بعدما بينا بفضل الله تعالى من كلام باقر الحكيم حول تبيان القرآن أن الإعتماد على الروايات في فهم القرآن الكريم خطأ كبير (( ولذا فلا مجال لادعاء أن هذا المضمون القرآني لا نفهمه إلا من خلال الروايات عن الائمة (عليهم السلام)، وحينئذ يكون مبينا بعد فهمه من خلال الروايات )) وقوله (( ومثل هذه الاوامر تكون أوامر لا فائدة منها لو فرضنا بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يفهم مباشرة، إلا بالاستعانة بالروايات والاحاديث الشريفة، خصوصا وأن هذه الروايات لم تأت إلا في عصور متأخرة )) ينظر المشاركة الفائتة , وهذا يرد على قول الموسوي زميلنا بأن الأصول تؤخذ من الكتاب والسنة والعقل والباب الآخر الذي ذكره أو كما قال , لأن الفهم لابد أن ينبع من القرآن الكريم دون غيره وإلا لما كان القرآن تبيانا لكل شيء .
وقد ادعى زميلنا الموسوي بأن الإمامة ركن في القرآن ولكنه مجمل وتفصيله في السنة حاله حال الصلاة , فكما أن الصلاة وردت في القرآن الكريم في آيات محكمات , فإن التفصيل جاء في السنة فقال ما نصه :
وهذا قياس فاسد لاعتبارات كثيرة منها :
1- أن الصلاة ذكرت في الآيات المحكمات في أوامر إلهية يحيث لا يشتبه إنسان في كونها للمسلمين أم لغيرهم مثل قوله تعالى (( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ))[النور/56] , فالصلاة مذكورة ولم تذكر إمامة علي أو أحد من أبناءه ولو بكلمة واحدة في القرآن الكريم في آية محكمة ولو مجملة , بينما الآيات التي اقتبسها الموسوي في حق أمم قبلنا وأنبياء فالقياس هنا قياس مع الفارق وهو فاسد الإعتيار.
2- أن الشيعة الإمامية أنفسهم يخالفون قول الموسوي المتقدم هذا , فلا يقيسون الإمامة على الصلاة بل يقيسونها على النبوة نفسها أو ربما أعلى منها , وهاك أقوالهم أقتبسها من كتاب ( إمامة الشيعة توجب الإعتقاد بتحريف القرآن ) ما نصه
قال ابن بابويه في (الاعتقادات)ص79: (( واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده - عليه السلام - أنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء)
ذكر الطوسي في (تلخيص الشافي) جزء4 ص131: [ودفع الإمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد].
ذكر ابن بابويه في (عيون أخبار الرضا) جزء1 ص231: [عن الرضا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:….إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك (لعلي) واصطفاني وإياك واختارني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي].
ذكر محمد رضا المظفر في (عقائد الإمامية) ص102 عدة أقوال منها: [نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالإعتقاد بها… كما نعتقد أنها كالنبوة لطف من الله تعالى… قال ص111: نعتقد أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص… وحكمها في ذلك حكم النبوة بلا فرق].
*** فمن هذه الأقوال يتضح أن علماء الشيعة يقيسون الإمامة على النبوة لا على الصلاة , ولعل كلام المرتضى الذي يلقبوه بعلم الهدى وهو يرد على القاضي عبد الجبار المعتزلي وذلك حين قاس المعتزلي الإمامة على الصلاة كي يتوصل بهذا القياس إلى كون الإمامة تكون بالاختيار وليس بالنص، فتفجر غضب المرتضى وردَّ عليه بعنف بمنعه أن تُقاس الإمامة على الصلاة، حيث قال ( إنما جاز ما ذكرته في الصلاة من حيث أمكن المكلف أن يصيب صفتها وشروطها ويميز صحيحها من فاسدها من جملة أفعاله ، والإمام لا يمكن مثل ذلك فيه ... على أن الصلاة لا يمكن فيها إلا النص على الصفة دون العين لأنها فعل المكلف ، ولها أمثال في مقدوره فلا يتميز له صحيحها من فاسدها إلا بالصفة والشرط ، والإمام يمكن النص على عينه على وجه يتميز به من غيره فليس يجب أن يكون حكم الإمام حكم الصلاة ... إنما أردنا بما ذكرناه أن نبين اختلاف حكم الصلاة والإمام في هذا الباب وأن الذي أوجب النص على الصفة دون العين في الصلاة غير حاصل في الإمام )) الشافي في الإمامة للسيد المرتضى (2/58-60)
فهل رأيت أعجب من هذا القول في نسف القياس بين الإمامة والصلاة , والإبقاء عليها بينها وبين النبوة , فالمرتضى نفسه نفى أي تشابه بين الصلاة والإمامة وهو يرد على القاضي المعتزلي , وأوضح فروقات كبيرة بينها وبين الصلاة وهي كافية لما سبقها في بيان مذهب علماء الشيعة الإمامية في عدم قياس الإمامة على الصلاة وقياسها على النبوة , وطبعا هناك فروقات أخرى من حيث أن الصلاة تفاصيلها كثيرة جدا , وأما ذكر كلمة علي أو إمامته لا تحتاج إلا إلى كلمات قليلة جدا بطريقة واضحة , فلماذا لم يذكر هذا الركن في القرآن كما ذكرت النبوة بنفس الطريقة ؟!!! طبعا لا جواب
خلاصة القول :
1- أن القرآن الكريم تبيان بنفسه دون الحاجة إلى الروايات أو العقل وإلا لتناقض القرآن مع نفسه وما كان لهذه النصوص معنى
2- أن قياس الإمامة على الصلاة قياس فاسد لا يصح من أوجه كثيرة منها قول علماء الشيعة أنفسهم , وإنما قياسها عندهم على النبوة , فيجب عليهم في هذه الحالة أن تذكر في القرآن نفس عدد مرات التي ذكرها القرآن الكريم في ذكر النبوة بناء على قولهم هم أنفسهم.
3- أن ذكر الإمامة لا يحتاج إلا لكلمات قليلة جدا بخلاف تفاصيل الصلاة الكثيرة جدا
وطالما أن هذا الإشكال زال أيضا , فلنا الحق في إعادة السؤال : لماذا لم ينص رب العالمين سبحانه على إمامة علي رضي الله عنه وابناءه في آية محكمة في كتاب الله تعالى كما الحال في النبوة ؟!!!
لماذا يحتج الشيعة بآيات متشابهة وردت في حق الأنبياء في محاولة لإرساء هذا الركن - عندهم - على الرغم من كون المحتج بالمتشابه من أهل الزيغ القلبي كما نص القرآن الكريم في آية محكمة ؟!!!
هل يكون ذكر وصية الميراث والقمل والضفادع وأحكام الحيض أهم من قضية تفصل بين الكفر والإيمان كما يعتقد الشيعة في مسألة إمامة علي رضي الله عنه ؟!!! بماذا يفسرون ذلك تلك الأمور وليست من أصول الدين أو أركانه وإختفاء النص المحكم في إمامة علي رضي الله عنه ؟