسانيه هي محل كل صنوف وانواع العذاب والالام والماسي الموجوده في قوانين الكون وسنن الطبيعه ، فهي محل الشر والالم وموقعه ، اذ ان العذاب والالام والامراض والجوع والعطش والفناء والدمار وقابلية الجسم الانساني للتلف ، وشتي صنوف المعاناة الانسانيه الماساويه انما تقع علي الذات ، فالفقر والتحسر والعذاب النفسي والحرمان والاحتياج والشعور بان شيئا ما ينقصنا وارتكاب الجرائم وماساويتها ، والعذاب من اجل عذاب وحال من يهمنا امرهم ، والتعرض لشتي صنوف الخطر والاتلاف والهلاك والاهلاك ، والتعرض لمخاطر الطبيعه والكوارث الطبيعيه ، والموت وقسوته ومرارة معاناته ، وغيرها من الالام وشتي صور العذاب المرير القاسي ، جسميا كان ام نفسيا ، انما محلها الذات الانسانيه ، وليس المجتمع ولاالاشياء .
فالذات الانسانيه هي التي تعاني العذاب وتتالم وتعاني الشقاء وشتي صنوف العذاب ، وهي التي تشعر بالعذاب والالم والمعاناة ، ومرارة قسوة الوجود ، وبشاعة اوجاعه ، والذات الانسانيه ، هي التي تتعذب وتدري انها تتعذب وتدرك ذلك تماما . فهي تعاني بسبب العذاب اللذي تتعرض له ، وتتعذب لانها تدري وتدرك انها تتعذب وتعاني وان عذابها محتوم ولامفر منه ، انها ماساة حقيقيه لامفر منها ان تتعذب وان تدرك انك تتعذب وتعاني ، وان تعيش وتدرك انك لامفر لك ولامهرب من المعاناة في الحياة و الموت ، وانه لامفر ولامهرب من هذا المصير المحتوم .
ان من لايعاني ولايتالم ولايكابد الشقاء القاسي والاوجاع المفجعه المريره الان وفي هذه اللحظه ، ومن لم يمت الي الان ، يدرك ويعي تماما ودون ادني شك ابدا ابدا ابدا ، انه لابد من يوم اتي لاريب فيه ، سيعاني وسيكابد المشقه والالام والمراره والاوجاع والامراض والحطام وتلف الجسم وسقوطه وانهياره ، وايضا الموت المحتوم .
فليس المجتمع وليست الاشياء ، ولاالعالم الخارجي المحيط بنا هو اللذي يتالم ويتعذب ، انما الانسان الذات هو محل العذاب ومكان ممارسة الشرالموجود في هذا الكون ضده .
ومن صور الماساة التي تعانيها الذات الانسانيه ، هي ان وجودها العيني اللذي تتوق اليه بطبعها وتتعطش له ايما تعطش ، وتدافع عنه ماوسعها الي ذلك سبيلا ، وتتمسك به بشتي الصور والطرق والسبل واللذي تسعي لتجميله واظهاره باحلي حله وازهي طلعه بهيه ، انما هو وجود محدود تماما تماما ، في هذه الدنيا ، اذ ان وجودها العيني المدرك الواعي محدود تماما ، محدود بيوم ميلادها وبيوم موتها ، ولذلك فان من صميم الذات الانسانيه ، هي ان تتمسك باظافرها واسنانها بهذا الوجود وتخشي ان تفقده ، وتتالم ان هي رات الاخر وقد فقد وجوده بالموت ، او كاد ان يفقد وجوده ، لانها تدرك عندها ان مصيرا محتوما لاتستطيع ازاءه عمل شئ ينتظرها ، وهذا مايسبب لها الالم والعذاب والمراره .
فمن صميم طبيعة الذات الانسانيه هي الميل نحو الحياة والخلود والبقاء ، ممثلة في وجودها العيني المدرك والواعي ، والتمسك به والخوف لدرجة الرعب والذعر من فقدان الحياة والبقاء ، كما ان الذات الانسانيه الفرديه تعاني ماساة حقيقيه اخري هي ماساة وجوب الدفاع والتمسك عن وجودها المدرك بكل الطرق والسبل ، فهي من جهه تخشي من فقدان وجودها العيني المدرك ، بسبب الاخطار اللانهائيه المحدقة بها والتي تؤدي الي تدميرها واتلافها ومن ثم اهلاكها ، ومن جهة اخري هي مجبره علي السعي والكدح والكفاح من اجل الابقاء والمحافظة علي استمرارية وجودها هذا ، وهي عمليه شاقه صعبه تؤلم الذات الانسانيه وترهقها ايما ارهاق . ويتمثل الذعر والهلع والرعب المحيط بالذات الانسانيه من فقدان وجودها المدرك والواعي بسبب الموت، علي اعتبار ان الموت هو انعدام الوعي والادراك انعداما تاما .
ومحدودية الوجود المدرك الواعي للذات الانسانيه في وجودها العيني المحض ، ادي بها الي ماساة اخري ، غير ماساة الخوف والذعر والهلع من فقدانه ، وهي ماساة الاغتراب ، اواغتراب الانسان ، بمعناه الوجودي .
والاغتراب الوجودي للانسان يمثل صوره من ابشع صور الصراع والعذاب والشقاء اللذي تعانيه الذات الانسانيه ، اذ انه يتجسد في هذا التناقض المريع والمرعب ، بين ذات الانسان التي تتصف في ادق صفاتها بالتناهي ، بينما تجد نفسها تعيش وسط كون ووسط تجدد لجنسها يتسم باللاتناهي ، وهذا اللاتناهي بعيد كل البعد عن وعيها وادراكها ، اذ ان الذات الانسانيه ، تتصف بالتناهي ، وهذا يبعث الرعب والهلع والذعر في نفسها وفي اعماقها الخفيه ، بينما هي وسط خضم لامتناهي وتعجز كل العجز عن ادراكه او وعيه ، ومن هنا ينشا الرعب الخفي والشعور العميق بالاغتراب الذاتي جراء هذا التناقض المريع بين التناهي واللاتناهي .
ومن اشد صور المعاناة المريره التي تعانيها وتكابدها الذات الانسانيه ، هي مسالة الصراع الازلي من جهه والخالد من جهة اخري ، بين الذات وبين الاخر ، فالانسان في صراع مستمر لاينتهي ولايتوقف بين الانسان واخيه الانسان ، فالذات الانسانيه مياله بطبعها الي الصراع مع الاخر ورفضه ونبذه والعمل علي اقصائه ، فالانسان اذي للانسان ودمار وشقاء له ، وليس هناك انسان لم يعاني بسبب انسان اخر ، هذا مستحيل ، وليس هناك انسان ليس في حالة صراع مع انسان اخر ، وهو وان حسم صراعه ، بصورة او باخري مع انسان بعينه ، فماهي الا لحظات وتجده قد دخل في صراع مع انسان اخر .فصراع الانسان مع الانسان واستمراريته وتجدده امر حتمي لامفر منه ولامهرب ، اذ انه صوره جليه من صور معاناة الذات الانسانيه في حياتها .
ان الملايين ، بل ان مالاحصر له ولااحصاء من الاخطار ،التي تحيط وتهدد وجود الذات الانسانيه ، موجوده علي مدار الساعه في هذا الكون ، وفي كل مكان ، تتربص بالذات الانسانيه ، من اجل الفتك بها وتحطيمها والتسبب لها في معاناة علي قيد الحياة او بالموت ،ان مالاحصر له من الاخطار والمدمرات تتربص بالذات الانسانيه بمنتهي القسوه والشراسه التي لاهوادة فيها ولاامل في الخلاص والنجاة منها .
والذات الانسانيه في حالة معاناة مستمره ومكابده عنيفه ايا كان وضعها في الصراع ، ففي جريمة القتل ، فان الذات الانسانيه سواء كانت قاتله اومقتوله ، فهي معذبه تعاني الالم والمراره والشقاء العنيف والياس الرهيب المرعب ، فالذات الانسانيه المقتوله قد صارت مقتوله وجاء دورها ولقيت مصيرها المحتوم نتيجة وجودها الهش ، والذات القاتله ، ليست منتصره لا ولاغالبه ، فهي تعاني العذاب والارتعاش والسجن والهروب من العقاب والرعب والخوف ، والذات الانسانيه القاتله تعاني العذاب المرير لارتكابها جريمة القتل ،وهذا العذاب من نفسها لنفسها ، فالانسان القاتل يشعر انه قاتل ويتنبه لكونه قاتلا وهذا يؤلمه أيما الم ويعذبه ايما تعذيب ، ويجعل شبح القتيل ماثلا امام عينيه ابدا ، هذا ان فلت من العقاب ، كما انه مرعوب مذعور من العقاب القانوني اللذي ينتظره ، طبعا نحن ننظر بتجرد الي الذات الانسانيه ، وهي تساق الي المحاكم بتهمة قتل ذات انسانيه اخري تتصف بنفس صفاتها في الوجود الكوني ، وتعاني من نفس معاناتها ومصيرها وياسها وانعدام املها ، والذات القاتله، باعتبارها ذاتا انسانيه ، تعاني الامرين من رعب وذعر وعذاب وشقاء وخوف وهلع من لحظة انتظار تنفيذ حكم الاعدام فيها ، وتعاني عذاب الاعدام ورعبه وذعره وهلعه وقسوة الموت وانتظاره ، فالذات القاتله هي ذات انسانيه لذلك فهي ليست بمناي عن العذاب المحتوم والمصير الاسود الماساوي البائس للانسان في هذا الكون المرعب الرهيب المظلم .
فالذات الانسانيه التي لازالت علي قيد الحياة معذبه معذبه ، ولايمكن لها الا ان تكون معذبه ، قاتلة كانت ام مقتوله .
فمثلما كان وجود الذات الانسانيه المقتوله هشا ، فان وجود الذات الانسانيه القاتله ، هو الاخر بدوره يعتبر، وجودا هشا .
فالذات المقتوله والذات القاتله ، كلاهما يعاني الامرين ، ويكابد الخوف وقسوة الموت ورعب وذعر انتظاره ، وكلاهما يسيران الي المصير الانساني الاسود الماساوي المحتوم ، لافرق بين ذات قاتله وذات مقتوله .
ويتسم الوجود العيني للذات الانسانيه بسمه مشتركه ، تجمع بين كل ذات انسانيه ، ايا كان شانها ومكانتها وجنسها واصلها وفصلها ومكانها وزمانها ، وهي ان وجودها العيني هذا هو وجود هش ، فوجودها معرض للخطر والفناء والزوال والاتلاف والتدمير ، باية لحظه وباية وسيله وبملايين الوسائل . كما انها معرضه لشتي صنوف وانواع المعاناة والبلاءات والالام والاوجاع والشقاء والعذاب ومن ثم الموت .
وفي مقابل هذا الوجود الهش وهذه القابليه المفتوحه للدمار والهلاك والمعاناة ، نجد عجزا وشللا وعدم قدرة الذات الانسانيه علي فعل شئ ذا قيمه او الدفاع عن مصيرها المحتوم بالمعاناة بصورها المختلفه من مرض وشلل واعاقه وفقدان حاسه من الحواس والحرمان والفقر والسجن والعدوان عليها ،،،الخ او بالموت والهلاك ، فالذات الانسانيه ان هي فعلت مهما فعلت ، وحاولت مهما حاولت ، وارادن مهما ارادت ، فلامجال ابدا للخلاص من معاناتها المريره علي قيد الحياة ومن معاناتها المحتومه بالموت ، فهي لاتملك شيئا ، أي شئ ذاقيمه او يمكن ان يخلصها ، امام مصيرها الماساوي المحتوم بالمعاناة في حياتها او بالموت . انها الماساة الوجوديه للذات الانسانيه باجلي صورها واكثرها وضوحا ومرارة وعناءا وشقاء .
فالذات الانسانيه ، معرضه ، باية لحظه من لحظات وجودها العيني المدرك ، للمعاناة ، التي قد تبقيها في معاناة ماساويه حقيقيه ومكابده موجعه مؤلمه ، مابقي لها من عمر ،او للموت والهلاك ، انها هشاشة وجود الذات الانسانيه باوضح صورها .
وكأن الحياة نفسها مرض مزمن لاعلاج له ، والدليل ان الحياة تنتهي بالموت ، كما المرض المزمن ، فعندما يمرض شخص ما مرضا قد يودي بحياته ، ويتم علاجه ، فانه يفرح ويستانس ، وكأنه سينجو من المعاناة ومن الموت ، او كأن الموت ، ولانه شفي ، سيتركه لحال سبيله ، ومادري ان الموت يتربص به ريب المنون ، رغم شفائه المؤقت ، لكن المهم بالنسبة للذات الانسانيه ، هو الاتعاني والاتموت ، هنا والان ، وكأن لسان حالها يقول ، انه طالما لابد من المعاناة والموت ، فعلي الاقل ليس هنا وليس الان .
ومن غرابة هذه الذات الانسانيه ، هي انها ورغم حتمية مصيرها ، ممثلة في ماساة المصير الانساني المحتوم مع المعاناة بكل صورها وهي لازالت علي قيد الحياة ، او الموت ، ورغم وعيها وادراكها التام ، ان المعاناة قادمه لامحاله وان الموت والهلاك يتربص بها ، وانه لامفر لامفر لامفر لها من هذا المصير الماساوي المحتوم ، الا انها تقاوم وتقاوم وتقاوم بمنتهي القسوه والشراسه والاصرار ، تقاوم رغم ان الياس يفترسها ويستحيل انكاره من النجاة من المعاناة بكل صورها علي قيد الحياة وانه امر لامفر منه ، ورغم استحالة نجاتها من الموت ، ورغم ادراكها ووعيها التام لهذه الحتميه التي لامفر منها ، الا انها تقاوم وتقاوم وتقاوم ، وتجدها تتمسك بالحياة اني استطاعت الي ذلك سبيلا، انها تقاوم الموت والمرض والاعاقه والشلل والالام والامراض والفقر والحرمان والاخطار واسباب الهلاك ، وتتمسك بالحياة وتقدسها وتجملها ، تقاوم رغم الياس اللذي لامفر منه ابدا، ورغم انها تسير ، لامحاله ، الي مصيرها المحتوم ، انها الذات الانسانيه ، لغز الوجود الدائم ، واعتي اسرار الكون ، واكثرها استعصاءا علي الفهم والحل .
فرغم انه لاامل في النجاة والمفر من هذا المصير المحتوم ، ورغم ان الياس ملموس ومحسوس ومفروض ولامفر منه ، فالذات الانسانيه امام ياس حقيقي وامل عقلي مجرد ، امام ياس مضمون وامل محتمل ، الا ان الذات الانسانيه تعمل وتشتغل وتطور وتسعي لتدعيم وتعزيز بقائها علي قيد الحياة اطول واطول مده ممكنه وبشتي الطرق والامكانيات ، ورغم الياس اللذي لامفر منه ، ورغم انعدام الامل في النجاة الا ان الذات الانسانيه تحاول جاهدة اطالة مدة بقائها في هذه الحياة المدركه وهذا الوجود الواعي اللذي تعيشه ، وهي ورغم الياس تبحث عن المتعه والتسليه والرفاهيه والسعاده ، اذ ان الذات الانسانيه هي الكائن الحي وغير الحي الوحيد ، في هذا الكون ، اللذي يدرك وجوده ويعيه ، ويدرك حتمية المعاناة والفناء والموت .
وهذا مامنحها ميزة وسمه ، ليس مثلها من يمتلكها ، من بقية الموجودات ، الامر اللذي جعلها ذات طابع متفرد ومتميز ومبدع في نظام الكون ليس له مثيل .
والذات الانسانيه تستمر وتستمر دون توقف ، بالمقاومه الشرسه ضد كل اسباب هلاكها وافنائها ، رغم الياس من الانتصار النهائي ، ورغم ماساوية المصير وحتميته ،الا انهاتقاوم الي ان يفتك بها ماتعمل بداب ودون توقف لتاخيره وللهرب منه .
ان الذات الانسانيه ، في حالة هرب ومقاومه مستمره ، من كل مالامهرب منه ولامفر .
ان ديدن الذات الانسانيه ، هو الاتموت الان وهنا ، والا تعاني الان وهنا، اذ انه رغم ادراكها ويقينها بانها ميته هالكه لامحاله ، وانه لامفر من المعاناة مع البقاء علي قيد الحياة ، لكن المهم لديها هو الاتعاني الان وهنا ، والاتموت الان وهنا ، فان كان لابد من المعاناة علي قيد الحياة ، ولابد من الموت ، فاقله ، ليس هنا وليس الان ، وهكذا نجد ان الذات الانسانيه في حالة كفاح ومكابدة مستمره لاتفتر ولاتتوقف ، ضد المعاناة علي قيد الحياة وضد الموت ، ليس من اجل الخلاص نهائيا منها اذ لاخلاص ابدا ابدا ابدا ، من المصير المحتوم ، ولكن من اجل تاجيله فقط لاغير ، فالمهم الا تعاني الذات الانسانيه هنا والان ، والمهم الاتموت هنا والان .
ان الذات الانسانيه تسعي ماوسعها السعي وبمنتهي القوه والشراسه والاصرار ، من حيث تشعر او لاتشعر ، من حيث تدري او لاتدري ، الي تاجيل هذا المصير المحتوم بالمعاناة والموت ، والا تكون معاناتها او موتها هنا والان ، ان كان لابد ولامفر ولاخلاص من المعاناة والموت .
ان هذا مايسعي اليه كل انسان في حياته ، ادرك ذلك ام لم يدركه ، كان واعيا به ام لم يكن واعيابه .
كم انت مسكينه ايتها الذات الانسانيه .
كتبه من ضيقة الخلق // اللبن الجامد